الفقه الميسر
كتاب الصلاة
(من الباب السابع المسألة السادسة إلى الباب التاسع المسألة الرابعة)
..الحمد لله وكفى..
وسلام على عباده الذين اصطفى..
لا سيما عبده المصطفى وآله المستكملين الشرف..
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة في النار، ثم أما بعد..
انتهينا في الكلام فيما يتعلق بأحكام صلاة الجماعة للمسألة السادسة:
وهي: إعادة للجماعة في المسجد الواحد، وذكرنا قول من قالوا بمشروعية ذلك (إعادة الجماعة) وفتيا لجنة الإفتاء في هذا المسألة..
* نستعرض باختصار بقدر المستطاع القول الآخر، المذهب الآخر الذي يرى كراهة إقامة الجماعة مرتين فأكثر في المسجد الواحد.
لكن قبل أن نناقش حكم هذه المسألة، لابد أن نبين أنه هناك أشياء متفق على عدم مشروعيتها في هذه المسألة..
فمما اتفق على عدم مشروعيته:
أولا: أن تتكرر الجماعة في مسجد واحد في آن واحد. فهذا مكروه للتشويش والإحداث وتفريق الجماعة.
وهذه يمكن يتورط فيها من يقولون يعني: بمشروعية..
أو يتحرج الذي يرى عدم مشروعية الجماعة، أنه بعد ما يسلم يجد من بجواره، أو واحد مسبوق يتخذه هو إماما، فالمسجد يقيم..
وممكن يكون مسجدا واسعا..
فلا يشعر الناس بعضهم ببعض، فواحد يقيم جماعة في الطرف الأيمن والآخر يقيم جماعة أخرى في نفس الوقت في الطرف الآخر.
فلا شك أن القول بعدم مشروعية تكرار الجماعة مرة ثانية، يسد هذا الباب، لأنها تتكرر ويقع الإنسان في حرج، حينما يشعر أن هناك جماعة أخرى في الطرف الآخر من المسجد
-على أي الأحوال..
..اتفق الفريقان على عدم مشروعية أن تتكرر الجماعة في مسجد واحد في وقت واحد، هذا مكروه للتشويش والإحداث وتفريق الجماعة.
ثانيا: أيضا اتفق الفريقان على عدم مشروعية أن يكون إعادة الجماعة أمرا راتبا:
-شيء الناس يواظبون عليه، فالمسجد الواحد تكون فيه دائما جماعتان تلي الثانية منهما دائما الأولى، كأنه شيء مستمر يذكرنا بما كان يقع من قبل في الحرم المكي الشريف وفي المسجد الأموي في الشام وأيضا في الجامع الأزهر.
حيث كان لكل مذهب إمام..
فتقام الجماعة أربع مرات، كل مذهب له جهة من جهات الكعبة المشرفة يأتي الحنابلة يصلون أولا، إمام الحنابلة يأتي فيصلي خلفه الحنابلة وأصحاب المذاهب الثلاثة في الجهة الأخرى منتظرون إمامهم، ثم يأتي إمام المالكية ثم إمام الشافعية ثم إمام الحنفية، فهذا منظر لا شك يتصادم مع روح التشريع والحرص على ألفة المسلمين ووحدتهم بجانب مخالفته للشرع الشريف.
إن هذا شيء راتب مستمر، فهذا تغيير لأصل مشروعية الجماعة وأن النصوص عندما تذكر فضل صلاة الجماعة فهي إنما تنصرف إلى الجماعة الأولى خلف الإمام الراتب، فطبعا تكرر الجماعة يعطي الكسالى فرصة ألا يحرصوا على جماعة الإمام الراتب لإنه سيعوض الجماعة إذا تأخر فكان يحصل هذا في الحرم المكي وفي المسجد الأموي والجامع الأزهر، ولم تبطل هذه البدعة إلا على يد الملك عبد العزيز حينما دخل مكة وأبطل هذه السنة ووحد المسلمين جميعا على إمام واحد إلى يومنا هذا.
ثالثا: أيضا مما اتفق على عدم مشروعيته إذا حصل أن أهل البدع، يعني أحد العلل التي ذكرها العلماء الذين كرهوا تكرر الجماعة وبالذات الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- ذكر أن من سبب أو أحد أسباب عدم مشروعية الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، جماعة الإمام الراتب، أن هذا يفرق لأهل البدع، يفتح لأهل البدع ثغرة ينفذون منها، لأن أهل البدع إذا كانوا يكفرون الإمام أو يفسقونه فلا يصلون خلفه، في نفس الوقت إذا وجدوا فرصة الجماعة الثانية فسوف يتعمدون التأخر حتى يصلوا هم بجماعة أخرى بعد الجماعة الأولى، فكأن هؤلاء الفقهاء أرادوا أن يسدوا الباب على أهل البدع حتى لا يحدثوا مثل هذا ممن يرغبون عن الصلاة خلف الإمام، ويتخذون لهم إماما يصلي لهم بعد الإمام الراتب.
-وإن كان لجنة الفتوى كما ذكرنا الأسبوع الماضي، الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وآخرين من العلماء، قالوا: تشرع الجماعة الثانية، لكن إذا شك في بعض الناس انهم من أهل البدع الذين يتعمدون التأخر حتى لا يصلوا خلف الإمام الراتب فتتخذ ضدهم الإجراءات لردعهم عن مثل هذا.
أي نعم.
إذاً، هذه الأحوال متفق على عدم مشروعيتها..
-نعود لأصل المسألة، وهو حكم إقامة الجماعة مرتين:
..العلماء انقسموا في ذلك إلى فريقين:
فريق يرى المنع من تكرر الجماعة في المسجد الواحد واختاروا أن من فاتته الجماعة الأولى فإنهم يصلون فرادى، ولا يصلون جماعة في مسجد قد صلي فيه الجماعة خلف الإمام الراتب.
ممن ذهب إلى هذا المذهب الإمام الثوري وابن المبارك ومالك والشافعي والليث والأوزاعي والزهري وأبو حنيفة وغيرهم..
الفريق الآخر يرى جواز تكرر الجماعة في المسجد الواحد وممن ذهب إلى هذا الإمام أحمد واسحق وداوود وابن المنذر وابن خزيمة وابن حزم والبغوي.
-انتبهوا، أن الفريقين يريان صحة الجماعة، لكن الكلام في الكراهة..
الكلام في الكراهة..
أما الأدلة التي استدل بها الفريق الأول الذي يرى المنع.
منع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، فقد استدلوا بقول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.. [ التوبة/107]
فرأوا أن الجماعة الثانية فيها التفريق بين المؤمنين وينبغي للجماعة ألا تُفرَّق، بل تجتمع على الإمام الراتب.
الدليل الثاني: الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم".
قالوا: فلو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة، لما ترك فضل الصلاة في المسجد النبوي.
- وأجيب بأن: هذا الحديث فيه عنعنة الوليد بن مسلم، وكان يدلس تدليس التسوية. وهو أقبح أنواع التدليس.
الدليل الثالث: استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حُزَم الحطب. ثم آمر بالصلاة فتقام. ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة" وهذا متفق عليه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: "..ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة".
لا شك أن كلمة "..الصلاة.." هنا اللام فيها للعهد.
"..لا يشهدون الصلاة..". هنا اللام لماذا؟ للعهد.
فهي المقصود بها الصلاة المعهودة، وهي الصلاة الجماعة الأولى خلف الإمام الراتب.
ولو كانت يجوز الجماعة الثانية، لكان لهم عذر في أن يكرروا الجماعة، وما كان ينبغي أن يعاقبوا بالتحريق.
فلو كانت الجماعة الثانية مشروعة، لما عوقبوا لأنهم تخلفوا عن الأولى. لأنه لو كان هناك جماعة أخرى، وهناك فرصة أخرى ليصلون الجماعة، لكان لهم عذر في ذلك.
واستدلوا بحديث أيضا: "لقد أعجبني أن تكون صلاة المؤمنين -أو المسلمين- واحدة حتى لقد هممت أن أبث رجالا في الدور فيؤذنون الناس بحين الصلاة".
وهذا رواه ابن خزيمة، وأبو داود وهو صحيح.
وفي الحديث أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن أتى المسجد فصلى في جماعة، غُفِر له. فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض، صلى ما أدرك وأتم ما بقي. كان كذلك..".
- يعني: كان له نفس هذا الثواب من المغفرة.
"..فإن أتى المسجد وقد صلوا، فأتم الصلاة. كان كذلك".
هذا رواه أبو داود وهو حديث صحيح
-يعني أن الإنسان إذا أتى المسجد ورأى القوم قد صلوا، فصلى وحده فإنه ينال نفس الثواب، ما دام معذورا في تأخره.
قال صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا".
وهذا رواه أبو داود والنسائي والإمام أحمد.
وفي حديث ابن مسعود الذي رواه مسلم في شأن صلاة الجماعة: "ولقد رأيتنا ونحن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
-ما يتخلف عن ماذا؟
عنها.
-فالمقصود طبعا الجماعة الأولى. الجماعة الراتبة.
..وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة، صلوا فرادى. ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة..).
-إذا أتوا مجموعة بعد الإمام الراتب فكل يصلي وحده. فرادى
(..فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة ف..)
-يعني فإن صلوا جماعة، فالجماعة صحيحة.
يقول: (..وإنما كرهت ذلك لهم، لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم).
وقال الإمام الشافعي أيضا: (..وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجال معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا. وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد. فصلى كل واحد منهم منفردا، وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين).
وعن إبراهيم: "أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا..".
-رأوا الناس خارجين من المسجد، فرغوا من صلاة الجماعة.
"..فرجع بهم..".
-أي ابن مسعود.
"..فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم صلى بهما".
-معنى هذا أنه يمكن أن يصلي جماعة. لكن خارج المسجد.
عاد بهم إلى البيت، أو إلى مكان آخر فيصلي بهم جماعة.
لكن في نفس المسجد الذي له إمام راتب فلا.
..وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه، صلوا فرادى.
وعن عبد الرحمن بن المجبر قال: دخلت مع سالم بن عبد الله مسجد الجمعة وقد فرغوا من الصلاة. فقالوا: ألا تجمع الصلاة؟ فقال سالم: لا تجمع صلاة واحدة في مسجد مرتين.
..قالوا أيضا: إن الجماعة الثانية تفرق الأولى..
-فيها تفريق لجماعة المسلمين.
..وتثبط الناس عن المبادرة إلى الأولى.
-لأن عنده فرصة أن يستدرك فيتهاون الناس في حضور الجماعة الأولى.
..وفي الحديث: "من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر".
-فالمقصود هنا أيضا الجماعة الأولى، الراتبة.
..وفي تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها.
وأيضا قالوا: إن هذا القول بمشروعية تكرار الجماعة يطرق لأهل البدع.
- لأنهم يتعمدون ألا يصلوا خلف أهل السنة، فيتعمدون التأخر ثم يأتون ويقيموا هم جماعة بإمامهم تعمدا كي لا يصلوا خلف الإمام الراتب، لأنهم مثلا يكفرونه. فهذا يفتح لأهل البدع الباب لمثل هذه الأشياء.
..هؤلاء المانعون كلامهم غير مطلق، إنما هو مقيد.
-الذين يمنعون أو الذين يقولون بكراهة تكرار الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب، لهم قيود. يعني هذا المذهب ليس على إطلاقه. لكن له قيود.
..أول هذه القيود:
أن يكون للمسجد إمام راتب.
-لابد أن المسجد يكون له إمام راتب.
..والإمام الراتب هو: من نصبه من له ولاية نصبه. من واقف أو سلطان أو نائبه.
-الشخص صاحب الوقف أو السلطان أو نائبه، هو الذي يكون عين هذا الإمام.
..فإذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيه.
-مثل المساجد التي تكون في المطارات مثلا، أو داخل الجامعة أو بمحطات القطارات أو على طريق المسافرين، لا يوجد..
إنما هو مسجد مبني (للذهاب والإياب)، الناس تروح وتجيء أفواج فيصلون فيه.
فمثل هذا ليس له إمام راتب..
..فلا يكره تكرار الجماعة بمسجد بني على ظهر الطريق ليس له مؤذن راتب ولا إمام معلوم، ويصلي فيه المارة.
-كما ذكرنا الأمثلة في المطار، في محطات القطارات، في داخل الكليات، في طريق المسافرين، فلا يوجد إمام راتب، لكن مسجد مبني وليس له إمام راتب، فهذا طبعا لا مانع من تكرار صلاة الجماعة فيه.
هذه أول القيود.
..القيد الثاني:
أن يكون الإمام والمقتدي مفترضين..
- الإمام والمقتدي كلاهما يصليان الفريضة.
لكن هناك استثناء إن ممكن يكون أحدهما مفترضا والآخر متنفلا.
لكن كلامهم هنا في هذا المذهب في حالة ما يكون الإمام والمأموم ماذا؟ كلاهما يصلي فريضة.
هذا أحد قيود المنع من تكرار الجماعة.
..القيد الثالث:
أنه لا كراهة في تكرار الجماعات في مساجد الطرقات التي لا إمام فيها، ولا مؤذن راتبا فيها..
وأنه يجوز في المسجد الذي له إمام راتب، لكن في الصلوات التي تصلى بدون الإمام الراتب..
- لأن أحيانا الإمام الراتب يكون إماما راتبا في صلوات معينة، مثلا: الصلوات الجهرية، أو المغرب والعشاء.
وهذا يحصل إن الإمام، هناك إمام راتب فقط في أوقات معينة، فيكون إماما راتبا جزئيا، وليس في كل الأوقات. في ما عدا ذلك فلا يوجد إمام راتب.
ففي هذه الحالة يمكن أن تكرر الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب خارج الأوقات التي يكون راتبا فيها.
نعم..
..وأخرج بحشل في تاريخ واسط بسنده، قال: رأيت أبا الليث بطراسوس يُعزَّى. قلت: ما شأنه؟ قالوا: فاتته الصلاة في جماعة.
-يعزونه من أجل هذه المصيبة: فاتته الصلاة في الجماعة.
.. والمزني -صاحب الشافعي- كانت إذا فاتته صلاة الجماعة صلى تلك الصلاة خمسا وعشرين مرة.
-وطبعا حزن السلف على فوات صلاة الجماعة، لا شك أنهم كانوا يقصدون الجماعة الأولى، جماعة الإمام الراتب وإلا لما حزنوا..
إذا كان يقدر يعوضها في جماعة ثانية وينال نفس الثواب، فما كان ليفعل ذلك.
..أما المجيزون، فقد استدلوا..
-الذين يجيزون تعدد الجماعة..
..استدلوا بحديث: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة" وفي رواية "بسبع وعشرين درجة".
-طبعا هذا نص عام. قالوا: هذا نص عام سواء كانت الجماعة الأولى أو الجماعة الثانية.
أما الفريق الذي يرى الكراهة، فيقول: إن الثواب المترتب على هذا إنما هو -هذا الفضل- إنما هو للجماعة الأولى مع الإمام الراتب.
..استدلوا أيضا بالحديث الذي فيه: "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فصلى معه رجل".
نلاحظ هنا: أن المتصدق هو من صلى فرضه. صلى مع الجماعة الأولى ثم قام يصلي مع من تأخر عن الجماعة الأم. فهو يتصدق على من فاتته الجماعة بثواب ست وعشرين درجة، فما للمتصدق والمتصدق عليه حال قيام الجماعة الثانية؟!
-فهنا المتصدق هو الشخص الذي ماذا؟ متصدق. يحسن إليه، فلن يكون متصدقا إلا إذا كان هو قد صلى مع الجماعة الأولى الفرض الخاص به، ثم صلى نفلا مع هذا الشخص المتأخر عن الصلاة.
هو يتصدق عليه، فهذا في حالة أن واحد صلى الفريضة ويصلي بعد ذلك نافلة.
لكن في حال تكرار الجماعة الثانية: من المتصدق ومن المتصدق عليه؟
فلذلك أجاب الفريق الذي يرى الكراهة، بأن هذه الجماعة، جماعة صورة.
يعني جماعة صورية وليست جماعة حقيقية.
فإن الذي فرغ من صلاته يكون متنفلا.
وهذه الصورة بالذات لم يكرهها أحد من العلماء.
إن واحد مع الجماعة الأولى صلى، ثم يصلي مع الشخص الذي جاء متأخرا.
إنما الكلام في الجماعة الحقيقية.
حيث يكون الإمام والمقتدي يجمعون..
وهم لم يصلوا قبل ذلك..
وهم لم يصلوا قبل ذلك.
لكن الحديث جاء في واحد يتصدق على المتأخر، فلماذا يتصدق عليه؟
لأنه أدرك الجماعة الأولى، فيصلي معه كنوع من الإحسان إليه، ففي هذه الحالة، هذه الجماعة جماعة من ناحية الصورة و ليست جماعة في الحقيقة.
لأن أحدهما مفترض والآخر متنفل.
وهذه الصورة لم يكرهها أحد من العلماء.
بجانب أن الحديث الذي ذكروه: "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فصلى معه رجل".
فهذه الواقعة واضح فيها إذن الإمام الراتب الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نفسه الذي يحرضه.
فنحن دائما نحتاط من الافتآت على الإمام الراتب أو الطعن في الإمام الراتب.
إن هذا يفتح الباب إن الناس الذين يكفرون الإمام أو يفسقونه من الخوارج أو أهل البدع، يتعمدون التأخر، فلما يكون هناك إذن الإمام، فلا شك أنه تزول هنا هذه الكراهة.
لن نكرر عليكم ما ذكرناه الأسبوع الماضي من فتوى العلماء علماء لجنة الفتوى، حينما أقروا بمشروعية تكرار الجماعة.
فهو الإنسان في دراسة الفقه، كلما ازداد اطلاعه، كلما اتسع أفقه، وكلما استطاع أن يعذر المخالف ويتعامل بمرونة مع الخلافات الفقهية.
لكن الذي ينفتح فقط على رأي واحد يكون هناك دائما نوع من التحجر والجمود في تفكيره.
فخلونا يعني في أثناء دراسة الفقه، نحاول نعمل عملية توسيع لمنافذ التفكير في المخ يعني..
الإنسان يفتح المنافذ، أي منطقة مسدودة هكذا يفتحها، كأفرع الشجر هكذا..
لأن دائما تجد التحجر والتعصب مع قلة الفقه، كلما ازداد الإنسان علما كلما اتسع أفقه بحيث يعذر المخالف له في مثل هذه القوا...
فليس من المعقول كلما أتكلم في قضية، تجيء لي عشر ورقات: كيف تقول كذا في الموضوع الفلاني وقد قال من العلماء: كذا وكذا..
نحن لسنا في موضع استيعاب كل شيء..
فيعني إن شاء الله نستفيد هذه الملكة بمرور الوقت بإذن الله تعالى..
لأن هناك بعض المدارس الفقهية من المدارس السلفية المعاصرة يعني يهمل دائما الأقوال المخالفة، يهملها، وبالتالي طالب العلم الذي ينصهر في هذا الشيخ، ليس مستعدا أن يرى أي رأي آخر.
إطلاقا.
ويبادر بالهجوم والاستدراك..
لأنه يضخم صورة شيخه وينفخ فيها حتى يصير شيخه سدا يحول دون أن يرى غيره.
فكأن العالم الإسلامي كله في كل عصوره لم ينجب سوى هذا الشيخ فقط.
فيعني هذا أمر مذموم، ضيق أفق، لأن علماءنا كثر..
ليسوا..
لا تنتمي السلفية إلى عالِم واحد..
حتى ابن تيمية نفسه..
حتى الإمام أحمد..
ليس وحده..
وإنما يمكن أن ننظر في أقوال من يخالفونهم من إخوانهم العلماء.
..يقول:..
*المسألة السابعة:
حكم الصلاة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة.
..إذا شرع المؤذن في الإقامة بصلاة الفريضة، فلا يجوز لأحد أن يبتدئ صلاة نافلة، فيتشاغل بنافلة يقيمها وحده عن أداء فريضة تقيمها الجماعة.
وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
"ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي والمؤذن يقيم لصلاة الصبح فقال له: أتصلي الصبح أربعا؟" وهذا أخرجه مسلم.
-إذاً هنا مسالتان:
*المسالة الأولى: إذا شرع المؤذن في الإقامة بصلاة الفريضة، فهل يجوز لأحد أن يبتدئ..
-انتبهوا لكلمة (يبتدئ) هناك فرق بين واحد يصلي بالفعل، وهذا سنناقشه في المسألة الثانية، وبين واحد يفتتح نافلة والمؤذن يقيم الصلاة.
..فاتفق الفقهاء على منع افتتاح النافلة. في هذه الحالة إذا أقيمت الصلاة، غير الوتر وركعتي الفجر عند سماع الإقامة.
اختلفوا على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا يجوز.
-لا يجوز أن يفتتح ما دام المؤذن شرع في الأذان، فلا يجوز للواحد أن يفتتح صلاة النافلة، التي هي نافلة الوتر.
كلامنا هنا في الوتر وركعتى الفجر.
لا يجوز.
..وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، لعموم النهي الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
وهذا رواه مسلم
استدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عبد الله بن مالك بن بحينة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا" وفي رواية "..أتصلي الصبح أربعا؟".
والحدث متفق عليه
-طبعا هنا: ".. أتصلي الصبح أربعا؟".
هو لم يكن يصلي الصبح، بل كان يصلي ركعتي الفجر، السنة.
فقال له صلى الله عليه وسلم: "..أتصلي الصبح أربعا؟" أو قال صلى الله عليه وسلم: "..يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا؟".
طبعا "..أتصلي الصبح أربعا؟" هذا استفهام ماذا؟ انكار.
هذا استفهام إنكار.
لأنه إذا صلى ركعتين بعد الإقامة، ثم صلى معهم الفريضة، صار في معنى من صلى الصبح أربعا.
للنظر هنا لماذا؟ أنه بعد الإقامة صلى كم؟ المجموع أربع ركعات.
بعد الإقامة صلى أربع ركعات، والمفروض إن الصلاة التي هي بعد الإقامة تكون ركعتين.
فكأنه..
فمعنى "..أتصلي الصبح أربعا؟" ليس أنه جعل الفريضة أربعا. لا.
لأنه بعض الإقامة لا صلاة إلا الفريضة، فكون هذا صلى أربعا (اثنين نافلة، ثم التحق بالفريضة اثنتين) فكأنه صلى أربعا.
فهو في معنى من صلاها أربعا، وليس مصليا أربعا في الحقيقة.
لكن هذا نوع من الإنكار عليه وللتنفير من مثل هذا الفعل..
..استدلوا أيضا بأن "رجلا دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة -الفجر- فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا فلان، بأي الصلاتين اعتدت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟" وهذا رواه مسلم.
فقوله: "..يا فلان، بأي الصلاتين اعتدت؟.." هذا إنكار وتبكيت على فعله.
أبصلاتك وحدك؟ أم بصلاتك معنا؟
فقوله: "..أم بصلاتك معنا؟" يدل على أنه أدرك الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد فراغه من الركعتين.
-ما دام صلى معنا، فقد لحق. صلى ركعتين بسرعة السنة والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي ماذا؟ الركعة الأولى.
فطبعا كان يطيل القراءة في الفجر.
..فهو استطاع أن يخفف الصلاتين بحيث يدرك الصلاة كاملة، ومع ذلك عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم.
فما بالك، بمن تفوته مثلا ركعة من صلاة الفجر لاشتغاله بالنافلة بعد الإقامة؟!
أيضا هذا المسلك:
-إن الإمام سيدخل في صلاة الفريضة أو شرع فيها بالفعل والمأموم يتنفل سواء.. بـ.. مثلا بركعتي الفجر..
..ففيه اختلاف على الأئمة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "فلا تختلفوا عليه".
-نهى عن الاختلاف على الإمام.
بجانب أنه يفوت تكبيرة الإحرام.
وأيضا يفوت بعض مكملات الفريضة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب على الصلاة بعد الإقامة.
-إذا رأى احد يصلي بعد الإقامة كان يعلوه بماذا؟ بالدِرَّة.
وأيضا إذا نظرنا إلى معنى قول المقيم: حي على الصلاة.. حي على الصلاة.. قد قامت الصلاة..
فهذا يقتضي ألا يتشاغل بغيرها عنها..
هذا دعاء إلى الدخول في الصلاة، فينبغي ألا يتشاغل عن هذه الصلاة.
..يقول: أما إذا شرع المؤذن في الإقامة بعد شروع المتنفل في صلاته..
-هنا مسألة أخرى.
المسألة الأولى كانت في واحد يفتتح صلاة نافلة.. التي هي ماذا؟ قلنا عليها؟ الوتر أو ركعتا الفجر.
يفتتح صلاة نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة.
يفتتح..
ففيها الكلام الذي ذكرناه.
والراجح طبعا كما ذكرنا هو مذهب الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز للأدلة التي ذكرناها..
هناك قول آخر..
..أو القول الثاني:
يجوز أداء ركعتي الفجر فقط.
متى تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة..
-واضح؟
هذه المسألة الأولى لا زالت.. بعد الإقامة استفتتح ركعتي الفجر..
.. فقالوا: يجوز أن يؤدي ركعتي الفجر فقط متى تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة.
فيصليهما خارج المسجد، عند بابه لا داخله
وهذا مذهب الحنفية.
- مادام يقدر أن يصليهم بسرعة، والإمام يطيل في الركعة الأولى فيلحق صلاة الجماعة معهم في الركعة الأولى.
لكن يصليهما أين؟ خارج المسجد عند الباب أو في أي مكان. لكن ليس داخل المسجد وهذا مذهب الحنفية.
والجواب على هذا:
ما الذي يلجئه إلى هذا؟
حرصه على أداء ركعتي الفجر.
طيب ما هو يمكن أن يقضي ركعتي السنة بعد فريضة الصبح أو بعد طلوع الشمس.
..القول الثالث:
إذا ذكر الوتر وقد أقيمت الصلاة.
-يعني نسي أنه لم يصل الوتر، واقيمت صلاة الفجر..
..فإنه يخرج ليصليها خارج المسجد.
وأما ركعتا الفجر فيجوز أداؤها ما لم يدخل المسجد إن لم يخف فوات الركعة الأولى مع الإمام.
فإذا دخل لم يخرج لأدائهما..
وهذا مذهب المالكية..
-لكن واضح جدا أن الراجح هو القول الأول، أنه لا يجوز حتى في ماذا؟ ركعتي الفجر، وركعة الوتر.
..القضية الثانية:
ما حكم قطع النافلة عند سماع الإقامة؟
-يعني شخص كان يصلي وأثناء ما كان يصلي السنة أقيمت الصلاة.
..يقول هنا: أما إذا شرع المؤذن في الإقامة بعد شروع المتنفل في صلاته، فإنه يتمها خفيفة لإدراك فضيلة تكبيرة الإحرام والمبادرة إلى الدخول في الفريضة.
وذهب بعض أهل العلم، إلى أنه: إن كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها. وإن كان في الركعة الثانية فإنه يتمها خفيفة ويلحق بالجماعة.
-إذاً هذه المسألة هي مسألة حكم قطع النافلة عند سماع الإقامة.
..فإذا خشي فوات الجماعة..
-إذا أكمل النافلة ستفوته صلاة الجماعة..
.. فيجب عليه قطع النافلة باتفاق الفقهاء.
أما إذا لم يخش فوات الجماعة..
فهنا أحوال:
أولا: يجب إتمام النافلة بعد الشروع فيها، ويحرم قطعها..
-هناك بعض المذاهب -الحفية وهي رواية عند الحنابلة- قالوا: ما دام دخل في النافلة وشرع فيها فيجب عليه أن يتمها ويحرم عليه أن يقطعها.
طبعا ما تظنونهم استدلوا به؟
بماذا استدلوا؟
.. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ محمد/33]
الآية التي في سورة محمد عليه الصلاة والسلام..
طبعا: .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ محمد/33]
الجواب: أن هذا في الفرض، لا في النفل.
أما التطوع فإنه يقتضي التخيير.
طيب، ما هو التطوع الذي إذا شرع فيه الإنسان وجب عليه إتمامه؟
-طالب علم:..العمرة...
-الشيخ: نعم، وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ.. [ البقرة/196]
طيب:
..القول الثاني:
يجب إتمام النافلة، ولا يجوز قطعها إلا إذا خاف فوات الركعة الأولى مع الإمام، فحينئذٍ يقطعها ويدخل مع الإمام.
لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
وهذا مذهب المالكية، واستدلوا بقوله تعالى: .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ محمد/33]
وبأن النوافل تلزم بالشروع فيها.
والجواب: أنه ثبت في السنة "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصبح صائما فأهدي لهم حيس فأكل" فدل على عدم لزوم النوافل بالشروع فيها.
المذهب الثالث:
وهو المذهب الراجح في هذه المسألة:
******************************
-طبعا بشرط، قلنا ماذا؟
إذا لم يخش فوات الجماعة.
فالمذهب الراجح هو أنه:
..يجوز إتمام النافلة ويجوز قطعها..
- فيجوز إتمام النافلة، وفي هذا جمع بين فضيلتي النافلة والجماعة، لأنه لن تفوته الجماعة.
ويجوز قطعها لأن التطوع يقتضي التخيير.
وليس الإلزام.
وهذا مذهب..
وطبعا ثواب تكبيرة الإحرام والجماعة أعظم من النافلة.
..هذا مذهب الشافعية والحنابلة، قالوا: إن..
فهو يجوز له أن يتم النافلة ويجوز له ماذا؟
أن يقطعها.
وإن أتم النافلة يخففها، يتمها خفيفة.
وقالوا: إن قوله تعالى: .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ محمد/33]
هذه الآية عامة، خصصها حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
-أي نعم.
كذلك حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "حينما أصبح صائما فأهدي لهم حيسا فأكل" يدل على جواز قطع النفل.
إذا الراجح في هذه المسألة إنه: يجوز إتمام النافلة ويجوز قطعها.
والشرط طبعا أساسا، إذا لم يخش فوات صلاة الجماعة.
***الباب الثامن: في الإمامة في الصلاة:
وفيه مسائل:
الإمامة: المقصود بها هنا: ارتباط صلاة المؤتم بإمامه.
*المسألة الأولى:
من أحق بالإمامة؟
..بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأحق بالإمامة، والأولى بها في قوله: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة. فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِلما".
-يعني دخولا في الإسلام.
..فأولى الناس وأحقهم بالإمامة، يكون على النحو التالي:
أولا: أجودهم قراءة..
وهو الذي يتقن قراءة القرآن ويأتي بها على أكمل وجه.
العالم بفقه الصلاة.
فإذا اجتمع من هو أجود قراءة ومن هو أقل قراءة منه، لكنه أفقه قدم القارئ الأفقه، على الأقرأ غير الفقيه.
فالحاجة إلى الفقه في الصلاة وأحكامها اشد من الحاجة إلى إجادة القراءة.
-فأولهم أجودهم قراءة، العالم بفقه الصلاة، ثم الأفقه الأعلم بالسنة.
..فإذا اجتمع إمامان متساويان في القراءة، لكن أحدهما أفقه وأعلم بالسنة قدم الأفقه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة".
ثم الأقدم والأسبق هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، إذا كانوا في القراءة والعلم بالسنة سواء.
ثم الأقدم إسلاما، إذا كانوا في الهجرة سواء.
ثم الأكبر سنا إذا استويا في الأمور الماضية كلها.
قدم الأكبر سنا.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي: "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما" وفي رواية: "..سنا".
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "وليؤمكم أكبركم".
-أكبركم.
طبعا هنا يحمل على أن هذه المجموعة كانت ماذا؟
مستوية في الصفات الأربع السابقة.
..يقول: فإذا استويا في جميع ما سبق، قُرِِع بينهما، فمن غلب في القرعة قدم.
وصاحب البيت أحق بالإمامة من ضيفه.
-صاحب البيت، إذا كانت جماعة ستقام داخل البيت، ففي هذه الحالة صاحب البيت حتى لو كان أقل علما أو أقل في القراءة فإنه يقدم وهو أحق بالإمامة من ضيفه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في أهله، ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه".
-هذه من الآداب الإسلامية مراعاة مثل هذه الأشياء.
..وكذا السلطان أحق بالإمامة من غيره. وهو الإمام الأعظم لعموم الحديث الماضي قبل قليل.
وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره إلا من السلطان..
-إلا إذا حضر السلطان فهو أولى من الإمام الراتب..
لأنه أعلى منه..
..حتى وإن كان غيره أقرأ منه وأعلم، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا في سلطانه".
*المسألة الثانية:
من تحرم إمامته..
.. تحرم الإمامة في الحالات الآتية:
أولا: إمامة المرأة للرجل، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
ولأن الأصل تأخرها في آخر الصفوف صيانة لها وسترا، فلو قدمت للإمامة لأصبح ذلك مخالفا لهذا الأصل الشرعي.
-إذا كانت المرأة لا تؤذن، وإذا نابها شيء في الصلاة، فإنها تصفق، فلا تقول: "سبحان الله" فكيف تؤم الرجال؟
هذا من الإنحراف في فهم الشريعة وتطبيقها وإن رغمت أنوف بعض الحداثيين في أمريكا ممن قدموا امرأة تصلي بهم.
دائما تظهر هذه الأفكار في الناس الذين لا يبالون أصلا بالدين، كما كان يفعل مسيلمة توسان..(الدقيقة 40.00)، الذي اسمه ماذا؟
رشاد خليفة الذي ادعى أنه رسول الله إلى العالم الجديد، إلى أمريكا..
وأنا.. في مسجده في توسان في أريزونا تحت، فكان..
سمعت هناك العجب العجاب يعني..
الصلاة..
الرجال يصلون..
المؤذن: واحدة، امرأة يعني تؤذن للصلاة..
وفي الصف: مساواة مطلقة بين النوعين، المرأة تصلي جانب الرجل بالشورت وهذه الأشياء في داخل الصلاة.
فيصلون مثل هذه الصلاة.
المرأة بجانب الرجل عادي جدا، اختلاط بلا حدود يعني..
فأول الحالات التي تحرم فيها الإمامة: تحرم إمامة المرأة بالرجل.
ثانيا: إمامة المحدِث ومن عليه نجاسة، وهو يعلم ذلك.
فإن لم يعلم بذلك المأمومون حتى انقضت الصلاة، فصلاتهم صحيحة.
ثالثا: إمامة الأمي:
والأمي: هو من لا يحسن قراءة الفاتحة.
-سواء لا يقدر أن يحفظها أو يلحن فيها..
فهذا يسمى الأمي.
فلو واحد معه عشر رسائل دكتوراه، ولا يحسن قراءة الفاتحة فهو في الشريعة اسمه ماذا؟
أمي.
فإمامة الأمي: وهو من لا يحسن الفاتحة، فلا يقرؤها حفظا ولا تلاوة.
أو يدغم فيها من الحروف ما لا يدغم، أو يبدل فيها حرفا بحرف، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى.
فهذا لا تصح إمامته إلا بمثله لعجزه عن ركن الصلاة.
رابعا: إمامة الفاسق المبتدع:
لا تصح الصلاة خلفه إذا كان فسقه ظاهرا، ويدعو إلى بدعة مكفرة.
لقوله تعالى: أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ [ السجدة/18]
خامسا: العاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود.
فلا تصح إمامته لمن هو أقدر منه على هذه الأمور.
*المسألة الثالثة:
من تكره إمامته؟
تكره إمامة كل من:
أولا: اللحان.
وهو كثير اللحن والخطأ في القراءة.
وهذا في غير الفاتحة.
أما اللحن في الفاتحة بما يحيل المعنى، فلا تصح معه الصلاة. كما مضى.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرأهم".
ثانيا: من أم قوما وهم له كارهون، أو يكرهه أكثرهم.
-والعبرة بالكراهة الشرعية، يعني يكرهونه لسبب شرعي.
إن فيه بدعة، فيه كذا، فيه كذا، من العيوب التي تنتقد شرعا.
لكن لو إمام سني متمسك بالسنة ولا ينحرف عنها، وهو حسن الصلاة وهم يكرهونه كذا.
كما يقولون:..
يعني لا أريد أن استعمل التعبيرات العامية.
يقولون: لله في لله..
لا يمكن أن تكون لله..
بل بسبب أنه مستقيم وعلى السنة فيكرهونه.
فالكراهة بسبب شرعي، وليست الكراهة التي هي ماذا؟
-طالب علم:..
-الشيخ: ماذا؟
-الطالب:...
-الشيخ: نعم بالتشهي..
لابد أن يكون بالشرع، وليس لأنه دمه كذا..، لا.. يعني ماذا؟
لابد من وجود سبب..
ومع ذلك الأحوط: الإنسان لا يؤم قوما وأكثرهم له كارهون.
الأحوط، حتى لو لم يكن سببا شرعيا.
لهذا الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا، رجل أم قوما وهم له كارهون".
ثالثا: من يخف بعض الحروف ولا يفصح، وكذا من يكرر بعض الحروف.
كالفأفأة.
كالفأفاء: الذي يكرر الفاء.
والتمتام: الذي يكرر التاء.
وغيرهما..
وذلك من أجل زيادة الحرف في القراءة.
-طبعا، الثأثأة أو يعني هذا الاضطراب يحصل طبعا.
وقابل للعلاج إذا كان ثانويا، يعني هو واحد كان يتكلم جيدا، وبعد ظروف معينة بدأ يتأتأ.
فهنا هذا أكيد سبب نفسي.
لكن من لم يتكلم أصلا من البداية، هذه هي التي ممكن تكون مشكلة حقيقية.
لكن هي تأتي غالبا في صغار السن.
لكن في الغالب، هي وراءها أسباب نفسية ممكن تعالج.
عملية التأتأة
*المسألة الرابعة:
موضع الإمام من المأمومين..
السنة تقدم الإمام على المأمومين: فيقفون خلف الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر.
لأنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا قام إلى الصلاة تقدم وقام أصحابه خلفه".
ولمسلم وأبي داود: "أن جابرا وجبارا وقفا أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه".
-صلى الله عليه وآله وسلم
..ولقول أنس رضي الله عنه، لما صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم في البيت: "..ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا".
ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذيا له.
-وللأسف يشيع بين الناس، أنه لما يكونا اثنين لابد للمأموم أن يتأخر قليلا.
لا، عندما يكونا اثنين، يقف محاذيا له تماما.
..ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذيا له، لأنه صلى الله عليه وسلم "أدار ابن عباس وجابرا إلى يمينه لما وقفا عن يساره".
ويصح وقوف الإمام وسط المأمومين، لأن "ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود. وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل".
لكن يكون ذلك مقيدا بحال الضرورة، ويكون الأفضل هو الوقوف خلف الإمام.
وتكون النساء خلف صفوف الرجال لحديث أنس رضي الله عنه: "صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا".
*المسألة الخامسة:
ما يتحمله الإمام عن المأموم:
يتحمل الإمام عن المأموم القراءة في الصلاة الجهرية.
لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "وإذا قرأ -أي الإمام- فأنصتوا".
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة".
أما في السرية، فإن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم.
-وقد ذكرنا أن الأحوط أن الإنسان يقرأ الفاتحة حتى في الصلاة الجهرية.
اقرأ بها في نفسك، أحوط.
لكن هذا خلاف سائغ، وكما بينا من قبل.
*المسألة السادسة:
مسابقة الإمام:
لا يجوز للمأموم مسابقة إمامه، فمن أحرم قبل إمامه لم تنعقد صلاته.
لأن شرفه أن يأتي بها بعد إمامه، وقد فاته.
وعلى المأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه.
لحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا".
فإن وافقه فيها أو في السلام كره، لمخالفته السنة. ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن. وإن سبقه حرم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام".
والنهي يقتضي التحريم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار؟".
فهذا الوعيد بالمسخ إلى حمار يدل على تحريم مسابقة الإمام.
*المسألة السابعة:
أحكام متفرقة في الإمامة والجماعة.
ومن الأحكام المتعلقة بالإمامة والجماعة غير ما تقدم..
أولا: استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام.
فيقدم في الصف الأول أولي الفضل والعقل والحلم والأناة خلف الإمام وقريبا منه، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
والحكمة في ذلك أن يأخذوا عن الإمام ويفتحوا عليه في القراءة إذا احتاج إلى ذلك، ويستخلف منهم من شاء إذا نابه شيء في الصلاة.
ثانيا: الحرص على الصف الأول:
يستحب للمأمومين أن يتقدموا إلى الصف الأول ويحرصوا عليه ويحذروا من التأخر.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله".
-فإذا من السنة، من السنة اقتراب الصفوف.
لأن في الحديث: "احضروا الذكر وادنوا من الإمام".
واضح؟
فالدنو من الإمام يقتضي أشياء.
طبعا الصف الأول يكون قريبا من الإمام.
الصف الذي يليه، أحيانا يكون المسجد واسعا فالناس تقول ماذا؟
ربنا موسع علينا، ونحن لماذا نضيق إذاً؟ فيتركون مسافة مضاعفة مع الإمام، بعيدا عنه.
فهذا مخالفة للسنة.
السنة القرب من الإمام. وليس مسألة المكان واسع أم غير واسع.
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كانوا الصحابة إذا نزلوا واديا تفرقوا مجموعات، فقال لهم: "إن تفرقكم هذا في الشعاب والأودية إنما هو من الشيطان. فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا منزلا اجتمعوا حتى لو بسطت عليهم ملاءة لوسعتهم".
(لغطتهم جميعا).
فإذاً هذا خارج الصلاة.
فما بالك في الصلاة؟!
فبعض الناس الجهلاء يتركون مسافات كبيرة جدا بين الصفوف، وممكن يجيء ناس بعد ذلك، يزدحم المسجد وتكون فيه الأساطين -الأعمدة- تقطع الصفوف بسبب التهاون في الاقتراب بين الصفوف.
فمن ثم المفروض أن يكون هناك ماذا؟
اقتراب من الإمام، لأن هذه سنة. الاقتراب من الإمام.
كمثل الطواف، في السنة: الاقتراب من الكعبة المشرفة قدر المستطاع.
واضح؟
فكذلك القرب من الإمام من سنن الصلاة.
يقول: "لا زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"..
وقال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول -يعني من الثواب- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا".
-يعني القرعة.
إجراء القرعة من شدة التنافس على هذه الأشياء.
..أما النساء فيستحب أن يكن في الصفوف المتأخرة.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".
-لأن في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد حجاب بين النساء والرجال في الصلاة، كن النساء يصلين في أواخر المسجد والرجال يصلون في الأمام.
كنت أريد أن أفصل هذه المسألة لكن بسبب ضيق الوقت..
وهي: حكم الصلاة في الجماعة، إذا كان المؤتم لا يرى الإمام.
فشرط صحة الإئتمام أن ترى الإمام أو ترى من يرى الإمام.
لأن في الحديث هنا ماذا؟
"تقدموا فأتموا بي.." الذين هم يرونه.
"..وليأتم بكم من بعدكم..".
لأن الإئتمام لا يكتفى فيه فقط بالسماع مثلا..
لكن لابد أيضا من ماذا؟
من الرؤية..
ممكن إمام يكون كبيرا في السن، أو عنده مرض، فالحركة تطول مثلا من القيام إلى السجود.
فممكن يقول: الله أكبر. ويأتي ليركع فيأخذ وقتا، فالعبرة بإنه يضع رأسه على الأرض، حينئذٍ المأمومون يشرعون في الاقتداء به.
وإلا لو كان بمجرد الصوت، فممكن أن يقع المأمومون في مسابقة الإمام.
فلابد من السماع، ولابد من ماذا؟
من الرؤية.
ولذلك قالوا في الحكمة من التكبير مع رفع اليدين -في تكبيرة الإحرام- قالوا: لكي يرى من لا يسمع ويسمع من لا يرى.
فلابد من حل المشكلة، مسألة إنه..
ثم تطرأ أشياء في الصلاة، كسجدة التلاوة مثلا..
أو السهو أو شيء من هذا..
فممكن النساء إذا لم تكن هناك طريقة للمتابعة البصرية ممكن ينقطع التيار الكهربائي، فبالتالي يحصل لخبطة أثناء الصلاة. بسبب أن المتابعة ليست بالرؤية.
لا يكتفى بالسماع، لابد من ماذا؟
أن ترى الإمام.
أو ترى من يرى الإمام.
أيضا:
..من هذه الأحكام تسوية الصفوف والتراص فيها وسد الفرج وإتمام الصف الأول فالأول.
..يقول: يستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الفرج قبل الدخول في الصلاة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولقوله: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".
وعن أنس رضي الله عنه قال: "أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري".
وقال أنس رضي الله تعالى عنه: "كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه".
-الحقيقة هنا مسألة نضطر للوقوف أمامها، لأن يعني شاعت أشياء في صلاة الجماعة نتيجة الاقتصار على مسألة واحدة فقط للتلقي داخل السلفيين بالذات
يعني بعض الشيوخ الأفاضل كالعلامة الألباني رحمه الله تعالى، بعض الناس ينصهر تماما في آراء الشيخ الألباني، وليس مستعدا لسماع كلام أي أحد آخر، لا الحافظ بن حجر ولا الإمام الشافعي ولا..
وهذا من الغلو الذي علمنا الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أن نتجنبه وأن نمقته وهو لا يفرح بمثل هذا التعصب يعني.
فالعلامة الألباني كغيره من العلماء يعني قد يُخالَف في بعض المسائل، بالذات المسائل الفقهية.
فبعض الشباب تلقوا الكلام من السلسلة الصحيحة، بالذات حديث أنس هذا، الذي هو حديث: "أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري" فأنس يقول معلقا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بتسوية الصفوف، فيقول ماذا؟
"..فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه" فحصل الحقيقة نوع من الغلو عند بعض الشباب في تطبيق هذه المسألة، والتشدد فيها اعتمادا على قول أنس وعلى فعل الصحابة في هذه المسألة.
هنا سنتوقف عند مسالة مهمة، نختصر فيها كتاب:
**موضع القدمين من المصلي في الصلاة** للأستاذ أحمد محمد نور سيف.
هو نفس المسألة تعرض لها من قبل العلامة بكر أو زيد رحمه الله تعالى في كتاب سماه: (لا جديد في أحكام الصلاة).
لا جديد في أحكام الصلاة.
يتعرض هنا لمسالة مهمة جدا دفعه إلى بيانها والتفصيل فيها ما يحصل من بعض الشباب، بعض الشباب حتى يطبق هذا الكلام، لابد أن يلصق الكعب بالكعب، والكعب هي العظمان الناتآن في جانبي القدم.
فيكون كل إنسان عنده كم كعب؟
أربعة.
العظمان الناتآن في جانبي كل قدم.
ففي في الجماعة دارسي التشريح بكلية الطب أو كلية التربية الرياضية، في وضع أول شيء يتعلمونه في علم التشريع حاجة اسمها (الوضع التشريحي).
الوضع التشريحي:
الذي هو يفترض الجثة لما تكون ملقاة أو مستلقية على هذا (البنش).
ما هو الوضع الذي تأخذه؟
هو وضع الاسترخاء العادي، حتى أنت إذا نمت جسمك في نوع من الاسترخاء تجد إن القدمين تأخذ وضع هكذا الطبيعي لها 15 درجة.
واضح؟
فهذا هو الوضع العادي الذي تكون العضلات فيه موجودة بصورة طبيعية بدون شد يعني.
واضح؟
فوضع 15 درجة، تكون القدمين في هذه الصورة....
فيجيء الإخوة يريدون أن يطبقوا هذا الكلام، فيبدأ بعمل نوع من المقاومة من العضلات، ويأخذ وضع ماذا؟
حتى يستقبل القبلة بأطراف الأصابع.
فهو يستقبل القبلة هكذا..
ويجيء الذي بجانبه من الناحيتين: رجله هذه بهذا الشكل..
وهذا رجله بهذا الشكل..
فهو يضطر لعمل ماذا حتى يلصق المنكبين؟
هو رجله المفروض هكذا..
فيبدأ أيضا ينحرف عن القبلة بالعكس هكذا من الداخل، حتى يجيء كعبه هنا في الذي على اليمين، والكعب الثاني في الذي على الشمال.
أصبح هو آخذا وضع ماذا؟
عكسي.
أنت المفروض السنة أن تستقبل القبلة.
أليس كذلك؟
لا هو يتشدد ويبدأ يعمل هكذا، حتى يقتدي بالصحابة..
والصحابة ما كانوا يفعلون هكذا.
ثم إن الأسوأ إن الذي بجواره لو كان يبعد عنه قليلا، فيبدأ هو يوسع رجليه حتى يلتصق والثاني الناحية الثانية.
فيكون المنظر منظرا قبيحا في الحقيقة، لا يليق بالصلاة حينما تتسع المسافة بين قدميه بطريقة مبالغ فيها.
لو أنت لقيت من بجانبك كلما اقتربت منه ابتعد.
فخلاص، ليس مشكلة.
أنت كل عقلك سيصبح في رجلك؟ في أثناء الصلاة؟!
كل العقل في الرجل؟!
ثم إنه يشغل نفسه، ويشغل الناس الذين حوله.
الخشوع أهم بكثير جدا من مثل هذا، الخشوع في الصلاة أهم بكثير.
فهو يظل يفتح رجليه، ثم يبدأ يأخذ هذه الزاوية، وبالتالي يحتاج جهد عضلي شديد.
يعني ليس وضعا عاديا يتشنج أثناء الصلاة وفي الركوع..
ثم إنه ليس في كل الصلاة، وإنما هو يهتم بها جدا جدا في الركوع.
واضح؟
طيب.
يعني..
هناك بعض الناس، يقرأون في بعض الكتب كلاما مخالفا للأدلة.
عنده إن من علامات فقه الرجل: أن يترك بينه وبين من بجواره مسافة أربعة أصابع.
يقولها بعض الناس هكذا.
والحقيقة هذا مخالف للأدلة.
المفروض ما تترك مسافة.
ولكن ساعات أيضا يحصل..
فأنت لو لقيت هذا الذي بجانبك يتعبد بأنه يترك مسافة، فتظل أنت توسع المسافة كلما فتحها؟!
لا في هذه الحالة.
أنت إلزم المسافة العادية الطبيعية، وإذا هو يتمادى في الحركة، فلا تظل تتابعه.
خلاص أنت التزم وهو لو عمل مسافة هو المقصر.
لكن لا تصبح شغلتك أن تظل تسد هذه الفجوات.
* الأمر الثاني:
إن ساعات الإخوة يكون مهتما جدا بأن يلصق عقبه بعقب الذي بجواره بطريقة، يعني ممكن واحد لو عصابي قليلا، إنسان (نرفوذ) قليلا، فيستفزه.
يشتته تماما في الصلاة.
لدرجة مرة كنت أصلي بجوار واحد، وهو ينزل بحد قدمه ب..(الدقيقة 01.00.05) ثقيلة جدا. يفضل يتحرك، فيشوش علي في الصلاة، فأنا أخفف الوزن قليلا، فأبعد حتى لا يشغلني. فأبعد قليلا، فيأتي ثانية وبقوة يضغط على..
في الآخر يريد أن يتنرفز علي في الصلاة، فوضع رجله فوق القدم، حتى يثبت قدمي.
فهذه صلاة أم لعب؟
هذا لعب أم صلاة؟
فلابد أن يكون هناك فقه، والصلاة أنت غير مطالب أن يكون عقلك في رجلك.
عقلك، الخشوع في القلب.
فالمبالغة والتنطع في مثل هذا، هو الذي يلجؤنا الآن إلى أن نقف وقفة مع أنها ستؤثر على وردنا اليوم، لكن مضطرين نقف حتى نحاول القضاء على هذه الظاهرة التي فيها نوع من التنطع.
أقوى دليل عند هؤلاء الإخوة لما تكلمهم ماذا يقولون لك؟
يا أخي، إن الشيخ الألباني جاء بالحديث، والحديث صحيح، إن الصحابة يقولون حديث أنس: "..حتى إن أحدنا ليلزق كعبه بكعب صاحبه أو قدمه بقدم صاحبه، ومنكبه في منكبه".
سنقول: أقصى..
ما هو أقصى؟...
يعني ما هو وجه الدلالة هنا؟
أي نوع من الادلة هذا؟
ما اسمها؟
حكاية فعل.
هذه حكاية فعل.
الصحابة كانوا يفعلون كذا.
فهذه حكاية فعل.
حتى حكاية الفعل من الرسول عليه الصلاة والسلام لا تعطي دلالة قوية في الناحية الشرعية، لا تدل على الوجوب مثلا، دلالة الفعل.
ما بالك إذاً دلالة فعل الصحابة؟!
ثم، ولذلك قال الحافظ ابن حجر: إن هذا كان من الصحابة مبالغة في امتثال الأمر بالتراص وتسوية الصفوف.
.. يقول الدكتور أحمد محمد نور سيف: كثر النقاش في صفة وقوف المصلي في صلاته، وما يطلب منه في تسوية الصف وإقامته.
وشغل الناس ما يصدر عن البعض من تصرفات تصرفهم عن الغرض الأسمى من أداء هذه العبادة، ومن ذلك كيفية وضع المصلي قدميه عند تسوية الصف، وقد كتبت بحوث في هذه القضية مشددة أو رافضة أو موجهة.
-طبعا أقصى ما في هذا الموضوع أنها سنة ماذا؟
لو قلنا عليها سنة.
هذا الفعل بالأقدام هذا.
فيكون سنة ماذا؟
إخبارية؟!
-طالب علم:..
-الشيخ: يا رجل! هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي في صف؟!
أم بمفرده؟
-طلبة العلم:..
-الشيخ: سنة ماذا هذه يا جماعة؟ أقصى حاجة لو قلنا أنها سنة فتكون سنة ماذا؟
-طلبة العلم:...
-الشيخ: واحد يرفع يده.
-طلبة العلم: تقريرية؟ تقريرية.
-الشيخ: تقريرية.
يعني هنا ليست سنة فعلية ولا سنة قولية.
فيكون أقصى ما فيها أن تصل لمستوى سنة تقريرية.
طيب ما هي قوة دلالة السنة التقريرية؟
هل السنة التقريرية في كل الأحوال تدل على حكم واحد أم أنها تتفاوت؟
هذا هو ما يركز عليه في هذا البحث.
..يقول: أحببت أن أوضح منزلة هذه السنة التقريرية من أحكام التكليف، وأن السنة التقريرية ليست على درجة واحدة من الحجية.
فيتكلم على أن الرسول عليه الصلاة والسلام نظرا لأهمية الصلاة أعطى مسألة تسوية الصفوف وهذه الأشياء أهمية كبيرة، فالانسجام والتوافق والترتيب والنظام في المظهر دليل على الاهتمام.
كما أن الفوضى والاضطراب وعدم التوافق والانسجام دليل على انصراف النفس وانشغالها، وعدم إدراكها وإحساسها.
وكما لا يغتفر في أمور الدنيا هذا السلوك من الاضطراب والاختلاف ويعد معيبا ومظهرا من مظاهر عدم الاهتمام واللامبالاة، فإن الشرع خاطب العقول السليمة والفطر الحكيمة بما جبلت عليه من ضرورة ذلك وأهميته.
وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على تحقيق مساواة الصفوف، كان يباشر هذا الأمر بيده الكريمة، فكان يسوي بين الصدور والمناكب، كما في صحيح ابن خزيمة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيمسح على عواتقنا وصدورنا ويقول لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم".
.. حتى إذا عقلوا عنه ذلك المطلب في المحافظة على استقامة الصف وعدم اعوجاجه واضطرابه، ترك.
وبذلك نبههم قولا وأرشدهم فعلا إلى المطلوب. وفهم الصحابة رضوان الله عليهم ما أراد من أن القلب لابد أن يتسق مع القالب، فكان ما طلبه منهم صلى الله عليه وسلم لتحقيق ذلك أمورا:
أولا: تعديل الصفوف واستقامتها وعدم اعوجاجها.
ثانيا: استواؤها وعدم اضطرابها، بتقدم البعض عن الصف أو تأخر البعض عنه مما يترتب معه عدم استواء المناكب والأقدام.
ثالثا: التقارب بين المصلين في الصف وعدم ترك الفجوات. فيحانى (الدقيقة 01.05.20) بين المناكب ويقارب بين الأقدام لتلافي الثغرات التي يتخذ الشيطان منها أوكارا لإفساد صلاة المصلين والتشويش عليهم وبذر بذور الخلاف بينهم.
-فننتبه إن ممكن إنسان يكون عصبي قليلا، فواحد كل قليل بإصبعه الأصغر بقدمه يطمئن، كل قليل، طوال الصلاة يطمئن هل هناك مسافة أم لا.
فطبعا يشوش على من يصلي بجواره.
واضح؟
يعني ممكن يُترك حتى لو واحد مليمتر فقط حتى لا يشغل من بجانبه.
أما الحرص على إنه باستمرار يرمي بثقله على من بجواره فيشتت صلاته.
ولذلك أنا عرفت واحد من هؤلاء، وأقيمت الصلاة أبتعد عنه، أحرص على ألا أصلي بجواره، أعرف أنه سيشوش علي في صلاتي فأتجنبه.
فالإنسان لا يكون ثقيلا.بهذه الصورة ويشوش على إخوانه خاصة لو واحد موسوس، أو يتنطع في تطبيق هذا الأمر.
الخشوع أهم، لا تجعل عقلك في رجليك.
نعم.
رابعا: عدم التأخر عن الصفوف الأول وترك الفجوات فيها:
واكتفى الشارع بذلك قولا وفعلا وتوجيها.
أما ما فعله بعض الصحابة في ذلك من مبالغة في الاستجابة لأمر الشارع فإن ذلك لا يضر ولو لم يكن أمرا مطلوبا أو مرغبا فيه.
لأن الأصل قد تحقق وما زاد من اجتهاد المكلف في تحقيق الاستجابة، إذا لم يضر بأصل التكليف فإن الشرع في مواطن عدة أقر ذلك الفعل، لأنه اجتهاد زائد عن المطلوب.
-المطلوب تسوية الصفوف، المطلوب التراص، عدم وجود فجوات.
..أما مسألة لصق الأقدام فهذا كان اجتهادا من الصحابة..
-نوع من المبالغة في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
..هذا لا يضر بأصل التكليف، بل يدل على شدة الحرص في الاستجابة.
ولذلك ترجم له البخاري في صحيحه بقول: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.
وأورد في ذلك ما يلي:
وقال: النعمان بن بشير رضي الله عنهما: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه".
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري. وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه".
اعتمد المستنبط لهذا الحكم من دلالة النص على ما يلي:
أولا: إنه فعل صحابي أقر من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان سنة تقريرية.
ثانيا: إن التقرير فهم من قول أنس: "..وكان أحدنا يلزق منكبه.." بما يشعر بأن هذا حدث بمحضر من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنه كان في زمانه.
وآكد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري".
فكان يراهم وهم ماذا؟ يلصقون الأقدام بعضها ببعض.
ليرفع الخلاف فيما يضاف إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، واحتمال وقوفه عليه أو عدم وقوفه.
وما يتفرع على ذلك من قاعدة (جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة وعدمه).
ثالثا: إن ذلك داخل في إقامة الصفوف أو تسويتها وهذا من إقامة الصلاة أو تمامها.
هذه الأفعال الواقعة من الصحابة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه على وجه الاجتهاد.
مما يؤصل حكما أو يزيد على النص فعلا أو قولا.
يدخل في باب التقرير وهو نوع من السنن تتفاوت أحواله ويختلف الحكم في اعتباره سنة واجبة أو مندوبة أو مخيرا فيها، أو لا يفيد إلا التقرير المطلق الذي لا يؤسس عليه حكم بألا يفيد حكما يقاس عليه، أو يستعاض عنه بفعل آخر أو يفيد خبرا أو يطابق حالا.
هذه الأفعال -التقريرية- لا تخضع لمقياس واحد وتحتاج إلى تفصيل وتمثيل نورده فيما يلي:
أولا: هل كل تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل صدر من الصحابي يعد سنة؟ يطلب من المكلف الإتيان بها على أي وجه من وجوه التكليف وجوبا أو ندبا أو إباحة؟
يتواف...(الدقيقة 01.09.51) حكم الأفعال المقررة من النبي صلى الله عليه وسلم على ما يصدر من الصحابة وجوبا أو ندبا أو إباحة.
فهناك أفعال أقرت منه صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت بعد ذلك مأخذ الوجوب. ومن ذلك حرمة الملاعنة على الملاعن حرمة مؤبدة.
واستنبط ذلك من قول الصحابي بعد أن لعنها: "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.
-فصارت بعد ذلك سنة.
من التفريق الكامل، بمجرد وقوع التلاعن يفرق بينهما للأبد.
..كذلك رأى الصديق رضي الله تعالى عنه في أحقية القاتل السلب، وأنه أحق به من غيره.
فممن ضمه إليه في المعركة دونه، حين قال صلى الله عليه وسلم بعد نهاية المعركة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه..".
-يعني ما عليه من المتاع ونحو ذلك.
..وقام أبو قتادة يطلب شهادة من شهد قتله لرجل من المشركين ويطالب بسلبه.
وأراد من حاز السلب أن يأخذه ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضيه عنه. فاستنكر الصديق ذلك، وطالب بأن يدفعه إلى صاحبه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال: "صدق".
وكذلك فعل معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه في صلاة المسبوق وأنه يتابع الإمام ثم يقضي ما فاته، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقررا فعله: "قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا".
وبذلك مضت سنة لازمة في كيفية قضاء المسبوق ما فاته من الصلاة.
كذلك اجتهاد علي رضي الله تعالى عنه في أمر النفر الذين وطؤوا امرأة في طهر وتشاكسوا في من هو أحق بالولد؟ فأقرع بينهم وألزم من قرع أن يغرم ثلثي الدية لصاحبيه.
ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أعلم إلا ما قال علي".
قال في عون المعبود: قوله "عليه ثلثا الدية" أي ثلثا القيمة.
والمراد قيمة الأم، فإنها انتقلت إليه من يوم وقع عليها بالقيمة.
وفي بعض الروايات: "فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه".
وهناك أفعال أقرت منه صلى الله عليه وسلم وبقيت على وجه الندب.
-يعني كل الأمثلة التي ذكرناها فيها إقرار وأقر على جهة الوجوب.
هناك أفعال أقرت وبقيت على وجه الندب. فهي مطلوبة على وجه الترغيب.
..كحديث بلال حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام. حين سمع دف نعليه بين يديه في الجنة. فأخبر بأنه لم يتطهر في ساعة من ليل أو نهار إلا صلى بذلك الطهر ما كتب له".
قال ابن حجر: ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة. لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا مثال لتقرير على فعل أفاد الاستحسان من النبي صلى الله عليه وسلم. والترغيب فيه.
-لأنه يقول له: "أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام". فذكر إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين.
حديث بلال أيضا: "إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر. فقيل: هو نائم. فقال: الصلاة خير من النوم".
فأقرت في تأذين الفجر. فثبت الأمر على ذلك.
-هذا أيضا من هذه الأمثلة.
..حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في صلاته بالنساء التراويح في داره، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم فعله، قال: "فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا".
حديث صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في قضاء حاجته في غزوة تبوك، وائتمامه..(الدقيقة 01.14.15) به حين سبق، وقوله حين رأى فزعهم: "أحسنتم" أو قال: "قد أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في قصة اللديغ والرقية بفاتحة الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم. اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك النبي صلى الله عليه وسلم".
ويحتمل التقرير منه بقوله: "قد أصبتم" بفعل الرقية أو "أصبتم" في التوقف عن التصرف في الجُعل إلى أن استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل ما هو أعم من ذلك. لكن أفاد التقرير مشروعية الفعل.
حديث أبي هريرة في قتل خبيب بن عدي رضي الله تعالى عنه، وقوله حين أرادوا قتله: "دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف إليهم. قال: فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو". وهذا في البخاري.
حديث بري...ة..
-نحن قلنا: استحباب.
..حديث بري...ة الأسلمي عن أبيه قال: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد.. إلى آخره" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى".
فأقر دعاءه صلى الله عليه وسلم وأبان عن عظيم قدره، مما يرغب في الدعاء بهذا الذكر.
جاء الترغيب في بعض الأفعال أو الأقوال تصريحا، وفي بعضها ضمنا بالإشارة إلى أهمية الفعل والقول أو عظم ثوابه وأجره وقبوله عند الله.
فمن أفعال التقرير ما يقع فيها التقرير على وجه التخيير.
-يعني لا يفيد التقرير لا الوجوب، ولا يفيد الندب، كالأمثلة التي ذكرناها، وإنما يفيد التخيير.
..إما على وجه الإطلاق بصفة معينة.
أو مع الترجيح.
من الأول: الذي هو يفيد الإطلاق بصفة معينة.
حديث ابن عمر في تقديم أبي بكر للوتر قبل أن ينام. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بالحزم أخذت".
-احتطت. إنه يصلي الوتر قبل أن ينام.
"بالحزم أخذت".
..لكن عمر كان يؤخر الوتر بعد القيام من النوم، فقال له: "فعل القوي أخذت".
فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هنا الفعلين، وأقر مشروعية ذلك، وأن المكلف مخير إذا علم من نفسه القيام من الليل وإلا تعين في حقه التقديم.
حديث علي رضي الله عنه في فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أيضا في مخافتة أبي بكر رضي الله عنه بصوته في القراءة من الليل.
-كان أبو بكر إذا صلى من الليل يخفض صوته.
..أما عمر فكان يجهر بصوته في القراءة.
بين كل منهما العلة في فعله، فقال صلى الله عليه وسلم: "فكله طيب".
فأقرهما على فعلهما مما يفيد التخيير في رفع الصوت أو خفضه في الصلاة في قيام الليل.
أما النوع الثاني: وهي الأفعال التي يقع فيها التقرير على وجه التخيير مع الترجيح:
-إن هناك شيء أرجح من شيء.
..منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وما فعله رجلان في سفر. حين حضرت الصلاة وليس معهما ماء.
فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء. فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر.
وحين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للذي لم يعد: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك". وقال للثاني: "لك الأجر مرتين".
ونال الأجر مرتين لاجتهاده قبل أن يعرف الحكم، وللمشقة التي تكبدها بإزاء العبادة مرتين احتياطا للعبادة.
هذا الحكم في حقه خاصة، إذ هو من حيث حصول الأجر قد فاق صاحبه، لكن الحكم فيما يستقبل بعد ذلك في الأفضلية للأول.
-للأول الذي لم يعد الصلاة.
..بل قد لا يؤجر عليه لمخالفته السنة المطلوبة، بعد العلم.
-لأنه صلى الله عليه وسلم قال للأول الذي لم يعد الصلاة: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك".
..وهناك أفعال لم يرد ما يشعر بندبها، وإنما دل النص أو السياق على جواز فعلها، فعلا أو تركا لزيادته على نص الشارع.
فلا ترقى إلى درجة السنن التي ندب إليها، ولازم الصحابة فعلها لأمرين:
-مع إنها زيادة على النص الأصلي، لكن الصحابة لازموا على فعلها، لأمرين..
..الأول: الاكتفاء بأصل الطلب وعدم احتياجه إلى تلك الزيادة التي لو فُعِلت لم يضر.
أيضا: فعلت من بعض الصحابة ولم يداوم على فعلها.
ولذلك حملت على المعنى الذي تحتمله وصرف عن مدلول ظاهرها نصوص الشارع الأخرى التي دلت على فقه المسألة وغرض الشارع في أصل الطلب.
من ذلك:
-أشياء لم يرد ما يشعر بندبها لكن النص أو سياق النص يدل على جواز فعلها، أو إن فعلها أو تركها قد يكون سواءا، لأنها زيادة على نص الشارع.
..أمثلة:
التلبية: الزيادة على التلبية.
فكان الصحابة يزيدون أحيانا في التلبية، على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم.
يقول جابر رضي الله عنهما: "والناس يزيدون: ذا المعارج" ونحوها من الكلام.
لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل، لبيك وسعديك والفضل كله بيديك، والرغباء إليك والعمل.
ونحو هذا من الكلام صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا.
وقال ابن عمر في التلبية: "لبيك لبيك.. لبيك وسعديك، والخير بيديك. والرغباء إليك والعمل".
قال ابن حجر: وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته صلى الله عليه وسلم عليها.
-لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يلبي إلا بالصيغة المعروفة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
طبعا هناك لحن يحصل هنا بالمرة..
ناس تقول لك ماذا؟
إن الحمدَ.
والنعمةَ.
طبعا إذا وقفت يكون هناك سكون.
..(الدقيقة 01.21.16) من اللحن.
الحمدَ.
لا.
إن الحمدَ والنعمة.
وليس: والنعمةَ.
هذا شيء عابر يعني.
..يقول الحافظ ابن حجر: (وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل، لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها..).
-فكان يداوم على التلبية الثابتة في السنة.
..(..وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها).
وهو قول الجمهور، وبه صرح أشهل..(الدقيقة 01.21.47)
وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة -كراهة الزيادة- قاله أحد قولي الشافعي، وحكى الترمذي عن الشافعي قال: فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس. وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
قال ابن حجر: وهذا أعدل الوجوه.
..فهذا التقرير وإن دل على أصل المشروعية لكنه يفتقر إلى ما يفيد التساوي فضلا عن الأفضلية.
-يعني كونه أقر ابن عمر أو الصحابة على ما زادوه في التلبية فيدل على أصل المشروعية، إنه لا مانع إن واحد يقوله في التبية.
لكن هل هذا يدل على مساواته بتلبية النبي عليه الصلاة والسلام؟ فضلا عن أن يدل على أنه أفضل من تلبية الرسول عليه الصلاة والسلام؟!
فأقصى ما فيه إن هذا شيء جائز أن يفعل لكنه لا يصل إلى أن يكون مستحبا.
..يقول: وليس كل ما يفعل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال أو ما يصدر من أقوال زائدة على أصل النص مطلوبا على وجه الأفضلية والترغيب، بل غاية ما يدل عليه الجواز.
بل ربما أشعر بعدم الأفضلية.
وفرق بين أن يؤصل حكم على تقرير، وأن يأتي التقرير بأمر زائد على النص.
وسكوت الشارع لا يفيد إلا مجرد الجواز.
فإذا انضافت إلى ذلك دلائل أخرى تدل على غرض الشارع تعين أن الأفضلية ما نص عليه الشارع.
من ذلك:
ما ترجم له الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، قال: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.
فلم يستمر عمله في الصحابة لاستغنائهم بما دلت عليه النصوص من فقه المراد من نصوص الشارع في تسوية الصفوف وإقامتها.
عقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد من:
أولا: اعتدال الصفوف واستقامتها، وذلك بأن يكونوا صفا واحدا لا اضطراب فيه.
ومن ذلك المحاذاة بين المناكب. لتعذر إلصاقها في القيام فضلا عن سائر حركات الصلاة.
-يعني ما هو يا ليت. إلزاق المناكب في الصلاة، شيء ليس سهلا. فضلا عن حركات الصلاة الأخرى في الركوع وفي السجود، فتلتصق المناكب، هل هذا شيء واقعي؟!
هذا شيء متعذر يعني.
..أيضا عقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم التقارب وعدم ترك الفرج، ولذا حذر الشارع منها لألا يتخلل الشيطان صفوف المصلين.
إذا هذا هو الغرض من طلب الشارع أولا وأخيرا كما جاءت الأحاديث الكثيرة في هذا الباب.
-التي هي ماذا؟
اعتدال الصفوف واستقامتها والتقارب وعدم ترك الفرج.
..أما ما زاد على ذلك..
-الأشياء التي زادها الصحابة مبالغة في الامتثال.
..أما ما زاد على ذلك فلا يضر فعله إن كان متيسرا، أما ما كان مستحيلا كإلصاق الركب أو المناكب أو ملازمة ذلك في كل حركات الصلاة، فلا يعدو ذلك أن يكون أمرا مُشغلا لقلب المصلي عما ينبغي أن ينصرف إليه من الخشوع وحضور القلب.
-يعني لو واحد شغلته في الصلاة: الكعب في الكعب في الركوع، في القيام، في الركوع، في الرفع من الركوع، في السجود، في الجلوس للتشهد. هذا شيء يكون صعب جدا. إن لابد أن يتحرى الكتف في الكتف والركبة في الركبة والكعب بالكعب. هذا شيء قطعا يفسد الخشوع في الصلاة. لما واحد يكون كل.. وماذا أيضا؟ ليس من طرف واحد، بل مع من على يمينه، ومن على شماله، هذه شغلة ثانية خالص. غير الصلاة هذه.
..فيقول: أما ما زاد على ذلك..
-الذي هو الأمر المهم. الخلاصة ما هي؟
الخلاصة.
..اعتدال الصفوف واستقامتها والتقارب وعدم ترك الفرج.
أما ما زاد على ذلك فلا يضر فعله إن كان متيسرا.
-إن أردت أن تسير، ولكن شيئا سهلا، بالراحة. بسماحة هكذا.
..أما ما كان مستحيلا، كإلصاق الركب والمناكب أو ملازمة ذلك في كل حركات الصلاة فلا يعدو ذلك أن يكون أمرا مشغلا لقلب المصلي عما ينبغي أن ينصرف إليه من الخشوع وحضور القلب.
لا أن يلاحق من على يمينه ومن على يساره.
-شغلته في الصلاة، يلاحق هذا ويلاحق هذا، يبعد قليلا برجليه، فيأتي برجليه.
يبعد برجليه، يعملهما هكذا، فإذا به يحول رجليه حتى تكون رجله وهو قاعد يصلي هكذا..
حتى يلصق الكعب هنا وهنا..
هل هذا موافق للشرع؟!
أنت انحرفت عن القبلة تماما، لجهة عكسية، وبذلت جهد عضلي ومقاومة للاتجاه الطبيعي للعضلات بحيث أن عقلك لن يكون في الصلاة إطلاقا.
مسابقة..
في مثل هذه الأفعال.
..يقول: لا أن يلاحق من على يمينه ومن على يساره ليلتصق به في كل حركاته وسكناته، مما يشاهد من فعل البعض من تصرفات تؤذي المصلين.
ثم لنا أن نسأل عن موقف السلف من فقهاء الأمة في هذه الهيئة في الصلاة.
هل اتفقوا على تركها مع ثبوتها وأرجحية طلبها؟! وأننا أكثر حرصا على السنن والمحافظة عليها منهم؟! ومن القرون الفاضلة التي عقلت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته وتابعيهم من سادات هذه الأمة في الأمصار المختلفة؟!
وقد قلد هذه الحركات الجهال، وارتكبوا من الجهالات ما أفسدت على الناس مقاصد الصلاة.
فبدلا من أن يعدل المصلي الصف في ابتداء الصلاة، ويقرب ممن على يمينه أو ممن على يساره القرب المطلوب يبدأ بتوسيع المسافة بين رجليه، ويمنع التقارب إلا بوضع قدم جاره على قدمه.
فإذا ركع أو سجد بدت الفرج التي حذر منها الشارع.
ومن هذه الجهالات أن يأتي بعض العمال الذين يتعاطون الحرف المخالطة للأتربة والإسمنت وتخشن الأقدام، وإذا انضاف إلى ذلك الأظفار الطويلة لاقى المصلي الأمرين من مناشير الأقدام التي لا تدع للمصلي موضعا لتدبر صلاته.
ومن هذه الجهالات ما يفيضه البعض من مبالغة في توسيع المسافة بين القدمين ورفع مؤخر الأقدام والميل بمقدم الجسم..
- هو يتصنع الخشوع بطريقة، إن مقدمة الجسم تكون لأسفل هكذا. وليست.. كأن الخشوع بمثل هذه الحركات.
..وميل مقدم الجسم ورفع المؤخرة، وقد يضيف البعض حركة اهتزازية.
-يتجلى وهو في الصلاة. فيظل يتحرك يمينا وشمالا.
..مما لا يعرف له نص ولا توقيف.
ويلجأ من يتطلب إلصاق كعبه بكعب من يجاوره، بأن يميل القدم حتى يأتي الإلصاق.
-لأنه لو الاثنين يستقبلان القبلة تكون سهلة، لكن من بجانبه آخذ الوضع التشريحي، الخمس عشرة درجة، هذا هكذا، وهذا هكذا..
فحتى يلصق هو ويكون مستقبل القبلة، فلابد أن يكون عاملا ماذا؟ هكذا..
وطبعا هذه تشتت تماما في الصلاة، لأنها ضد حركة..
تحتاج جهد عضلي من أجل أن يحافظ على هذا الوضع.
هو لا يكون وهو واقف منشغلا بها كثيرا، لكن في الركوع تكون أسهل، فلذلك تجدهم دائما يهتمون بها في الركوع.
بجانب أنه في الركوع تكون في مجال النظر. فلابد أن يعطيها حقها.
..يقول: ويلجأ من يتطلب إلصاق كعبه بكعب من يجاوره بأن يميل القدم حتى يأتي الالتصاق، لأن حافة القدم يمتنع معها إلصاق الكعب إلا بهذه الإمالة، ليقف المصلي على حافة قدمه اليمنى ولكي يلصق الركبتين ويبدو وقوف المصلي في هذه الحالة..
-يريد أن يلزق الركبتين والكعبين مع اليمين والشمال، فيبدو في هذه الحالة..
..على هيئة لا علاقة لها بروح الصلاة والخشوع. بل يتعلق بهذه الحركات التي تصرف المصلي عن عبادته.
فإذا انضاف إلى ذلك العجب بالنفس، والتظاهر بالتفرد في هذه الحركات.
-إنه لا أحد يحافظ على السنة غيري أنا.
إنسان متفرد بشيء لا أحد يفهمه، ولا أحد يعرفه.
..لم يبق للإنسان من صلاته إلا الخسران.
ولذا انصرف السلف إلى مقصود الشارع فيما حس عليه.
-لابد أن ننظر إلى المقصود من العبادة ما هو؟
الخشوع. أهم شيء الخشوع، فهذا شيء يتنافى تماما مع الخشوع.
..يقول: ولذا انصرف السلف إلى مقصود الشارع فيما حث عليه مما أشعر بأن تلك الأحوال ما أريد بها إلا تحقيق ما نص الشارع على طلبه.
وعلى فرض حصول تلك الأحوال، فلم تستمر في عهد الصحابة فضلا عن غيرهم.
ولذلك قال ابن حجر رحمه الله..
-وهذه من دقة الحافظ، علق على الخبر الموجود، خبر أنس وغيره.
..ولذلك قال ابن حجر رحمه الله: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله.
-انظر إلى البركة في كلام العلماء الحقيقيين.
بركة.
كلام قليل، لكن لخص لنا كل الكلام الكبير الذي نقوله هذا.
انظر إلى كلمة (المبالغة) خلصت الموضوع.
(المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله).
إشارة إلى أن هذه مبالغة في الامتثال، وليس هذا دليلا على سنيتها ولا على استحبابها ولا على أفضليتها.
لأن هذه سنة تقريرية.
أقصى ما فيها أن تكون سنة تقريرية تدل على ماذا؟
الجواز، أنها لا تضر.
لكن إذا صارت الناس في تطبيقها بحيث أنها تضر.
تضر بالخشوع وتشوش على من بجواره. ومن بيمينه.
فلا داعي لها. وركز في الخشوع.
..يقول ابن حجر: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله.
انتهى.
ولو كانت سننا مرغبا فيها، ما هجرها الصحابة على فرض حصولها، ولما هجرها الراوي نفسه حيث قال أنس:..
-روي عنه، إن صح عنه..
إنه قال ماذا؟
.."ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس".
-ما معناها؟ إنها اندثرت.
..فهل تهجر السنن من الصحابي إذا لم يستسغها الناس؟!
وإذا فرط الصحابة في ذلك معاذ الله، فهل يشنع بعد ذلك على متبعي المذاهب بإهمال السنن والتفريط في المحافظة عليها؟!
الحق أنا السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، لو لم يدركوا أن هذا الفعل الزائد على نص الشارع أمرا جائز، لما هجروا هذا الفعل.
ومنهم الرواي له، كما سبق بيانه.
واتضح برهانه من القضايا المماثلة، وأن ليس كل ما يقرر من فعل الصحابي سننا مطلوبة، وبخاصة ما جاء منها اجتهادا زائدا على النص.
وأن للتقرير أحوال مختلفة، وإلا كان أكل الضب سنة مرغبا فيها لحصولها بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك أفعال تفيد مطلق التقرير، منها:
ما يقرر دون أن يشرع بعد ذلك.
كحديث أبي بكرة، وركوعه دون الصف وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله وقوله: "زادك الله حرصا، ولا تعد".
فهنا أقره لكنه لا يشرع بعد ذلك.
لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "زادك الله حرصا ولا تعد".
ومثله ما تقدم في إعادة الصحابي صلاته عند وجود الماء بعد أن صلاها بالتيمم، فلا تشرع الإعادة.
وإن قرر النبي صلى الله عليه وسلم فعله، لكن دل قوله للآخر الذي لم يعد.
-ماذا قال له؟
"أصبت السنة".
..بأن فعل الأول مخالف للسنة. واغتفر منه اجتهاده ولو لم يوافق السنة وأثيب عليه.
صورة أخرى تفيد مطلق التقرير.
يستعاض عن فعله بصفة أخرى، دون أن تطلب منه الإعادة، كما في قصة عمار بن ياسر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حين أجنبا وهما في سفر، فأما عمر فلم يصلي وأما عمار فتمعك -تمرغ- في الأرض.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يكفيك هذا" وأراه صفة التيمم.
-فيكون هنا..
هو فَعَل فِعل. فشرع له إنه يفعل بصفة أخرى، ولم يطلب منه الإعادة.
فهي درجة من درجات التقرير.
أو يفيد مطابقة الحال، كما في حديث أبي الدرداء فيمن قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. فخرج لينادي بها في الناس. فلقي عمر فقال: ارجع. فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها. فرجع. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: صدق عمر".
-فهنا طابق قول النبي صلى الله عليه وسلم حال الذي فعله عمر.
..أومطابقة خبر، كما في حديث محمد بن المنكدر قال: "رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال. قلت: تحلف بالله؟! قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم".
-فهذا نوع من الإقرار: لم ينكر عليه.
..يقول ابن حجر: وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال، ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز.
إذاً خلاصة الكلام في هذه المسألة:
إن التقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لما يقع بحضرته أو يقال، ليس على درجة واحدة في إفادة الحكم. وجوبا أو ندبا أو إباحة.
وأن هناك فرقا بين ما يقع تأصيلا لحكم أو زيادة عليه.
مما يستدعي استقراءا ومعرفة لموارد الأدلة وكيفية استنباط الأحكام منها في نطره شاملة لمقاصد الشريعة. والله تعالى أعلم.
-أعرف أنا فصلنا، لكن لشيوع هذه المسألة عند كثير جدا من الإخوة وتأثمهم من أن يتخلفوا عن هذا الفعل خشية أن يخالفوا السنة، فأردت أن أنتهز الفرصة لأبين هذه المسألة بالتفصيل.
..يقول: ويستحب اتمام الصف الأول فالذي يليه فإذا كان نقص فليكن في آخر الصفوف لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تصافون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف".
*رابعا: صلاة المنفرد خلف الصف:
لا تصح صلاة الرجل وحده منفردا خلف الصف.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف".
و"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة".
-طبعا يحمل هذا الحديث على أنه في هذه الحالة، كان هناك سعة في الصف الذي يليه فلم يقف فيه وإنما صلى وحده.
طيب لنفرض أن رجلا أتى فلم يجد مكانا في الصف، وكان الصف مكتملا وليس فيه مكان لإنسان ليصلي فيه.
البعض قال: ينتظر حتى يأتي أحد ويصلي معه.
البعض قال: يسحب واحد من الصف الأول.
فطيب قال بعض العلماء: إن هذا فيه نوع من الظلم أن الرجل أتى مبكرا وأدرك الصف المقدم فكيف يعود معه ويحرم من الصف الأقرب للإمام.
فقالوا: هذا نوع من الظلم.
ومع ذلك إذا كنت لا تأخذ بهذا المذهب وواحد سحبك من الصف "لينوا في أيدي إخوانكم".
ساعده على أن يحصل ما هو شرط في صحة صلاته.
اعذره يعني.
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، له تحقيق جيد في هذه المسألة، ومن اختياراته هنا:
بناءا على أن الواجبات تسقط بالأعذار. فوقوفه في الصف واجب، ولكنه إذا أتى ووجد الصف قد اكتمل فهذا عذر يسقط عنه واجب الوقوف في الصف فيصلي وحده ولا يعيد الصلاة بعد ذلك لأنه معذور. أتى بما يستطيع.
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. [ التغابن/16]
واضح؟
ولا يقول بالمذهب إنه يسحب واحد من الصف.
لكن إن كان هناك سعة في الصف، بحيث يمكنه أن يضم الناس ويدخل فيما بينهم بدون أذية لأحد. فلا بأس.
لكن إن لم يكن هناك فرصة فبطلان صلاة المنفرد تحمل على ماذا؟ إنه وجد سعة في الصف الذي أمامه ولم يصل فيها.
فإذا صلى منفردا يعيد الصلاة.
**الباب التاسع: في صلاة أهل الأعذار**
..يقول: أهل الأعذار هم المرضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور.
فقد خفف الشارع عنهم فيصلون حسب استطاعتهم.
قال الله تعالى: .. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.. [ الحج/78]
وقال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا.. [ البقرة/286]
وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. [ التغابن/16]
فكلما وجدت المشقة وجد التيسير.
-فيتكلم أولا عن أول أهل الأعذار وهو المريض.
..يقول:
كيفية صلاة المريض:
المريض: هو الذي اعتلت صحة بدنه. سواء كان ذلك كليا أو جزئيا.
ويلزم المريض أن يصلي المكتوبة قائما على أي صفة كان. ولو على هيئة الراكع لمن بظهره مرض لا يستطيع أن يمد ظهره، أو مستندا إلى جدار أو عمود أو على عصا.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه.
لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنهما: "صلي قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب".
فإن عجز عن ذلك كله صلى على حسب حاله، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. [ التغابن/16]
ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله ثابتا.
حتى لو صلاها بالإيماء لقدرته على ذلك مع النية.
ويومئ المريض المصلي جالسا في الركوع والسجود برأسه إيماءا.
ويجعل السجود أخفض من الركوع. فإذا عجز عن الإماء برأسه أومأ بعينه.
ثم يدخل في صلاة المسافر:
..يقول: وتشتمل على مسائل..
أولا:
الصلاة الرباعية:
فيه مسائل:
المسألة الأولى في حكم القصر:
لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية للمسافر ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع.
أما القرآن، فقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ.. [ النساء/101]
والقصر جائز في السفر في حال الخوف وغيره.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن القصر وقد أمن الناس، قال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته".
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه داوموا عليه.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت أبا بكر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. ثم ذكر عمر وعثمان رضي الله عنهم".
وروى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته".
وأما الإجماع: فالقصر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.
وقد أجمعت عليه الأمة.
وعلى هذا فالمحافظة على هذه السنة والأخذ بهذه الرخصة أولى وأفضل من تركها. بل كره بعض أهل العلم الإتمام في السفر. وذلك لشدة مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على هذه السنة. وأن ذلك كان هديه المستمر الدائم.
-بل قول قوي الحقيقة بوجوب القصر.
..المسألة الثانية:
في تحديد الصلاة التي يجوز فيها القصر.
الصلاة التي يجوز فيها القصر هي الصلاة الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء.
ولا تقصر صلاة الصبح ولا المغرب إجماعا.
لفعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.
ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين".
فدل على أن الرباعية هي المقصودة.
المسألة الثالثة:
في حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة، ونوعه.
حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ستة عشر فرسخا تقريبا.
وهي أربعة برد.
-طبعا فصاعدا، فهذا الحد الأدنى والأولى ما زاد.
..وبالأميال: ثمانية وأربعون ميلا، وهو ما يقارب ثمانين كيلو مترا.
هو طبعا عندنا الآن يوجد دقة أكثر في تحديد المسافات، فعلى المذهب الذي يحدد مسافة السفر بالمسافة، فالميل يساوي (1848م) ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين مترا طوليا.
-فيكون الثمانية وأربعين ميلا كم؟
تساوي: ثمانية وثمانين كيلو مترا، وسبعمائة وأربعة كيلو متر.
يعني قريبا من تسعة وثمانين كيلو مترا.
فيكون من اسكندرية وحتى أين؟
-طالب علم: طنطا.
-الشيخ: لا، طنطا مائة و..كم؟ لا أكثر بكثير طنطا.
-طلبة العلم:..
-الشيخ: إيتاي البارود قبل طنطا؟ صحيح قبل..
يعني مسافة حوالي ثمانية وثمانين أو تسعة وثمانين كيلو مترا.
هذا المذهب الذي يحددها بالمسافة.
..وهي يومان قصيدا في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام.
وسم النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا.
في الحديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر مسيرة يوما وليلة ليس معها محرم".
وكان ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد.
وهي ستة عشر فرسخا.
-الحقيقة هذه المسألة فيها شيء من التفصيل..
الكلام هنا على السفر المبيح للقصر.
الراجح في هذه المسألة: أن السفر المبيح للقصر لا حد له في الشرع.
يعني علقت أحكام كثيرة بالسفر ولم يقطع الشارع بمسافة محددة وإنما جاءت روايات متباينة في التحديد
فمثل هذا يكون مرجعه إلى العرف.
..فالسفر: هو مفارقة الأهل محل الإقامة.
ويكون على وجه يعده الناس سفرا.
-لابد أن يكون في عرف الناس سفرا.
..وهذا اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والموفق بن قدامة وابن القيم.
استدلوا بقول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ.. [ النساء/101]
فالآية في ظاهرها تدل على إباحة القصر لمن ضرب في الأرض، والشارع لم يحدد مقدار الضرب في الأرض فالأصل البقاء على الإطلاق.
كذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا، لا يفيد تحديدا قاطعا، لأن الروايات ماذا؟
-متفاوتة.
..ثم إن أقوال المحددين مختلفة فيما بينها.
-العلماء أنفسهم مختلفون، ممن يحددون المسافة أقوالهم مختلفة.
..فالمخرج أن يرجع في ذلك إلى الأصل وهو الإطلاق ويرجع في التحديد إلى العرف.
فما سماه الناس سفرا، فهو السفر. ويجوز فيه القصر طال أم قصر.
-وقد ذكرنا كلام العلماء في هذا المعنى.
..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (..وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر. لا بقصر ولا فطر ولا تيمم. ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد. لا زماني ولا مكاني...).
-يعني حتى التحديد بعض الناس حاولوا أن يحددوها بماذا؟
يقولون لك: مسافة تقطع في يوم وليلة -لا أدري- بمشي المعتدل.
طيب المسافة التي تقطع في يوم وليلة بالمشي المعتدل هذه، الآن لو واحد سيركب فيها سيارة سريعة أو طائرة هليكوبتر مثلا، في كم تقطع هذه.
فمن حيث الزمان لا تقطع هذه في أربعة وعشرية ساعة، هذه تقطع في..
يعني المسافة بيننا -بالإسكندرية- وبين القاهرة، لو بالطائرة تأخذ حوالي ثلث ساعة.
بالطائرات المتواضعة هذه.
ثلث ساعة تقريبا.
لكن لو حسبتها بالأقدام، سير الأقدام سيرا بطيئا بدبيب الأقدام وكذا وكذا..
ستأخذ لها مسافة أكيد أطول بكثير، أيام عدة.
فالتحديد بالوضع الزماني هنا أيضا لن يفيد، لأن الأمور الآن اختلفت تماما.
..(..فالأقوال المذكورة في ذلك، التحديد الزماني أو المكاني متعارضة ليس على شيء منها حجة وهي متناقضة ولا يمكن أن يحدد ذلك بحد صحيح.
فإن الأرض لا تزرع بزرع مضبوط في عامة الأسفار وحركة المسافر تختلف. والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع وأن يقيد ما قيده. فيقصر المسافر في الصلاة في كل سفر، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسخ على الخفين.
ومن قصر الأسفار إلى قصير وطويل وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا وجعلها متعلقة بالسفر الطويل، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها.).
انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
..وقال ابن القيم: (..ولم يحدد صلى الله عليه وسلم مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر.
والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر.
وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شيء البتة).
انتهى كلام ابن القيم.
فخلاصة الكلام في هذا المسألة هو إن: السفر الذي يبيح القصر لا حد له في الشرع فيكون مرجعه إلى العرف.
والسفر هو مفارقة الأهل محل الإقامة، على وجه يعده الناس سفر.
-فانتبهوا إلى هذا الضابط:..على وجه يعده الناس -في العرف- سفرا..
يعني هل أنت تذهب إلى أبي قير فتقول: أنا مسافر إلى أبي قير؟!
أو العامرية؟ مسافر إلى العامرية؟! فهي تعتبر الآن من الضواحي يعني.
..فالسفر هو: مفارقة الأهل محل الإقامة على وجه يعده الناس سفرا.
سبب ترجيح هذا القول: قوة أدلة هذا الفريق ودلالتها على محل النزاع.
لكن بعض الناس في وقتنا الحاضر لا يحسن فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ومن ذهب مذهبه، فتجدهم يستدلون به لأمور لا ينتجها كلام شيخ الإسلام ولا يؤدي إليها.
وإنما هذا القول لا يعتبر السفر، إلا ما عده الناس سفرا.
واحتاج إلى الزاد والراحلة ومؤونة السفر.
يقول ابن عربي معلقا على كلام هؤلاء الناس -الذين يسيئون تطبيق هذا الكلام.
يقول رحمه الله: وقد تلاعب قوم بالدين. فقالوا: إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل.
وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب. أو مستخف بالدين، ولولا أن العلماء ذكروه، لما رضيت أن ألمحه بمؤخرة عيني.
ولا أفكر فيه بفضول قلبي.
ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة.
وإنما كان كذلك، لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن.
فنحن نعلم قطعا: أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة وشرعا.).
انتهى كلام ابن العربي.
كذلك طول الزمن وقصره في السفر غير معتبر حتى عند المحددين للمسافة.
وسواء أكان السير عن طريق البر أو الجو أو البحر.
لأنه قد تقطع المسافة الطويلة بزمن يسير -كما في وقتنا الحاضر- بالطائرات والقطارات السريعة.
وقد يتطور العلم وتقطع المسافات الطويلة بما هو أقصر مما عندنا اليوم، والله أعلم بالصواب.
-إذاً هذا فيما يتعلق بالمسالة الأولى..
حد السفر: يعني مسافة السفر الذي تقصر فيه الصلاة.
الراجح فيها أنه يرجع في ذلك إلى العرف.
-الحقيقة، من البحوث الجيدة جدا في هذه المسالة: هذا الكتاب (حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر) للشيخ/ سليمان بن عبد الله الماجد.
أنا طبعا لن نأخذ منه شيئا كثيرا..
لكنه هنا حاول في هذا البحث..
يوجد جزئية معينة هي التي تهمنا جميعا..
يعني قلنا آنفا: إن بعض الناس يسيء فهم كلام شيخ الإسلام ويطبق السفر على أشياء هي ليست من السفر في عرف الناس.
فحاول المؤلف هنا الشيخ/ سليمان الماجد أن يذكر الأسباب العرفية للإقامة.
حاول أن يستنبط الأعراف ترتبط بماذا حتى نقول إن هذا سفر؟
..يقول: إن حقيقة الإقامة هي وجود أسباب التعلق بمكان النزول.
فمتى اكتملت هذه الأسباب أو كثرت أو قويت عد النازل من المقيمين في ذلك المكان.
ومتى عدمت هذه الأسباب كلها أو قلت أو ضعفت وكان قد أحدث سفرا فصاحبها مسافر أو في حكم المسافرين.
يقول:
وهذا عرض لأسباب الإقامة عند أهل العرف:
الأول: نية الإقامة المستقرة، ومدتها.
-واضح؟
ما نيته؟ هل نيته الاستيطان؟ نية الإقامة على التأبيد أو التردد كل يوم في السفر والإقامة.
..أيضا إرادة المدة.
أول أساب الإقامة.
-إرادة المدة هل يحدد المدة التي سيقعدها أم لا.
..أثر المدة في وصف الإقامة العرفي.
أيضا يقول:
لا إقامة مع نية مضطربة.
كذلك حالة الحرب من أعظم أسباب الإضطراب المنافي للإقامة.
نزول المسافر لحاجة ينتظر نجاحها.
من نزل مضطرا لعائق لا يدري متى يزول.
النية المستقرة إذا كانت مدتها قليلة.
سبيل العلم بالمدة:
مدة الإقامة ليس حدا مشتركا لجميع الأحوال.
-واضح؟
وناقش الحقيقة كل هذه..
..مسألة صلاحية المكان للإقامة.
هل يصلح للإقامة أم لا.
-تفرق.
إن كان المكان الذي أخذه، يليق بمثله ويستقر فيه.
..المسكن.
-هو سبب من أسباب التعلق بمكان النزول.
..التأهل.
-وهو أن يتزوج يعني، أو يكون له زوجة.
..المتاع والأثاث.
-هل جاء بأثاث أم لا؟
حول عياله من الدارس أم لم يحولهم.
فهذه كلها تؤثر في عرف إن كان هذا أقام أم ليس مقيما.
..الارتباط بمصالح البلد الذي نزله.
-افتتح في هذا المكان محلا تجاريا مثلا.
وسجل الأولاد في المدارس ووظفهم مثلا ونحو ذلك.
فيعني البحث الحقيقة قيم جدا، ولكنه بحث عميق، ونحن لا نريد أن نفصل الآن يعني، وإنما نحن مجرد أن نعمل عصف للأفكار لنصل إلى أن العرف أيضا لابد أن تضع في اعتبارك أن العرف هو الذي يعده الناس سفرا.
واضح؟
لابد من أن يعتبر الناس السفر سفرا، أن هذا ينطبق عليه الحس بأنه سفر.
..يقول: وأما نوعه:
نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة.
فهو السفر المباح: كالسفر للتجارة والنزهة.
والسفر الواجب: كالسفر للحج والجهاد.
والسفر المسنون المستحب: كالسفر للزيارة، والسفر للمرة الثانية للحج.
وعلى هذا فالسفر المحرم لا يجوز فيه القصر على رأي كثير من العلماء.
-وهذه المسالة فيها خلاف.
نوع السفر، هل يؤثر في الترفه والاستمتاع بالرخص، أم أن الرخص لا تناط بالمعاصي؟
فهو هنا اعتمد المصنف على هذا المذهب، وهو أن الرخص لا تناط بالمعاصي.
إذا سافر سفرا محرما فليس له أن يقصر.
..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.. [ البقرة/173]
فمفهومه أن الباغي أو العادي بسفره فلا إثم عليه...(برجاء مراجعة الجملة الدقيقة 01.57.29)
..ذهب إلى أن القصر مشروع في أي سفر. سواء كان سفر طاعة أو مباح أو حتى سفر معصية: أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن حزم. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
-أن يقصر في أي سفر حتى لو سفر معصية.
..لعموم الأدلة وعدم ثبوت دليل على التخصيص بسفر الطاعة أو السفر المباح.
-واضح؟
..وأجابوا عن تفسير قوله تعالى: ..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.. [ البقرة/173]
.. غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ.. المقصود طبعا بالباغي هنا طبعا قالوا: إن المقصود بالباغي الذي هو يأخذ ما يزيد على قدر الحاجة الذي هو سد الرمق في أكل الميتة، وليس المقصود مطلق المعصية.
المسألة الرابعة:
هل يقصر من نوى الإقامة؟
-وقد ذكرنا آنفا ما هو حد الإقامة في العرف؟
متى يقال على إنسان إنه مقيم أم لا؟
يدخل فيها عدة عوامل وليس عاملا واحدا.
..يقول: من نوى الإقامة يحتاج إلى تفصيل.
وبيان ذلك إنه:
إن نوى الإقامة المطلقة لم يقصر.
لانعدام السبب المبيح للقصر في حقه.
-نوى أنه سيقيم في هذا البلد.
..كذلك إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أو أقام لحاجة وظن أن لا تنقضي إلا بعد الأربعة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها.
وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج.
فمن أقام أربعة أيام أو أقل مثل إقامته صلى الله عليه وسلم قصر. ومن زاد أتم.
ذكره الإمام أحمد
قال أنس رضي الله تعالى عنه: "أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة".
ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر.
ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام ولا يدري متى تنقضي؟
أو حبس ظلما أو بمطر ولو أقام سنين.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة.
-يعني واحد مثلا، اعتقل ولا يدري ربما يخرج غدا، ربما يومين وربما ثلاثة، وممكن نصف ساعة -كما قالوا يعني- ويكون سنة!
فهو لا يدري قد يخرج وقد لا يخرج.
فهذا يظل يقصر.
ما دام لم ينو الإقامة.
هنا أيضا نتوقف مع مسألة مهمة تتعلق بالمدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة.
..اختلف الفقهاء في هذه المسألة..
فحكى ابن المنذر الإجماع على أن من لم ينو الإقامة، بأن أقام لحاجة ينتظر قضاءها، يقول: اليوم أخرج. غدا أخرج. فإنه يقصر أبدا ولو أقام سنين.
والأئمة الأربعة متفقون على ذلك إلا الشافعي في أحد قوليه، وهو الصحيح عند أصحابه، أنه يجوز له القصر ثمانية عشر يوما أو أربعة عشر يوما ثم يتم.
لكن اختلفوا في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها.
-هنا يوجد إجماع إقامة: أجمع إقامة، ونوى إقامة. لكن الحالة الأولى، ممكن أنه يقوم بعمل أوراق أو إجراءات. تخلص غدا، تخلص بعده، تخلص بعد شهر. فهو لا يعرف متى تنتهي.
فهو لم يجمع إقامة.
لكن الأحوال التي إذا نوى الإنسان الإقامة لمدة معينة، ما حد الإقامة الذي يبيح له القصر؟
..القول الأول: المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر أتم.
وإن نوى أقل من ذلك قصر.
القول الثاني: أن المسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام يتم، وإذا نوى أقل من ذلك يقصر.
القول الثالث: أن المسافر إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما فأكثر فإنه يتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر.
-طبعا يوجد مناقشة في الأدلة، وكلام مفصل لكننا نختصر.
..القول الرابع: أنا المسافر إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما فأكثر فإنه يتم، وإذا نوى أقل من ذلك قصر.
القول الخامس: إن المسافر يقصر أبدا، ما دام في سفر ولو بلغت المدة التي يقصر فيها سنوات.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
..خلاصة الكلام في هذه المسألة أن الترخص بالقصر معلق بالسفر.
فمتى كان المسلم مسافرا فإنه يترخص بالقصر وغيره.
ولم يرد في الشرع حد فاصل بين الإقامة والسفر.
بل علقه على وجود حقيقة السفر الذي يسمى سفرا.
فهل من سافر ثم أقام إقامة طويلة يعد مسافرا؟
وربما توفرت كل شروط الإقامة في إقامته.
-مثل من يخرج مثلا إلى بلاد بعيدة للدراسة.
فيقعد سنة سنتين أو مدة طويلة.
يقول الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عثمان الربيش.
في كتابه (السفر الذي يثبت به القصر).
يقول: إذا نظرنا إلى قول من أطلق المدة. فإننا نجد أن أدلته قوية -وهو اختيار شيخ الإسلام- لكن يجب على المسلم أن يحتاط لدينه، والأحوط لمن أقام بعد السفر ونوى الإقامة إلى أن يطبق ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بحجه، فإذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر وترخص. لأن المسلم يجب أن يحتاط لدينه، كما أن هذا المذهب دليله قوي، كما أن فعله ذلك خروج من الخلاف. والخروج من الخلاف مستحب عند بعض العلماء.
-فيعني هذا -والله تعالى أعلم- أقرب الأقوال في هذه المسألة.
الاحتياط أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام يتم. وإلا إن كان دون ذلك فيقصر.
المسألة الخامسة:
الحالات التي يجب على المسافر فيها إتمام الصلاة.
أولا: هناك صور وحالات تستثني من جواز القصر في السفر منها:
أولا: إذا ائتم المسافر بمقيم. فيلزمه الإتمام.
-يعني صلى في جماعة، والإمام متم، فلابد أن يوافقه.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به".
ولقول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن الإتمام خلف المقيم: "تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".
ثانيا: إذا ائتم بمن يشك فيه: هل هو مسافر أو مقيم؟
فإذا دخل في الصلاة خلف إمام ولا يدري أهو مسافر أو مقيم؟ كأن يكون في المطار ونحوه.
فإنه يلزمه الإتمام. لأن القصر لابد له من نية جازمة.
أما مع التردد فإنه يتم.
ثالثا: إذا ذكر صلاة حضر في السفر:
كرجل مسافر وفي أثناء سفره تذكر أنه صلى الظهر في بلده بغير وضوء.
أو تذكر صلاة فائتة في الحضر، هنا يلزمه أن يصليها تامة.
-مع إنه في حالة سفر.
..لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".
-يعني يصليها كما هي.
ولأن هذه الصلاة لزمته تامة.
فيجب عليه قضاؤها تامة.
رابعا: إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها، ففسدت وأعادها.
كأن يصلي المسافر خلف مقيم.
-ما دام يصلي خلف مقيم، فيلزمه أن يتم الصلاة.
..فإذا فسدت عليه هذه الصلاة..
-نقض وضوءه أو حصل أي شيء، وفسدت الصلاة.
..ثم أعادها.
لزمه إعادتها تامة. لأنها إعادة لصلاة واجبة الإتمام.
خامسا: إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة أو الاستيطان.
إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة في البلد الذي سافر إليه دون أن يقيد ذلك بزمن معين أو عمل..(الدقيقة 02.06.39) معين، وكذلك إذا نوى اتخاذ هذه البلد وطنا له، فإنه يلزمه إتمام الصلاة. لأنه قد انقطع حكم السفر في حقه.
فإذا قيد السفر بزمن معين ينتهي، أو عمل ينقضي، فإنه مسافر يقصر الصلاة.
-وناقشنا التفاصيل يعني آنفا..
نكتفي بهذا القدر
وجزاكم الله خيرا..
نكتفي بهذا القدر..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..
أشهد أن لا إله إلا أنت..
أستغفرك وأتوب إليك..
]]>الفقه الميسر
كتاب الصلاة
(الباب من المسألة الثامنة إلى الباب السابع المسألة الخامسة)
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين
والعاقبة للمتقين
ولا عدوان إلا على الظالمين..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
اللهم صلي على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد..
أما بعد..
انتهينا إلى الكلام في المسألة الثامنة:
*ما يكره في الصلاة..
..يقول: يُكرَه في الصلاة الأمور التالية:
أولا: الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأوليين.
لمخالفة ذلك لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه في الصلاة..
-يعني هو وإن كانت تصح الصلاة بذلك، لكن هذا مكروه لاستحباب تلاوة القرآن بعد الفاتحة.
أو تلاوة ما تيسر من القرآن..
ثانيا: تكرار الفاتحة:
لمخالفة ذلك أيضا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
..لكن إن كررها لحاجة، كأن يكون فاته الخشوع وحضور القلب عند قراءتها فأراد تكرارها ليحضر قلبه، فلا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يجره ذلك إلى الوسواس.
-والوسواس لا يُجر: الوسواس تكون مشكلة موجودة أصلا، لكنه يتعلق بأي حاجة يوسوس فيها..
لكن متى ما أتت فرصة نفصل في موضوع الوسواس لأنها مشكلة ضخمة عند كثير من الناس، ولا يفهمون الفرق بين الوسواس المرضي الذي هو الأفعال القهرية، وبين الوسوسة العادية التي تأتي للناس العادية.
فدائما في الفقه لما يتكلمون في الوسواس يقصدون الوضع العادي الذي لا يخلو منه إنسان.
أما الوسواس كمرض فهذه مشكلة كبيرة لأن لابد من تعاطي علاج، لابد من تعاطي الدواء.
والموسوس لا يُفتى: لما يسأل لا يُجاوب سؤاله، وإلا سندخل معه في دخان النار.
لكن جواب سؤال الموسوس، إنه يتعاطى أدوية وبعد أن يتحسن نبدأ نجيب أسئلته.
ثالثا: يكره الالتفات اليسير في الصلاة بلا حاجة:
لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الالتفات في الصلاة: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
والاختلاس: السرقة والنهب.
أما إذا كان الالتفات لحاجة فلا بأس بها، كمن احتاج إلى أن يتفل عن يساره في الصلاة ثلاثا إذا أصابه الوسواس.
فهذا التفات لحاجة أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكمن خافت على صبيها الضياع فصارت تلتفت في الصلاة ملاحظة له.
هذا كله في الالتفات اليسير.
-الذي غالبا يكون بالعين.
..أما إذا التفت الشخص بكليته أو استدبر القبلة فإن صلاته تبطل. إذا كان ذلك من غير عذر من شدة خوف ونحوه.
رابعا: تغميض العينين في الصلاة:
لأن ذلك يشبه فعل المجوس عند عبادتهم النيران.
وقيل يشبه فعل اليهود أيضا وقد نهينا عن التشبه بالكفار.
-طبعا إلا إذا كان حول الإنسان ما يشوش عليه في الصلاة، فهو يغمض عينيه، لأن فتحها يؤثر في الخشوع بكثرة المشوشات من حوله.
خامسا: افتراش الذراعين في السجود:
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
فينبغي للمصلي أن يجافي بين ذراعيه ويرفعهما عن الأرض ولا يتشبه بالحيوان.
سادسا: كثرة العبث في الصلاة:
لما فيه من انشغال القلب المنافي للخشوع المطلوب في الصلاة.
سابعا: التخصر:
لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "نُهي أن يصلي الرجل مختصرا".
والتخصر والاختصار في الصلاة: وضع الرجل يده على الخصر والخاصرة، وهي وسط الإنسان المستدق فوق الوركين.
وقد عللت عائشة رضي الله تعالى عنها الكراهة بأن "اليهود تفعله".
ثامنا: السدل وتغطية الفم في الصلاة:
لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه".
..والسدل: أن يطرح المصلي الثوب على كتفيه ولا يرد طرفيه على الكتفين.
وقيل: هو إرسال الثوب حتى يصيب الأرض فيكون بمعنى الإسدال.
..إذاً السدل: أن يلتحف الرجل بثوبه ويدخل يديه من داخل، كأنك مثلا ارتديت مثل هذا القميص لكن لم تدخل الذراعين مثلا في الكم.
فهو التحف به ويداه داخل الثوب.
فالسدل: أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك.
وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه.
وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب.
وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يحملهما على كتفيه.
تاسعا: مسابقة الإمام:
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار".
-مسابقة الإمام في حركات الصلاة فيها هذا الوعيد، الوعيد بأن يُمسخ إلى حمار، وذلك تنفيرا من هذا الفعل. وعلاج التعجل في الصلاة، الذي يجعل المأموم يسابق الإمام أن يتذكر أنه مهما سبق الإمام فإنه لا يستطيع الخروج من الصلاة إلا بعد أن يُسَلِّم. فهو في كل الأحوال ملزم بمتابعة الإمام.
فدواءه أن يعلم أن لا جدوى من المسابقة، لأنه ملتزم بمتابعته إلى أن يسلم. واضح؟
عاشرا: تشبيك الأصابع:
"لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم من توضأ وأتى المسجد يريد الصلاة عن فعل ذلك".
فكراهته في الصلاة من باب أولى.
والتشبيك بين الأصابع: إدخال بعضها في بعض.
-إدخال بعضها في بعض: وهذا المقصود به: كراهة التشبيك داخل الصلاة، وأما التشبيك خارج الصلاة فلا كراهة فيه ولو كان في المسجد لفعله صلى الله عليه وسلم إياه في قصة ذي اليدين.
وستأتي إن شاء الله تعالى في سجود السهو.
حادي عشر: كف الشعر والثوب:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم ولا يكف ثوبه ولا شعره".
والحديث متفق عليه.
..كف الشعر أو كفت الشعر أو الثوب هو: الضم، أي التشمير.
فالكف قد يكون بمعنى الجمع.
أي لا يجمعهما ولا يضمهما..
وقد يكون بمعنى المنع: يعني لا يمنعهما من الاسترسال حال السجود. وكله من العبث المنافي للخشوع في الصلاة.
-إذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي وهو مشمر ثيابه، لأن هذا من معناه الكفت أو الكف. أو يشمر السروال. يشمر قبل الصلاة هذا تكلف.
واضح؟
أو يكون المعنى الجمع، جمع الثوب مثلا: كأنه إذا أراد أن يركع فيضم الثوبين حتى يضيق عليه الثوب. فهذا يتسبب في أنه في حالة السجود لضيق الثوب فإنه يصف الجسد.
كذلك الشعر: ربما من صورته أن يكون شعره طويلا، فليدع الشعر يسجد معه. يسجد على الأرض. فالنهي هنا عن ضمه حيث طبعا هذا في حق الرجل، فلا يجمعه ولا يضمه بل يتركه يسجد معه.
ثاني عشر: الصلاة في حضرة الطعام أو وهو يدافع الأخبثين:
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان".
أما كراهة الصلاة في حضرة الطعام فذلك مشروط بتوقان نفسه إليه ورغبته فيه مع قدرته على تناوله وكونه حاضرا بين يديه.
- يعني بمعنى أنه يكره الإنسان إذا حضر الطعام بين يديه أمامه.
الطعام حضر بين يديه، ثم هو جوعان ونفسه تتوق إلى هذا الطعام ويرغب فيه، ولا يوجد مانع من الأكل. مانع مثل أن يكون الأكل ساخنا جدا مثلا، فلا شك أن السخونة سوف تعيقه. ففي هذه الحالة هذه هي الشروط.
فكراهة الصلاة بحضرة الطعام ذلك مشروط بتوقان نفسه إليه ورغبته فيه مع قدرته على تناوله وكونه حاضرا بين يديه.
فلو كان الطعام حاضرا ولكنه صائم أو شبعان لا يشتهيه أو لا يستطيع تناوله لشدة حرارته ففي ذلك كله لا يكره له الصلاة بحضرته.
..وأما الأخبثان: فهما البول والغائط.
وقد نهي عن ذلك كله لما فيه من انشغال قلب المصلي وتشتت فكره، مما ينافي الخشوع في الصلاة، وقد يتضرر بحبس البول والغائط ومدافعتهما.
ثالث عشر: رفع البصر إلى السماء:
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم".
**المسألة التاسعة:
حكم تارك الصلاة:
من ترك الصلاة جاحدا لوجوبها فهو كافر مرتد لأنه مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
أما من تركها تهاونا وكسلا، فالصحيح أنه: كافر إذا كان تاركا لها دائما وبالكلية.
لقوله تعالى عن المشركين: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ .. [ التوبة/11]
فدل على أنهم إن لم يحققوا شرط إقامة الصلاة فليسوا بمسلمين.
ولا إخوة لنا في الدين.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
ووقوله صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
أما من كان يصلي أحيانا ويترك أحيانا أو يصلي فرضا أو فرضين فالظاهر أنه لا يُكفَّر لأنه لم يتركها بالكلية كما هو نص الحديث "من ترك الصلاة".
فهذا ترك صلاة لا الصلاة.
والأصل بقاء الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
-فذكر هنا حكم تارك الصلاة، ولا شك أن هذه القضية من المعارك من القضايا الكبيرة التي تستحق أن تُستوفى في بحث مستقل.
..لكن خلاصة الكلام في هذه المسألة:
أن لتارك الصلاة حالين: إما أن يتركها جحودا لفرضيتها.
أو تهاونا وكسلا لا جحودا.
فأما الحالة الأولى فقد أجمع العلماء على أن تارك الصلاة جحودا لفرضيتها كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل كفرا كجاحد كل معلوم من الدين بالضرورة.
ومثل ذلك ما لو جحد ركنا أو شرطا مجمعا عليه..
واستثنى الشافعية والحنابلة من ذلك من أنكرها جاهلا لقرب عهده بالإسلام أو نحوه، فليس مرتدا. بل يُعرَّف الوجوب فإن عاد بعد ذلك صار مرتدا.
وأما الحالة الثانية: فقد اختلف الفقهاء فيها، وهي ترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا.
فذهب المالكية والشافعية إلى أنه يُقتل حدا.
-حدا يعني: أن حكمه بعد الموت، حكم المسلم فيُغسَّل ويُصلى عليه ويُدفن مع المسلمين ويورث إلى آخر هذه الأحكام.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
ولأنه تعالى أمر بقتل المشركين ثم قال: .. فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ .. [ التوبة/5]
وقال صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".
فلو كفر لم يدخل تحت المشيئة، فدخوله تحت المشيئة يدل على أصل إسلامه.
وذهب الحنفية إلى أن تارك الصلاة تكاسلا عمدا فاسق لا يُقتل بل يعذَّر أو يُحبس حتى يموت أو يتوب.
وذهب الحنابلة إلى أن تارك الصلاة تكاسلا يُدعى إلى فعلها ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك. فإن صلى وإلا وجب قتله.
ولا يقتل حتى يُحبس ثلاثا ويدعى في وقت كل صلاة فإن صلى وإلا قتل حدا وقيل كفرا.
أي لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لكن لا يرق ولا يسبى له أهل ولا ولد كسائر المرتدين. لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تركها فقد كفر".
وروي مرفوعا: "من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة".
وكل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء، ولأنه يدخل بفعلها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادتين.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" وكذا عندهم لو ترك ركنا أو شرطا مجمعا عليه كالطهارة والركوع والسجود ولا يُقتل بترك صلاة فائتة.
-لا يتسع المجال للتفصيل لأن القضية من المعارك الفقهية الكبيرة.
فنكتفي بهذه الإشارة.
لكن مع العوام، عوام الناس الذين يشيع فيهم إهمال الصلاة وترك الصلاة، لا ينبغي أن يناقش مسألة الكفر في الأحاديث هل هو كفر أكبر أم هو كفر دون كفر. وإنما تترك النصوص تعمل عملها في قلبهم بدون أن نفصل. أن نصف تارك الصلاة بالكفر ونترك النصوص على ظاهرها، أما التفاصيل فهي في مجالس العلم وفي طلب العلم. لأن هذا يضر العوام، يطمئنون، تقول له: لا ما يهمك أن تترك الصلاة أنت لا زلت مسلما.
فهذا مع أن الخلاف في المسألة خلاف صعب جدا، لأنه على الأقل تارك الصلاة بإجماع المسلمين أكبر وزرا وأشد إثما من قاتل النفس والزاني وشارب الخمر والمرابي وكل هذه الكبائر ترك الصلاة أشد منها.
على قول من لا يكفره، فما بالك بمن يعده كافرا.
**الباب الخامس: في صلاة التطوع:**
وفيه مسائل:
والمراد بالتطوع: بتطوع كل طاعة ليست بواجبة.
أما فضلها:
التطوع بالصلاة: من أفضل الكربات بعد الجهاد في سبيل الله وطلب العلم. لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على التقرب إلى ربه بنوافل الصلوات.
ولحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..".
أما الحكمة من مشروعيتها:
فقد شرع الله سبحانه وتعالى التطوع رحمة بعباده فجعل لكل فرض تطوعا من جنسه.
ليزداد المؤمن إيمانا ورفعة في الدرجات بفعل هذا التطوع، ولتكمل الفرائض وتجبر يوم القيامة بهذا التطوع.
فإن الفرائض يعتريها النقص، كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول مايحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة، فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك".
-طبعا باب الترغيب في الأعمال الصالحة أو النوافل عموما والترغيب فيها سواءا فرائض أو نوافل يُنصح هنا بقراءة ومدارسة كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" للعلامة الألباني رحمه الله تعالى.
أما أقسام التطوع:
فصلاة التطوع على نوعين:
النوع الأول: صلوات مؤقتة بأوقات معينة: وتسمى بالنوافل المقيدة.
وهذه منها ما هو تابع للفرائض كالسنن الرواتب ومنها ما ليست بتابع كصلاة الوتر والضحى والكسوف.
النوع الثاني: صلوات غير مؤقتة في أوقات معينة، وتسمى بالنوافل المطلقة.
والنوع الأول: أنواع متعددة بعضها آكد من بعض.
وآكد أنواعه -يعني التي هي النوافل المقيدة- آكدها صلاة الكسوف ثم الوتر ثم صلاة الاستسقاء ثم صلاة التراويح.
وأما النوع الثاني: فيشرع في الليل كله وفي النهار ما عدا أوقات النهي، وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
*المسألة الثالثة:
ما تسن له الجماعة من صلاة التطوع:
تسن صلاة الجماعة للتراويح، والاستسقاء والكسوف.
*المسألة الرابعة: في عدد الرواتب:
والرواتب: جمع راتبة، وهي الدائمة المستمرة.
وهي التابعة للفرائض.
وفائدة هذه الرواتب.
أنها تجبر الخلل والنقص الذي يقع في الفرائض كما مضى بيانه.
وعدد الرواتب عشر ركعات.
وهي المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الغداة كانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها. فحدثتني حفصة: إنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين".
- طبعا إذاً من هذه الرواتب ركعتان بعد صلاة العشاء.
فبعد صلاة العشاء هناك سنة العشاء البعدية.
وهي هاتان الركعتان، وهذه منفصلة تماما عن صلاة ماذا؟
الوتر، لأن هاتان الركعتان تابعة للفريضة كسائر الرواتب.
تابعة للفريضة.
لكن الوتر هذه شيء مستقل تماما عن ماذا؟
سنة العشاء البعدية، التي هي ركعتان. هذه من الرواتب.
..ويتأكد للمسلم أن يحافظ على ثنتي عشرة ركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة إلا بنى الله له بيتا" أو "..إلا بُني له بيت في الجنة".
وهي العشر المذكورة سابقا، إلا أنه يكون قبل الظهر أربع ركعات. فقد زاد الترمذي في رواية حديث أم حبيبة الماضي: "أربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر".
ولما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر".
وآكد هذه الرواتب ركعتا الفجر. وهما سنة الفجر القبلية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها عن هاتين الركعتين: "ولم يكن يدعهما أبدا".
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "لا تتركوهما وإن طردتكم -أو طاردتكم- الخيل".
*المسألة الخامسة:
حكم الوتر وفضله ووقته:
أما حكمه: فالوتر سنة مؤكدة حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر".
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر".
ووقتهما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر لإجماع العلماء لفعله صلى الله عليه وسلم ولقوله: "إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: صلاة الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر".
فإذا طلع الفجر فلا وتر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى".
فهذا دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر.
قال الحافظ ابن حجر: وأصرح منه -يعني في الدلالة- ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره، أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يقول: "من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك. فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر".
وصلاة الوتر آخر الليل أفضل منه في أوله، لكن يستحب تعجيله أول الليل لمن ظن أنه لا يقوم آخر الليل.
وتأخيره لمن ظن أنه يقوم آخر الليل
لما رواه جابر رضي الله تعالى عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله. ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل. فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل".
*المسألة السادسة:
صفة الوتر وعدد ركعاته:
الوتر: أقله ركعة واحدة.
لحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم مرفوعا: "الوتر ركعة من آخر الليل" ولحديث ابن عمر الماضي قريبا: "صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى".
ويجوز الوتر بثلاث ركعات لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلي ثلاثا".
وتجوز هذه الثلاث بسلامين..
-يعني يصلي ركعتين ثم ركعة واحدة.
وهي الناس تسميها الشفع والوتر.
وهي شفع باعتبار ماذا؟
أنها زوج يعني..
لكن هي كلها وتر..
واضح؟
ليس هناك أصلا صلاة اسمها الشفع، هذه صفة، صفة لصلاة زوجية، لكن صلاة الوتر (واحد أو ثلاثة أو غيرها)..
..فتجوز هذه الثلاث بسلامين، لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "كان يسلم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته".
وتجوز سردا بتشهد واحد وسلام واحد.
لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن"
..ولا تصلى بتشهدين وسلام واحد حتى لا تشبه صلاة المغرب. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك..
ويجوز الوتر بسبع ركعات وبخمس لا يجلس إلا في آخرها، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها".
ولحديث أم سلمة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو بخمس لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام".
*المسألة السابعة:
الأوقات المنهي عن النافلة فيها:
هناك أوقات نهي عن صلاة التطوع فيها إلا ما استثني:
وهي أوقات خمسة:
الأول: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس".
الثاني: من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح في رأي العين، وهو قدر متر تقريبا، ويقدر بالوقت بحوالي ربع الساعة أو ثلثها، فإذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح، فقد انتهى وقت النهي.
لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة: "صلي صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع".
ولحديث عقبة بن عامر الآتي..
الثالث: عند قيام الشمس:
-يعني المقصود: منتهى ارتفاع الشمس، لأن الشمس ترتفع في الأفق فإذا انتهت بدأت بالانخفاض.
يعني أعلى ما تصل إليه الشمس في السماء.
..عند قيام الشمس..
-طبعا ارتفاعها هذا، منتهى الارتفاع لما ... علام..ماذا؟ ألا يوجد ظل. لا يوجد ظل للأشياء. (الدقيقة 27.34).
-الظل الذي يكون عند القدم.
..عند قيام الشمس حتى تزول إلى جهة الغرب ويدخل وقت الظهر.
لحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: "ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيَّف للغروب حتى تغرب".
ومعنى تتضيَّف للغروب: تميل للغروب.
الوقت الرابع من أوقات الكراهة: من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
-طبعا إلى غروب الشمس المقصود: إلى شروعها في الغروب.
..لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس".
الوقت الخامس: إذا شرعت في الغروب حتى تغيب.
كما تقدم في الحديث.
فتكون هذه الأوقات الخمسة محصورة في ثلاثة أوقات وهي:
*من بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح.
*وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس.
*ومن بعد صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس.
..أما حكمة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار يعبدون الشمس عند طلوعها، وعند غروبها.
فتكون صلاة المسلم في تلك الأوقات فيها، مشابهة لهم.
ففي حديث عمرو بن عبسة: "..فإنها -أي الشمس- تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار".
وقال أيضا: "..فإنها تغرب حين تغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار".
..هذا عن وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، وأما عن وقت ارتفاعها وقيام قائم الظهيرة، فقد بين صلى الله عليه وسلم علة النهي في الحديث السابق نفسه فقال: "..فإنها حينئذٍ تسجر جهنم".
فلا تجوز صلاة تطوع في هذه الأوقات إلا ما ورد الدليل باستثنائه كركعتي الطواف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار".
وكذا قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، يمكن أن يقضي الإنسان سنة الفجر بعد صلاة ماذا؟ الفجر.
أو ممكن أن يؤجل ذلك إلى ما بعد الشروق.
..وقضاء سنة الظهر بعد العصر لا سيما إذا جمع الظهر مع العصر.
وكذلك فعل ذوات الأسباب من الصلوات كصلاة الجنازة وتحية المسجد وصلاة الكسوف..
كذلك قضاء الفرائض الفائتة في هذه الأوقات لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".
ولأن الفرائض دين واجب الأداء فتؤدى متى ذكرها الإنسان..
- ..أن يصبح هذا هو وقتها في حقه.
**الباب السادس: في سجود السهو والتلاوة والشكر**
وفيه مسائل..
-طبعا السهو هو: الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه.
هذا لغة.
أما اصطلاحا: فهما سجدتان يسجدهما المصلي قبل السلام أو بعده.
وهو جالس لسهو في الصلاة، سواء كان في الصلاة فرضا أو نفلا.
-سواء كان السهو في الفرض أو في النافلة وهذا هو مذهب الجمهور.
أما دليل مذهب الجمهور على وجوب سجود السهو في صلاة التطوع..
إذا كان المسهو عنه واجبا.
والإمام البخاري بوَّب في صحيحه قال: باب السهو في الفرض والتطوع.
باب السهو في الفرض والتطوع.
والحديث الذي يستدل به هنا:
حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعدما يسلِّم".
وهذا رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي والإمام أحمد وحسنه الألباني..
قال القاضي عبد الوهاب: ليس بعد (كل) -في كلام العرب- كلمة أعم منها.
-أعظم صيغة تفيد العموم.
ليس بعد (كل) في كلام العرب كلمة أعم منها.
واستدلوا هنا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل سهو سجدتان بعدما يسلم".
وفي الحديث: "إذا قام أحدكم ليصلي جاء الشيطان فلبسَّ عليه".
فكلمة: "إذا قام أحدكم ليصلي.." صيغة عامة، لم تقيد الفرض. لم تقيد بالفرض وإنما تعم أيضا النافلة.
ويقول سعيد بن المسيب: سجدتا السهو في النوافل كسجدتا السهو في المكتوبة.
وقال أبو داود في مسائله: رأيت أحمد غير مرة يسجد في التطوع سجدتي السهو.
..يقول:
*المسألة الأولى: في مشروعية سجود السهو وأسبابه:
المراد به: السجود المطلوب في آخر الصلاة جبرا لنقص فيها أو زيادة أوشك.
وسجود السهو مشروع.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين".
ولفعله صلى الله عليه وسلم كما يأتي بيانه.
وقد أجمع أهل العلم على مشروعية سجود السهو.
-هو طبعا: كلمة المشروع تكون أعم من .. هذا القدر المتفق عليه.
لكن يقول الشوكاني رحمه الله تعالى: قد اجتمع في مشروعية سجود السهو -أقواله وأفعاله- ما هو بصيغة الأمر. فكان هذا واجبا.
..الدقيقة _34.00) أنه حيثما جاء في واقعة معينة السجود بصيغة الأمر فسجود السهو يكون واجبا.
ولكن إذا كان المتروك سنة من السنن التي ليست بواجبة فالسجود لها مسنون، لأن الفرع لا يزيد على أصله.
*أما حكمة تشريع سجود السهو: فقد شرع جبرا للصلاة وإتماما لها وترغيما للشيطان.
وقد سماهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرغمتين".
كما رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان، وفيه راو ضعيف، لكن يشهد له حديث أبي سعيد "فكانت السجدتان مرغمتي الشيطان" هذا رواه مسلم.
مرغمتي الشيطان.
-يعني تغيظان الشيطان، لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله -وفي رواية: يا ويلي- أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمِرتُ بالسجود فأبيت فلي النار" وهذا رواه مسلم.
*أسباب سجود السهو:
ثلاث: الزيادة. النقص. الشك. في الصلاة.
لكن لا يشرع سجود السهو لمن ترك ركنا أو واجبا أو سنة متعمدا.
-وإلا لا يكون سهوا.
فلابد أن يكون هناك سهو.
لكن لو واحد ترك واجبا أو ركنا أو سنة متعمدا فلا يشرع له سجود السهو.
هذه قضية أخرى.
..وينبغي على المصلي ألا يخرج من صلاته حتى يطمئن ويعلم أنه قد أتمها على أحسن وجه.
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج المرء من صلاته وهو شاك فيها، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "ولا غرار في صلاة ولا تسليم".
"ولا غرار في صلاة ولا تسليم".
والغرار: في الصلاة هو النقصان في ركوعها وسجودها وطهورها.
قال أبو دادو: قال أحمد: ويغرر الرجل في صلاته فينصرف وهو فيها شاك.
-فإذا انصرف وهو شاك فهذا هو التغرير، أو انقاص للصلاة.
..وروى الإمام أحمد عن سفيان قال: "سمعت أبي يقول: سألت أبا عمرو الشيباني عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إغرار في الصلاة" فقال: إنما هو "لا غرار في الصلاة" ومعنى غرار، يقول: لا يخرج منها وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء حتى يكون على اليقين والكمال".
*المسألة الثانية:
متى يجب؟
يجب سجود السهو لما يأتي:
أولا: إذا زاد فعلا من جنس الصلاة: كأن يزيد ركوعا أو سجودا، أو قياما أو قعودا.
ولو قدر جِلسة الاستراحة. لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: "صلى بنا الرسول صلى الله عليه وسلم خمسا ..".
-يعني في صلاة رباعية.
.."..فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم..".
-ويقال: توسوس. والتوشوش: هو صوت اختلاط.
"..فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: لا. قالوا: فإنك صليت خمسا. فانفتل -أي انصرف- ورجع إلى القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم. ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أُنَسَّى كما تنسون -أو أَنسى كما تنسون- فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين".
-فالله سبحانه وتعالى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسهو في الصلاة ليعلمنا ويشرع لنا هذه الأحكام.
نلاحظ هنا قال: "..فسجد سجدتين ثم سلم.." هذه يرجح مذهب من قال: لا تشهد في سجود السهو.
لأنه قال: "..فسجد سجدتين ثم سلم.." ولم يذكر تشهدا.
فإذا علم بالزيادة وهو في الصلاة.
-إذا علم بأن هذه هي الركعة الخامسة مثلا وهو داخل الصلاة. فالناس سبحوا له، فهو علم أن هذه زيادة..
..وجب عليه الجلوس حال علمه، حتى لو كان في أثناء الركوع. لأنه لو استمر في الزيادة مع علمه لزاد في الصلاة شيئا عمدا وهذا لا يجوز.
الحالة الثانية: إذا سلم قبل إتمام صلاته: لحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، قال: "سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر".
-من آداب الكتاب، أنه لا ينفع أن يفصل كلمة رسول، ويضع لفظ الجلالة في أول السطر. لأنك ممكن تقرأها ماذا؟ (الله صلى الله عليه وسلم)، فالمفروض (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فإما أن ينقل كلمة رسول تحت، وإما يرفع لفظ الجلالة فوق. لكن ليس من الأدب في الكتابة أنك تنتهي بكلمة (رسول) ثم تضع (الله) في أول السطر، لأن معنى هذا ماذا؟ ستبدأ السطر ب(الله صلى الله عليه وسلم) وهذا لا يليق.
..أو سلم قبل إتمام صلاته:
-يعني الصلاة تكون ناقصة..
..لحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال: "سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين..".
-بسيط اليدين يعني ماذا؟ في يديه طول. طويل اليدين.
واسمه الخرباق.
.."..فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم".
الحالة الثالثة: إذا لحن لحنا يحيل المعنى سهوا: لأن عمده يبطل الصلاة، فوجب سجود السهو.
الحالة الرابعة: أو ترك واجبا: لحديث ابن بحينة رضي الله عنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعد الصلوات ثم قام فلم يجلس.."
-يعني قام ولم يجلس للتشهد، ترك التشهد الأول.
"..فقام الناس معه. فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه..".
-يعني توقعنا: هل سيسلم؟
"..كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم".
ثبت هذا بالخبر فيمن ترك التشهد الأوسط، فيقاس عليه سائر الواجبات، كترك التسبيح في الركوع والسجود، وقوله بين السجدتين: رب اغفر لي، وتكبيرات الانتقال.
-فهذا في حالة ما إذا ترك واجبا.
..للحديث، حديث عبد الله بن بحينة "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين، فمضى في صلاته فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين. فكبر في كل سجدة. قبل أن يسلم وسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس ثم سلم".
عن عبد الرحمن بن شماسة المهري، قال: "صلى بنا عقبة بن عامر الجهني، فقام وعليه جلوس".
-قام وعليه جلوس....(الدقيقة 42.04) التشهد الأوسط.
.."..فقال الناس: سبحان الله. فلم يجلس فمضى على قيامه. فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين وهو جالس، فلما سلم قال: إني سمعتكم آنفا تقولون سبحان الله. لكيما أجلس. لكن السنة الذي صنعت".
لأنه كان قد استتم قائما.
-الحقيقة أن هذا الأمر مقيد بما إذا تذكر بعدما استوى قائما. لأنه شرع في الركن.
أما إذا كان يتذكر في أثناء النهوض، فعليه أن يجلس وليس عليه شيء.
-إذا تذكر في النهوض -بغض النظر- يعني هذه المسألة فيها خلاف، بعض الفقهاء يقولون: إذا كان أقرب إلى القعود جلس. وإذا كان أقرب إلى القيام أتم.
لكن هذا الحديث يدل على أنه لا اعتبار بما هو أقرب إليه، لكنه إذا استتم قائما، انتصب قائما فلا يعود. لكن إذا كان أقل من ذلك، قبل أن يصل إلى النهوض قائما، فله أن يجلس وليس عليه شيء.
..عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس. فإن استوى قائما فلا يجلس وليسجد سجدتي السهو".
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: "إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس، فإن لم يستتم قائما فليجلس. وليس عليه سجدتان. فإن استوى قائما فليمضِ في صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس".
-طبعا الاستواء: هو الاعتدال والانتصاب.
..وهذا قول الشافعي وعلقمة والأسود وقتادة والضحاك والأوزاعي.
قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى: ((وهو يدل على أن الذي يمنع القائم من الجلوس للتشهد، إنما هو إذا استتم قائما، فأما إذا لم يستتم قائما فعليه الجلوس. ففيه إبطال القول الوارد في بعض المذاهب: أنه إن كان أقرب إلى القيام لم يرجع، وإذا كان للقعود -أقرب للقعود- قعد.
فإن هذا التفصيل مع كونه مما لا أصل له في السنة، فهو مخالف للحديث. فتشبث به وعض عليه بالنواجز. ودع عنك آراء الرجال فإنه إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا ورد نهر الله بطل نهر معقل. وهذا هو قول الجمهور كما نقله ابن رشد القرطبي المالكي)).
الحالة الخامسة: ويجب سجود السهو إذا شك في عدد الركعات، فلم يدرِ كم صلى.
-كما قلنا أسبابه ماذا؟ زيادة أو نقص أو شك.
.. وذلك أثناء الصلاة، لأنه أدى جزءا من صلاته مترددا في كونه منها أو زائدا عليها. فضعفت النية واحتاجت للجبر بالسجود. لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى. فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس".
وهو في هذه الحالة بين أمرين:
**إما أن يكون الشك بدون ترجيح لأحد الاحتمالين:
-يعني مستوي الطرفين، لا يقدر أن يرجح واحد منهم.
..ففي هذه الحالة يأخذ بالأقل ويبني عليه.
-شك: هل كانوا اثنين أو ثلاثة، يبني على أنهم اثنين. نعم يبني على الأقل. هذا في حالة ماذا؟ إذا كان الشك بدون ترجيح لأحد الاحتمالين.
... فيأخذ بالأقل -اليقين- ويبني عليه ويسجد للسهو، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبني على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم".
**أما إذا غلب على ظنه وترجح أحد الاحتمالين فإنه يعمل به ويبني عليه، ويسجد سجدتين للسهو، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن شك وتردد: "فليتحرى الصواب ثم ليتم عليه".
-أي يعني على التحري.
.."..ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم".
-فإذا لابد أن ندرك الفرق بين: التحري واليقين.
هناك فرق بين التحري وبين اليقين.
فالتحري يقال: حرَّى الشيء يعني حرَّاه: أي جانِبه. وتحرَّاه كذلك. قال تعالى: .. فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً [ الجن/14]
فالتحري أن يتحرى أصوب ذلك وأكثره عنده.
أما البناء على اليقين فإنه: يلغي الشك كله ويبني على اليقين.
فعلى المصلي أن يتحرى الصواب ويقصده، ويأخذ بأقل نسبة تظهر له، ما لم يكن لها معارض. ثم يسجد بعد التسليم سجدتين ويسلم.
..وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخى -أي يتحرى- حتى يعلم أنه قد أتم، ثم يسجد سجدتين وهو جالس".
يتوخي يعني: يتحرى الصواب.
وقال إبراهيم بن يزيد النخاعي: كانوا يقولون إذا أوهم يتحرى الصواب، ثم يسجد سجدتين.
يقول إمام بن حبان رحمه الله تعالى: (قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه من صحيح الآثار، أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد. وليس كذلك. لأن التحري هو أن يشك المرء في صلاته فلا يدري ما صلى، فإذا كان كذلك عليه أن يتحرى الصواب وليبني على الأغلب عنده ويسجد سجدتين السهو بعد السلام على خبر ابن مسعود).
-فإذا شك ينظر -كما ذكرنا- يتحرى وليبني على الأغلب، أغلب الظن ما هو؟ واضح؟
لكن إذا لم يكن هناك مُرجِّح أو غلب الظن، التي هي:
..إذا أصيب بالحيرة واختلط عليه الأمر وعدم الدراية، ولم يتسنى له تحديد كم صلى، مع التحري والتفكير بنى على اليقين وهو الأقل، وسجد قبل السلام لحديث ابن عوف وأبي سعيد.
يقول ابن حبان: (..والبناء على اليقين هو أن: يشك المرء في الاثنتين والثلاث..).
-صلى اثنين أم ثلاثة؟
(..أو الثلاث والأربع، ولا يستطيع الترجيح، فإذا كان كذلك يبني على اليقين، وهو الأقل وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو قبل السلام على خبر عبد الرحمن ابن عوف وأبي سعيد الخدري، سنتان غير متضادتين).
-فيكون التحري: هناك فرق بين التحري كما قلنا وبين البناء عل اليقين، وليسا شيئا واحدا.
وبعض الناس، ليس كل نسيان في الصلاة، ليس كله يكون وسوسة، أو ليس كل تردد وشك يكون وسوسة، أحيانا يكون وسوسة، وهذه مشكلة كما قلنا كبيرة.
لكن ممكن يكون بعض الناس يقول: أنا أوسوس في الصلاة، ولا تكون وسوسة. هو ممكن يكون عنده خلل في الذاكرة الحديثة. خلل في الذاكرة الحديثة.
الذاكرة الحديثة هي أقرب شيء إلى اللحظة الفائتة، من وقت قريب جدا. وهذا يكون في كبار السن غالبا فقط، الناس الذين هم كبار السن جدا جدا، الذي يكون مشوش وغير مركز ومشاغله كثيرة.
لازم نفرق بين الوسوسة العابرة التي هي تلبيس الشيطان على الإنسان في العدد، وبين النسيان مشكلة الذاكرة عند بعض الناس بالذات كبار السن الذي هو خلل هنا في الذاكرة الحديثة وليس وسوسة، وبين الوسوسة طبعا هذه مشكلة..
يعني الحقيقة يبدو أن هو موضوع الوسوسة، يبدو أنه مشكلة ضخمة جدا، هو التدين لا يوجدها هو يظهرها، يعني هو يكون عنده استعداد ويكون منتظرا لشيء فقط يخرج هذه الوساوس، فيبدو أننا محتاجين فعلا ذات مرة لحلقة خاصة عن موضوع الوسوسة لأنه كثر جدا جدا الضغط من الإخوة -بعض الإخوة- عندهم هذه المشكلة، وكما قلت من قبل مرارا لازم الإنسان يصارح نفسه ويذهب للطبيب النفسي. لازم.
لأن الوسوسة لازم علاج كيميائي، وفي بعض الناس ترفض العلاج وتزداد الحالة سوءا وتدخل على اكتئاب بعد ذلك، فيصبح عنده مرضين بدلا من مرض واحد.
فيعني المفروض من يحس أن عنده مشكلة يكون صريح ممكن يقعد خمس ست سنين عنده وسوسة ويخبئ ولا يبين، فموضوع الوسواس مشكلته أن الإخوة يربطون أو بعض الناس تربط بين ..تحسب إن..هي المشكلة كلها جاءت من اللفظ المشترك، كلمة وسواس ترجمت باللغة العربية إلى كلمة الوسواس المستعملة في النصوص الشرعية، فبالتالي كثير من الناس تحسب أن هذه هي هذه. لا. الوسواس الآخر هذا مصيبة، مصيبة كبيرة، يعني مرض صعب. ليس هو الوسواس العادي، الذي يجيء لك وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يذهب.
لأن الفرق بين الموسوس وبين الشخص العادي ماذا؟ أن فرامل الأفكار، عند الشخص العادي لما يدوس عليها توقف الأفكار، بينما الآخر .. تخيل واحد يسوق لسيارة وليس هناك فرامل خالص، سابت الفرامل.. يحاول يدوس بلا فائدة. ففرامل الأفكار ليست قوية.
..متى يسن؟
يسن سجود السهو إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهوا..
-قول مشروع أتى به في غير محله سهوا: كالقراءة في الركوع والسجود والتشهد في القيام مع الإتيان بالقول المشروع في ذلك الموضع، كأن يقرأ في الركوع مع قوله: سبحان ربي العظيم.
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين".
فإذا ترك سنة من سنن الصلاة يسن سجود السهو.
موضعه وصفته، لا ريب أن الأحاديث وردت في موضع سجود السهو على قسمين:
*قسم دل على مشروعيته قبل السلام.
*والقسم الآخر دل على مشروعيته بعد السلام.
ولهذا قال بعض المحققين أن المصلي مخير إن شاء سجد قبل السلام أو بعده، لأن الأحاديث وردت بكلا الأمرين، فلو سجد للكل قبل السلام أو بعده جاز.
قال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام.
..أما صفة سجود السهو فهما: سجدتان كسجود الصلاة.
-الحقيقة أيضا موضوع السجود قبل السلام أو بعده هذا موضوع كبير جدا، ونكتفي بما ذكره هنا. لأن التبسيط فيه يستغرق وقتا يتنافى مع الحرص على الاختصار بقدر المستطاع.
إلا فيما لا بد منه يعني.
..صفته: سجود السهو سجدتان كسجود الصلاة يكبر في كل سجدة للسجود والرفع منه، ثم يسلم.
-ليس هناك تكبيرة إحرام لسجود السهو. يكبر فقط. ثم يسلم.
..وذهب بعضهم إلى أنه يتشهد، إذا سجد للسهو بعد السلام. لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أحاديث حسنة بمجموعها كما قال الحافظ بن حجر.
-لكن في الحقيقة هو لم يثبت في سجود السهو تشهد.
..يقول قتادة: سلم أنس والحسن ولم يتشهدا.
وقال سلمة بن علقمة: قلت لمحمد بن سيرين: في سجدتي السهو تشهد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة.
وقال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وهل يتشهد ويسلم إذا سجد بعد السلام؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها المختار: يسلم ولا يتشهد. وهو قول ابن سيرين ووجه في مذهب أحمد والأحاديث الصحيحة تدل على ذلك.
-أن ورد فيها أحاديث لكن بعض العلماء يضعفها. وإن كان الحافظ حسنها بطرقها. فإذا هذا خلاف سائغ يعني. لكن الأقرب والله تعالى أعلم أنه لا يتشهد، لعدم ورود ذلك في الأحاديث التي ...(الدقيقة 55.29).
..طيب المسبوق: إذا سهى فيما يقضي؟
-يعني واحد صلى أدرك الظهر مثلا ركعتين ثم بعد ذلك يصلي ركعتين الثالثة والرابعة..
..فسها في هاتين الركعتين، يسجد للسهو أم لا يسجد؟
-يسجد، لأن السهو حصل أين؟ حينما انقطعت القدوة بالإمام.
..فالمسبوق إذا سهى فيما يقضي يسجد لسهوه.
لأنه بمنزلة المنفرد فلا يتحمل عنه الإمام، لانقطاع القدوة.
-إلا إذا كان الإمام نفسه سهى أثناء صلاته وسجد قبل التسليم وسجد معه المسبوق، فيكفيه هذا عن أن يسجد ثانية إذ سهى في القسم الذي ينفرد فيه.
طيب
لو المأموم سهى في أثناء الصلاة دون إمامه: يسجد للسهو؟
لا، لا يسجد.
..لا يسجد المأموم للسهو إلا لسهو إمامه معه.
-واضح؟ فليس للمؤتم أن يسجد إذا سهى دون إمامه، ويحمل الإمام عنه السهو. وفي الحديث ماذا؟ "فلا تختلفوا عليه" أي على الإمام. فالإمام يتحمل عنه هذا السهو.
..قال محمد بن رشد المالكي: ذهب الجمهور إلى أن الإمام يحمل عنه السهو، وهو قول الإمام مالك وعامة المالكية.
يقول الألباني رحمه الله: نحن نعلم يقينا أن الصحابة كانوا يقتدون به صلى الله عليه وسلم. وكانوا يسهون وراءه سهوا يوجب السجود عليهم لو كانوا منفردين. هذا أمر لا يمكن لأحد إنكاره. فإذا كان كذلك فلم ينقل أن أحدا منهم سجد بعد سلامه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعا لفعلوه، ولو فعلوه لنقلوه، فإذا لم ينقل دل على أنه لم يشرع. وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى.
..قد يؤيد ذلك ما مضى في حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه تكلم في الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم جاهل بتحريمه ثم لم يأمره بسجود السهو.
ذكره البيهقي وما قلناه أقوى.
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى: إذا سهى المأموم دون الإمام ولم يفت شيء من الصلاة فلا سجود عليه لأن سجوده يؤدي إلى الاختلاف على الإمام، واختلاف متابعته، ولأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تركوا التشهد الأول حين نسيه النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا معه ولم يجلسوا للتشهد مراعاة للمتابعة وعدم الاختلاف عليه.
-طيب
..ما حكم من سلم ظنا منه أن الإمام سلم
-سلم وهو يحسب أن الإمام سلم..
..فإذا ظن المأموم أن الإمام سلم فسلم ثم بان أنه لم يسلم، سلم معه أخيرا فلا سجود عليه.
-لماذا؟ لأن سهوه كان في حالة ماذا؟ القدوة، في حالة الاقتداء بالإمام.
طيب.
..ما حكم لو ظن المسبوق أن الإمام سلم، فقام ليتدارك ما عليه ثم ظهر غير ذلك؟
-يعني واحد عليه ركعة مثلا، فحسب أن الإمام سلم، فقام ليتدارك ما عليه ثم ظهر له أن الإمام لم يسلم..
.. لو ظن المسبوق أن الإمام سلم بأن سمع صوتا ظنه سلاما فقام ليتدارك ما عليه، وكان ما عليه ركعة مثلا فأتى بها وجلس ثم علم أن الإمام لم يسلم بعد تبين أن ظنه كان خطئا.
هذه الركعة غير معتد بها، لأنها مفعولة في غير موضعها، فإن وقت التدارك بعد انقطاع القدوة.
-والإمام لا زال لم يسلم. وقت التدارك هو بعد انقطاع ماذا؟ القدوة.
فإذا سلم الإمام قام إلى التدارك ولا يسجد للسهو لبقاء حكم القدوة، لأن سهوه حصل في أثناء الاقتداء بالإمام.
طيب
..إذا سهى الإمام كيف يصنع المسبوق؟
قال مالك والليث والأوزاعي: إذا سجد قبل التسليم.
-طبعا الإمام إذا سجد قبل التسليم طبيعي أن المأموم سيسجد ماذا؟ معه. لأن القدوة مستمرة.
..وإذا سجد بعد التسليم..
-الإمام سجد بعدما سلم.
..ففي هذه الحالة يسجدهما المسبوق بعد أن يقضي..
-يعني يأتي بالركعة الناقصة عليه مثلا، وقبل أن يسلم يسجد سجدتي السهو.
..قال الإمام محمد بن حزم الأندلسي: وإذا سها الإمام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه، إلا من فاتته معه ركعة فصاعدا فإنه يقوم لقضاء ما عليه، فإذا أتمه سجد هو للسهو. إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه. وإن كان بقي عليه قضاء قضى ما فاته ثم لا يعيد سجوده إذا سلم.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: (وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده فيجب على المأموم متابعته إلا أن يكون مسبوقا قد فاته بعض الصلاة، فإنه لا يتابعه في السجود بعده..).
-هو يتابعه في السجود قبل التسليم، لكن لا يتابعه في السجود بعده.
..(لتعذر ذلك إذا المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه..).
-لأن الإمام يسلم انقطعت القدون فيقوم يكمل.
..(..وعلى هذا فيقضي ما فاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم).
-والله تعالى أعلم..
*المسألة الخامسة: سجود التلاوة:
أولا: مشروعيته وحكمه:
..يقول: وهو مشروع عند تلاوة الآيات التي وردت فيها السجدات واستماعها.
-يعني سواء التالي أو المستمع.
طبعا بالنسبة..
..يقول هنا: قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته".
.. وهو سنة على الصحيح وليس بواجب، فقد قرأ زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم: وَالنَّجْمِ ... فلم يسجد فيها.
فدل على عدم الوجوب.
-إذاً سجود التلاوة فضيلة وليس فريضة.
مستحب أو سنة وليس فريضة.
..لما رواه عطاء بن يسار: أنه سأل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فزعم أنه ..
- زعم يعني قال..
..زعم أنه: "قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ .. فلم يسجد فيها". وهذا متفق عليه.
..مع أن السجود في وَالنَّجْمِ .. ثابت في الأحاديث الصحيحة، بل متواتر. فدل على عدم الوجوب حيث لم يأمره به النبي صلى الله عليه وسلم.
أيضا "قرأ عمر رضي الله تعالى عنه على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاءت سجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاءت سجدة قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر رضي الله عنه".
وزاد نافع من رواية ابن عمر: "إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء" وهذا رواه البخاري.
وقد تم هذا بمحضر الجمع الكبير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأقروه ولم ينكره أحد.
..يكره سجود الإمام في الصلاة السرية.
-إذا كانت صلاة سرية يكره أنه إذا تلى سجدة تلاوة أن يسجد، لماذا؟
سدا للذريعة. خوفا من حصول تخليط على المأمومين، وبالذات إذا كانوا بعيدين، فإنهم ربما إذا سجد للتلاوة ممكن يظنون أنه ركع، فتحصل لخبطة، وهذا يحصل كثيرا بسبب هذا. فيفضل أن الإمام إما أن لا يقرأ بهذه المواضع، أو إذا قرأها لا يسجد، على أساس أن هذا مستحب وليس واجب فسدا للذريعة كيلا يختلط الأمر على المؤتمين، فيكره سجوده سجود تلاوة في الصلاة السرية.
..أيضا لا تشرع جلسة الاستراحة عقب سجدة التلاوة في الصلاة.
-فإذا سجد سجدة تلاوة في الصلاة، فليس هناك جلسة ماذا؟ استراحة. وينهض مباشرة.
..يقول: ويشرع سجود التلاوة في حق القارئ والمستمع، إذا قرأ آية سجدة في الصلاة أو خارجها لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك عندما كان يقرأ السجدة، ولسجود الصحابة معه، كما مر في حديث ابن عمر، فيسجد ونسجد معه، والدليل على مشروعيته في الصلاة، ما رواه البخاري ومسلم عن أبي رافع، قال: "صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [ الانشقاق/1] فسجد. فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه".
-فهذا في داخل ماذا؟ الصلاة
..فإذا لم يسجد القارئ لا يسجد المستمع. لأن المستمع تبع فيها للقارئ.
ولحديث زيد بن ثابت المتقدم فإن زيدا لم يسجد، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
..وقال ابن مسعود لتميم بن حزلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة، فقال: "اسجد فإنك إمامنا".
-إمام القراءة يعني.
طيب لو واحد سمع آية السجدة في الراديو أو في الشريط.
-طالب علم:...
-الشيخ: لماذا؟
هذه آله، آله يعني آله لا تتعبد..
يعني خرجوها على فتوى عند بعض علماء الشافعية: "لو ببغاء يتقن..".
-وطبعا معروف أن هناك ببغاء ممكن يتقن جدا تكرار ..
"..تلى الببغاء آية سجدة، فهل يسجد السامع؟" لا، لأنه لا يتعبد. هو يقلد الأصوات فقط كتقليد ولكنه ماذا؟ لا يفقه معناها، واضح؟ فهو لا يسجد.
فتخريجا على هذا أن هذه آلة أيضا وليس قارئ مباشر يعني حي أمامك.
..أما فضل سجود التلاوة:
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار".
-طبعا سجود التلاوة لا يشترط له الطهارة، واستقبال القبلة.
..سجود التلاوة لا يشترط له الطهارة واستقبال القبلة، و"كان ابن عمر يسجد على غير وضوء".
..أما صفته وكيفيته: فإنه يسجد سجدة واحدة ويكبر إذا سجد، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى.
كما يقول في سجود الصلاة.
ويقول أيضا: "سبحانك الله ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي".
وإن قال: "سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين" فلا بأس.
وقد جاء في حديث رواه ابن خزيمة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه النووي وصححه الألباني أيضا الدعاء: "اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".
-فبعض العلماء صحح هذا الحديث، من الأدعية الموظفة في سجود التلاوة.
"اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".
..أما مواضع سجود التلاوة في القرآن، فهي خمسة عشر موضعا، وهي على الترتيب:
آخر سورة الأعراف - سورة الرعد- سورة النحل - سورة الإسراء - سورة مريم - أول سورة الحج- آخر سورة الحج - سورة الفرقان - سورة النمل - سورة السجدة - سورة فصلت - آخر سورة النجم - سورة الانشقاق - آخر سورة العلق.
-طبعا الآيات مذكورة ومعروفة.
والخامسة عشرة: هي سجدة سورة ص
-وهو هنا أفردها طبعا وحدها لعلة، وهي أن: سجدة ص هناك خلاف فيها، هل هي سجدة شكر أم سجدة تلاوة؟
الآية التي في سورة ص هل هي .. وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ . [ ص/24]
هل كانت سجدة شكر أم سجدة تلاوة؟
هناك قول بأنها سجدة شكر، وهذه رواية عن أحمد اختارها أكثر أصحابه وقال بها أكثر الشافعية، لحديث "سجدها داود توبة ونسجدها شكرا".
ولقول ابن عباس: "ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها". وهذا رواه البخاري
وفي بعض الأحاديث: "فلما بلغ السجدة تشذن الناس للسجود..".
-... الدقيقة .01.10.02)..
.."فلما بلغ السجدة تشذن الناس للسجود، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي لكني رأيتكم تشذنتم فنزل وسجد وسجدوا". وهذا رواه أبو داود.
-فهذا والله تعالى أعلم يعني هو القول الأرجح لأن الأحاديث هنا ماذا؟ قال: "سجدها داود توبة ونسجدها شكرا".
ففي نص: "..ونسجدها شكرا".
القول الآخر: إنها سجدة تلاوة، وهذه رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة وأصحابه وهو مذهب المالكية. للأحاديث التي ورد فيها سجود النبي صلى الله عليه وسلم في (ص)
لكن الكلام هنا في حكم السجود عند قراءتها في الصلاة..
يعني لو خارج الصلاة، وسجدت أو لا تسجد.
الأمر أولا: سجود التلاوة مستحب وليس واجبا، وأيضا سجدة (ص) سواء قلنا أنها سجدة تلاوة أو سجدة شكر خارج الصلاة، ما في مشكلة.
لكن السؤال: حكم السجود عند قراءتها في داخل الصلاة؟
فعلى القول بأنها سجدة تلاوة: يستحب السجود عند تلاوتها.
وعلى القول بأنها سجدة شكر: اختلف العلماء: قالوا: يجوز السجود عن قراءتها في الصلاة، حتى لو كانت سجدة شكر. داخل الصلاة
عن أبي رافع قال: "صليت مع عمر الصبح فقرأ ب(ص) فسجد فيها".
فهذه داخل ماذا؟ الصلاة
القول الآخر: لا يجوز السجود بها في أثناء الصلاة.
في أثناء الصلاة، ما دامت سجدة ماذا؟ شكر.
التي في الصلاة هذه تكون سجدة تلاوة، لكن لو قلنا ورجحنا أنها سجدة شكر فلا يجوز السجود بها في أثناء الصلاة.
وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة.
طيب..
بناء على هذا القول: أنه لا يجوز السجود بها في أثناء الصلاة، لو سجد ناسيا أو جاهلا، صحت صلاته ويسجد للسهو.
على أي الأحوال: طيب، لكن سجد متعمدا؟
إن سجد متعمدا على القول بأنها سجدة شكر؟
.. يعني بعض العلماء قالوا: تبطل صلاته وهو الصحيح عند الحنابلة.
لأنه يكون قد أزاد سجدة فتبطل الصلاة.
السجدة الوحيدة الممكن أن تزاد أثناء الصلاة هي سجدة ماذا؟
التلاوة.
لكن هذه إذا قلنا أنها سجدة شكر، فتبطل صلاته إن سجد متعمدا، وهذا هو الصحيح عند الحنابلة.
القول الآخر: صلاته صحيحة لأنها كسائر سجدات التلاوة.
-على أي الأحوال: الأحوط بناء على هذا: ألا يسجد المصلي عند قراءتها في الصلاة خروجا من الخلاف.
وأرجو أن الإخوة يتعودوا على أن المسائل الخلافية السائغة هذه، لا يحدثوا فيها مشاكل، ليس كل قضية خلافة نقعد نتعارك ونعمل خصومات وكذا وكذا..
ولكن نحن كلما نتعلم أكثر كلما الأفق يتسع أكثر.
فلازم نكون الخلاف السائغ ليس فيه إنكار على المخالف، أما التباحث العلمي فما فيه مشكلة.
*المسألة السادسة: سجود الشكر:
وسجدة الشكر هي سجدة منفردة، تشرع لمن تجددت له نعمة تسره أو صُرِفَت عنه نقمة، شكرا لله تعالى.
-فيكون هذا هو سجود الشكر.
سجدة مفردة تشرع لمن تجددت له نعمة تسره أو صرفت عنه نقمة شكرا لله تبارك وتعالى.
..يستحب لمن وردت عليه نعمة أو دفعت عنه نقمة أو بُشِّر بما يسره أن يخر ساجدا لله، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا يشترط فيها استقبال القبلة، ولكن إن استقبلها فهو أفضل.
-فسجدة الشكر لا يشترط لها الوضوء ولا استقبال القبلة.
"فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم الخبر السار بغتة، وكانوا يسجدون عقبه ولم يؤمروا بوضوء، ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء".
-يعني سواء الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، كان يأتيهم الخبر فجأة فيسجدون فورا، فطبعا وارد جدا أن يكونوا غير متوضئين.
كانوا يسجدون عقب الخبر السار ولم يؤمروا بوضوء ولم يخبروا بأنه لا يفعل إلا بوضوء.
..ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة، فلو تركها لفاتت مصلحتها.
..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعلوم أن جنس العبادة لا تشترط له الطهارة.
-يعني ليس لأنها عبادة فتشترط لها الطهارة. ولكن الطهارة تشترط لماذا؟ في الصلاة.
..فكذلك جنس السجود يشترط لبعضه، وهو السجود الذي لله. كسجود الصلاة وسجدتي السهو.
-لأن هذا نوع من السجود يشترط له الطهارة، بخلاف سجود التلاوة وسجود الشكر وسجود الآيات.
واضح؟ فإنه لا تشترط له الطهارة ولا استقبال القبلة.
سجود الآيات: أن الإنسان إذا رأى آية من آيات الله يسجد.
..وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يَسُرهُ أو يُسَّرُ به، خرَّ ساجدا شكرا لله تبارك وتعالى".
وكذا فعله الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
..وحكم هذا السجود حكم سجود التلاوة وكذا صفته وكيفيته.
-بعض الناس استشكلوا هذا الأمر، فقالوا: إن نعم الله سبحانه وتعالى مستمرة، فنحن دائما في نعم فالمفروض أننا ماذا؟
فلا يشرع سجود الشكر (الدقيقة 01.16.34)، لأنه لو كان فالمفروض أن نسجد على طول إذا، نظل نسجد في كل شيء.
لكن الجواب عن هذا: أن نعم الله تعالى نوعان: نعم مستمرة ونعم متجددة.
نعم مستمرة: تشكر لله سبحانه وتعالى عن طريق العبادات والطاعات وعن طريق صرفها فيما خلقت لأجله، كنعمة الإسلام ونعمة العافية، ونعمة الحياة، نعمة الغنى عن الناس، نعمة البصر، نعمة المشي، نعمة كذا..
فلو سجد لذلك استغرق عمره في السجود وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا .. [ النحل/18]
النوع الآخر من النعم: هو النعم المتجددة.
وهذه هي النعم التي يسجد للشكر من أجلها، النعمة أو الحاجة...الطارئة فجأة..
متجددة يعني ماذا؟ شيء جد.
فالسجود لا يشرع في النعم الدائمة أو المستمرة، وإنما تشكر النعمة المستمرة بماذا؟ بالطاعات والعبادات.
لكن النعم المتجددة، ما هي؟ هي التي يمكن وصولها إلى العبد ويمكن عدم وصولها.
يحتمل تصل ويحتمل ألا تصل.
يحتمل ينجح في الاختبار وممكن يرسب مثلا.
احتمال تجيء له وظيفة واحتمال ألا تجيئه.
وهكذا..
فهذه النعمة المتجددة التي يحتمل أن تصل إلى العبد ويحتمل ألا تصل.
فهذه هي التي يكون شكرها بسجود الشكر، شكرا لله عليها وخضوعا له وذلا، لأن هذه الحالة، حالة تجدد النعمة وطروئها ..
النعمة تحدث عند الإنسان فرحا، والفرح قد يرتبط بالأشر والبطر والنفس تنبسط لها، فيقع في الفرح المذموم .. لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [ القصص/76]
فمن ثم شرع سجود الشكر ليذل الإنسان لله ويستحضر أن هذه النعمة ليست بحوله ولا بقوته وإنما هي من فضل الله عليه.
وأسهل أنواع العبودية وأحبها إلى الله السجود شكرا لله تبارك وتعالى.
..والنعمة المتجددة لها وقع في النفوس، والقلوب بها أعلق، ولهذا يهنى بها ويعزى بفقدها.
فناسب أن يكون معها هذا السجود.
فإذا هذا السؤال الذي يقول: لماذا خصت النعمة المتجددة بسجود الشكر دون النعم المستمرة الدائمة.
لهذا المعنى الذي ذكرناه، أن الإنسان يسجد لله عليها خضوعا له وذلا في مقابلة البطر. بدل البطر والفرح الذي يكرهه الله، فهو يخضع لله عز وجل ويعترف بأن النعمة منه.
فما دامت هي نعمة متجددة فإنها تستدعي عبودية طارئة أيضا متجددة، بيعني السجود.
-وقبل السؤال هذا أصلا، نقول: إذا جاء الأثر بطل النظر.
ثبت في الشرع سجود الشكر فلا ينبغي أن ..يعني ..يبقى رأي لعقل في مثل هذا..
فانتبهوا لهذا: أن السجود عند النعم ماذا؟
المتجددة.
شيء طارئ يعني، حاجة حادة، حصلت فجأة، أو شيء كان ممكن يحصل أن يجيء لك أو لايجيء لك.
واضح؟
يفكرني هذا السياق، ببعض الإخوة عندما يتكلمون على موضوع القنوت:
هو هذه قريب جدا..
هذه المسألة قريبة جدا من موضوع القنوت..
يعني: البلاد الإسلامية منتشر فيها الفقر والجهل والمرض، وحروب مستمرة بصورة شبه روتينية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهل ..
بعض الناس تتكلم على أننا المفروض نظل نحافظ على القنوت، باستمرار.
القنوت هنا إذا مكانه يحل محله الدعاء.
في السجود. وفي مواطن الدعاء الأخرى تدعو، ولا تتوقف عن الدعاء.
لكن القنوت بالذات مرتبط بماذا؟ بالنوازل الحادة، وليست النوازل المستمرة.
انتبهوا لهذا.
لأن بعض الإخوة كان يعاتب في بعض الأحداث التي هي للأسف الشديد، آخذة صفة الروتين.
فالقنوت مثل سجود الشكر هكذا، في الشيء الذي هو ماذا؟ حادة. شيء حادث.. ولذلك جاءت هنا كلمة (نازلة) يعني شيء فجأة حصل أو شيء كبير.
لكن الأمور التي هي معتادة.
أو ليست معتادة، هي نوازل وكله..
ولكنها صارت كأنها شيء يتكرر، فلن نغير صفة الصلاة لأجل ذلك.
إنما يكون عند النوازل الحادة.
وليس معنى ذلك أن الإنسان يتوقف عن الدعاء لكن بدل القنوت يكون ماذا؟ الدعاء في السجود ونحو ذلك.
..إذاً سجود الشكر سجود مجرَّد، لا يشرع فيه تكبير ولا تسليم.
-سجود الشكر ليس صلاة، فليس فيه تكبير ولا تسليم، لأنه لم ينقل فيه شيء من ذلك.
فمشروعية سجود الشكر تتم بمجرد فعل السجود، تسجد وفقط، لا فيه تكبير ولا تسليم.
..كذلك لم يرد له ذكر خاص، لكن يثني على ربه بالمأثور في غير هذا الموضع مما يناسب المقام ويستكثر من شكر الله تبارك وتعالى.
وفي الحديث "أن عليا كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان جميعا فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان. السلام على همدان" وهذا رواه البيهقي وهو صحيح.
وعن عبد الرحمن بن عوف..
-هذه أحاديث تدل أيضا على مشروعية سجود الشكر. فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر ماذا؟ لا تكبير ولا تسليم. فيكون مجرد السلام هذا هو المشروعية.
..وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "إني لقيت جبريل عليه السلام فبشرني وقال: إن ربك يقول لك: من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا".
وهذا حديث حسن.
وفي قصة توبة كعب بن مالك: "أنه لما سمع صوت صارخ: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج".
-أيضا يستدل هنا من حيث الرأي يعني والقياس، بأنه لو لم تأت النصوص بالسجود عند تجدد النعم لكان هو محض القياس ومقتضى عبودية الرغبة، كما أن السجود عند الآيات مقتضى عبودية الرهبة.
يقول الله سبحانه وتعالى: .. وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً .. [ الأنبياء/90].
فمثلا صلاة الكسوف صلاة ماذا؟ رهبة، خوف.
أما صلاة الاستسقاء فهي صلاة: رغبة.
..وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا رأيتم آية فاسجدوا".
والآيات لم تزل مشاهدة معلومة، لكن تجددها يحدث للنفس من الرهبة والفزع إلى الله ما لا تحدثه الآيات المستمرة.
فتجدد هذه النعم في اقتضائها لسجود الشكر، كتجدد تلك الآيات في اقتضائها الفزع إلى السجود للصلوات.
ولهذا " لما بلغ ابن عباس موت أم المؤمنين ميمونة رضي الله تعالى عنها خر ساجدا، فقيل له: أتسجد لذلك؟! فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم آية فاسجدوا، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا؟!".
-ولذلك الأعرابي لما تأمل في الآية القرآنية ورأى الإعجاز الذي فيها طبق هذه الآية.
الأعرابي لما سمع قول الله تبارك وتعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً .. [ يوسف/80]
سجد..
آية.. آية عظيمة جدا، لأنه يفقه اللغة العربية.
فقال: لا يمكن أن يكون هذا كلام بشر، هذا لا يقوله إلا الله سبحانه وتعالى.
فهي آية من الآيات، فجأه هذا المعنى فسجد لله.
"إذا رأيتم آية فاسجدوا"
هذا في حالة ماذا؟
الرهب.
فمن ناحية مقتضى القياس، في حالة الرغب وحدوث نعمة متجددة أيضا فإننا نسجد لله تبارك وتعالى شكرا.
**الباب السابع: في صلاة الجماعة وحكمها**
-الحقيقة موضوع صلاة الجماعة من الموضوعات المهمة جدا، وتستحق أيضا أن تفرد بالبحث، لكن أنا أوصيكم وصية خاصة، بكتاب "أهمية صلاة الجماعة" للدكتور/ فضل إلهي..
ليته يدرس في المساجد والناس تقرأه، لأنه كتاب في غاية الأهمية.
ومن أقوى ما كتب في هذا، كتاب الدكتور/ فضل إلهي: أهمية صلاة الجماعة.
يعني أوصيكم بالاهتمام به.
إن لم يتيسر فهناك كتاب بديل: الأدلة اللماعة على وجوب صلاة الجماعة للأخ محمود الجزائري
*فضل صلاة الجماعة:
..صلاة الجماعة في المساجد شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، واتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في المساجد من أعظم الطاعات، فقد شرع الله لهذه الأمة الاجتماع في أوقات معلومة منها: الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف وأعظم الاجتماعات وأهمها الاجتماع بعرفة الذي يشير إلى وحدة الأمة الإسلامية في عقائدها وعباداتها وشعائر دينها.
وشرعت هذه الاجتماعات العظيمة في الإسلام لأجل مصالح المسلمين، ففيها التواصل بينهم وتفقد بعضهم أحوال بعض، وغير ذلك مما يهم الأمة الإسلامية على اختلاف شعوبها وقبائلها، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا .. [ الحجرات/13]
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها وبين فضلها وعظيم أجرها، فقال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ -أي الفرد- بسبع وعشرين درجة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه".
*أما حكمها:
..فصلاة الجماعة واجبة في الصلوات الخمس.
وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ .. [ النساء/102]
والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف..
-إذا كان هذا في حالة صلاة الخوف..
.. فمع الأمن أولى.
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار".
فدل الحديث على وجوب صلاة الجماعة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم:
أولا: وصف المتخلفين عنها بالنفاق.
والمتخلف عن السنة لا يعد منافقا، فدل على أنهم تخلفوا عن واجب.
ثانيا: أنه همَّ بعقوبتهم على التخلف عنها، والعقوبة إنما تكون على ترك واجب.
وإنما منعه من تنفيذ العقوبة أنه لا يعاقب بالنار إلا الله عز وجل.
وقيل: منعه مِن ذلك مَن في البيوت من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم صلاة الجماعة.
-ممكن يقال: إنه أيضا حتى لا يترك الجماعة.
..ومنها "أن رجلا كفيف البصر ليس له قائد، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته. فقال: أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: أجب، لا أجد لك رخصة".
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا بالعذر".
ولقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
..وهي واجبة على الرجال دون النساء والصبيان غير البالغين، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق النساء: "وبيوتهن خير لهن".
ولا مانع من حضور النساء الجماعة في المسجد، مع التستر والصيانة وأمن الفتنة بإذن الزوج.
وتجب الجماعة في المسجد على من تلزمه على الصحيح، ومن ترك الجماعة وصلى..
-يعني ليست المسألة أنها جماعة وحسب، وإنما الجماعة أين؟
في المسجد.
..ومن ترك الجماعة وصلى وحده بلا عذر صحت صلاته، لكنه آثم لترك الواجب.
*المسألة الثانية:
إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة الصلاة التي قد صلاها أولا؟
الجواب: لا تجب عليه إعادتها مع الجماعة.
-ليس واجبا أن يعيد الصلاة مع الجماعة.
..وإنما يسن له ذلك.
..والأولى فرض والثانية نافلة، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة".
ولقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين الذين اعتزلا صلاة الجماعة في المسجد: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
-طيب السؤال الآن: ماذا ينوي؟
يعني واحد صلى العصر في مسجد ثم ذهب مسجدا آخر دخل فوجدهم يصلون العصر، طبعا قلنا لا يجب، ويصلي معهم نافلة.
هي تقع نافلة، لكن ينوي بها ماذا؟
ينوي بها الفرض أيضا، لا مانع.
ينوي بها الفرض أيضا ولا يمتنع أن ينوي الفرض وإن كانت نفلا.
..وقيل: ينوي الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض.
قال النووي: وهو المختار الذي تقتضيه القواعد والأدلة.
-يعني ينوي أن يصلي الظهر أو العصر ولا يتعرض لقضية الفرض.
لكن هي تقع له في كل الأحوال ماذا؟ نافلة.
*المسألة الثالثة:
*أقل ما تنعقد به الجماعة:
أقل الجماعة اثنان.
-وهو الإمام وآخر معه.
..بلا خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليأمكما أكبركما".
وفي حديث ضعيف جدا، عن أبي موسى مرفوعا: "اثنان فما فوقهما جماعة" وهذا رواه ابن ماجة.
*المسألة الرابعة:
بما تدرك الجماعة؟
..تدرك الجماعة بإدراك ركعة من الصلاة، ومن أدرك الركوع غير شاكٍ أدرك الركعة واطمئن، ثم تابع.
لحديث أبي هريرة: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة".
-فمفهوم هذا الحديث: أن من لم يدرك أقل من ركعة، فإنه لم يدرك الصلاة.
*المسألة الخامسة:
من يُعذَر في ترك الجماعة؟
- من يعذر بترك الجماعة؟
..يعذر المسلم بترك الجماعة في الأحوال التالية:
-طبعا هنا نلاحظ، يعني ينبغي أن ننتبه لأن هذه الأعذار: الخوف أو المرض أو كذا تمنع الإثم والكراهة. لكنها لا تحصل فضيلة الجماعة.
لأنه لم يصل في جماعة، غايته أنه ماذا؟ معذور.
بمعنى أن العذر هنا يمنع عنه الإثم وارتكاب الفعل المكروه.
واضح؟
لكنه لا يحصل فضيلة الجماعة لأنه لم يصل جماعة.
..يعذر المسلم بترك الجماعة في الأحوال التالية:
أولا: المريض مرضا يلحقه منه مشقة لو ذهب إلى الجماعة.
لقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ .. [ النور/61]
ولأنه صلى الله عليه وسلم "لما مرض تخلف عن المسجد وقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس".
ولقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد عُلِم نفاقه أو مريض".
-جاء في روايات: "إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة".
أو: "..يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
- يعني عذر الله الأبدان لكن القلوب لم تطق الرخصة.
..كذلك الخائف حدوث المرض لأنه في معناه.
-إنسان عنده حساسية معينة مثلا، ممكن يجيء له حساسية في الصدر لو تعرض للهواء مثلا في الفجر، لنفرض.
وعادته أنه فعلا ممكن يحصل له مثل أزمة صدرية أو شيء من هذا.
فممكن في هذه الحالة أن لا يحضر صلاة الجماعة لأنه هنا ليس مريض، ولكنه خائف من حدوث المرض على عادته.
عادته أنه إذا تعرَّض للشيء الفلاني يجيء له المرض الفلاني. ففي هذه الحالة هذا معتبر أيضا.
يعني ليس شرطا أن يكون مريضا، لا ممكن يكون يخشى حدوث المرض.
..النوع الثاني من الأعذار: المدافع أحد الأخبثين:
-طبعا موضوع المرض فيه دليل ثاني عن أبي موسى مرفوعا: "من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له".
فمفهومه أن المريض يعذر.
..الثاني: المدافع أحد الأخبثين أو من بحضرة طعام محتاج إليه:
لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين".
وعن عبد الله بن أرقم مرفوعا: "إذا أراد أحدكم الغائط وأقيمت الصلاة فليبدأ بها".
-لا يدخل في الصلاة وهو مشوش.
..وعن أبي أمامة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن".
-الحاقن: هو الذي حُبِس بوله.
..وعن أبي هريرة مرفوعا: "لا يقوم أحدكم إلى الصلاة وبه أذى".
وعن ثوبان مرفوعا: "لا يقوم أحد من المسلمين وهو حاقن حتى يتخفف".
-لأن المقصود كله ماذا؟ الخشوع في الصلاة. وهذه الأشياء تشوش الخشوع.
..أما في حضرة الطعام:
ففي الحديث: "إذا وضع العَشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعَشاء".
-الضابط هو ماذا؟ الإقامة.
.."إذا وضع العَشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعَشاء".
"لا صلاة بحضرة طعام".
-يعني بشرط أن يكون مشتاقا للطعام قادر على استعماله، ويكون الطعام قد حضر أمامه.
.. وقال أبو الدرداء: "من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ".
وهذا رواه البخاري معلقا.
..العذر الثالث: من له..
-هناك شيء فاتني أن أذكره في قضية المرض: المريض مرضا يلحقه منه مشقة.
لابد أن يكون المرض يلحقه منه مشقة، بخلاف مرض يسير.
يعني لو شوية صداع مثلا، شيء يسير.
الألم في ..
يعني حاجة خفيفة ليست عذر يعني.
كذلك في حكم المريض الممرض ولو لغير قريب.
يعني شخص وجوده بجانب المريض أو الشخص الذي أجرى عملية أو خرج من المخدر أو كذا، وجوده مهم جدا لملاحظته، يقيس له الضغط، يحصل عنده نزيف داخلي يحصل أي مشكلة، فإذا كانت مهنته أنه ..
هو في حد ذاته ليس مريضا، لكنه ممرضا لشخص آخر، فإذا تخلف عنه يتضرر بذلك، فهذا أيضا يعذر في ترك صلاة الجماعة.
دكتور فاتح القلب مثلا أو أمعاء الرجل، يترك المريض ويقول: أنا سليم! وهو تحت المخدر.
حالة طوارئ لا يتحكم في الوقت.
لو طب طوارئ يجيء أي وقت، الحادثة تأتي في أي وقت، فلابد أن يتفاعل مع ..
فهذا أيضا مما يعذر بترك صلاة الجماعة.
..الثالث: من له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو قوته أو ضررا فيه..
-لأن هذا نوع من الهم يتنافى مع الخشوع، إذا كان هناك شيء يهمه.
يهمه: يعني يدخل عليه الهم والانشغال أو التشتت بحيث أنه إذا صلى أيضا لم يخشع، فهذا صور من الهم المانع من الخشوع.
..والتوقان إلى شيء ولم يحضر، أو البحث عن ضالة يرجوها، والسعي في استرداد مغصوب، والسمن المفرط ووجود من يؤذيه في طريقه أو في مسجده.
-كل هذا أنواع من الهم الذي يمنع الإنسان من الخشوع.
-فمن له ضائع يرجوه: يبحث عن ابن ضاع منه، أو دابة تاهت منه، ويبحث وهناك أمل أن يلاقيه إن أسرع.
..أو يخاف ضياع ماله أو قوته أو ضررا فيه، لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر.. قالوا: فما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض. لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى" وفي لفظ: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر".
..وكذا كل خائف على نفسه أو ماله أو أهله وولده، فإنه يعذر بترك الجماعة، فإن الخوف عذر.
والله تعالى يقول: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا .. [ البقرة/286]
ويقول: .. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .. [ الحج/78]
-دخول "..من.." يجعل الدلالة هنا على العموم، ماذا؟
قطعية.
..وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار".
كذلك حصول الأذى بمطر ووحل وثلج وجليد. أو ريح باردة شديدة بليلة مظلمة لحديث ابن عمر ..
-طبعا هذه الأشياء نحن من الصعب أن نتخيلها لأن بلادنا الشواطئ الدافئة كما يسمونها.
الحمد لله الطقس عندنا في الغالب معتدل ومحتمل، ولكن من عاش في مناطق أخرى، يعرف ما معنى البرد لما تتكلم على ريح وبرد وجليد، هذه الأشياء فعلا توجد أعذار ممكن الإنسان يتجمد لو مشى في الشارع يتجمد تماما.
..فحصول الأذى بمطر ووحل وثلج وجليد، أو ريح باردة شديدة بليلة مظلمة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، يقول: ألا صلوا في الرحال".
-فالمؤذن يأمر المصلين بماذا؟
أن يصلوا في الرحال، في البيوت.
..طبعا في معنى البرد الشديد أيضا الحر الشديد، فإن أقاموا الجماعة لصلاة الظهر ولم يبردوا.
-لم يؤخروا صلاة الظهر لوقت البرد قليلا، أو أبردوا وبقي الحر الشديد..
.. فيرخص في التخلف عن صلاة الجماعة. والعلة التشويش الذي يذهب الخشوع في الصلاة.
قال صلى الله عليه وسلم: "أبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".
وهذا رواه مسلم.
الخامس:
الحديث أيضا عن نعيم النحام، قال: "نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في وطر امرأتي -يعني في حاجة امرأتي- فقلت: ليت المنادِ قال: من قعد فلا حرج عليه. فنادى مناد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر آذانه: ومن قعد فلا حرج عليه".
خامسا: حدوث المشقة بتطويل الإمام:
لأن رجلا صلى مع معاذ ثم انفرد فصلى وحده لما طول معاذ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره.
-يعني في هذه الحالة يطول جدا، فينوي الانفراد ويكمل صلاته وحده.
لأن الحديث جاء: "أفتان أنت يا معاذ؟".
قرأ بهم بسورة البقرة.
قال: "أفتان أنت يا معاذ؟" أو "يا معاذ أفتان أنت؟".
..فإذا تطويل الإمام للصلاة لما يشق على المأموم ويحرجه عذر شرعي يسوغ له التخلف من شهود صلاة الجماعة في المسجد.
-لكن طبعا لو هناك مسجد آخر، يخرج للمسجد الآخر.
هذا على أساس أن المسجد الجامع، يعني ممكن قرية ليس فيها إلا مسجد واحد فتطويل الإمام بصورة تشق على المأمومين عذر في التخلف عن صلاة الجماعة.
..أيضا من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة.
سادسا: أكل الثوم النيء والبصل والكراث ونحوها.
-يعني ما في معناها كالتدخين، لأن التدخين أخبث.
..لحديث: "من أكل ثوم ..".
-يعني جربوا هكذا لو واحد جاء بسيجارة وفتتها هكذا وقربها من أنف حمار، ماذا يفعل؟
سينفر نفورا شديدا. من الرائحة الخبيثة.
فما بالك بأذية الملائكة؟ وأذية المصلين؟ لأن هذه الرائحة الخبيثة تؤذي الملائكة وتؤذي المصلين.
..فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا" أو "..فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته".
-ودعوكم إذاً من الأحباش الذين يقولون لتلامذتهم، يعني الأحباش يقولون: لو أردت ألا تصلي جماعة كل ثوم وبصل ليكون عذرا في التخلف عن صلاة الجماعة".
هذا تحايل.
..يقول صلى الله عليه وسلم أيضا: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا" وفي رواية: "..فلا يقربن مسجدنا ولا يصلين معنا". وهذا متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه البقلة -الثوم- وقال مرة: البصل والثوم والكراث- فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" وهذا رواه مسلم
وقال عمر رضي الله عنه: "ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد ريحه منه، فيؤخذ بيده حتى يخرج إلى البقيع، فمن كان آكلها لابد فليتمها طبخا" رواه مسلم
-لذلك الكلام في الثوم والبصل ماذا؟ النيء
والآن ولله الحمد، طبعا هو الثوم والبصل صحيح شجرتان خبيثتان، لكن من حيث الرائحة، لكن هل هما محرمتان؟
ليستا محرمتان.
بالعكس فيهما فوائد عظيمة جدا بالذات الثوم.
من نعم الله علينا الآن، أن الثوم أصبح يعالج بطريقة معينة بحيث تنفى تماما منه الرائحة الخبيثة، ويتواجد في ماذا؟ أقراص وكبسولات. أقراص ثوماكس، وحاجات كهذه.
فهذه نعمة من نعم الله، لأن فعلا الثوم مفيد جدا من الناحية الصحية، له فوائد عظيمة جدا وكذلك البصل، لكن الثوم معروف بهذا.
فممكن من احتاج إلى أن يتداوى به كشيء طبيعي ليس له آثار جانبية ممكن يعمل هبوط أحيانا لو أحدهم أكثر، فالثوم مفيد جدا، فأصبح يمكننا الآن أن نستفيد منه بدون أي أثر للرائحة الخبيثة.
موجودة أقراص الثوم لمن كان محتاجا إليها.
سادبعا:
خوف فوات الرفقة في السفر:
..لما في ذلك من انشغال قلبه إذا انتظر الجماعة أو دخل فيها مخافة ضياع ..(الدقيقة 01.45.30) رفقته.
-طبعا ترون رحمة الإسلام بماذا؟ بالناس، وواقعية الشريعة الإسلامية مع ظروف الناس. وفعلا: .. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .. [ الحج/78]
"إن هذا الدين يسر"
ثامنا:
الخوف من موت قريبه وهو غير حاضر معه:
كأن يكون قريبه في سياق الموت، وأحب أن يكون معه يلقنه الشهادة ونحو ذلك فيعذر بترك الجماعة لأجل ذلك.
تاسعا: ملازمة غريم له، ولا شيء معه يقضيه:
-الغريم: الشخص الذي عليه دين لواحد ولا يستطيع أن يسدد، حل الأجل ولم يستطع السداد.
فشرعا يجوز للشخص صاحب الدين أن يلازمه كظله هكذا.
غريم.
.. إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً [ الفرقان/65]
يعني ملازما.
فهذا معنى الغرام.
فالغريم يظل إذاً يمشي يمشي معه، يقعد يقعد معه، مطرح ما يذهب معه.
فهذا حق للغريم.
فإذا كان الغريم يلازمه وهو لا شيء معه يقضيه، ما هو لو معه فلوس فيجب عليه أن يسدده، ولا يعذر بترك الجماعة، ولكن هو ليس معه شيء يدفعه، وهذا الغريم يطارده في كل مكان. ويلازمه في كل مكان.
..فإن كان الدين حالا، وله قدرة على القضاء فلا عذر له بالخوف حينئذٍ، لكن لو الدين حل وليس معه ما يقضيه، وهذا سيلازمه في أي مكان أينما ذهب.
..فله ترك الجماعة لما يلحقه من الأذية بمطالبة الغريم وملازمته إياه.
-إحراج شديد يعني..
..أيضا من ضمن الأعذار..
عاشرا: أين يكون عاريا لا لباس له:
-يعني ليس عنده ملابس، فيصلي في البيت. يتخلف أو يبقى في البيت.
حادي عشر:
القيام بأمر الميت وتجهيزه.
-فهذا أيضا من الأعذار في التخلف عن صلاة الجماعة.
*المسألة الثالثة:
إعادة الجماعة في المسجد الواحد:
..إذا تأخر البعض عن حضور جماعة المسجد مع الإمام الراتب، وفاتتهم الصلاة، فيصح أن يصلوا جماعة ثانية في المسجد نفسه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده".
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي حضر إلى المسجد بعد انتهاء صلاة الجماعة: "من يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام أحد القوم فصلى مع الرجل".
كذلك إذا كان المسجد مسجد سوق أو طريق أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بإعادة الجماعة فيه وبخاصة إذا لم يكن لهذا المسجد إمام راتب، ويتردد عليه أهل السوق والمارة.
أما إذا كان المسجد فيه جماعتان أو أكثر دائما وعلى نحو مستمر واتخذ الناس ذلك عادة، فإنه لا يجوز إذ لم يعرف ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما فيه من تفرق الكلمة والدعوة للكسل والتواني عن حضور الجماعة الأم مع الإمام الراتب. وربما كان ذلك مدعاة لتأخير الصلاة عن أول وقتها..
-في الحقيقة هذه المسألة تحتاج لشيء من التفصيل:
أولا: نذكر فتوى لجنة الفتوى في السعودية:
هل لرجال تأخروا عن الجماعة في المسجد ووجدوا الناس قد صلوا أن يصلوا في المسجد جماعة أخرى أو لا؟
وهل هناك تعارض بين حديث: "من يتصدق على هذا" وبين قول ابن مسعود رضي الله عنه أوغيره: "كنا إذا فاتتنا الجماعة أو انتهت الجماعة، صلينا فرادى أو كما قال رضي الله عنه".
الجواب: من جاء إلى المسجد فوجد الجماعة قد صلوا بإمام راتب أو غير راتب. فليصلها جماعة مع مثله ممن فاتتهم الجماعة، أو يتصدق عليه بالصلاة معه بعض من قد صلى، لما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبصر رجلا يصلي وحده. فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فقام رجل فصلى معه". رواه الترمذي
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل فصلى معه" قال الترمذي: حديث حسن ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك.
وذكره ابن حزم في المحلى وأشار إلى تصحيحه أبو عيسى الترمذي.
وهو قول غير واحد من الصحابة والتابعين قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه.
وبه يقول أحمد واسحق.
وقال آخرون: يصلون فرادى.
وبه يقول: سفيان وابن المبارك ومالك والشافعي يختارون الصلاة فرادى.
وإنما كره هؤلاء ومن وافقهم ذلك خشية الفرقة وتوليد الأحقاد وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة. ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم فسدا لباب الفرقة، وقضاءا على مقاصد أهل الأهواء السيئة، هو ألا تصلى فريضة جماعة في مسجد بعد أن صليت في جماعة بإمام راتب أو مطلقا.
والقول الأول هو الصحيح لما تقدم من الحديث لعموم قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. [ التغابن/16]
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
ولا شك أن الجماعة من تقوى الله، ومما أمرت به الشريعة فينبغي الحرص عليها على قدر المستطاع، ولا يصح أن يعارض النقل الصحيح بعلل رآها بعض أهل العلم وكرهوا تكرار الجماعة في المسجد من أجلها، بل يجب العمل بما دلت عليه النقول الصحيحة، فإن عُرف عن أحد أو جماعة تأخر لإهمال وتكرر ذلك منهم، أو عرف من سيماهم ونحلتهم أنهم يتأخرون ليصلوا مع أمثالهم عذروا وأخذ على أيديهم بما يراه ولي الأمر، ردعا لهم ولأمثالهم من أهل الأهواء وبذلك يسد باب الفرقة ويقضى على أغراض أهل الأهواء دون ترك العمل بالأدلة التي دلت على الصلاة جماعة، لمن فاتتهم الجماعة الأولى.
-الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى سئل نفس السؤال فقال: هذا القول -وهو عدم جواز إقامة جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى- ليس بصحيح ولا أصل له في الشرع المطهر. فيما أعلم، بل السنة الصحيحة تدل على خلافه، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده" وقال لما رأى رجلا دخل المسجد بعدما صلى الناس: "من يتصدق على هذا فيصلي معه؟".
-ولكن لا يجوز للمسلم أن يتأخر عن صلاة الجماعة بل يجب عليه أن يبادر إليها..
نكتفي بهذا القدر..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..
أشهد أن لا إله إلا أنت..
أستغفرك وأتوب إليك..
]]>الفقه الميسر
كتاب الصلاة
(الباب الأول والثانى والثالث والرابع حتى المسألة السابعة)
ويشتمل على خمسة عشر بابا:
الباب الأول:
في تعريف الصلاة وفضلها ووجوب الصلوات الخمس:
أما الصلاة لغة: فمعناها الدعاء.
وشرعا: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
أما فضلها: فالصلاة من آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين.
بل هي عمود الإسلام، وقد فرضها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فوق سبع سماوات.
وذلك دليل على أهميتها في حياة المسلم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، أي إذا أصابه أمر فزع إلى الصلاة.
وقد جاء في فضلها والحث عليها أحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"
-والدرن: الوسخ
*أما وجوبها:
فإن فرضيتها معلومة بالكتاب والسنة والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة.
قال الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ .. في آيات كثيرة من كتاب الله.
وقال تعالى: قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ .. [ إبراهيم/31]
ومن السنة:
حديث المعراج وفيه: "هي خمس وهي خمسون".
-يعني: من حيث العدد هي خمس صلوات، لكن من حيث الثواب هي خمسون. لأن الحسنة بعشر أمثالها.
ولذلك قال عز وجل: "أمضيت فريضتي وخفَّفت عن عبادي".
وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن شرائع الإسلام:"خمس صلوات في اليوم والليلة. قال السائل: هل علي غيرهن؟ قال: لا. إلا أن تطوع".
*وتجب الصلاة على المسلم البالغ العاقل: فلا تجب على الكافر ولا الصغير ولا المجنون.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ".
ولكن يؤمر بها الأولاد لتمام سبع سنين.
-طبعا سبع سنين هجرية. وليس ميلادية.
..ويضربون على تركها لعشر.
فمن جحدها أو تركها فقد كفر وارتد عن دين الإسلام. لقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
-فهو يطلق عليه لفظ الكفر لا شك في ذلك. لنص الحديث: "فمن تركها فقد كفر". لكن يبقى الخلاف: هل هو كفر أكبر أم كفر دون كفر. فهذا يأتي فيما بعد إن شاء الله.
*ولا صلاة مقبولة إلا ما وافقت السنة المطهرة:
ولذلك في حديث المسيء صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصل فإنك لم تصل".
"ارجع فصل فإنك لم تصل" فلما قال إنه لا يحسن غيرها علمه النبي صلى الله عليه وسلم فرائض الصلاة.
وحذيفة رضي الله تعالى عنه رأى رجلا يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها. فقال له: "كم لك سنة؟".
-يعني: منذ متى وأنت تصلي؟ قال: "أربعون سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة".
-لو هذه صلاتك منذ أربعين سنة، ما صليت من أربعين سنة.
"..ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم".
وهذا رواه البخاري عن حذيفة.
قال له: "ما صليت منذ أربعين عاما، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم".
-من ثم يجب ماذا؟
يجب أن نحرص على الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
بل أيضا ينبغي على الإنسان ألا يتساهل في السنن والآداب.
لأن الإنسان ما دام يحفظ الآداب ويتعاهدها لا يطمع الشيطان فيه.
-وإلا لو فرط في الآداب يفتح شهية الشيطان أن يحرضه على ترك السنن، فإذا فرط في السنن، يتجرأ عليه الشيطان ويحثه على تضييع الفرائض. ثم تضييع الإخلاص ثم تضييع اليقين.
لأن بعض السلف قالوا: إن الإيمان كقرية ذات خمسة حصون: الحصن الأول اليقين، والثاني الإخلاص، والثالث أداء الفرائض، والرابع السنن، والخامس الآداب.
وقدم حاتم الأصم رجله اليسرى عند دخول المسجد، ثم انتبه فتغير لونه وخرج مذعورا، وقدم رجله اليمنى. فقيل له في ذلك فقال: لو تركت أدبا من الآداب خفت أن يسلبني الله جميع ما أعطاني.
-فإذا لابد من الاهتمام حتى بالآداب فضلا عن السنن والواجبات.
**يبدأ هنا في الباب الثاني: في الآذان والإقامة:
وفيه مسائل:
*المسألة الأولى:
تعريف الآذان والإقامة وحكمهما:
أما الآذان لغة: فهو الإعلام: قال تعالى: وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ .. [ التوبة/3]
أي إعلام.
أما شرعا: فهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
والإقامة لغة: هي مصدر أقام.
وحقيقته: إقامة القاعد.
وشرعا: الإعلام بالقيام للصلاة بذكر مخصوص ورد به الشارع.
-هي ورد به الشرع المفروض.
أما حكمهما: فالآذان والإقامة مشروعان في حق الرجال للصلوات الخمس دون غيرها.
وهما من فروض الكفاية.
يعني ليس هناك آذان في صلاة الكسوف ولا صلاة ماذا؟ العيد.
وهما من فروض الكفايات: إذا قام بهما من يكفي سقط الإثم عن الباقيين، لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة. فلا يجوز تعطيلهما.
*أما شروط صحة الأذان والإقامة:
فأول شرط: الإسلام: فلا يصحان من كافر.
ثانيا: العقل: فلا يصح من المجنون والسكران وغير المميز كسائر العبادات.
ثالثا: الذكورية، فلا يصحان من المرأة لفتنة صوتها. ولا من الخنثى لعدم العلم بكونه ذكرا.
الرابع: أن يكون الأذان في وقت الصلاة. فلا يصح قبل دخول وقتها. غير الأذان الأول للفجر والجمعة. فيجوز قبل الوقت.
-طبعا الأذان الأول للفجر: معروف أن الفجر له أذانان. أذان قبل دخول الوقت، وهو الذي يكون في الفجر الكاذب. حوالي ثلث ساعة قبل الفجر الصادق.
والثاني: هو طلوع الفجر وهو الأذان الصادق. الفجر الصادق يعني.
أما الجمعة: فنعم قبل الجمعة أذان، وهو الأذان العثماني: الذي أحدثه أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه لما رأى الناس اتسعت المدينة وبعد الناس عن المسجد فكانوا يحضرون والإمام على المنبر، فرأى عثمان أن يجعل لهم أذانا قبل وقت الأذان الأصلي كي يستعدوا للصلاة ويأتوا مبكرين، في سوق يسمى الزوراء في المدينة.
فهذا الأذان يسمى الأذان العثماني.
ممكن يسمى الأذان الأول: باعتبار أنه من حيث الترتيب يقع أولا
ممكن يسمى الثاني: باعتبار أنه حدث ثانيا بعد الآذان المشروع المسنون.
وممكن أيضا أن يسمى الأذان الثالث إذا اعتبرنا الأذان الأصلي والإقامة. فيسمى ثالثا.
-فعلى أي الأحوال لا يجوز وليس من الأدب أن يقال أن هذا الأذان بدعة.
فحاشا أمير المؤمنين ذو النورين عثمان رضي الله تعالى عنه أن يوصف فعله بأنه بدعة.
كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين".
فعثمان من الخلفاء الراشدين وهذا اجتهاد منه، ويجوز الاقتداء به عند الحاجة كما احتاج عثمان.
لو في مكان محتاجين لأذان أول قبل الصلاة حتى يعلم الناس ويجتمعوا مبكرا، ويكونوا موجودين بالمسجد ساعة الأذان الأصلي لا بأس. نقتدي هنا بسنة الخليفة الراشد عثمان رضي الله تعالى عنه.
أما عند عدم الحاجة فلا ينبغي التمسك به.
فالتمسك بفعل عثمان بأن نفعل فعله إذا احتجنا كما احتاج هو.
أما الآن فما نحتاج. لماذا؟
لأن مكبرات الصوت والتقاويم والأجهزة الأليكترونية والساعات أصبحت طرق التعرف على وقت الأذان كثيرة جدا، فبالتالي نحن لا نحتاجها الآن.
ومع ذلك ليس من الأدب أن يوصف الأذان العثماني بأنه بدعة. بمعنى أن عثمان ابتدع والعياذ بالله. كيف وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته؟!
أما الإقامة فتكون عند إرادة القيام للصلاة.
خامسا: أن يكون الأذان مرتبا متواليا: كما وردت بذلك السنة. وكذلك الإقامة.
وسيأتي بيانه في الكلام على صفة الأذان والإقامة.
سادسا: أن يكون الأذان وكذا الإقامة باللغة العربية، وبالألفاظ التي وردت بها السنة.
لأن الأذان والإقامة وردا بلسان عربي مبين، ولم ترد بغير العربية.
وقياسا على أذكار الصلاة. لأن كلا منهما يراد به التعبد.
*المسألة السادسة: في الصفات المستحبة في المؤذن:
أولا: أن يكون عدلا أمينا.
لأنه مؤتمن يُرجع إليه في الصلاة والصيام.
فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك.
-إذا لم يكن أمينا. واضح؟
وإن كان ولله الحمد الآن طبعا التقاويم الفلكية مفيدة جدا وهي دقيقة في موضوع الصلاة.
الأخذ بالحساب الفلكي هنا في الصلاة لا حرج فيه إطلاقا.
بخلاف الصيام. لأن العلة أو السبب الشرعي لوجوب الصيام هو: رؤية الهلال وليس وجود الهلال.
وهذه قضية أخرى.
لكن هنا لا بأس بالأخذ بالحساب الفلكي في مواقيت الصلاة.
*أن يكون عدلا أمينا.
لأنه مؤتمن يُرجع إليه في الصلاة والصيام.
فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن عدلا أمينا.
ثانيا: أن يكون بالغا عاقلا: ويصح أذان الصبي المميز.
ثالثا: أن يكون عالما بالأوقات. أن يكون دارسا فقه المواقيت.
كيف تكون بداية كل وقت ونهاية الوقت الذي قبله.
أن يكون عالما بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها.
لأنه إن لم يكن عالما ربما غلط أو أخطأ.
رابعا: أن يكون صيِّتا ليسمع الناس.
-صيتا: يعني قوي الصوت. أو جهوري الصوت، حتى يسمع الناس.
هذا الشرط الآن كثيرا ما لا نعتبره. لماذا؟ لأن مكبرات الصوت تعين على الجهر بالصوت حتى لو كان صوت المؤذن غير صيت.
خامسا: أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والأكبر.
-ما رأيكم في هذا التعبير؟ كلغة يعني؟
هم؟
-طالب علم:...
-الشيخ: أحسنت.
هو أحد اثنين: إما أن يقول: أن يكون متطهرا من الحدثين الأصغر والأكبر. فيكون هنا بدل ماذا؟ بعض من كل.
أن يكون متطهرا من الحدثين الأصغر والأكبر.
أو يقول: أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والحدث الأكبر.
سادسا: أن يؤذن قائما مستقبل القبلة.
سابعا: أن يجعل أُصبعيه في أُذنيه وأن يدير وجهه على يمينه إذا قال: حي على الصلاة. وعلى يساره إذا قال: حي على الفلاح.
-ليس (حيِّ) هي (حيَّ).
اسم فعل أمر بمعنى ماذا؟
أَقبِل. أو هَلُمَّ.
ثامنا: أن يترسل في الأذان.
-يعني يتمهل. في الأذان يتمهل. لكن لا يخرج إلى حد اللحن كما يحصل أخطاء بشعة جدا في الأذان من بعض الناس. منها ما يحيل المعنى، ومنها ما لا يُحيله.
مثلا: نحاول أن نتذكر شيئا منها بسرعة هكذا.
الله أكبر.
الله: بتفخيم الهمزة.
وطبعا معروف أنه لا حظ للهمزة في التفخيم.
ليس هناك شيء اسمه همزة تُفخَّم خالص.
الهمزة لابد أن ترقق.
فيكون:
الله: بترقيق الهمزة.
أكبر: بترقيق الهمزة. وليس أكبر: بتفخيم الهمزة.
فيكون أول شيء: لا حظ للهمزة في التفخيم.
هذه قاعدة.
ثم:
أي نعم.
الله أكبر.
المد الشديد للهمزة في الأول.
آآآلله أكبر: هكذا تحيل المعنى. لأنها صارت استفهاما.
يعني:هل الله أكبر؟ كأنه يسأل: هل الله أكبر؟
لماذا؟ إذا حصل مد في الألف الأولى. الهمزة الأولى. آآلله أكبر: هكذا أصبحت تحيل المعنى.
هم؟
أو: اللااااهُ: المد الشديد في الألف قبل الهاء. اللاااه أكبر.
وبعضهم يقول: اللهَ أكبر. مثلا.
ثم: الجيم المصرية: الله (أجبر). أجبر. بالجيم.
-الله لا يُجبِرُ أحدا.
أكبر: يوجد همس، الكاف فيها همس: أكبر. وليس أجبر.
والباء أيضا مرققة: أكبر.
أكبار.
أكبار: معناها الحيض. أو الأكبار الطبل يعني.
هه؟
فهذا أيضا يُحيل المعنى.
آآشهد: يمد الهمزة فتصبح استفهام. يعني: هل أنا أشهد؟ في حين أنها جملة ماذا؟ خبرية. أشهد.
ألا إله إلا الله.
ساعات..
يعني هنا يوجد إدغام للنون في اللام. فيقف عليها كأنه يوجد إدغام. ألَّلاإله إله. هذا لحن أيضا.
أن لا إله إلا الله.
فإذاً: من يؤذِّن يجب أن يتعلَّم الأذان. لابد أن يذهب للشيخ، ويرى التجويد ويفهمه. لازم. ما دام يؤذِّن. فيتعلم كيف يؤذن، وإلا يكل الأمر إلى غيره.
هه؟
أشهد أن محمد. ممكن يقول لك: محمدٌ: بعضهم يقول: محمدٌ.
أو رسولَ الله: أصبحت (يا رسولَ الله) كأنه يناديه.
وليس رسولُ الله. بالرفع.
وهكذا...
-طالب علم: ...
-الشيخ: أين؟
-طالب العلم:..
-الشيخ: نعم...(الدقيقة 53.23)، اللهو أكبر. كأنه يوجد واو.
اللهو أكبر.
-هو موضوع مهم الحقيقة، لكن أنا حريص على الاختصار بقدر المستطاع يعني.
ففي الأذان تتمهل. في الأذان.
لكن لا يصل لحد التمطيط والتلحين والتطريب.
لكن يتمهل.
*أما الإقامة فيحدُر الإقامة: يعني يسرع فيها.
ففي الأذان يترسل: يعني يتمهل ويتأنى ولا يتعجل من غير تمطيط ولا مد مفرط.
فيجب احترام قواعد التجويد في الأذان.
واضح؟
أما الإقامة فيحدُر: أي يسرع فيها مع بيان حروفها وكلماتها ووصل بعضها ببعض بلا فصل بينها.
لماذا الإسراع في الإقامة؟
لأن الأذان إعلام للغائبين. الناس خارج المسجد فنريد أن نعرفهم أن الوقت دخل. فمن أجل ذلك يناسب التمهل في الأذان والترسل.
أما الإقامة فهي لمن؟ للحاضرين. لمن حضر في المسجد وخلاص، يستعدون. فكأنه يُقيمهم إلى الصلاة.
معنى الإقامة: أن واحد قاعد وأنت تقيمه.
فالإقامة: يعني تدعوهم إلى القيام إلى الصلاة وهم حاضرون.
فمن ثَمَّ يستحب فيها ماذا؟ الحدر.
*المسألة الرابعة: في صفة الأذان والإقامة:
كيفية الأذان والإقامة:
ولهما كيفيات وردت بها النصوص النبوية.
ومنها ما جاء في حديث أبي محذورة (الدقيقة 54.55) رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان بنفسه، فقال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
وأما صفة الإقامة فهي: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "أُمر بلال أن يشَفِّع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة".
-يوتر الإقامة: ألفاظ الإقامة لفظ مفرد، وتر.
لكن كلمة "قد قامت الصلاة" هي التي تكون ماذا؟ شفع.
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.
ما عدا ذلك يكون ماذا؟ مفردا.
..فتكون كلمات الأذان مرتين مرتين وكلمات الإقامة مرة مرة، إلا في قوله: قد قامت الصلاة. فتكون مرتين للحديث الآنف الذكر.
-ال..(الدقيقة 56.21) بدع الأذان كثيرة، يعني لو سنتكلم في بدع الأذان كثيرة، وأنا حريص على الاختصار بقدر المستطاع.
فمن أعجب ما رأيت من بدع الأذان: كنت في إحدى القرى من زمن بعيد، فما كنت أتصور أن أحدهم يعمل هذه البدعة، يعني في الأذان يقول: أشهد أن سيدنا محمد رسول الله.
أشهد أن سيدنا محمدا رسول الله.
من البدع الغريبة التي رأيتها في الأذان يعني.
-طالب علم:..
-الشيخ: لا زالت موجودة؟ لا إله إلا الله.
وطبعا من أقبح البدع، بدع الرافضة قاتلهم الله في الأذان: أشهد أن عليا ولي الله.
وحي على خير العمل. نعم.
..فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبة، لأن بلالا كان يؤذن به حضرا وسفرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات.
..وإن رجَّع في الأذان أو ثنى الإقامة فلا بأس، لأنه من الاختلاف المباح.
-إن رجَّّع في الأذان: الترجيع هو الترديد، بمعنى أنه يخفض صوته في الشهادتين ثم يعيدهما برفع الصوت، كما أخرجه أبو داود.
هذا هو الترجيع.
يعني المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
ثم هو يقول ماذا؟ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. (ثم يرفع صوته بهما).
أشهد أن محمدا رسول الله (في السر) ثم يرفع صوته بهما.
هذا هو الترجيع في الأذان.
أو:
ثنى الإقامة. أيضا في روايات.
وهذا اختلاف سائغ.
فيه اختلاف روايات.
فلا بأس لأنه من الاختلاف المباح.
ويستحب أن يقول في أذان الصبح، بعد حي على الفلاح. الصلاة خير من النوم مرتين.
لما روى أبو محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إن كان في أذان الصبح قلت: الصلاة خير من النوم".
طيب.
التثويب: يطلق بعدة إطلاقات.
هناك التثويب القديم، والتثويب المحدث.
التثويب القديم: يطلق التثويب على قول المؤذن للفجر -على اختلاف في الأذان الأول والثاني- والتي هي ماذا؟ الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم.
التثويب يطلق على الإقامة نفسها. ..(الدقيقة 58.57) يعني: التثويب.
لماذا؟
كلمة التثويب: من ثاب يثوب.
من ثاب يثوب إذا رجع. يقول: ثاب إلى عقله: يعني رجع إلى عقله.
فالمؤذن حين يقول: هذه الجملة في صلاة الصبح.
يعني في صلاة الصبح لما ماذا يقول هو؟ حي على الصلاة حي على الفلاح.
هذه فيها حث للناس على المبادرة إلى الصلاة في المسجد.
واضح؟
حي على الصلاة.. حي على الفلاح..
ثم رجع، ثاب بعبارة أخرى فيها نفس الحث، وهي ماذا؟ الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.
هنا خلاف في..
طبعا التثويب (الدقيقة 59.38)... التثويب القديم.
التثويب المحدث:
أن بعض الناس، بعض المذاهب يعني استحبوا إن المؤذن قبل وقت الأذان بقليل يقول ماذا؟
حي على الصلاة.. حي على الفلاح..
أو
حي على الصلاة.. حي على الصلاة..
حتى بعضهم قال: النحنحة.
وهذه تحدث في الحرم لو تلاحظوا؟ قبل الأذان بثلث ساعة المؤذن يعمل (صوت نفخ في مكبر الصوت)..
تعرفونها أم لا؟
فهذه من اجتهاد -أظن- الأحناف يعني.
يعمل صوت هكذا في مكبر صوت، بعضهم قال: النحنحة، بعضهم قال: ممكن يقول: حي على الصلاة. فقط هكذا وحدها.
فهذا التثويب محدث.
هم؟
أما التثويب الذي في الفجر، وهو: الصلاة خير من النوم مرتين.
هل هي في الأذان الأول أم في أذان الفجر الصادق أم في كليهما؟ هذه المسألة فيها خلاف.
من العلماء من قال: هي في الأذان الأول لصلاة الصبح، لأجل دعوة النائم إلى اليقظة والمسارعة إلى المسجد ولتكون تمييزا بين الأول والثاني، ومن الناس من جعله في الأذن الثاني، ومنهم من جعله في الأذانين معا.
وهذه القضية فيها خلاف لا نفضل التفصيل فيه الآن يعني، لكن هو خلاف سائغ، فما ينبغي للإخوة أن يتشنجوا في هذا الموضوع، لأن لكل دليله والمسألة محتملة.
لأنها تكون في الأذان الثاني فقط، وكذلك القول الأول بأنه يكون في الأذن الأول. المسألة محتملة وليس هذا من ال..يعني هذا من الخلاف السائغ الذي ينبغي أن يُعذَر فيه المخالف لقيام أدلة على هذا المذهب.
نكتفي بهذا بالنسبة لهذه القضية.
*المسألة الخامسة:
ما يقوله سامع الأذان وما يدعو به بعده:
يستحب لمن سمع الأذان أن يقول مثل ما يقول المؤذن، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن".
إلا في الحيعلتين فيشرع لسامع الأذان أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
-يعني لا يكرر حي على الصلاة. لكن يجيب المؤذن بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله. عقب قول المؤذن: حي على الصلاة. وكذا عقب قوله: حي على الفلاح.
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك.
وإذا قال المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم. فإن المستمع يقول مثله. ولا يسن ذلك عند الإقامة.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته".
وفي الحديث أن من قال ذلك حلت له شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة.
والحديث يقول: "الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب فادعو".
-فالوقت بين الأذان والإقامة من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء.
**الباب الثالث في مواقيت الصلاة..
يقول: الصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة. لكل صلاة منها وقت محدد حدده الشرع، قال تعالى: .. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً [ النساء/103]
يعني مفروضا في أوقات محددة فلا تجزئ الصلاة قبل دخول وقتها.
وهذه المواقيت الأصل فيها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر. ووقت العصر ما لم تصفَّر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغِب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس".
فصلاة الظهر يبدأ وقتها بزوال الشمس، أي: ميلها عن كبد السماء إلى جهة المغرب.
ويمتد وقتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثله في الطول. ويستحب تعجيلها في أول وقتها.
-تلاحظون أن المواقيت في العبادات عموما ترتبط بأمور سهلة جدا، وكل الناس تستطيع أن تطبقها، وهذا معنى كون الشريعة شريعة أمية.
"نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".
هذه ليست مدح للأمية أو للجهل، ولكن ماذا؟
المقصود أنها شريعة تخاطب الناس بما هو معهود عند الأميين، لا تخاطب الأخصائيين، ولا علماء الفلك ولا كذا.
وإنما الجميع يستطيع أن يؤدي العبادة بأبسط الأشياء والملاحظات.
مراعاة الشمس والظل وهذه الأشياء.
..فصلاة الظهر يبدأ وقتها بزوال الشمس: أي ميلها عن كبد السماء إلى جهة المغرب. ويمتد وقتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثله في الطول. ويستحب تعجيلها في أول وقتها إلا إذا اشتد الحر فيستحب تأخيرها إلى الإبراد (يعني قرب صلاة العصر)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".
..وصلاة العصر يبدأ وقتها من نهاية وقت الظهر، أي من صيرورة ظل كل شيء مثله، وينتهي بغروب الشمس أي عند آخر الإصفرار، ويسن تعجيلها في أول الوقت. وهي الصلاة الوسطى التي نص الله عليها في قوله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [ البقرة/238]
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة عليها فقال: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" يعني كأنه: انتزع منه أهله وماله أو فقد أهله وماله.
وقال أيضا: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
..وقت صلاة المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
والشفق: هي الحمرة التي تكون من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة. وترى هذه الحمرة بعد سقوط الشمس.
-إذاً وقت صلاة المغرب: من غروب الشمس -غياب القرص- إلى مغيب الشفق الأحمر. لقوله صلى الله عليه وسلم: "وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق".
ويسن تعجيلها في أول وقتها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم".
..إلا ليلة المزدلفة للمحرم بالحج فيسن تأخيرها حتى تصلَّى مع العشاء جمع تأخير.
..أما صلاة العشاء: فيبدأ وقتها من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل.
-صلاة العشاء يبدأ وقتها من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، هذا وقت ماذا؟
الاختيار.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط".
ويستحب تأخيرها إلى آخر الوقت المختار ما لم تكن مشقة.
-يستحب تأخيرها إلى آخر الوقت المختار ما لم تكن مشقة.
طبعا يدركها في جماعة، ولا يتخلف عن الجماعة، لو أن الجماعة يصلون مباشرة بعد الأذان يصلي معهم ولا يفوت الجماعة.
..ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها لغير مصلحة.
لحديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها".
-والحديث بعدها..
..ووقت صلاة الفجر: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
ويستحب تعجيلها إذا تحقق طلوع الفجر.
..هذه هي الأوقات التي يشرع أداء الصلوات الخمس فيها، فيجب على المسلمين التقيد بذلك والمحافظة عليها في وقتها وترك تأخيرها. لأن الله توعد الذين يؤخرونها عن وقتها. فقال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون
وقال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [ مريم/59]
والغي: هو العذاب الشديد المضاعف. والشر والخيبة في جهنم عياذا بالله.
..وأداء الصلوات في وقتها من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها".
**الباب الرابع في شروط الصلاة وأركانها وأدلة ذلك وحكم تاركها..
وفيه مسائل..
*الأولى: في عدد الصلوات المكتوبة:
عدد الصلوات المكتوبة:
خمس: وهي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وهي مجمع عليها. وقد دل على ذلك حديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا قال: "يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة..إلى آخر الحديث".
وحديث أنس رضي الله تعالى عنه في قصة الرجل من أهل البادية، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: "وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال صلى الله عليه وسلم: صدق".
*المسألة الثانية:
على من تجب؟
تجب الصلاة على المسلم البالغ العاقل غير الحائض والنفساء.
ويؤمر بها الصبي إذا بلغ سبع سنين ويضرب عليها لعشر لحديث: "رُفِع القلم عن ثلاثة" فذكر منها: "وعن الصبي حتى يحتلم" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
-موضوع الضرب طبعا فصلناه قريبا في محاضرات عن كيفية تعويد الأطفال على الصلاة. تكلمنا على ضوابط موضوع الضرب، وكيف نطبقه بطريقة صحيحة.
*المسألة الثالثة:
في شروطها:
يعني الشروط التي يتوقف عليها صحة الصلاة.
شروطها تسعة:
-الإسلام: فلا تصح من كافر لبطلان عمله.
-العقل: فلا تصح من مجنون لعدم تكليفه.
-البلوغ: فلا تجب على الصبي حتى يبلغ.
انتبهوا هنا إلى التعبير ماذا يقول؟
البلوغ: فلا تجب على الصبي.
لم يقل: فلا تصح. لأن البلوغ شرط وجوب، وليس شرط صحة.
فلا تجب على الصبي حتى يبلغ. يعني الصبي إذا كان مميزا تصح صلاته وإن لم تكن واجبة عليه. ويكتب له ثوابها.
فلا تجب على الصبي حتى يبلغ ولكن يؤمر بها لسبع.
كنوع من التعويد.
ويضرب عليها لعشر، لحديث: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع".
-رابعا: الطهارة من الحدثين أي: الأكبر والأصغر مع القدرة. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور".
-خامسا: دخول الوقت للصلاة المؤقتة: لقوله تعالى: .. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً [ النساء/103]
ولحديث جبريل حين أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس، ثم قال: "ما بين هذين الوقتين وقت". فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها ولا بعد خروجه. إلا لعذر.
-سادسا: ستر العورة مع القدرة. بشيء لا يصف البشرة.
لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ .. [ الأعراف/31]
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".
يعني صلاة امرأة مكلفة إلا بخمار.
وعورة الرجل البالغ ما بين السرة والركبة.
لقوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله تعالى عنه: "إذا صليت في ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتزر به".
والأولى والأفضل أن يجعل على عاتقه شيئا من الثياب. لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى الرجل أن يصلي في الثوب ليس على عاتقه منه شيء".
والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها إلا إذا صلت أمام الأجانب.
-طبعا عورة في باب الصلاة.
في الصلاة، إلا وجهها وكفيها.
إلا إذا صلت أمام الأجانب: أي غير المحارم فإنها تغطي كل شيء لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".
-سابعا: اجتناب النجاسة في بدنه وثوبه وبقعته -أي مكان صلاته- مع القدرة.
لقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [ المدّثر/4]
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه".
أكثر سبب يعذَّب الإنسان به في القبر هو: عدم التنزه من البول.
عدم الاحتياط في قضية تجنب نجاسة البول.
"تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه".
ولقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه".
لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد بال الأعرابي في المسجد: "أريقوا على بوله سَجلا من ماء".
فهذا تطهير بالمكاثرة.
-ثامنا: استقبال القبلة مع القدرة:
لقوله تعالى: .. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .. .
ولحديث: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة".
-تاسعا: النية.
ولا تسقط بحال.
-تلاحظون في بعض الشروط السابقة، ماذا يقول؟
استقبال القبلة. (مع القدرة).
اجتناب النجاسة في كذا وكذا. (مع القدرة).
ستر العورة.(مع القدرة).
لكن هنا، لم يقل ماذا؟
مع القدرة.
لأنه ليس هناك أي عذر في أن الإنسان يترك النية.
فلا تسقط النية بحال من الأحوال.
لحديث ابن عمر: "إنما الأعمال بالنيات".
ومحلها القلب.
-يعني النية: عبادة قلبية وليست عبادة قولية.
فالنية محلها القلب، عبادة تؤدى بالقلب. فلا يوجد ما يُلزِم الإنسان بأن ينطق: نويت أصلي الظهر فريضة أربع ركعات خلف هذا الإمام...إلى آخره.
كل هذا الكلام ما له أي أصل.
يعني أنت توضأت ونزلت من البيت وذهبت إلى المسجد وصليت السنة ورددت الأذان ولما الإقامة أقيمت وقفت في الصف.
كل هذا ولازلت لم تنوِ الصلاة؟!
فالنية، يعني بعض العلماء قالوا: لو أن الله سبحانه وتعالى كلَّف العباد أن يعملوا عملا بدون نية، لكان تكليفا بما لا يُستطاع.
أصدق الأسماء ماذا؟ حارث، وهمَّام.
همَّام: أن القلب لا يتوقف عن الهم والإرادة.
في كل شيء.
فالنية أمر سهل جدا.
لا يحتاج لأن تنوي بأن تعمل إجراءات وطقوس إلى آخره.
كما يقف الناس تتشنج في موضوع النية، ويوسوس ويعيد ويزيد.
لا. هي النية محلها القلب. وأمر النية سهل، لأنه هو أصلا ليس هناك عمل إلا بنية.
ولو أن ربنا كلفنا بأن نعمل شيئا من غير نية لكان تكليفا بما لا يطاق. لأن النية أمر سهل، فلا داعي لأن الإنسان يوسوس في موضوع النية.
ولا تسقط حال لحديث عمر: "إنما الأعمال بالنيات".
يعني: إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة.
ومحلها: القلب.
وحقيقتها: العزم على الشيء.
ولا يشرع التلفظ بها: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلفظ بها.
ولم يرد أن أحدا من أصحابه فعل ذلك.
فهذه سنة ماذا؟ تركية.
السنة هنا الترك. ترك التلفظ.
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لو كان..
يعني كيف يُعرف الترك؟
يعرف الترك بالتصريح في النص بأن الرسول عليه الصلاة والسلام ترك كذا.
كما ترك أكل الضب مثلا. جاء بلفظ صريح ..
أنه مثلا جمع في مزدلفة بين المغرب والعشاء ولم يسبح بينهما شيئا.
هذا دليل صريح في الترك.
أو يكون الفعل. مما لو فعله النبي صلى الله عليه وسلم سنوات طويلة وداوم على فعله أمام الناس لتوفرت همم الصحابة على نقله.
فلما كثر وتكرر على ملأ ولم يرد فيه عن الصحابة، حتى واحد عن الصحابة يحكي مثل هذا. فدل على أنه لم يفعله.
فتصبح السنة هنا: سنة تركية.
فالسنة هنا: ترك التلفظ
وليس النية طبعا.
النية لابد منها. ركن أو ..
يعني: شرط كما ذكرنا..
*المسألة الرابعة:
في أركانها:
أركان الصلاة:
-طبعا هو الركن: ما لا وجود للشيء إلا به.
لكنه يكون جزءا ذاتيا. يعني هو جزء من ماهية الشيء.
بحيث يتوقف قيام العمل عليه.
لكن هو جزء من الماهية.
الركن: مثل الركوع، السجود..هذا ركن، لأنه جزء من الصلاة.
أما الشرط: فهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته.
-فالشرط: يكون شيئا خارجا عن ماهية العبادة.
فالركن: يكون داخلا في الماهية، أما الشرط فيكون ماذا؟
خارجا عن الماهية.
..يقول: الأركان هي:
ما تتكون منها العبادات، ولا تصح العبادة إلا بها.
والفرق بينها وبين الشروط أن:
الشرط: يتقدم على العبادة -يعني ليس جزءا منها- ويستمر معها.
أما الأركان: فهي التي تشتمل عليها العبادة من أقوال وأفعال.
*وأركانها: أربعة عشر ركنا، لا تسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا.
وبيانها كما يلي:
أولا: أول ركن من أركان الصلاة ماذا؟
القيام.
في الفرض على القادر منتصبا.
-طبعا بالعجز يسقط الواجب.
-يعذر الإنسان بالعجز.
لكن ما دام قادرا على القيام، فيجب عليه أن يقوم في الفرض. لقوله تعالى: .. وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [ البقرة/238]
ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما: "صلي قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب".
..فإن ترك القيام في الفريضة لعذر كمرض وخوف وغير ذلك، فإنه يعذر بذلك ويصلي حسب حاله قاعدا أو على جنب.
أما صلاة النافله:
فإن القيام فيها سنة وليس ركنا، ولكن صلاة القائم فيها أفضل من صلاة القاعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم".
-طبعا شاع منذ فترة كثرة المقاعد الخلفية التي توجد في المساجد، والواحد يعجب أن يرى ناس تروح وتجيء في طلب الدنيا عادي جدا، يعني يمشي وكله تمام، وساعة الصلاة يصلي وهو جالس.
فلابد من تنبيه هؤلاء الناس، أنه إذا كان يستطيع القيام وصلى الفريضة جالسا فصلاته باطلة.
فصلاته باطلة.
هذا الذي يقعد من يكون عنده عذر. عاجزا تماما عن القيام.
أما أن بعض الناس تستسهل، تجد كرسي وتريد أن تستريح، وبالذات هناك أناس كبار السن يستسهلون جدا في هذا الأمر.
فإذاً هذا يبطل الصلاة.
لأنه ركن.
القيام ركن.
في النافلة يصلي قاعدا لا مشكلة.
أما في الفريضة فلا يجلس إلا إذا كان عاجزا عن ماذا؟
عن القيام.
ثانيا: تكبيرة الإحرام في أولها..
في أول الصلاة. من أركان الصلاة تكبيرة الإحرام، وهي قول: الله أكبر.
لا يجزئه غيرها.
يعني لا ينفع أن يقول: الله أعظم. الله أرحم.
لا.
بل: الله أكبر.
لابد منها.
لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم".
فلا تنعقد الصلاة بدون تكبير.
ثالثا: قراءة الفاتحة مرتبة في كل ركعة.
-قراءة الفاتحة أولا طبعا في كل ركعة.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
..ويستثنى من ذلك المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا، أو أدرك من قيامه ما لم يتمكن معه من قراءة الفاتحة.
-لكن طبعا يشترط أن المسبوق الذي دخل المسجد ووجد القوم ركوعا، يشترط أن يأتي بتكبيرة إحرام قائما منتصبا: الله أكبر.
لأن القيام البسيط هذا، هو الذي يقوم مقام القيام الذي فاته.
فلو كبَّر وهو راكع فتكون الصلاة هكذا باطلة.
لا ينفع، لازم التكبير يكون من ماذا؟ من قيام.
فيكبر أولا: الله أكبر. وهو واقف، ثم بعد ذلك يأتي بتكبيرة الانتقال.
-هذه التكبيرة ما حكمها؟
-طالب علم:...
-الشيخ: لا، تكبيرة الانتقال هنا مستحبة.
بخلاف ما لو أدركه في السجود مثلا، أو في الجلوس، فهو يكبر تكبيرة الإحرام ثم ينتقل بدون تكبير.
واضح؟
لكن إذا أدرك في الركوع، فإنه يكبر قائما: الله أكبر.
ثم بعد ذلك يستحب أن يأتي بتكبيرة الانتقال إلى الركوع.
وأيضا للخصوصية فيما يتعلق بالركوع، يستحب للإمام أنه إذا أحس برجل داخل المسجد، أن يطيل في الركوع قليلا حتى يعينه على إدراك الركوع لتحتسب له ركعة. إلا إذا شق ذلك على المصلين. الناس لا ينتهون. فيظل يطيل فسيشق على المصلين. فإن لم يكن مشقة يستحب له أن..
هذا من علامات فقه الإمام.
أن يعطي الداخل فرصة، فهذا المعنى لم يهمله الفقهاء، وإنما قالوا: إنه يستحب للإمام أن ..إذا أحس برجل داخل، إذا كان في حالة الركوع -بالذات الركوع- يمكنه من إدراك الركعة.
..يقول: قراءة الفاتحة مرتبة في كل ركعة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
ويستثنى من ذلك المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا، أو أدرك من قيامه ما لم يتمكن معه من قراءة الفاتحة.
-يعني أدركه قائما لكن كان على وشك الركوع، فلا يلحق أن يقرأ الفاتحة كاملة.
-فالقدر الذي أدركه في القيام، فيركع معه. لأنه إذا انشغل بالفاتحة فربما يرفع من ماذا؟ من الركوع.
لكن الحقيقة الواحد يعجب يعني، في الأئمة أحوالهم عجيبة جدا في هذا الزمان.
يعني ساعات أعجب يعني: كيف استطاع هذا الإمام أن يقرأ الفاتحة.
كيف؟ كيف تأتي؟ لا أدري. فالواحد يصلي وما يدرك الفاتحة إطلاقا، بالذات في الركعة الثالثة والرابعة!.
ما أعجب منه أكثر أنه لا أحد يشكو!
ألا يعلم الناس أن الفاتحة، لابد. يجب عليك أن تأتي بتجويدها؟!
تجويد. هذا واجب.
ف .. وَلاَ الضَّالِّينَ تأتي بست حركات.
في .. وَلاَ الضَّالِّينَ .
كل قواعد التجويد المعروفة.
فالإنسان يعجب! يعني لدرجة الواحد يدخل يقول: طيب انتبه بعد ذلك، أحاول أنا مثلا أقرأ بقدر المستطاع بسرعة، ومع ذلك أيضا لا أدرك.
فهو يركع بسرعة، والمأمومين الذين يركعون هؤلاء كيف يقرأون الفاتحة؟!
كيف أتوا بالفاتحة؟! غير ممكن!
فهذا من الأمور العجيبة! ينبغي تنبيه الأئمة إلى مثل هذا، وإنه لابد أن يجوِّد الفاتحة.
..يقول: وكذا المأموم في الجهرية: يستثني من قراءتها.
لكن لو قرأها في سكتات الإمام فإن ذلك أولى أخذا بالأحوط.
-اقرأ بها في نفسك.
رابعا: من أركان الصلاة: الركوع في كل ركعة:
لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا .. [ الحج/77]
ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم اركع حتى تطمئن راكعا".
الخامس والسادس: الرفع من الركوع والاعتدال منه قائما:
-الانتقال نفسه ثم الاطمئنان قائما.
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: "..واركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما".
سابعا: السجود:
لقوله تعالى: .. وَاسْجُدُوا .. [ الحج/77].
ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: "..ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا".
ويكون السجود في كل ركعة مرتين، على الأعضاء السبعة المذكورة في حديث ابن عباس، وفيه: "أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة وأشار بيده إلى أنفه.."..
-فالأنف مرتبط بالجبهة، والحديث المعروف: "رأيت أني أسجد في ماء وطين" فبعد الصلاة كان أثر الطين على أنفه الشريف.
"أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين".
-طبعا أطراف القدمين لابد، لابد في السجود أن تستقبل بأصابع القدمين القبلة، لا ينفع في السجود أن يسجد على أظافر الأصابع.
بعض العلماء ممكن يبطل الصلاة بهذا.
لأن هذا واجب.
لأنه في الحديث ماذا قال له صلى الله عليه وسلم: "واستقبل بأصابع قدميك القبلة".
أمر.
فبعض الناس تأتي في السجود، ولا أعرف كيف يقدرون على عملها؟! فيرفع قدميه الاثنين هكذا في الهواء!
هذا إخلال بركن. لأنه لابد أن يسجد على سبعة أعضاء. "أُمِرت" هذه من أركان الصلاة. فيرفع ساعات ماذا؟ رجليه في الهواء هكذا!
أو يسجد على أظافر القدمين.
بل لابد أن تستقبل الأظافر القبلة، يعني على الأصابع نفسها وليس على الأظافر. واضح؟
الثامن والتاسع: الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين:
لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: "..ثم ارفع حتى تطمئن جالسا".
العاشر: الطمأنينة في جميع الأركان.
وهي السكون، وتكون بقدر القول الواجب في كل ركن، لأمره صلى الله عليه وسلم للمسيء بها في صلاته في جميع الأركان: "..ثم اركع حتى تطمئن راكعا"، "..ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا" ...إلى آخره.
الاطمئان.
الحد الأدنى للاطمئنان: تسبيحة واحدة مطمئنة. "سبحان ربي الأعلى" فقط. هذا هو الحد الأدنى. وتكون بقدر القول الواجب في كل ركن، لأمره صلى الله عليه وسلم المسيء بها في صلاته في جميع الأركان، ولأمره له بإعادة الصلاة لتركه الطمأنينة فيها.
الحادي عشر: التشهد الأخير:
لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "كنا نقول قبل أن يُفرَض علينا التشهد..".
-فتأملوا كلمة ماذا؟ "..قبل أن يُفرَض..".
"كنا نقول قبل أن يُفرَض علينا التشهد: السلام على الله من عباده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله. ولكن قولوا: التحيات لله".
فدل قوله رضي الله عنه: "..قبل أن يُفرَض.." على أنه فرض.
الثاني عشر: الجلوس للتشهد الأخير:
لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ثالث عشر: التسليم:
لقوله: "وتحليلها التسليم".
فيقول عن يمينة: السلام عليكم ورحمة الله
وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله
الرابع عشر:
ترتيب الأركان على ما تقدم بيانه.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرتبة، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
وعلمها المسيء في صلاته بقوله: "ثم" وهي تدل على الترتيب.
*المسألة الخامسة:
في واجباتها:
يعني واجبات الصلاة:
وواجباتها ثمانية: تبطل الصلاة بتركها عمدا، وتسقط سهوا وجهلا.
ويجب للسهو عنها سجود السهو، فالفرق بينها وبين الأركان أن من نسي ركنا لم تصح صلاته إلا بالإتيان به.
أما من نسي واجبا أجزأ عنه سجود السهو
فالأركان أوكد من الواجبات. وبيانها على النحو التالي:
أولا: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، والتي تسمى تكبيرات الانتقال.
-هذه واجبة.
أما تكبيرة الإحرام فطبعا ركن.
لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود".
فقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن مات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ثانيا: قول: "سمع الله لمن حمده".
يقولها الإمام والمنفرد.
لحديث أبي هريرة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر حين يقوم إلى الصلاة ثم يكبر حين يركع ثم يقول: سمع الله لمن حمده. حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد".
ثالثا: قوله: "ربنا ولك الحمد".
للمأموم فقط.
-فيكون الإمام والمنفرد يقولون: "سمع الله لمن حمده".
واضح؟
في حالة صلاة الجماعة المأموم يرد يقول ماذا؟
-"ربنا ولك الحمد".
أما الإمام والمنفرد فيسن لهما الجمع بينهما.
الإمام يقول: "سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد".
وكذلك المنفرد.
أما المأموم، فهو يقول ماذا؟
"ربنا ولك الحمد".
حينما يسمع الإمام يقول: "سمع الله لمن حمده" لحديث أبي هريرة المتقدم، ولحديث أبي موسى. وفيه: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا لك الحمد".
رابعا:
وقول: "سبحان ربي العظيم" مرة في الركوع.
خامسا:
وقول: "سبحان ربي الأعلى" مرة في السجود.
لقول حذيفة في حديثه: "كان -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم. وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى".
وتسن الزيادة في التسبيح في السجود والركوع إلى ثلاث.
-هذا أدنى الكمال.
ثلاث تسبيحات أدنى الكمال.
سادسا:
قول: "رب اغفر لي" بين السجدتين.
لحديث حذيفة رضي الله تعالى عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي. رب اغفر لي".
سابعا:
التشهد الأول: على غير من قام إمامه سهوا.
فإنه لا يجب عليه لوجوب متابعته.
-فالتشهد الأول واجب، إلا إذا كان الإمام قام إلى الثالثة ولم يجلس نسيانا. نسي التشهد الأوسط. ففي هذه الحالة ما دام الإمام تلبَّس بالركن. فأنت تتابعه وتترك.
يسقط الوجوب عنك. يسقط وجوب التشهد. لماذا؟
لأنه يجب عليك أن تتابع الإمام.
سابعا: التشهد الأول: على غير من قام إمامه سهوا.
فإنه لا يجب عليه لوجوب متابعته. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نسي التشهد الأول لم يعد إليه، وجبره بسجود السهو.
والتشهد الأول هو: "التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي" والأقرب أن يقول: "السلام على النبي".
".. ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".
ثامنا: الجلوس له -أي التشهد الأول- لحديث ابن مسعود مرفوعا: "إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله".
ولحديث رفاعة بن رافع: "فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد".
*المسألة السادسة:
في سننها:
-سنن الصلاة.
وهي نوعان:
سنن أفعال.
وسنن أقوال.
*أما سنن الأفعال:
*فكرفع اليدين مع تكبيرة الإحرام. وعند الركوع وعند الرفع منه وحطهما عقب ذلك.
لأن مالك بن الحويرث "كان إذا صلى كبَّر ورفع يديه. وإذا أراد أن يركع رفع يديه. وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه. وحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صنع ذلك".
*ووضع اليمين على الشمال: وجعلهما على صدره حال قيامه.
*ونظره في موضع سجوده.
*وتفرقته بين قدميه قائما.
-يفرق بين القدمين، لكن طبعا لا يبالغ في ذلك.
فكما يحصل من بعض الناس، لا يبالغ الإنسان في هذا.
*وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه. ومد ظهره فيه وجعل رأسه حيله.
*وأما سنن الأقوال:
*فدعاء الاستفتاح. والبسملة، والتعوذ، وقول: آمين، والزيادة على قراءة الفاتحة، والزيادة على تسبيح الركوع والسجود، والدعاء بعد التشهد قبل السلام.
*المسألة السابعة:
مبطلاتها:
..يبطل الصلاة أمور نجملها فيما يأتي:
*أولا: يبطل الصلاة ما يبطل الطهارة:
لأن الطهارة شرط لصحتها، فإذا بطلت الطهارة بطلت الصلاة.
*ثانيا: الضحك بصوت:
-الضحك بصوت، غير القهقهة:
فإنه يبطلها بالإجماع. لأنه كالكلام بل أشد.
ولما في ذلك من الاستخفاف والتلاعب المنافي لمقصود الصلاة.
أما التبسم بلا قهقهة. فإنه لا يبطلها. كما نقله ابن المنذر وغيره.
*ثالثا: الكلام عمدا لغير مصلحة الصلاة:
فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: .. وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فأُمرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام".
فإن تكلم جاهلا أو ناسيا، لا تبطل صلاته.
*رابعا: مرور المرأة البالغة أو الحمار أو الكلب الأسود بين يدي المصلي دون موضع سجوده:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم ..(الدقيقة 01.35.29)يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود".
والرحل: هو ما يُركَب عليه على الإبل.
-الخشبة المزدوجة التي يكون ظهرها أعلى من مقدمتها، ويجلس عليه الشخص إذا ركب الجمل مثلا. فهذا هو الرحل.
يعني تقريبا ارتفاع آخرة الرحل، الذي هو الظهر الذي يستند عليه حوالي ذراع تقريبا. يعني حوالي 48 سم.
..والرحل هو: ما يُركَب عليه على الإبل وهو كالسرج للفرس.
ومؤخرة الرحل مقدارها ذراع، فيكون هذا المقدار هو المجزئ في السترة.
-نفصل قليلا في هذه المسألة:
معروف أن السترة: ما استترت به من شيء كائنا ما كان.
السترة أنواع: ممكن السترة تكون جدار حائط، عنزة، عصا، حربة، عمود، اسطوانة، الراحلة أو البعير أو الشجرة أو السرير، أو شخص جالس.
فكل هذا مما يصلح أن يكون، يعني ممكن طوبة، أي شيء عالي عن الأرض بمقدار ذراع.
وقد اتفق العلماء على مشروعية السترة، ولكنهم اختلفوا في وجوبها.
فجمهور العلماء قالوا: إن اتخاذ السترة مستحب. أنك لا تصلي إلا إلى سترة.
إذا كنت تصلي منفردا. سواء في البيت أو في مسجد أو في فضاء.
واضح؟
تتخذ سترة.
لكن إذا كان في صلاة الجماعة فسترة الإمام سترة للمأموم.
واضح؟
أهم شيء الإمام. في صلاة الجماعة ما يمر شيء أمام الإمام.
فورد بصيغة الأمر عدة صيغ فيها أمر باتخاذ السترة:
"لا يصلين أحدكم إلا إلى سترة"، "ليستتر أحدكم في صلاته"، "لا تصلوا ..(الدقيقة 01.37.34) سترة"..
فالحقيقة أن جمهور العلماء قالوا: إن هذه للاستحباب. والأرجح أن الأمر هنا ظاهره الوجوب، لأن جميع الصيغ جاءت بصيغة الأمر ولم يرد ما ينقلها عن الأمر إلى الاستحباب.
فالظاهر والله تعالى أعلم هو القول: بوجوب السترة للأحاديث الصحيحة والصريحة في ذلك.
وعن نافع: "أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد قال لي: ولِّني ظهرك".
يعني ممكن يكون الشخص الجالس هو السترة. لكن طبعا تتفق معه، حتى لا يخلي بك في وسط الصلاة تنظر فتجده قد تحرك. وبعض الناس كانت تتخذه سترة من غير أن تقول له، فهو يريد أن يكرمك، فتأتي حينما تسجد، فإذا به يقوم ليوسع لك. هو يحسب أنه يعمل لك خدمة..، ولا يفهم أن وجوده يعني..فالمفروض تتفق معه: أنني سأصلي فابق ماذا؟ كسترة ..
لكن هو كثير من الناس تفهم أنه حتى يوسع لك، فيقوم تماما ويمشي.
هه؟ طيب..
والصحابة كان إذا أذن المؤذن لصلاة المسجد ابتدروا السواري.
تسابقوا إلى السواري حتى يتخذوا السواري ماذا؟ سترة.
ف..لكن كما ذكرنا أن السترة يعني: أنواع. وإذا لم يجد المصلي المقدار المأمور به من السترة، وهي قدر آخرة الرحل: ذراع فوق الأرض. فيأتي بالمستطاع: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. [ التغابن/16]
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
فممكن عند الاضطرار إذا لم تجد شيئا عاليا فتتخذ سترة حتى لو كانت دون مؤخرة الرحل. لا تصل لذراع.
ولو اضطررت حتى لو كنت تصلي على أرض أو كذا، ممكن تعمل خط في الأرض بين يديك على شكل الهلال، كالمحراب هكذا. فهذا ممكن يكون بديل: خط هكذا (كالقوس) يعني أمامك، ممكن لو معك سوط أو قلنسوة. ممكن لو معك عصا تغرزها في الأرض لو أمكن غرزها، ولو هي بلاط فتضعها بالعرض مثلا، والقلنسوة التي هي الطاقية، أو حتى لو كانت السجادة تبسطها فيكون حد نهاية السجادة يعتبر ماذا؟ سترة عند انعدام السترة المرتفعة عن الأرض.
- طبعا هنا هذه المسألة الحقيقة، مسألة مهمة:
موضوع مرور المرأة بين يدي المصلي..
هو طبعا اتخاذ السترة له فوائد كثيرة: حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته، حتى إذا ما طرأ شيء أثناء الصلاة لا يؤثر. يعني لو أنك واضع سترة ومر أمامك المرأة أو كذا أو كذا من هذه الأشياء. فلو مر من وراء السترة لا يؤثر في الصلاة. لكن هذه الثلاثة بالذات في خلاف: يعني هل تقطع الصلاة بمعنى تبطل الصلاة بمرور المرأة البالغة؟ بينك وبين السترة، لو مرت تبطل الصلاة، أو الكلب الأسود أو الحمار.
فالمرأة الصغيرة لا تقطع الصلاة، لكن المقصود المرأة ماذا؟ الحائض البالغة يعني.
فمرور المرأة..
طيب لو امرأة مضطجعة؟ كما كان ..(الدقيقة 01.40.51) عائشة، كانت تضطجع والرسول عليه الصلاة والسلام يتخذها سترة و... يصلي بالليل. ما في حرج، لأن هي ثابتة هنا، هذا ليس مرور. وهو الكلام في المرور. لكن لو هي ثابتة جالسة أو مضطجعة فيجوز اتخاذها ماذا؟ سترة.
مرور المرأة الحائض بين يدي المصلي إذا لم يكن بين يديه سترة، أو لم يتخذ سترة لكنها مرت بالقرب منه بقدر ثلاثة أذرع من قدميه. فهذا فيه اختلاف.
بعض العلماء قالوا: تقطع الصلاة. مرور المرأة يقطع الصلاة.
وقول آخر: لا تقطع الصلاة. و"إن الصلاة لا يقطعها شيء".
القول بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي يقطع الصلاة. هو الصحيح من مذهب الإمام أحمد وهو قول الظاهرية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم رحمهم الله تعالى أجمعين.
استدلوا بحديث: "يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار. ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل".
"..ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل" يعني: السترة.
فلما سئل صلى الله عليه وسلم: "..ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب كذا..قال صلى الله عليه وسلم: الكلب الأسود شيطان".
الجمهور أجابوا، قالوا: "يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار" أو "..الحمار والكلب" قالوا ماذا؟
قالوا: يقطع يعني: يقطع الخشوع، والذكر. وليس المقصود أنها تبطل الصلاة.
أيضا هناك رواية: "يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض".
الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: ذهب إلى أن أحاديث قطع الصلاة بمرور هذه الأشياء منسوخة. واستدل بأنه "لا يقطع الصلاة شيء".
لكن الراجح، يعني هو طبعا المذهب الثاني هو مذهب الجمهور: إن مرور هذه الأشياء لا يقطع الصلاة. و"الصلاة لا يقطعها شيء".
وهو رواية عن الإمام أحمد.
لكن الراجح باختصار في هذه المسألة أن الصلاة تُقطَع بمرور المرأة.
تُقطَع يعني: تفسد، تبطل الصلاة في الحال.
لو المرأة الحائض مرت بين يدي ماذا؟ المصلي.
لأن أدلة القطع أصح من أدلة عدم القطع. وبعضها في صحيح مسلم. وهي مع هذا سالمة من المعارضة. ولأن أحاديث القطع صريحة في الدلالة، ويؤيدها اللسان العربي وفهم وعمل الصحابة رضي الله عنهم.
أدلة الجمهور هي: عدم قطع الصلاة بالمرور، على قسمين: *صحيح غير صحيح. و*صريح غير صحيح.
فلا يُترَك العمل بأحاديث القطع الصحيحة المحكمة لمعارض هذا شأنه.
أيضا القول بالقطع أحوط للمصلي وأسلم لصلاته.
-على أي الأحوال: على المصلي أن يدنو من السترة -يقترب من السترة- "ولا يدع أحدا يمر بينه وبين سترته. فإن أبى فليقاتله".
طبعا ليس يقاتله بمعنى أن يقتله، بالمسدس مثلا. لا "يقاتله": يدفعه. حتى لو داخل الصلاة. يدفعه حتى لا يمر بينه وبين السترة.
بعض الأحاديث فيها أن عائشة قالت: "قرنتمونا بالكلب والحمار؟!".
فطبعا اقتران المرأة في هذه الأحاديث بالحيوانين، ليس لخستها ولكن لمعنى جاذبيتها وميل القلوب إليها. لأن الرجل ممكن يفتن بالمرأة إذا مرت بين يديه.
لذلك الرافضات الخبيثات قاتلهن الله -نساء الرافضة- في الحرم الشريف يظهر أن شيوخهم علَّموهم وأفهموهم أن أهل السنة لديهم هذه المسألة، فتتعمد النساء الرافضيات -قاتلهن الله- أن تأتي أمام السني وهو يصلي -تتعمد- حتى تقطع عليه صلاته.
يمكن لو رصدتم هذه المسألة تلاحظونها في الحرم، في مكة أو في المدينة. أو في الحرم المكي بالذات يعني لأنه به اختلاط شوية (إلى حد ما).
فهنا ليس المقصود إهانة المرأة، ولكن لأن المرأة هنا ممكن تفتن الرجل أو يميل إليها أو ينجذب إليها فمن ثم تقطع الصلاة.
أيضا القطع هنا يراد به: الإبطال.
فتفسد الصلاة، وتستأنف من جديد.
حتى لو كانت نافلة.
واضح؟
الاستمرار في عبادة فاسدة يحرم. لابد من الخروج من الصلاة في هذه الحالة.
..الجارية الصغيرة لا تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي.
النساء لا يقطع مرور بعضهن صلاة بعض. لأن في حديث أبي ذر: "يقطع صلاة الرجل المسلم". فالقطع خاص بالرجال. وعن قتادة: لا تقطع المرأة صلاة المرأة.
استثنى الحنابلة في المشهور عنهم جواز المرور بين يدي المصلي إذا كان في مكة.
وعده بعضهم من خصائص مكة لشدة الزحام فيها.
-يعني هو الأصل أن الإنسان يتحرى أنه إذا كان سيصلي يتجنب مرور الناس بين يديه، وكذلك الطائف مثلا أو الماشي في المسجد إن كان يستطيع أن يتجنب المرور بين يدي المصلي فيتجنب. ولكن حقيقة أحيانا الزحام كأمر واقع، فعلا يكون شيئا لا يطاق .. لا يطاق..
وبالذات إذا ما جاء الناس الجهلاء فيجيء في قلب المطاف، في أثناء الحج مثلا أو في رمضان في الزحام الشديد جدا جدا.. والجهل الفاحش يزين له أن يأتي بعزوة هكذا، ويعملون له حماية، من أجل أن يصلي ركعتين سنة.
وهم جميعا يرتكبون كبيرة من الكبائر، لأن طبعا يؤذون الطائفين أذية شديدة جدا ويعرضون أنفسهم للخطر، ممكن أن يُسحَقوا تحت الأقدام، من أجل تحصيل سنة. ولو كان عندهم فقه، لذهب ليصلي السنة فوق في الدور الثاني أو الثالث أو في أي مكان، أو حتى في بيته بعد أن يعود. سنة الطواف. فمن أجل أن يحصل سنة يرتكب كبيرة وهي أذية المسلمين.
ف..(الدقيقة 01.46.51) الطواف ساعات هي بحر من البشر وهو يعوم بك، وأحدهم يصلي ركعتين كيف ستتجنبه؟!
واضح؟
طيب..
..من مبطلات الصلاة:
*الخامس: كشف العورة عمدا: لما تقدم في الشروط.
*السادس: استدبار القبلة: لأن استقبالها شرط لصحة الصلاة.
*السابع: اتصال النجاسة بالمصلي: مع العلم بها وتذكرها إذا لم يزلها في الحال.
يعني أحدهم ذاهب لعمل عينة -مثلا- بول أو غائط تحليل وماشي حامل معه العينة، فلا يصلي بها، لا ينفع أن يصلي بها، وهو أصلا المفروض ينزه المسجد حتى لو لم يلوث المسجد، المفروض أن يعمل حسابه ألا يدخل بها المسجد.
لكن نفرض أنه صلَّى بها، ثم تذكر فجأة أثناء الصلاة، ففي هذه الحالة فورا يزيلها، يبعدها عنه. فإذا تذكر واستبقاها تبطل صلاته، لأنه متصل بالنجاسة.
اتصال النجاسة بالمصلي مع العلم بها وتذكرها إذا لم يزلها في الحال.
*الثامن: ترك ركن من أركانها أو شرط من شروطها عمدا بدون عذر:
*التاسع: العمل الكثير من غير جنسها لغير ضرورة.
كالأكل والشرب عمدا.
-هناك بدعة جديدة من بدع الأخوة.. والأخوة لهم بدع! للأسف الشديد.
بدعة جديدة لا أعرف ما الذي جاء بها إلى دماغهم، يجيء الأخ ليصلي إمام ويقول التشهد. ما أن يجيء ليسلَّم، يمد يده يمسك مكبر الصوت: والسلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله.
ما هذا؟!
من أين أتيتم بهذا الكلام؟!
يعني أسوأ ما في الفروض، ما في الأمر، نفرض أن المأمومين لن يسمعوه لصوته المنخفض بدون مكبر الصوت، ماذا سيحصل؟
أولا: لو رفع صوته، مكبر الصوت سيصله.
لكن نفترض: ما المشكلة، سيعرف الناس بمائة طريقة أنك انصرفت من الصلاة.
لأن الناس سوف تتحرك بعد الصلاة، ويرى أشياء كثيرة يعرف ..(الدقيقة 01.48.54)..
لكن هو لو رفع صوته، يعني المسافة قريبة، يعني ممكن لو رفع صوته أو يضبط مكبر الصوت بحيث يكون قريبا من فمه، أي حل..
لكن ليس أن نواظب على، إن كل من يجيء ليسلم فإذا به يرفع ..
من أين؟! أدخلت فعل جديد من أفعال الصلاة!
كما لو أن أحدهم يريد أن يقيم الصلاة،
فيبدأ إذاً: الله أكبر الله أكبر.. فتكون الكهرباء لم تصل بعد، فيقطع الأذان وينتظر حتى تعود ويصلوا الكهرباء من أجل ماذا؟
ألم تشرع أنت في الإقامة؟! ما لك والكهرباء؟! فلتنقطع الكهرباء. أكمل، لقد تلبست بالعبادة، يعني ليس هناك داع للارتباط بهذه الأشياء الحادثة بهذا الغلو.
فهذه من بدع الإخوة. مسألة أن يمسك مكبر الصوت وهو يصلي قبل أن يسلم، وحتى يصل الصوت! بل ارفع صوتك ومكبر الصوت في الأرض. أو دبَّر أن يكون مكبر الصوت مرتفعا بطريقة معينة بحيث أن لا تحتاج أن تحمله. لكن المواظبة على مثل هذا الشيء، هذا طبعا فعل مكروه.
-طالب علم:..
-الشيخ: نعم..
-طالب العلم:..
-الشيخ: نعم، هناك مائة حل.. هناك مائة حل..
التكنولوجيا تقدمت الآن..
*العاشر: الاستناد لغير عذر: لأن القيام شرط لصحتها.
-يعني واحد يصلي بجوار العمود أو الجدار فإذا به ماذا؟ يستند تماما على العمود.
تبطل صلاته، إذا لم يكن هناك عذر. ممكن واحد مثلا عنده شلل الأطفال أو شلل.. هذا معذور، يستند لأنه سيقع. لكن لو واحد ما عنده عذر، لماذا يستند؟!
طيب كيف نحدد الاعتماد الذي يبطل الصلاة من غيره؟
نفترض أن هذا العمود مثلا متحرك (موبايل) فلو استندت عليه استنادا بحيث لو قُدِّر إزالته تقع، فهذا يبطل الصلاة.
ولكن أحيانا الواحد من شدة الزحام يضطر لأن يلتصق بالجدار، فلا يستند هنا بكليته، وإنما هذا بسبب الزحام فقط.
واضح، أم غير واضح؟
فالاعتماد يبطل الصلاة، الاعتماد ما مقداره؟ هو الذي لو أزيل الجدار فجأة تقع. فهذا يبطل الصلاة.
.. وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ..
*الحادي عشر: تعمد زيادة ركن فعلي: كالزيادة في الركوع والسجود، لأنه يخل هيئتها فتبطل إجماعا.
*ثاني عشر: تعمد تقديم بعض الأركان على بعض. لأن ترتيبها ركن كما تقدم.
*الثالث عشر: تعمد السلام قبل إتمامها.
*الرابع عشر: تعمد إحالة المعنى في القراءة.
أي قراءة الفاتحة لأنها ركن.
إن الواحد يتعمد أن يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى.
*الخامس عشر: فسخ النية بالتردد بالفسخ.
يعني يفكر: هل يخرج من الصلاة أم لا يخرج؟
إذا وصل لمرحلة التردد تبطل الصلاة. لماذا؟
لأن استدامة النية شرط.
أما الموسوس فهذا مشكلة ثانية.
الموسوس ليس علاجه أن نعطيه درسا في الفقه، الموسوس علاجه أن يأخذ أدوية.
أنا لا أضحك، ليس مزاحا. هذه مشكلة ليست باختياره.
لا أريد أن أخرج من هذا الموضوع لأنه يستفزني كثيرا جدا، الكثير من الناس لديها وسوسة وترفض أن تذهب للعلاج عند الطب النفسي.
هو يؤذي نفسه، الموسوس ليس علاجه أن تفتيه، بل علاجه أن يخضع للدواء ثم بعد أن يتحسن تعالى اسأل.
**ما يُكرَه في الصلاة:
يكره في الصلاة:
*الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأوليين. لمخالفة ذلك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهديه في الصلاة.
واضح أن الوقت لن يكفينا ..
فنكتفي بهذا القدر..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..
أشهد أن لا إله إلا أنت..
أستغفرك وأتوب إليك..
]]>الفقه الميسر
كتاب الطهارة
الحيض والنفاس
الدرس الثالث: الحيض والنفاس
..الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى..
لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرف..
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله..
وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم..
وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
..انتهينا إلى الباب العاشر، باب في الحيض والنفاس..
وفيه مسائل:
يقول: الحيض لغة: السيلان.
قالوا: حاض السيل، أي: فاض.
وشرعا: دم طبيعة وجبلة.
بالنسبة للفظة الحيضة، الحيضة تطلق على الاسم أو الدم نفسه.
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها: "ليست حيضتك في يدك"
ويقال: تحيضت المرأة: أي تركت الصلاة أيام حيضها.
وفي الحديث: "تحيضي في علم الله ستا أو سبعا".
تحيضي يعني:عدي نفسك حائضا، وافعلي ما تفعل الحائض.
أما الحيض شرعا: فهو دم طبيعة وجبلة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة حال صحة المرأة، من غير سبب ولادة.
..يقول: وشرعا: دم طبيعة وجبلة.
-يعني خلقة، دم خِلقة، دم طبيعي، كتبه الله على بنات آدم، فخرج بذلك دم الاستحاضة والنزيف فإنه دم مرضي.
يخرج من قعر الرحم: خرج بذلك ما يخرج من أدنى الرحم، كالاستحاضة.
في أوقات معلومة: إشارة إلى أن دم الحيض لا يكون مستمرا. بخلاف دم الاستحاضة فقد يستمر مع المرأة مدة طويلة، لكن دم الحيض لابد أن يكون له أمد، ولا يكون مستمرا. ولذلك قال: في أوقات معلومة.
حال صحة المرأة، من غير سبب ولادة: فخرج بذلك النفاس.
والنفاس: دم يخرج من المرأة عند الولادة.
المسألة الأولى: بداية وقت الحيض ونهايته:
يقول: لا حيض قبل تمام تسع سنين.
..اختار ابن رشد وابن تيمية أنه لا حد لأدنى سن تحيض فيه المرأة.
-لأن الحد الأدنى من السن لم يثبت فيه دليل يقتضي تحديده بسن معينة، وأحكام الحيض معلقة على وجوده، ولم يحدد الشرع سنا معينة، فوجب الرجوع فيه إلى الوجود.
ما دام قد وجد فيأخذ أحكام الحيض.
لأن السن الذي يبدأ فيه الحيض يختلف باختلاف الطقس مثلا، في بعض البلاد من حيث الحر والبرد وأيضا يتأثر بالمستوى الاجتماعي والمستوى الاقتصادي للمرأة، فإذاً اختيار شيخ الإسلام واختيار ابن رشد: أنه لا حد لأدنى سن تحيض فيه المرأة لعدم وجود دليل يقتضي التحديد، فأحكام الحيض عُلِقَّت على وجوده ولم يحدد الشرع سنا معينة فوجب الرجوع فيه إلى الوجود.
..يقول: لا حيض قبل تمام تسع سنين لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك
وقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"
-طبعا لابد من تقدير لفظ هنا "إذا بلغت الجارية تسع سنين -فحاضت- فهي امرأة".
لأن الحكم معلق على وجود الحيض.
ومع ذلك فهذا الأثر ضعيف لكونه معلقا ثم هو أيضا موقوف على أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
..يقول: ولا حيض بعد خمسين سنة في الغالب على الصحيح.
وقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض"
وهذا الخبر أيضا لم يثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.
فالراجح عدم تحديد سن لمنتهى الحيض.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "..واليأس المذكور في قوله تعالى: "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ..(4)" الطلاق
هذا اليأس ليس هو بلوغ سن. ولو كان بلوغ سن لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحاجة إليه.
-الراجح أيضا عدم تحديد سن لمنتهى الحيض، وإنما تعلق الأحكام على وجوده أو عدم وجوده.
*المسألة الثانية:
أقل مدة الحيض وأكثرها.
..هناك فرق بين هذه وبين المسألة الأولى..
فالمسألة الأولى بداية وقت الحيض: يعني بداية حصول الحيض، أي البلوغ. ومتى ينتهي؟
أما أقل مدة الحيض وأكثرها: يعني إذا طرأ على المرأة فما هي أقل مدة يستمر فيها هذا الأمر؟
-أقل مدة الحيض وأكثرها..
الصحيح أنه لا حد لأقله ولا لأكثره. وإنما يُرجَع فيه إلى العادة والعرف.
- لا حد لأقله ولا لأكثره. وإنما يُرجَع فيه إلى العادة وإلى العرف.
لكن لابد أن نعلم أنه ليس مطلقا.
لماذا؟ لأننا في التعريف ماذا قلنا؟ في أوقات معلومة.
وهو لابد له من بداية ونهاية. واضح؟
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: علَّق الله باسم الحيض أحكاما متعددة في الكتاب والسنة. ولم يقدِّر لأقله ولا لأكثره. ولا الطهر بين الحيضتين. مع عموم بلوى الأمة في ذلك واحتياجهم إليه. واللغة لا تفرق بين قدر وقدر. فمن قدَّر في ذلك حدا فقد خالف الكتاب والسنة.
-فهذا هو المقصود بقوله: لا حد لأقله ولا لأكثره. وإنما يرجع فيه إلى العادة والعرف.
ليس معنى (لا حد لأقله ولا لأكثره) أن المدة مفتوحة طبعا. لماذا؟ لأنها إذا أطبق عليها الحيض شهرا كاملا فإننا نقطع أن هذا الدم منه ما هو حيض، ومنه ما هو استحاضة وليس بحيض.
واضح؟
إذا أطبق عليها الحيض شهرا كاملا، فنحن نقطع بأن هذا الشهر منه ما هو حيض ومنه ما هو استحاضة، وليس بحيض، لأن الله سبحانه وتعالى جعل عدة المرأة ذات الأقراء -أي التي تحيض- في الطلاق ثلاثة قروء.
في مقابلها: جعل عدة اليائسة والصغيرة التي لم تحيض ثلاثة أشهر، فجعل بإزاء كل شهر طهرا وحيضا.
فإذا الموضوع قطعا هو أقل من شهر.
ولكن إذا استمر الحيض بالمرأة شهرا كاملا، فلابد أن نقول: إن هذا الشهر منه ماهو حيض، ومنه ما هو استحاضة.
*المسألة الثالثة:
غالب الحيض:
يعني: غالب عادة أغلب وأكثر النساء غالبه ست أو سبع.
لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمنة بنت جحش..
-طبعا مثل هذه الأسماء كانوا في الجاهلية لا يتحاشون من استعمالها كعياض بن حمار المجاشعي، وزينب بنت جحش، ومثل هذه الأشياء في الجاهلية ما كانوا يتحاشونها. لكن في الإسلام طبعا، نحن مأمورون باستحسان الأسماء واختيار الأسماء الحسنة.
فهذه الأسماء عامتها كان في الجاهلية.
لكن لا نملك تغييرها، نغير اسم الإنسان نفسه الذي أسلم مثلا ويكون هناك شيء من النفور من اسمه أو هناك شرك أو نحو ذلك، لكن ما يملك تغيير اسم آبائه وأجداده.
هم؟
غالب الحيض ست أو سبع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش رضي الله عنها: "تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة. ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين يوما كما يحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن".
-تحيضي: هذا ذكرناه في الكلام على اللغة، يقال: تحيضت المرأة: أي تركت الصلاة في أيام حيضها. أو "تحيضي في علم الله" أي: عدي نفسك حائضا وافعلي ما تفعله الحائض واجتنبي ما تجتنبه الحائض.
هذا معنى تحيضي.
-ستة أيام أو سبعة: لأن هذا الغالب في النساء، إما ستة أيام وإما سبعة.
إذاً: أغلب النساء يمكث الحيض عندهن ما بين ستة أيام أوسبعة أيام.
بدليل هذا الحديث.
*المسألة الرابعة:
ما يحرم بالحيض والنفاس:
يحرم بسبب الحيض والنفاس أمور:
أولها: الوطء في الفرج.
لقوله تعالى: .. فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ .. [ البقرة/222]
فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزلت هذه الآية: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح".
وعليه الإجماع.
فإن فعل -حصل الوطء أثناء الحيض- فعليه التوبة والاستغفار، لعدم الدليل على وجوب الكفارة.
-لم يثبت دليل على وجوب كفارة في مثل هذا، وإنما عليه التوبة والاستغفار.
وبعض العلماء استحبوا الكفارة احتياطا.
لأن التخيير في بعض الآثار ما بين أن يخرج دينارا ونصف دينار ينقله عن الوجوب. فيبقى الاستحباب كنوع من الاحتياط. لكن لم يوجد دليل يقطع بوجوب الكفارة في مثل هذا.
-الأمر الثاني الذي يحرم بسبب الحيض: الطلاق.
فيحرم أن يطلق الرجل امرأته وهي حائض.
هذا مما حرمه الله تبارك وتعالى، وهو طلاق بدعي، لمخالفته الشريعة الشريفة، وصور الطلاق البدعي كثيرة منها:
هذه الصورة: أن يطلق وهي حائض.
أو أن يطلق المرأة ثلاثا في مجلس واحد.
أو يحلف بالطلاق إلى آخره.
مما يحرم بسبب الحيض والنفاس: الطلاق لقول الله تبارك وتعالى: ..فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ .. [ الطلاق/1]
يعني: طلقوهن مستقبلات العدة.
فإذا أراد الرجل أن يطلق المرأة، فإن كانت حائضا، أو كانت غير حائض لكن في طهر مسها فيه، فعليه أن ينتظر حتى تحيض ثم تطهر ثم يطلقها بعد أن تطهر. لألا يطيل عليها فترة العدة.
..فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ .. [ الطلاق/1]
أي مستقبلات عدتهن.
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما طلق ابنه عبد الله امرأته في الحيض، قال: "مره فليراجعها".
-ولا شك أن هناك يعني حكمة عظيمة من وراء منع أو تحريم إيقاع الطلاق حال الحيض، لأن المرأة يعتريها في أثناء الحيض تغيرات جسدية فسيولوجية نتيجة تغير الهرمونات وهذه الأشياء والكيمياء، فتؤثر على الناحية المزاجية، وعلى نفسيتها ربما تتوتر تكتئب ..إلى آخره. وبالتالي كي لا يحصل استفزاز من المرأة لزوجها بحيث يطلقها، حرم الشرع الشريف أن تطلق المرأة وهي حائض.
لأنها يمكن أن تكون في وضع غير طبيعي نفسيا، وبالتالي هذا يستفز الرجل فيطلقها. لكن عليه أن..
فمن ذلك حرمت الشريعة -والله تعالى أعلم- إيقاع الطلاق في هذه الفترة.
لكن إذا كان الطلاق يحرم، هذا إجماع من العلماء. أن طلاق الحائض محرَّم بدعي مخالف للسنة، لكن هل يقع أم لا يقع؟
إذا طلقها وهي حائض فهناك قولان:
قول: بأنه يقع مع التحريم، يعني هو حرام، لكنه مع ذلك يقع.
وهذا قول الجمهور من المذاهب الأربعة.
القول الثاني: لا يقع.
طلاق الحائض لأنه طلاق بدعي مخالف للسنة، وهذا مذهب الظاهرية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني.
الجمهور قال: يقع مع التحريم لعموم الأدلة.
عموم الأدلة في إيقاع الطلاق.
وإطلاق هذه الأدلة ولم يوجد ما يخصصها أو يقيدها.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها".
فقوله: "يراجعها" يدل على وقوع الطلاق.
وهذا دليل قوي في المسألة.
كلمة "مره فليراجعها"، ما معنى يراجعها؟ أنها احتسبت طلقة.
وهذا دليل قوي كما ذكرنا.
-ثالثا: يقول ابن عمر في رواية البخاري: "حُسبت علي بتطليقة" هذا قول ابن عمر صاحب الحادثة.
قال: "حسبت علي بتطليقة"
رواه البخاري وهذا مرفوع حكما.
بحكم المرفوع.
وأقل أحواله الوقف على ابن عمر، وابن عمر هو صاحب القصة.
وقال أيضا ابن عمر: "ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت".
وهذا رواه مسلم.
"ما لي لا أعتد بها.." كيف لا أحتسبها طلقة؟
"..وإن كنت عجزت.." يعني ماذا؟
إن كنت عجزت عن الصبر عن تأجيل الطلاق إلى الطهر.
كان الصواب أن يفعل ماذا؟
أن ينتظر إلى أن تطهر ثم يطلقها. فيكون هذا هو العجز. عجز عن أن يصبر إلى أن تطهر ثم يطلقها.
"..واستحمقت" يعني: بأن فعلت فعل الأحمق بمخالفة المشروع.
فقول ابن عمر: ما لي لا أعتد بها؟
يعني: ولما لا أحسبها طلقة. وأن المقصر؟ لأنني عجزت عن الصبر. واستحمقت حيث خالفت الشرع الذي يحرم الطلاق حال الحيض.
فمعنى: "ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت"؟
أي أن عجزه عن الصبر عن تأجيل الطلاق إلى الطهر وفعله فعل الأحمق بمخالفة المشروع لا يمنعان وقوع الطلاق.
وفي رواية: "وحسبت لها التطليقة التي طلقتها"
هذه في مسلم.
أما قوله في بعض الروايات: "ولم يرها شيئا".
ما معنى "ولم يرها شيئا"؟
لم يرها شيئا مستقيما كونها لم تقع على السنة، لكن شيء معوج فيه انحراف عن السنة.
فالفريق الآخر الذي يقول: لا يقع.
من ضمن استدلالاته: أنه "لم يرها شيئا" أي لم يعتد بها.
لكن حمله على معظم الروايات عن ابن عمر يرجح تفسيرها بقوله: "ولم يرها شيئا" أي لم يرها شيئا مستقيما موافقا للشرع، لأنه واقع على خلاف السنة.
طبعا هذا هو مسلك الجمع بين الأدلة.
أما الترجيح، فروايات احتسابها أثبت وأكثر.
الروايات التي فيها أن الطلقة احتسبت أثبت من حيث الصحة وأكثر عددا.
هذا باختصار بالنسبة لهذه القضية.
-الأمر الثالث الذي يحرم بسبب الحيض والنفاس:
الصلاة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله تعالى عنها: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" والحديث متفق عليه.
فمن ثم أجمعت الأمة على أنه يحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها.
وأجمعوا على أنه يسقط عنها فرض الصلاة فلا تقضي إذا طهرت.
- بخلاف طبعا صيام رمضان.
لأن هذا يتكرر في السنة، فتخفيفا على المرأة لا تطالب بقضاء ما فاتها من الصلاة أثناء الحيض، فلا تقضي إذا طهرت. لماذا؟
لأنه يسقط عنها فرص الصلاة.
وخالف بعض الخوارج في هذه القضية وفي الحديث: "أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم؟" في تعليل سبب نقصان عقلها ودينها، بين ما مظاهر ذلك، قال: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك من نقصان دينها."
والحديث متفق عليه.
وقالت عائشة لمن سألتها عن قضاء الصوم دون الصلاة..
-يعني كيف الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟
ماذا كان الجواب؟
قالت: "أحرورية أنت؟"
-أنت من الخوارج؟
"أحرورية أنت؟ هكذا كنا نفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نؤمر بقضاء الصلاة من الحيض".
فنحن نقف حيث وُقِف بنا.
إذا انقطع الحيض وقد بقي وقت تدرك فيه ركعة من الصلاة، فقد أدركت الصلاة.
-إذا انقطع الحيض عن المرأة و..(الدقيقة ..19.56) بقي وقت مثلا قبل شروق الشمس ففي هذه الحالة إذا كان هناك وقت تدرك فيه الصلاة، أو بتعبير أدق تدرك ركعة واحدة من الصلاة، فقد أدركت الصلاة.
واضح؟
فإذا انشغلت بالغسل حتى خرج وقتها، وجب عليها قضاء تلك الصلاة.
لأن شغلها بالاغتسال لا يسقط ما لزمها من فرض الصلاة.
-الأمر الرابع الذي يحرم:
الصوم:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل؟ قلنا: بلى." وهذا رواه البخاري.
وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
وهذا متفق عليه.
طيب إذا طهرت المرأة في نهار رمضان.
الأرجح أنه لا يجب عليها الإمساك في بقية النهار.
لقول عبد الله: "من أكل أول النهار فليأكل في آخره".
لأن النهار هو وحدة واحدة، فهي لا تطالب بالإمساك في باقي النهار إذا طهرت بالنهار في رمضان.
-الأمر الخامس مما يحرم عليها:
الطواف:
لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري".
وهذا متفق عليه
وفي رواية لمسلم: "..حتى تغتسلي".
وفي الحديث أن صفية حاضت في حجة الوداع فقال صلى الله عليه وسلم: "أحابستنا هي؟".
لأن طبعا هي حاضت في حجة الوداع. فقال صلى الله عليه وسلم: "أحابستنا هي؟" يعني: ألم تطف طواف الإفاضة الذي هو طواف الركن؟ ركن من أركان الحج.
ف: "أحابستنا هي؟" يعني هل سنضطر لأن نحتبس في مكة وننتظرها إلى أن تطهر؟
حتى تطوف طواف الإفاضة؟
فقال: "أحابستنا هي؟"
فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت".
-كانت فرغت من طواف ماذا؟
الإفاضة، الذي هو طواف ركن، وطافت بالبيت.
فقال صلى الله عليه وسلم: "فلتنفر".
ما في حرج ويسقط عنها طواف الوداع.
إذا حاضت يسقط عنها طواف الوداع.
ولذلك ينبغي للمرأة إذا كانت تتوقع حصول الحيض عقب عرفات أن تبادر بطواف الإفاضة ولا تؤجل.
وهذا الحديث حديث صفية متفق عليه.
-الأمر السادس:
قراءة القرآن:
يعني يحرم على الحائض والنفساء أن تقرأ القرآن الكريم وهو قول الجمهور، الذي هو قول كثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
لكن إن احتاجت إلى القراءة، كأن تحتاج إلى مراجعة محفوظها حتى لا ينسى، خاصة إذا كان يطول بها وقت الحيض، فستنسى ما كانت تحفظه من القرآن الكريم.
فهذه حاجة، هذه من الاحتياجات التي تجيز لها أن تراجع محفوظها حتى لا تنساه.
أو كانت مدرسة تعلم البنات في المدارس، أو كان لها ورد تحافظ عليه، جاز لها ذلك. جاز لها قراءة القرآن، وإن لم تحتج فلا تقرأ.
كما قال بعض أهل العلم.
هذا قول جمهور العلماء في قضية قراءة القرآن الكريم: أنه يحرم عليها قراءة القرآن، إلا عند الحاجة كالأمثلة المذكورة.
لكن هناك قول آخر: بأن الحائض لا تمنع مطلقا من قراءة القرآن الكريم.
وهذا قول للإمام الشافعي في القديم، وهو مذهب الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وأيضا اختيار ابن المنذر وابن حزم وابن تيمية.
واستدلوا بأن الله سبحانه وتعالى أمر بتلاوة القرآن أمرا مطلقا ولم يستثني الحائض.
وبأن الأحاديث الواردة بالمنع، منع الحائض من قراءة القرآن، لا تقوم بها حجة.
لا تقوم بها حجة، فهي إما أنها أحاديث ضعيفة وإما أنها حكاية فعل.
وهذا أمر يحتاج إليه. تحتاج إليه نساء الأمة كثيرا.
والله سبحانه وتعالى يقول: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ التوبة/115]
فمثل هذه الأحكام لابد فيها من دليل بين وواضح يزيل أي احتمال في القضية، لشدة الحاجة إلى مثل هذا.
فما دام لم يصح دليل يحرم، فالأصل عدم ذلك.
وكما ذكرنا: الأحاديث التي وردت بمنع الحائض من قراءة القرآن، لا تقوم بها حجة، فهي إما ضعيفة وإما حكاية فعل.
استدلوا أيضا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لما حاضت، قال لها صلى الله عليه وسلم: "فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري".
استدل به الإمام البخاري على أن الحائض لا تمنع من قراءة القرآن الكريم.
أيضا قالوا: إن الراجح أن الجنب لا يمنع من قراءة القرآن.
وهو حدث أكبر، يعني الجنب لا يمنع من قراءة القرآن على الراجح، فهو حدث أكبر من كسب العبد، فالعبد هو الذي يتسبب في حصول الجنابة.
الرجل يعني غالبا.
فالحيض أولى ألا يمنع المرأة من القراءة، لماذا؟ لأنها لا تملك رفعه.
حصول الحيض ليس باختيارها، وأيضا هي لا تملك رفعه.
في حين أن الجنابة غالبا هي من كسب الرجل ويملك رفعها بالطهارة.
بالغسل.
فهي أولى ألا تمنع لأنها لا تملك رفعه وقد يطول بها الحيض فتنسى ما حفظته من القرآن الكريم.
استدلوا أيضا بحديث: "كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه" وهذا رواه مسلم
فالعموم هنا أيضا.
وقال البخاري: ولم يرى ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا.
-فإذا كان هذا في حق الجنب، فالحائض أولى للفرق الذي ذكرناه.
سابعا:
-أيضا مما يحرم مس المصحف الشريف.
مس المصحف وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة.
أنه يحرم على الحائض أن تمس ..
وهناك فرق بين قراءة القرآن. القضية التي ناقشناها..
لأن القراءة لا تستلزم المس، يعني ممكن لأحد أن يفتح له الصفحة ويقلب لها، أو تقلب الصفحة بعصا مثلا.
أو إذا كان على كمبيوتر أو شيء من هذه الأجهزة تضغط على الزر.
لكن المس المباشر للقرآن الكريم هذا هو موضوعنا هنا.
مس المصحف لقوله تعالى: لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [ الواقعة/79]
وقالوا: إن قوله تعالى: لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ خبر بمعنى: النهي.
ورجح بعض العلماء أنه لا يقتصر الكلام هنا على اللوح المحفوظ، وإنما قوله تعالى بعده مباشرة: تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [ الواقعة/80]
فما الذي نزل لنا؟
المصحف. وليس اللوح المحفوظ.
فهذه إشارة إلى أنه القرآن الكريم نفسه.
وإذا كانت الملائكة لا تمسه فنحن مطالبون أيضا بالتشبه بالملائكة.
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
إذا قلنا أنهم الملائكة أيضا.
واضح؟
على أي الأحوال هذه القضية يطول الكلام فيها جدا، لكن باختصار شديد.
تحريم مس المصحف الشريف هو مذهب الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ورجح بعض المحققين جواز مس المصحف. ولكن في كل الأحوال لا شك أن الطهارة أولى وأحوط.
ثامنا:
دخول المسجد والمكث فيه:
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا أحل المسجد لجنب ولا حائض".
ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه لعائشة وهي في حجرتها فترجله وهي حائض وهو حينئذ مجاور في المسجد.
فهذا الحديث يدل على أن الحائض لا تدخل المسجد، لأنه كان يقترب من الحجرة ويدخل رأسه وهي داخل الحجرة، فكان سيكون أسهل أن تخرج هي إلى المسجد.
فدل على عدم جواز دخول الحائض إلى المسجد.
هذا رواه أبو داود
ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه لعائشة وهي في حجرتها فترجله، وهي حائض، وهو حينئذ مجاور في المسجد.
وكذا يحرم عليها المرور في المسجد إن خافت تلويثه. فإن أمنت تلويثه لم يحرم.
إذا احتاطت، بحيث إذا مرت عابرة سبيل في المسجد لا بأس عند الحاجة.
.. إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ .. [ النساء/43]
لكن بشرط أمن تلويث المسجد.
*المسألة الخامسة:
ما يوجبه الحيض:
أولا: الحيض يوجب الغسل.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي".
يعني يوجب الغسل أين؟ في نهايته. عند انقطاعه.
ثانيا: الحيض يوجب الحكم بالبلوغ:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".
طبعا الحائض هنا المقصود بها ماذا؟
مكلفة.
لأن الحائض لا تصلي.
لكن المقصود هنا.
نعم.
"لا يقبل الله صلاة حائض" أي مكلفة.
"إلا بخمار".
فقد أوجب عليها السترة بحصول الحيض، فدل على أن التكليف حصل به. وإنما يحصل ذلك بالبلوغ.
ثالثا: الاعتداد به:
فتنقضي العدة في حق المطلقة ونحوها بالحيض. لمن كانت تحيض.
لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ .. [ البقرة/228]
يعني ثلاث حِيَض.
الأمر الرابع:
الحكم ببراءة الرحم، في الاعتداد بالحيض:
أيضا الحكم ببراءة الرحم في الاعتداد بالحيض.
يقول: إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم.
إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس لزمها.
صارت ماذا؟
طاهرة، وهناك وقت لا زال ماذا؟
وقت الصلاة باقي.
وطبعا هنا الوقت: يكون وقت الظهر والعصر، لأن الظهر والعصر يجمعان في وقت أحدهما.
لزمها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم.
ومن طهرت منهما قبل طلوع الفجر، لزمها أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة.
لأن إلى وقت طلوع الفجر هذا وقت ماذا؟
اضطرار.
أما وقت الاختيار، فهو منتصف الليل.
لأن وقت الصلاة الثانية، وقت للصلاة الأولى في حال العذر.
وهذا عذر.
فما دام وقت العشاء، فهو يدخل معه أيضا ماذا؟ المغرب.
لأن وقت الصلاة الثانية، سواء كانت ماذا؟
العصر مثلا مع الظهر، وهي طهرت قبل الغروب.
أو طهرت قبل طلوع الفجر، فهي تصلي ماذا؟ المغرب والعشاء.
لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى في حال العذر، وبه قال الجمهور مالك والشافعي وأحمد.
*المسألة السادسة:
أقل النفاس وأكثره:
لا حد لأقل النفاس.
لأنه لم يرد فيه تحديد، فرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلا وكثيرا.
وأكثره أربعون يوما.
إذا النفاس لا حد لأقله.
لأنه العبرة بالوجود وقد وجد منه ما هو قليل ووجد منه ما هو كثير.
لكنه لا يزيد عن أربعين يوما.
إذا لا حد لأقله.
وأكثره أربعون يوما.
قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي. ولحديث أم سلمة رضي الله عنها: "كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوما" وهذا موقوف ضعيف.
-لكن ليس معناه أن تحتسب أربعين يوما. ممكن تطهر قبل ذلك، لكن لو استمر فوق الأربعين فعند الأربعين يكون هذا الحد الأقصى للنفاس.
*المسألة السابعة في دم الاستحاضة:
الاستحاضة هي: سيلان الدم في غير وقته على سبيل النزيف من عرق يسمى العاهل (الدقيقة 33.37).
ودم الاستحاضة: يخالف دم الحيض في أحكامه وفي صفته.
وهو عرق ينفجر في الرحم، سواء كان في أوقات الحيض أو غيرها.
وهو لا يمنع الصلاة ولا الصيام ولا الوطء.
الاستحاضة: لا تمنع الصلاة ولا الصيام ولا الوطء.
لأنها في حكم الطاهرات.
دليله: حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله إني اُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا، إن ذلك عرق وليس بالحيضة. فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي".
فيجب عليها أن تغتسل عند نهاية حيضتها المعتبرة.
-حسب ما تعتاد. كم يمكث الأمر بالنسبة لها على ما اعتادت؟. فما زاد على ذلك فهو استحاضة.
فيجب عليها أن تغتسل عند نهاية حيضتها المعتبرة وعند الاستحاضة تغسل فرجها وتجعل في المخرج قطنا ونحوه يمنع الخارج.
وتشد عليه ما يمسكه عن السقوط ويغني عن ذلك الحفائظ الصحية في هذا الوقت، ثم تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة.
-يعني تتوضأ عند دخول وقت الصلاة وتصلي ولا تبالي حتى لو خرج شيئا حتى لو في أثناء الصلاة. لأن هذا مثل السلس وانفلات الريح. عذر.
**والمستحاضة لها ثلاث حالات:
-الأولى: أن تكون لها عادة معروفة.
بأن تكون مدة الحيض معلومة لديها قبل الاستحاضة.
فهذه تجلس قدر عادتها وتدع الصلاة والصيام وتعد حائضا فإذا انتهت عادتها اغتسلت وصلت، وعدت الدم الخارج دم استحاضة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي".
-الحالة الثانية:
إذا لم تكن لها عادة معروفة لكن دمها متميز بعضه يحمل صفة الحيض بأن يكون أسود أو ثخينا أو له رائحة. والباقي يحمل صفة الاستحاضة دم أحمر ليس له رائحة.
ففي هذه الحالة، ما دامت تستطيع التمييز أن هذا دم حيض وهذا دم استحاضة. ففي هذه الحالة تُرَد إلى العمل بالتمييز. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يُعرَف. فأمسكي عن الصلاة. فإذا كان الآخر فتوضأي وصلي فإنما هوعرق".
-الحالة الثالثة:
إذا لم تكن لها عادة ولا صفة تميز بها الحيض عن غيره.
فهذه تجلس غالب الحيض.
غالب الحيض ستا أو سبعا.
طيب كيف تعرف، تحدد ست أو سبع كيف؟
عن طريق قريباتها: أخواتها، أمها، قريباتها.
ما هو الغالب؟
ست أو سبع.
فتأخذ بالغالب في قرابتها.
لأن هذه عادة غالب النساء، وما بعد هذه الأيام من الدم يكون دم استحاضة. تغسله ثم تصلي وتصوم.
لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش رضي الله عنها: "إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي فإذا استنقأتي فصلي وصومي فإن ذلك يُجزؤك".
ومعنى ركضة من الشيطان: دفعة.
أي أن الشيطان هو الذي حرك هذا الدم.
]]>الفقه الميسر
كتاب الطهارة
فقه المسح على الخفين والغسل والتيمم والنجاسات
الحمد لله رب العالمين..
الرحمن الرحيم..
مالك يوم الدين..
والعاقبة للمتقين..
ولا عدوان إلا على الظالمين..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له..
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد..
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد..
أما بعد..
فقد انتهينا في مدارسة الفقه الميسر إلى المسألة السادسة فيما يتعلق بفقه الوضوء.
وهي نواقض الوضوء:
ونواقض الوضوء: هي الأشياء التي تبطل الوضوء وتفسده.
وهي ستة:
*الخارج من السبيلين (أي من مخرج البول والغائط)..
والخارج إما أن يكون بولا أو غائطا أو منيا أو مديا أو دم استحاضة أو ريحا، قليلا كان أو كثيرا.
لقوله تعالى: "..أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ..(43)" النساء..
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط أو بول أو نوم".
وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن شك هل خرج منه ريح أو لا: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".
*الناقض الثاني من نواقض الوضوء:
خروج النجاسة من بقية البدن:
فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا لدخوله في النصوص السابقة، وإن كان غيرهما كالدم والقيء فإن فحش وكثر فالأولى أن يتوضأ منه عملا بالأحوط، وإن كان يسيرا لا يتوضأ منه بالاتفاق.
*الناقض الثالث:
زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم..
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم".
وقوله: "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ".
الوكاء: هو الخيط الذي يربط به القربة.
والسه: يراد به الدبر.
والمعنى: أن العينين في يقظتهما بمنزلة الحبل الذي يربط به، فزوال اليقظة كزوال هذا الرباط.
"..فمن نام فليتوضأ".
-فأما الجنون والإغماء والسكر ونحوه فينقض إجماعا.
والنوم الناقض: هو المستغرَق، الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم.
-يعني هو النوم في حد ذاته ليس ناقضا، النوم بنفسه ليس ناقضا، وإنما هو مظنة حصول النقض.
فالعبرة بالإدراك، إن كان إدراكه لا زال قائما حتى لو دخل في النعاس أو في النوم اليسير أو السنة، ما دام مدركا، فإن هذا لا يؤثر في طهارته.
فالنوم الذي ينقض هو النوم المستغرِق الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم.
أما النوم اليسير فإنه لا ينقض الوضوء، لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كان يصيبهم النعاس وهم في انتظار الصلاة، ويقومون يصلون ولا يتوضأون.
*الناقض الرابع:
مس فرج الآدمي بلا حائل..
لحديث بُصرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ".
وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة: "من مس فرجه فليتوضأ".
-إذا أيضا هذا من النواقض، مس فرج الآدمي بلا حائل.
**أما مس بدن المرأة:
فإنه لا ينقض مطلقا، سواء مسه بشهوة أو بغير شهوة على الراجح، لأن قوله تعالى: "..أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ..(43)" النساء.
يراد به الجماع، ولكن الله كريم يكني.
مس بدن المرأة لا ينقض مطلقا سواء بشهوة أو بغير شهوة.
*الناقض الخامس:
أكل لحم الإبل..
مطبوخا كان أو نيئا..
لحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضأ من لحوم الإبل".
-وهذا الحكم تعبدي، فتكون علته مخفية. لأنه تعبدي، علته مخفية ولم ينص الشارع على العلة في ذلك.
**أيضا لا وضوء لمن شرب لبن الجمال أو الإبل أو بولها..
لأن النص إنما جاء في اللحم.
*الناقض السادس:
الردة عن الإسلام..
لقوله تعالى: ".. وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5)" المائدة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان".
وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت.
-طبعا هي الآية الكريمة التي استدل بها هنا: ".. وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5)" المائدة.
أيضا يستدل معها بقوله تعالى: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ...(65)" الزمر.
ورجح بعض المحققين أن الردة ليست من نواقض الوضوء. ولم يقل دليل على أنها حدث من الأحداث.
أما قوله: "..َ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ..(65)" الزمر.
فهذا يراد به من مات على الكفر، وكلامنا فيمن ارتد ثم رجع إلى الإسلام، فهل ينقض وضوؤه بمجرد الردة؟
فقوله تعالى: ".. لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ..." مشروط بماذا؟
بالموت. كما قال تعالى: "..وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ..(217)" البقرة.
** طبعا إذا شك الإنسان في الوضوء، فإن الشك لا ينقض الوضوء، لأن الشك لا يقضي على اليقين.
فالأصل استصحاب ما هو متيقن حتى ينتقل عنه بيقين أو بغلبة الظن.
وأما الشك الذي هو استواء الطرفين، فإنه لا يقضي على اليقين.
هذه من المسائل الهامة في الوضوء.
..ثم يقول هنا: وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت.
-يعني يشير إلى موجبات الغسل.
يؤخذ من هذه العبارة أن: موجبات الغسل تتضمن بداخلها أيضا ماذا؟
إيجابا للوضوء.
وهذا الحقيقة فيه نظر، لأن: الأقرب هو أن ..
يعني هو هنا معنى كلامه: أن كل ما يوجب الحدث الأكبر، فإنه يوجب الوضوء.
فإذا اغتسل من وجب عليه حدث أكبر. دون أن يتوضأ.
يعني واحد اغتسل لجنابة مثلا أو غير ذلك من الأغسال الواجبة كحدث أكبر، إذا اغتسل دون أن يتوضأ، أو دون أن ينوي رفع الحدث الأصغر. فهل يرتفع حدثه؟
جمهور العلماء يرى أن حدثه يرتفع، بدليل قوله تعالى: "..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)"، ولم يذكر الوضوء.
فالغسل طهارة.
وأن قال: "..وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..(43)"، فذكر الغسل ولم يذكر الوضوء.
الدليل الثاني في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء.
قال صلى الله عليه وسلم: "خذ هذا فأفرغه عليك" كما في البخاري.
ولم يأمره بالوضوء.
فإذاً لو اغتسل من وجب عليه الحدث الأكبر دون أن يتوضأ، أو بمعنى أنه نوى رفع الحدث الأكبر، ولم ينو رفع الحدث الأصغر.
فالجمهور على أنه يرتفع حدثه.
والمشهور عند الحنابلة، هو ما ذكره هنا، وهو أن: ((كل ما أوجب غسلا أوجب وضوءا إلا الموت)).
فلابد لمن أراد أن يرفع الحدث الأكبر أن يتوضأ وأن ينوي رفع الحدث الأصغر.
لأنه إذا قام الحدث الأكبر في البدن، فقد قام الأصغر من باب أولى.
فإذا لم يتوضأ، ولم ينوي رفع الحدث الأصغر، فإن هذا الحدث الأصغر يبقى قائما في البدن.
وطبعا يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" فما دام هذا لم ينو، إذا لم يحصل له هذا العمل، ويرتفع حدثه الأكبر دون الأصغر.
هذا المشهور عند الحنابلة.
كما ذكرنا أدلة الجمهور: "..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)"
وقال تعالى: "..وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..(43)"
وفي قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولم توجد ماء قال له: "خذ هذا فأفرغه عليك" ولم يكلفه بالوضوء
أيضا قالت أم سلمة رضي الله تعالى عنها: "يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين".
وهذا رواه مسلم
والبعض هنا "ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" ولم يذكر الوضوء.
وصيغة (إنما) تفيد ماذا؟ الحصر.
فهذا أيضا من أدلة مذهب الجمهور.
وقال الحافظ في الفتح: (قام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب).
المذهب الثالث في هذه المسألة هو مذهب داود الظاهري، حيث قال: (إن فعل الوضوء شرط في صحة الغسل من الجنابة).
واستدل بقوله تعالى: "..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)" قالوا: إن هذا أمر مجمل ثم جاء بيانه في فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد حافظ على الوضوء قبل الغسل.
والقاعدة أن: ((المبيِّن تابع للمبيَّن في حكمه)).
والجواب على كلام داود الظاهري: أن هذا يصح لو أنه لم يثبت عنه صحة الغسل بلا وضوء.
الأدلة التي استدل بها الجمهور تدل على صحة الغسل بدون الوضوء.
فالراجح في هذه المسألة، أن موجبات الغسل لا توجب إلا الغسل، ولا توجب الوضوء. ولا نيته ولا نية رفع الحدث الأصغر.
فهذا هو التوضيح لهذه العبارة: (وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء) غير الموت.
يعني موجبات الغسل ستأتي في فقه الغسل، أسباب معينة.
فهو يقول: إن كل ما يوجب الغسل فإنه يوجب في داخله الوضوء.
لا، هو الوضوء من سنن الغسل.
لكن ليس واجبا كما بينا.
*المسألة السابعة:
ما يجب له الوضوء:
..يقول: يجب على المكلف فعل الوضوء للأمور الآتية:
أولا: الصلاة، لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".
ثانيا: الطواف بالبيت الحرام، فرضا كان أو نفلا. لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه توضأ ثم طاف بالبيت.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام".
ولمنعه الحائض من الطواف حتى تطهر.
ثالثا: مس المصحف ببشرته بلا حائل.
-إذا أراد أن يمس المصحف: هناك فرق بين قراءة القرآن الكريم، وبين مس المصحف.
كلامه على قضية ماذا؟ لمس المصحف الشريف بدون حائل، فهذا مما يجب له الوضوء.
لقوله تعالى: "لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79)" الواقعة.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر".
*أما المسألة الثامنة:
فهي ذكر ما يستحب له الوضوء:
-فقلنا ما يجب له الوضوء: الصلاة، الطواف بالبيت الحرام سواء فرض أو نفل، ثم مس المصحف ببشرته بلا حائل.
المسألة الثامنة: ما يستحب له الوضوء:
يستحب الوضوء ويندب في الأحوال التالية:
أولا: عند ذكر الله تعالى وقراءة القرآن.
ثانيا: عند كل صلاة، لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك.
كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة".
يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود للجماع. أو أراد النوم أو الأكل أو الشرب.
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".
يعني كنوع من تخفيف الجنابة.
إذا كسل عن الغسل فإنه يخفف الجنابة.
لأنه إذا شرع في الوضوء ربما يتشجع على الغسل ولا يؤجله.
ولحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام" وفي رواية: "فأراد أن يأكل أو ينام".
طبعا لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب. فمن ثم على الأقل يخفف الجنابة عن طريق الوضوء أو على الأقل إذا شرع في الوضوء فربما تشجع فأزال الجنابة حتى تدخل الملائكة.
رابعا: الوضوء قبل الغسل:
لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة".
فالوضوء: الغسل هو جزء من الغسل من ماذا؟ من سنن الغسل.
خامسا: كذلك الوضوء عند النوم:
لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقكك الأيمن ..إلى آخر الحديث".
*الباب السادس: في قضية المسح على الخفين والعمامة والجبيرة وفيه مسائل:
يقول:
الخف: هو ما يُلبَس على الرجل من جلد ونحوه.
-يعني الخف ممكن يكون جلد وممكن يكون ماذا؟ شيء آخر خلاف الجلد.
وجمعه: خفاف.
ويلحق بالخفين: كل ما يلبس على الرجلين من صوف ونحوه.
يتعرض للمسألة الأولى وهي:
حكم المسح على الخفين، ودليله:
يقول: المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة.
وهو رخصة من الله عز وجل تخفيفا منه على عباده، ودفعا للحرج والمشقة عنهما.
وقد دل على جوازه السنة والإجماع.
-هل لأحد ملاحظة على هذا؟ هذه الجملة الأخيرة؟
-أحد الحضور:..
-الشيخ: نعم، أين في القرآن؟
-الطالب:..
الشيخ: أحسنت.
هو هنا يقول..
الحقيقة دائما في الكتاب هنا يحاولون أن يخرجوا من الخلافات ويأتوا بالقدر المتفق عليه.
لكن يمكن هنا أن نضيف: وقد دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
أما دليل الكتاب على جواز المسح على الخفين، فهو قراءة الخفض في قول الله تبارك وتعالى: "..وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..(6)" المائدة.
لأن هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وأبي بكر عن عاصم.
"..وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..(6)" المائدة.
طبعا إذا قرأناها بالنصب: "..وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..(6)" المائدة.
فالنصب يوجب العطف على الوجه واليدين.
يعني هذا في النصب يفيد ماذا؟ عطف مغسول على مغسول: ".. وَأَرْجُلَكُمْ ..".
فيكون: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلَكم.
أما الخفض: فيبين أن الرجلين يمسحان حال الاختيار على حائل. وهما الخفين.
فالخفض يعطف ممسوحا على ممسوح: ".. وَأَرْجُلِكُمْ ..".
بخلاف سائر الأعضاء.
..وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المسح لا يكون إلا على خف، إذ لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح رجليه إلا وعليهما خفان.
فالقرآن الكريم في قراءة الخفض هنا ".. وَأَرْجُلِكُمْ ..". يدل على مسح الرجلين. لكن السنة بينت ذلك أنه: لا يمكن مسح الرجلين إلا وعليهما الخفان. أو ما في معناهما.
لكن ليس هناك شيء اسمه تمسح على القدمين بدون حائل. كما يفعل الرافضة قاتلهم الله.
وإنما الأمر كما بينا.
وهنا يستعمل في الفقه في هذا الباب من أبواب الفقه: لفظ المنعَّل والمجلَّد.
يقولون..
المنعل: ما جُعِل على أسفله جلدة.
والمجلد: ما جُعِل على أعلاه وأسفله. جلد.
فهذا الفرق بين المنعل والمجلد.
وسيأتي الكلام في ذلك..
المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة.
وهو رخصة من الله عز وجل تخفيفا منه على عباده ودفعا للحرج والمشقة عنهم.
وقد دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
أما السنة، فقد تواترت الأحاديث الصحيحة على ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وأمره بذلك وترخيصه فيه.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (ليس في قلبي من المسح شيء).
-لا أشك إطلاقا في مشروعية المسح على الخفين.
(ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم).
والمراد بقوله: (ليس في قلبي أدنى شك) يعني في جوازه، وفي مشروعيته.
وسئل الإمام أحمد على المسح على الجوربين، فقال: (إذا كان ثابتا لا يسترخي مسح عليه).
كما في مسائل ابن هانئ.
وقال الحسن البصري: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه مسح على الخفين.
ومن هذه الأحاديث حديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه"
قال الأعمش عن إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول (المائدة) يعني: آية الوضوء.
وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على مشروعيته في السفر والحضر لحاجة أو غيرها.
-سواء كان لحاجة أو لغير حاجة.
يقول: وكذلك يجوز المسح على الجورب.
كذلك يجوز المسح على الجوارب. وهي ما يلبس على الرجل من غير الجلد. كالخرق ونحوها.
وهو ما يسمى الآن بالشراب. لأنهما كالخف في حاجة الرجل إليهما. والعلة فيهما واحدة وقد انتشر لبسها أكثر من الخف. فيجوز المسح عليها إذا كانت ساترة.
فهنا يلحق المسح على الجوربين بالمسح على الخفين.
استدل بماذا هنا؟
ما الذي جعلكم تقولون: القياس؟
لأنه ذكر العلة.
متى ما ذكر العلة وقال: العلة فيهما واحدة، معنى ذلك أنه يستدل هنا بماذا؟
بالقياس.
لكن الحقيقة العمدة في جواز المسح على الجوربين، أنه روي المسح على الجوربين عن ثلاثة عشر صحابيا رضي الله عنهم.
أيضا يدل عليه صريح القياس، لأنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه.
روي عن أنس انه مسح وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف. فقيل له: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف.
فهنا لا يكون إلحاقا، ولا حتى يكون قياسا. لا بل الخف لغة عند أهل اللغة من الصحابة، ها هو الخف نفسه يسمى جوربا.
فليس هناك قياس هنا.
واضح؟
كما بين ذلك بعض العلماء.
وحتى ما مسح عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس عندنا دليل واضح أنهما كانا مجلدين، جلد يعني من فوق ومن أسفل.
واضح؟
ولو كان الحكم يختلف بين ما كان مجلدا ..
-قلنا المجلد أي: من فوق جلد ومن تحت جلد.
لو كان الحكم يختلف بين ما كان مجلدا أو غير مجلد، لبين هذا الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهم ينقلون لنا جواز المسح على الجوربين.
ولو كان الحكم يختلف لجاء نهي من الشرع أو من الصحابة عن المسح على الجورب، إذا كان من صوف أو قطن.
فالعام والمطلق يُعمل به على عمومه وإطلاقه.
يقول فيروز أبادي: الجورب: لفافة الرجل.
وقال في (تاج العروس): الجوارب: لفافة الرجل
وقال أبو بكر بن العربي: الجورب غشاءان للقدم من صوف يتخذ للوقاء.
وفي التوضيح للحطاب المالكي قال: الجوارب ما كان على شكل الخف، من كتان أو قطن أو غير ذلك.
وقال في (الروض المربع): الجورب: ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد.
وقال العيني: الجورب هو: الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرودة وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول، يُلبَس في القدم إلى ما فوق الكعب.
إذاً: هذه النقول ليس فيها ما يدل على أن الجوارب فيها ما هو منعل أو مجلد، بحيث يمكن أن يدعى أن الجوارب التي مسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم كانت منعلة أو مجلدة.
فالأصل في الجوارب ما عرفه أهل اللغة وأهل الفقه، ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل.
أيضا: قالوا: إن الجوارب إذا لم تكن منعلة أو مجلدة، لا يمكن متابعة المشي فيها.
فإذا لم يمكن متابعة المشي فيها فلا يصح المسح عليها.
والجواب عن مثل هذا، أنه لا يوجد دليل على اشتراط إمكان متابعة المشي فيها.
فلا ينبغي أن تُعارض الأدلة الشرعية بمثل هذا التعليل الذي لا دليل عليه. لأنه لا يعارض الدليل الشرعي إلا دليل مثله.
على أننا لا نسلم أنه لا يمكن متابعة المشي عليها، وكونها قد يس..(الدقيقة 26.49) عليها التلف، فهذا أمر غير معتبر ... لأنهم حددوا مسافات، اختلفوا في مسافات ماذا؟ ما هي المسافات التي يمكن متابعة المشي فيها قبل أن يتمزق؟
فما الدليل على مثل هذا؟!
واضح؟
فكون أن التلف يُسرع إليها، هذا أمر غير معتبر لأنه معلوم أن القطن أضعف من الصوف. والصوف أضعف من الجلد. وبعض الجلود أضعف من بعض.
وكل هذا لا تأثير له في الحكم الشرعي ومشقة النزع، بالذات في البرد الشديد كما هي موجودة في الخف، هي موجودة أيضا في الجورب. والحاجة إلى هذه كالحاجة إلى تلك.
فيعني الجورب لا يلحق بالخف اعتمادا على القياس وحده، بل اعتمادا على ما صح من الأحاديث المرفوعة وأفعال الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
ولو لم يأتي إلا فعل الصحابة لكفى به دليلا، لأنهم أعلم بمراد الله وبمراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم أهل اللغة ويعرفون معنى الجورب، ومعنى الخف أكثر من غيرهم.
ولذلك قال أنس رضي الله تعالى عنه، عن الجورب: "إنهما خفان ولكن من صوف".
يعني أحاديث المسح على الجوربين وردت مطلقة من غير تقييد بأن تكون منعلة أو مجلدة،وتقييد ما أطلقه الشارع لا يجوز إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع. ولا دليل.
*فمن جهة الأدلة العقلية:
إذا جاز المسح على الخف يجوز المسح على الجورب، لأن كلا منهما لباس للقدم ولا فرق.
فإما أن تكون الجوارب داخلة في مسمى الخف لغة. وإما أن تلحق الجوارب بالخفاف قياسا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما. سواءا كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء
ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه.
وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك.
فإن الفرق بين الجوربين والخفين هو: كون هذا من صوف وهذا من جلد.
ومعلوم أم مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتانا أو صوفا، كما لم يُفرَّق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه.
وغايته أن الجلد أبقى من الصوف، وهذا لا تأثير له. كما أنه لا تأثير لكون الجلد قويا، بل يجوز المسح على ما يبقى وعلى ما لا يبقى.
وأيضا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا -الجورب يعني- كالحاجة إلى المسح على هذا سواءا.
ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين متماثلين.
وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء بالكتاب والسنة.
-وسبق أن ذكرنا كلام أنس، حينما قال: "إنهما خفان ولكنهما من صوف"
يعني هو يطلق عليه لغة اسم خف، فيشمله أدلة جواز المسح على الخفين.
-هنا تعليق جميل في الحقيقة للعلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى، يقول: المعنى في حديث أنس أدق.
-عندما قال ماذا؟
"إنهما خفان ولكنهما من صوف".
يقول: فليس الأمر قياسا للجوربين على الخفين، بل هو أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة الخفين، بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني.
والخفان، ليس عليهما موضع خلاف. فالجوربان من مدلول كلمة الخفين، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية، وأنس بن مالك رضي الله عنه صحابي من أهل اللغة قبل دخول العجمة، واختلاط الألسنة، فهو يبين أن معنى الجلد أعم من أن يكون من الجلد وحده. ولم يأت دليل من الشرع يدل على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط.
وقول أنس هذا، أقوى حجة ألف مرة، من أن يقول مثله مؤلف من مؤلفي اللغة، كالخليل والأزهري والجوهري وابن سي..(الدقيقة 31.33) وأضرابهم. لأنهم ناقلون للغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء، فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر من مصادر اللغة، وهو الصحابي العربي من الصدر الأول بإسناد صحيح إليه.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى..
وليست الأحاديث التي وردت في المسح على الجوربين، ليست كلها ضعيفة، يوجد منها الضعيف، ويوجد منها حديث ثوبان، وحديث بلال وأبي موسى، حتى لو كان في بعضها ضعف لكنه ينجبر بالشواهد، أو في الشواهد.
برفع الآثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المسح على الجوربين.
ولا يظن بالصحابة أنهم تركوا ظاهر القرآن وخالفوه بالمسح على الجوربين.
قال ابن القيم: الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين. وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه.
وإذا كان ظاهر القرآن لا ينافي المسح على الخفين، فكذلك أيضا لا ينفي المسح على الجوربين. بجانب أن الحكمة التي شُرِع من أجلها المسح على الخفين، موجودة في المسح على الجورب.
والآن الشائع بين الناس ماذا؟
لُبس الجوارب. والناس في حاجة إليه بالذات في البرد الشديد.
ويمكن طلبة المدارس وبعض الشباب ومن يتنقلون كثيرا ومن في الجيش.
يعني ممكن يكون في التزام خلع الجوارب والوضوء، ما ينفرهم من إقامة الصلاة والمحافظة عليها، فالناس ربما تتواجد في ظروف بالذات البلاد شديدة البرد محتاجة إلى هذا التشريع.
وهذه إشارة اضطررنا إلى التفصيل فيها لأن مسألة مما تعم الحاجة إليها.
نعود إلى الكلام.
..يقول: وكذلك يجوز المسح على الجوارب.
وهي ما يلبس على الرجل من غير الجلد، كالخرق ونحوها وهو ما يسمى الآن بالشراب، لأنهما كالخف في حاجة الرجل إليهما والعلة فيهما واحدة، وقد انتشر لبسها أكثر من الخف. فيجوز المسح عليها إذا كانت ساترة.
*المسألة الثانية:
شروط المسح على الخفين وما يقوم مقامهما.
هوهنا لم يذكر الحقيقة شرطا مهما وهو النية، فإن الراجح في مذهب الجمهور أن النية شرط في طهارة الحدث، وقياس على طهارة الخبث لا يصح.
لأن طهارة الخبث، وهي إزالة النجاسة لا يشترط لها نية. لكن لا تقاس طهارة الحدث على طهارة ماذا؟ الخبث
في حالة المسح على الخفين هل..؟
هو هنا لم يذكر النية لماذا؟
هو له عذر أيضا، لأن هوالأساس أنك تتوضأ، ثم في الآخر تترخص فقط في المسح على الخفين، فنية الوضوء تكفي.
هو من هنا لم يذكر هذا الشرط.
لماذا؟
لأنه ذكره في الوضوء. وهذه الرخصة نستعملها متى؟ بعدما نغسل كل أعضاء الوضوء نجيء عند القدمين ونمسح.
فإذا أكيد في الوضوء في الأول تكون النية موجودة، ولذلك هو لم يذكرها هنا.
فنية الوضوء كافية، ولا يحتاج المسح على الخفين إلى نية مستقلة، بل هو داخل في نية الوضوء كأفعال الصلاة فالصلاة لابد لها من نية.
لكن هل الركوع والسجود وكل هذا يحتاج إلى نية؟!
أم يكفي أن تنوي الصلاة؟ بل تكفي نية الصلاة وتدخل فيها إذا أفعال الركوع والسجود وكذلك أفعال الحج، وهكذا..
فلذلك قلنا: لم يذكر شرط النية لأن أصل المسالة أننا نتوضأ، فنية الوضوء تكفي، ولا نحتاج لنية مستقلة للمسح على الخفين.
أما شروط المسح على الخفين وما يقوم مقامهما.
فأولها: لبسهما على طهارة:
لما روى المغيرة، قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين. فمسح عليهما".
-فهنا أول شرط: لابد أن يلبسهما على طهارة
الشرط الثاني: سترهما لمحل الفرض:
يعني الجزء المفروض غسله من الرجل، وهو إلى الكعبين.
هناك أناس تحسب الكعب هو العقب.
لا، الكعبين: كل قدم فيها كم كعب؟
اثنين. وهما العظمان الناتآن في جانبي أسفل الساق.
سترهما لمحل الفرض: أي المفروض غسله من الرجل. فلو ظهر من محل الفرض شيء لم يصح المسح.
الشرط الثالث: إباحتهما..
لأنه دائما لابد أن يكون الخف ماذا؟
مباحا، لأن الخف المباح يقابله الخف المحرم.
والخف المحرم: إما أنه محرم لحق الله سبحانه وتعالى.
كمثلا: رجل لبس خفا من حرير. فالخف هنا محرم لحق الله. وهو أن الله حرم الحرير على الرجال.
أو المحرم يكون محرما لحق الآدمي، مثل الخف المغصوب أو المسروق.
..يقول: إباحتهما: أي إباحة الخفين فلا يجوز المسح على المغصوب والمسروق ولا الحرير لرجل، لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة.
الشرط الرابع: طهارة عينهما:
فلا يصح المسح على النجس، مثلا: الخف متخذ من جلد خنزير مثلا، نجس.
فلا يجوز أن يكون عين الخف نفسه نجس. بل لابد أن تكون طاهرة.
الشرط الخامس: أن يكون المسح في المدة المحددة شرعا.
..مقيد بمدة، وهي: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
أيضا: لابد أن يكون المسح في الطهارة الصغرى:
لرفع الحدث الأصغر، لابد ان يكون المسح فقط في ماذا؟ في الحدث الأصغر، ولا يجزئ المسح في الجنابة ولا في غسل الواجب ولا حتى في غسل مستحب.
يغتسل أي غسل مستحب وهو يلبس الخفين؟! لا.
أي غسل لابد أن يكون بدون خفين.
قال صفوان: "كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو كنا مسافرين، لا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم".
يعني في الحدث الأصغر، إذا حصل شيء من هذه النواقض: غائط أو بول أو نوم.
.يقول: هذه شروط خمسة استنبطها أهل العلم لصحة المسح على الخفين، من النصوص النبوية والقواعد العامة، لابد من مراعاتها عند إرادة المسح.
**أما المسألة الثالثة: فكيفية المسح وصفته:
طبعا المحل المشروع مسحه: ظاهر الخف.
يعني الجزء الأعلى من الخف، وليس باطنه الذي يلي الأرض، بل من فوق.
المحل المشروع مسحه: ظاهر الخف والواجب في ذلك ما يطلق عليه اسم المسح.
*وكيفية المسح: أن يمسح أكثر أعلى الخف.
يعني لا يشترط أن يشمل كل مساحة ظاهر القدم. لأن هذا المسح أساسا يتم بالأصابع، يبل الأصابع ويمسح.
فحتى في بعض الروايات "أنه ظهر في... خطوط الأصابع"(الدقيقة 40.15).
فغالبا ..(الدقيقة 40.1) تستوعب كل أجزاء ماذا؟
لكن المطلوب هو مسح ماذا؟
أكثر ظاهر الخف.
..أما القول بوجوب استيعاب ظاهره، أن لا تترك (سم) من ظاهر الخف إلا ولابد أن تمسح عليه، فهذا قول شاق جدا.
خاصة أن آلة المسح هي: الأصابع التي تترك خطوطا على ظاهر الخف، فكان أكثره قائما مقام استيعاب ظاهره.
واضح؟
هنا المطلوب أكثر المساحة وليس استيعابها كلها.
عن أيوب قال: "رأيت الحسن بال ثم توضأ، فمسح على خفيه مسحة واحدة، على ظهورهما. قال: فرأيت أثر أصابعه على الخف".
وهذا إسناد صحيح.
إذاً، يقول: وكيفية المسح: أن يمسح أكثر أعلى الخف.
-من يعرب كلمة أعلى؟
إعرب إعراب كامل..
الطالب:...
الشيخ: لأنه ماذا؟ اسم ماذا؟
مقصور.
نعم فهو مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف اللازمة.
..فيسمح أكثر أعلى الخف.
وطبعا المسح يكون مرة واحدة، ولا يكرر.
لماذا؟
لأن شأن المسح التخفيف.
دائما المسح يكون فيه تخفيف. يعني حتى مسح الرأس والأذنين مثلا، مرة واحدة.
وليس ثلاث مرات.
هم؟
فشأن المسح دائما التخفيف، فكذلك مسح الخف مرة واحدة.
..وكيفية المسح: أن يمسح أكثر أعلى الخف، لحديث المغيرة بن شعبة الذي بين فيه وصف مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفه في الوضوء، فقال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما".
ولا يجزئ مسح أسفله، وعقبه، ولا يسن.
-يعني لا يسن مسح العقب. وهو ما نسميه ...(الدقيقة 42.26) الكعب، لكن هو اسمه العقب.
فلا يجزئ مسح العقب ولا أسفل الخف، لقول عليه رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه. وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفه"
طيب لو جمع بين الأعلى والأسفل؟ يصح. لكن مع الكراهة، لأنه خالف السنة.
**المسألة الرابعة: مدته
ومدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم، ومن سفره لا يبيح له القصر يوم وليلة.
وبالنسبة للمسافر سفرا يبيح له القصر، ثلاثة أيام بلياليها.
لحديث علي رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم".
-إذاً، مدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم، ومن سفره لا يبيح له القصر.
.يعني هو مسافر ولكن ليس المسافة التي تبيح له القصر.
يوم وليلة بالنسبة للمقيم أو من سفره لا يبيح له القصر.
وبالنسبة للمسافر سفرا يبيح له القصر، طبعا هذه سنناقشها بالتفصيل فيما يأتي في قصر الصلاة.
لكن اختلفوا في تحديد هذا السفر الذي يبيح القصر
فمن قائل هو: مسيرة ثلاثة أيام للسير الوسط، ومن قائل أربعة بُرُد يعني ثمانية وأربعين ميلا، وهذا قول الجمهور.
ومن قائل ثلاثة أميال.
ومن قائل: هو ما يطلق عليه عرفا سفرا بدون تقدير، وأقوى الأقوال هما القولان الأخيران: ثلاثة أميال أو ما يطلق عليه سفرا عرفا بدون تقدير مسافة.
إذاً، يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يمسح يوما وليلة
ويوما وليلة يعني ماذا؟
أربعة وعشرين ساعة.
**المسألة الخامسة: مبطلاته:
يقول:: ويبطل المسح بما يأتي:
أولا: إذا حصل ما يوجب الغسل (كجنابة أو حيض أو نفاس) بطل المسح.
لأن أصبح الواجب هنا ماذا؟ الغسل وليس الوضوء، لجنابة أو نحو ذلك.
فهنا يجب الغسل وبالتالي لا ينفع أن يمسح على الخفين، لا بد في الغسل سواء كان واجبا أو حتى مستحبا.
..إذا حصل ما يوجب الغسل بطل المسح، لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة"
ثانيا: ..يبطل المسح أيضا إذا ظهر بعض محل الفرض:
لو جزء من محل الفرض -القدم- ظهر يبطل المسح.
فظهور بعض القدم، إذا ظهر بعض القدم بطل المسح.
ثالثا: نزع الخفين يبطل المسح:
ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم.
إذا خلعهما يبطل أيضا المسح.
رابعا: انقضاء مدة المسح مبطل له:
إذا انقضت المدة سواءا للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، أو للمقيم يوما وليلة، إذ مرت المدة ينتهي صلاحية المسح.
لأن المسح مؤقت بزمن معين من قبل الشارع، فلا تجوز الزيادة على المدة المقررة لمفهوم أحاديث التوقيت. فما زاد على ذلك فليس مدة للمسح.
**المسألة السادسة:
ابتداء مدة المسح:
طبعا كما أشرنا أن الراجح هو: عبادة المسح على الخفين عبادة مؤقتة بوقت معين، وقد اختلف الفقهاء في ابتداء مدة المسح.
هو يوجد مدة، ولكن كيف يكون ابتداؤها؟
..يقول: وتبتدئ مدة المسح من الحدث بعد اللبس.
..(الدقيقة 47.14) يعني واحد توضأ ولبس الخفين، واضح؟
متى نحسب مدة اليوم والليلة؟ مدة الأربعة وعشرين ساعة؟ ...(الدقيقة 47.14) من الحدث.. وهذا القول اعتمده هنا..
وهو: (من الحدث بعد اللبس).
فمن توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين. وبعد طلوع الشمس أحدث ولم يتوضأ، ثم توضأ قبل صلاة الظهر، فابتداء المدة من طلوع الشمس وقت الحدث.
وقال بعض العلماء: ابتداؤها من حيث توضأ قبل صلاة الظهر، يعني من المسح بعد الحدث.
- هو في الحقيقة، المذهب الثاني هذا قد يكون هو الأرجح. والله تعالى أعلم.
لماذا؟
لما نأتي لنتأمل القول الذي اعتمده هنا: إن مدة المسح تبدأ من الحدث بعد اللبس، يعني من أول حدث بعد اللبس: فلو أن واحد -كما قال- صلى الفجر، وتوضأ ولبس الخفين. وبعد طلوع الشمس مثلا على الساعة السابعة أو الثامنة، أحدث ولم يتوضأ. ثم إذا ما جاء وقت صلاة الظهر، توضأ قبل صلاة الظهر، فهو هنا يقول: إن بداية العد من متى؟ من الساعة السابعة صباحا أو الساعة السابعة والنصف التي هي بعد طلوع الشمس لما أحدث.
فتكون البداية من أول حدث بعد اللبس.
فاستدل من قال بأن ابتداء المدة من أول حدث بعد لبس الخفين بحديث صفوان: "كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم"
وهو حديث حسن
طبعا الناس الذين قالوا: أن المدة تبدأ من أول حدث بعد اللبس، استدلوا بهذا الحديث.
استدلوا بقوله ماذا؟ "ولكن من غائط وبول ونوم".
فهمهم يفيد أن معنى كلمة "من غائط.." أن (من) هنا كأنها للابتداء، يعني من أول حصول حدث غائط أو بول أو نوم.
-والجواب عن هذا أن كلمة (من) ليست لأجل بيان ابتداء حساب المدة، ولكنها وردت هنا للتفريق بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر.
واضح؟
يعني هذا الحديث لا يتعرض لمدة المسح.
وكلمته عندما يقول: "..إلا من جنابة .." واضح؟ "..ولكن من غائط وبول ونوم".
ليس من غائط يعني من بداية حدوث هذا الحدث، ولكن المقصود ماذا؟
أنه في الجنابة يكون الغسل، ولا ينفع المسح.
ولكن المسح يكون ماذا؟
حتى يفرق، عندما قال: "..لكن من غائط وبول ونوم" أتى بها لأجل ماذا؟
ليفرق بين الحدث الأصغر فإن الخفين لا ينزعان ويكتفى بالمسح عليهما.
أما الحدث الأكبر فيستلزم الغسل فلابد من ماذا؟
من نزعهما.
فهذا العمدة في كلامهم، أن كلمة: "..ولكن من غائط وبول ونوم"، فهموها أنه من ابتداء حدوث غائط، تحتسب المدة.
لا، في السياق حتى يفرق بين ما توجبه الجنابة وهو الغسل، وبين ما يجيزه الحدث الأصغر وهو المسح على الخفين.
هناك مذهب ثالث:
أن مدة المسح تبتدئ من أول صلاة صلاها إلى خمس صلوات مفروضات، لأن هذا هو أقل ما قيل.
وطبعا هذا قول ضعيف مخالف للنص.
..لأن من مسح لصلاة الصبح..
لأنه يقول لك: إن أقل مدة المسح تبدأ من أول صلاة يصليها وحتى يكمل خمس صلوات.
فلو أنه مسح على الخفين لصلاة الفجر، واضح.
سيصلي به كم صلاة؟
يعني على هذا القول: متى تنتهي المدة؟
بصلاة العشاء.
إذاً: هل ينفع أن يصلي به الوتر بالليل؟
لا ينفع.
مع أنه ما زال لم يمر يوم وليلة.
فهذا القول، يقول هذا أقل ما ورد أن يكون لخمس صلوات.
فمعنى ذلك من الناحية العملية أن من مسح على صلاة الفجر وسيصلي بهم خمس صلوات، فسوف تنتهي المدة مع صلاة العشاء. فإذا أراد أن يصلي الوتر فلا يصلح أن يتوضأ ويستمر على هذا المسح.
فلا يجوز له أن يمسح ولا أن يصلي به الوتر.
فتكون المدة هنا يوما وبعض ليلة.
وهذا مخالف ل.."..يوم بليلة.." التي جاءت في الحديث.
..فيقول هنا: وقال بعض العلماء: ابتداؤها من حيث توضأ قبل صلاة الظهر.
اي من المسح بعد الحدث.
هذا هو الأرجح: أن المدة تبتدئ من أول مسح بعد الحدث.
يعني المثال: الذي ضربه للذي صلى الفجر وتوضأ ولبس الخفين، ثم أحدث بعد طلوع الشمس الساعة الثامنة مثلا، ولم يتوضأ..
ثم جاء قبل صلاة الظهر وتوضأ.
فهنا المدة تحسب منذ متى؟
منذ أن توضأ قبل صلاة الظهر.
واضح؟
فإذاً المدة تبتدئ من أول مسح بعد الحدث.
لأن هذا هو القول الذي يصدق عليه إنه مسح يوما وليلة.
للمقيم.
يوم وليلة.
لحديث علي رضي الله تعالى عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نمسح على الخفين ثلاث ليال والمقيم يوما وليلة"
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه مرفوعا: "يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يوما وليلة".
إذاً: الوقت في ذلك، وقت المسح وليس وقت الحدث.
يمسح
انتبهوا لهذا..
يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال. ويمسح المقيم يوما وليلة..
يمسح..
فيكون هنا الوقت في ذلك هو وقت المسح نفسه وليس وقت الحدث.
والقول بأن: ابتداء المدة من الحدث ليس عليه دليل. فلم يرد في الأحاديث ذكر للحدث أصلا، فيتعين الأخذ بظاهر الأحاديث أنها مرتبطة بماذا؟
أن المدة تحتسب من أول مسح بعد الحدث.
..ومدة الرخصة للمقيم: أن يمسح يوما وليلة.
يعني أربعة وعشرين ساعة.
لو قلنا: إن ابتداء المدة من الحدث سيكون المسح أقل من يوم وليلة. فنخالف الحديث.
فمن صلى العشاء ثم توضأ، ثم لما أتى الفجر مسح، تكون مدة المسح هنا ماذا؟
يوما وبعض ليلة.
فلا تكون مدة مسحه يوما وليلة إلا إذا اعتبرنا المدة من ابتداء المسح.
أول مسح بعد الحدث.
..وعن أبي عثمان المهدي قال: "حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته"
-ولا شك أن عمر أعلم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ممن بعده.
إذاً، طبعا هو الخلاف معتبر، يعني هو ما اعتمده أيضا قول معروف، أن المدة تبتدئ من الحدث، من أول حدث بعد اللبس.
يَرِد عليها أن هذه ستكون أقل من أربعة وعشرين ساعة
لكن الأرجح والله تعالى أعلم أن المدة تحتسب من أول مسح بعد الحدث.
**المسألة السابعة: المسح على الجبيرة والعمامة وخُمُرِ النساء:
..يقول: الجبير هي: أعواد ونحوها كالجبس مما يربط على الكسر ليجبر ويلتئم ويمسح عليها.
-طبعا في الجبيرة يجب استيعاب الجبيرة كلها في المسح.
الجبيرة تستوعب كلها بالمسح.
..كذلك يمسح على اللصوق واللفائف التي توضع على الجروح، فكل هذه الأشياء يمسح عليها بشرط أن تكون على قدر الحاجة، فإن تجاوزت قدر الحاجة لزمه نزع ما زاد على الحاجة.
..ويجوز المسح عليها في الحدثين الأكبر والأصغر، وليس للمسح عليها وقت محدد. بل يمسح عليها إلى نزعها أو شفاء ما تحتها.
-هناك فرق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين.
فيجوز المسح عليـ ...(الدقيقة 56.53)في الحدثين الأكبر والأصغر
ملحوظة للمفرغ: برجاء تدقيق كلمة (عليهما)، إذ الظن أنها (عليها).
طبعا أصلا المسح على الجبيرة لابد أن يكون الغسل فيه مما يضر العضو أو الجروح، بخلاف المسح على الخفين، ليس شرطا أن يكون مضطرا، وليس شرطا حتى أن يكون محتاجا..
فيجوز المسح عليهما في الحدثين الأكبر والأصغر.
في حين المسح على الخفين فقط في الحدث الأصغر
وليس للمسح عليها وقت محدد، بل يمسح عليها إلى نزعها أو شفاء ما تحتها.
والدليل على ذلك أن: المسح على الجبيرة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها، ولا فرق فيها بين الحدثين.
-وإن كان في قضية المسح على الجبيرة: بعض العلماء وبعض المحققين ذهبوا إلى أن التيمم أرجح من المسح.
يعني بدلا من المسح على الجبيرة يتيمم..
لأن الآية في سورة المائدة: "..وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ..(6)" المائدة
فالجرح هذا مرض.
واضح؟
فالأقرب أنه يتيمم ولا يمسح على الجبيرة، فهذا مرض يبيح التيمم.
لأنه سبحانه وتعالى قال: "..وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى .. فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ..".
طبعا ".... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً .." أو عجزتم عن استعمال الماء كما في الجروح.
..وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا أجنب الرجل وبه الجراح والجدري فخاف على نفسه إن هو اغتسل. قال: يتيمم بالصعيد".
وهذا الأثر حسن
..يقول: كذلك يجوز المسح على العمامة، وهي: ما يعمم به الرأس ويكور عليه.
والدليل على ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وعلى الناصية والخفين"
وحديث أنه صلى الله عليه وسلم "مسح على الخفين والخمار"
والخمار هنا المقصود به: العمامة
والمسح عليها ليس له وقت محدد، ولكن لو سلك سبيل الاحتياط فلم يمسحها إلا إذا لبسها على طهارة وفي المدة المحددة للمسح على الخفين لكان حسنا.
أما خمار المرأة: وهو ما تغطي به رأسها، فالأولى ألا تمسح عليه إلا إذا كان هناك مشقة في نزعه. أو لمرض في الرأس أو نحو ذلك.
ولو كان الرأس ملبدٌ بحناء أو غيره فيجوز المسح عليه. لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وعموما طهارة الرأس فيها شيء من التسهيل والتيسير على هذه الأمة.
-فالمسح على الخمار، إما أنه داخل في العموم اللفظي من جواز المسح على العمامة، وإما أنه مقيس عليه بجامع أن كلا منهما غطاء على الرأس يشق نزعه.
والله تعالى أعلم.
*الباب السابع في الغسل:
وفيه مسائل..
الأولى: معنى الغسل وحكمه ودليله.
أولا: الغسل لغة، مصدر من غسل الشيء يغسله غَسلا وغُسلا.
وهو تمام غسل الجسد كله.
ومعناه شرعا: تعميم البدن بالماء أو استعمال ماء طهور في جميع البدن على صفة مخصوصة على وجه التعبد لله سبحانه.
حكمه: والغسل واجب إذا وُجِد سببٌ لوجوبه، لقوله تعالى: "..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)" المائدة
والأحاديث التي ورد فيها كيفية الغسل عن عدد من الصحابة نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على وجوبه. وسيأتي طرف منها قريبا إن شاء الله.
*موجبات الغسل:
يجب الغسل للأسباب الآتية:
أولا: خروج المني من مخرجه.
ويشترط أن يكون دفقا بلذة من ذكر أو أنثى.
-طبعا خروج المني من مخرجه المقصود به في يقظة أو نوم، لكن لابد أن يكون بالخروج المعتاد المعروف.
وهو أن يكون دفقا بلذة.
لابد
دفقا: لأن "خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)" الطارق
بلذة، وإلا لو كانت حالة مرضية ولا يوجد فيه هذا المعنى فلا توجب الغسل.
يقول تعالى: "..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)" المائدة
ولقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إذا فضخت الماء فاغتسل"
. فضخ الماء يعني: دفقه.
والمراد به: المني.
ما لم يكن نائما ونحوه، فلا تشترط اللذة. لأن النائم قد لا يحس به.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: "هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء"
وهذا كله مجمع عليه.
الموجب الثاني: تغييب حَشَفَة الذكر كلها أو قدرها في الفرج وإن لم يحصل إنزال بلا حائل:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل".
-لكن لا يجب الغسل في هذه الحالة إلا على ابن عشر أو بنت تسع فما فوقها.
..ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القول بعدم وجوب الغسل بالتقاء الختانين.
فيحتمل أن هذا نسخ فيما بعد، والأحاديث التي تدل على وجوب الغسل ناقلة عن البراءة الأصلية. فهي مقدمة على غيرها، ولذلك قال البخاري: (الغسل أحوط).
-هذا فيما يتعلق بمسألة التقاء الختانين.
السبب الثالث الذي يوجب الغسل: إسلام الكافر ولو مرتدا:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم حين أسلم أن يغتسل.
هنا يذهب إل وجوب الغسل على الكافر ولو كان مرتدا.
في الحقيقة، لم يخلو حديث يوجب الغسل على الكافر إذا اسلم من كلام في صحته.
والأحكام لا تثبت إلا بدليل صحيح.
فعامة أدلة وجوب الغسل هنا، أدلة ضعيفة.
ثم إن كثيرا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أسلموا ولم يُنقَل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالغسل، ولو كان الغسل واجبا لكان هذا الحكم شائعا مشهورا. لحاجة الناس إليه، ولجاءت به النصوص الصحيحة.
لأنه ما من أحد أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويحتاج إلى معرفة هذا الحكم. فكونه ينفرد بهذا الحكم -قصي بن قيس- وهو غير معروف، ولم يرو عنه إلا ابنه يجعل بالنفس شيئا من إيجاب مثل هذا الحكم.
كذلك حديث ثمامة للأمر بالغسل، هذه رواية شاذة مخالفة لرواية الصحيحين وغيرهما.
لم يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالغسل لمن أراد أن يُسلم.
أيضا الرسول عليه الصلاة والسلام بعث معاذا إلى اليمن ليدعو أهل الكتاب إلى الإسلام وأخبره بأن يدعوهم إلى الشهادتين ثم إلى الصلاة ثم إلى الزكاة وهكذا. ولم يخبره بأن من أسلم فعليه أن يغتسل، ولو كان لزاما على كل كافر دخل في الإسلام أن يغتسل لنبه الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا إلى هذا.
-والحديث معروف: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى كذا. فإن هم أطاعوا أخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات إلى آخره..".
لم يذكر في هذه الوصايا هذه المسألة.
وحتى لو صح أمر الاغتسال فيحمل على الاستحباب، للقرائن التي ذكرنا، وهو أنه أسلم أناس كثيرون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقَل أنه أمرهم بالغسل. فهذه قرينة صارفة للأمر إذا ثبت عن الوجوب إلى الاستحباب.
نعم.
بعض العلماء قالوا: إن الكافر يجب عليه الغسل فقط إذا كان جُنُبا حال كفره.
إذا كان جنبا حال كفره وأسلم فكما لو أنه بال في حال كفره ثم أسلم، فإذا أراد الصلاة فلابد له من ماذا؟
من الوضوء.
فإذا كان هذا في الحدث الأصغر فكذلك في الحدث الأكبر.
فإذا أجنب قبل أن يسلم ثم أسلم فإنه يلزمه الغسل قياسا على البول.
والجواب على هذا ممن لم يوجبوا الغسل مطلقا، قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ..(38)" الأنفال
وفي حديث عمرو: "الإسلام يهدم ما قبله".
وقد أسلم خلق كثير لهم الزوجات والأولاد ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل وجوبا ولو وجب لأمرهم به.
والكافر إذا أسلم لا يطالب بقضاء الصلاة ولا بقضاء الصوم.
كذلك لا يُطلب بما فعله حال كفره قبل أن يلتزم أحكام الإسلام.
أما القياس على البول، فهو قياس مع الفارق.
فهو لم يجب عليه الوضوء للصلاة بسبب الحدث السابق حال كفره، وإنما هو مخاطب عند القيام إلى الصلاة بأن يكون على طهارة.
وهو لم يفعلها، والله سبحانه وتعالى يقول: "……..
-على أي الأحوال: أقرب الأقوال إلى الصحة في هذه المسألة والله تعالى أعلم القول بعدم الوجوب.
أما أن يقال: الاستحباب. لا بأس. لكن في كل الأحوال ينبغي التنبه إلى أننا لا نعطِّل رجلا كافرا أتى يريد أن يسلم نقول له: لا، اغتسل أولا، ثم تعالى.
لأن أصلا الغسل، أليس من ضمن واجباته النية؟ وهل هو قبل أن يُسلِم يصلُح منه غسل؟! يصح منه غسل؟ فكيف نعطل إسلامه؟ ممكن الرجل يموت قبل أن يشهد الشهادتين. فالمفروض أن نشجع أي شخص يريد الإسلام على المبادرة ولا نؤجل، ولا نقول له ماذا؟ انتظر حتى تغتسل. في سبيل حتى لو أنه شيء مستحب، هل نعطله عن قرار مصيري؟ خلود في جنة أو في نار؟! ولا يقول الشهادتين من أجل غُسل مستحب؟! الذي في أقصى أحواله أن يكون مستحبا؟! فإذا لا ينبغي أن يُعطَّل إسلام من أراد الدخول في الإسلام بحجة أنه يغتسل.
الموجب الرابع: انقطاع دم الحيض والنُفاس:
لحديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حُبيش: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي".
والنفاس كالحيض بالإجماع.
-فهو في الحقيقة التعبير هنا دقيق (انقطاع) يعني هو مجرد خروج الدم موجب للغسل. لكن انقطاعه شرطا للصحة.
من أجل ذلك يقول هناك ماذا؟ انقطاع دم الحيض والنفاس حتى يصح الغسل.
فهو خروج الدم يوجب الغسل، لكن انقطاعه شرط للصحة. وهذا الوجوب على التراخي وليس على الفور.
طبعا إذا ضاق وقت العبادة فيكون على الفور.
خامسا: الموت: مما يوجب الغسل الموت.
طبعا الموت غير الشهيد.
هذا في حق غير الشهيد. فإن الشهيد لا يجب تغسيله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث غسل ابنته زينب حين توفيت: "اغسلنها..".
-طبعا هذا أمر ظاهره الوجوب.
وقال في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر".
ولم ينقل عن أحد من المسلمين أنه مات فدفن من غير غسل إلا الشهداء.
وهذا الأمر تعبدي.
غسل الميت تعبدي، وليس لرفع حدث.
لأن المسلم طاهر، فالمؤمن طاهر حيا أو ميتا.
واضح؟
فالمسلم طاهر، ولا يطهر الطاهر.
وإنما هذا أمر ماذا؟ تعبدي. لأنه لو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء سببه.
لو كان الموت نفسه حدث، والغسل هنا المقصود به تطهير الميت. سبب الحدث موجود أم غير موجود؟ حتى لو غسلناه، وهو أنه صار ميتا.
لو كان الموت نفسه حدث. واضح؟
فلو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء سببه.
فإذا هذا الأمر كما ذكرنا تعبدي، لأن المسلم طاهر والطاهر لا يطهر. لكننا نتعبد بطاعة الله أو الشريعة في مثل هذا.
**المسألة الثانية:
في صفة الغسل وكيفيته:
للغسل من الجنابة كيفيتان:
كيفية استحباب وكيفية إجزاء..
وكيفية الإجزاء: هي التي تشتمل على الواجب فقط.
على واجبات الغسل.
أما كيفية الاستحباب والكمال: فهي التي تشتمل على الواجب والمسنون.
..يقول: أما كيفية الاستحباب:
*فهي أن يغسل يديه
*ثم يغسل فرجه وما أصابه من الأذى
*ثم يتوضأ وضوءه للصلاة. (يمكن أن يتوضأ وضوءا كاملا ويمكن أن يؤخر غسل القدمين إلى آخر الغسل ).
*ثم يأخذ بيده ماءا فيخلل به شعر رأسه، مدخلا أصابعه في أصول الشعر حتى يروي بَشَرَتَه، ثم يحثو على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر بدنه، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المتفق عليه.
وأما كيفية الإجزاء:
*أن يعم بدنه بالماء ابتداءا مع النية.
واضح؟
لحديث ميمونة: "وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وَضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يُرِدها وجعل يَنفُض الماء بيديه".
ومثله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وفيه: "..ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد رَوَى -أو رَوَّى- بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده".
*ولا يجب على المرأة نقض شعرها للغسل من الجنابة، ويلزمها ذلك في الغسل من الحيض لحديث أم سلمة قالت: "قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تُفيضين عليك الماء فتطهرين".
**ثم يشرع في ذكر الأغسال المستحبة:
..يقول: تقدم بيان الأغسال الواجبة..
وأما الأغسال المسنونة والمستحبة فهي:
أولا: الاغتسال عند كل جماع.
لحديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه. قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله واحدا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر".
ثانيا: الغسل للجمعة.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
وهو آكد الأغسال المستحبة.
آكد الأغسال المستحبة.
-نقول: بل القول بوجوبه قول قوي، لأنه ظاهر الأحاديث.
والقائلون بالسنية يحتاجون إلى تأويل هذه الأحاديث وصرفها عن ظاهرها لمعارض ليس من القوة بحيث نضطر إلى تأويل النصوص عن ظاهرها.
ومع القول بوجوب الغسل -غسل الجمعة- فإن من صلى بدون أن يغتسل فصلاته صحيحة. حتى لو تركه بدون عذر. لأن الغسل واجب وليس شرطا في صحة صلاة الجمعة.
ووجوب الغسل إنما كان من أجل النظافة وإزالة العرق وليس عن حدث. والله تعالى أعلم.
-طبعا غسل الجمعة مشروع في حق من حضر الجمعة من الرجال والنساء البالغين.
النوع الثالث من الأغسال المستحبة: الاغتسال للعيدين:
فإنه ثبت عن علي بن أبي طالب من قوله رضي الله عنه، وهو من الخلفاء الراشدين المهديين، وأيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ولوجود معنى الجمعة في صلاة العيد وهو الازدحام، كي لا يتأذى الناس من ماذا؟
العرق.
ويكون الغسل للنظافة.
ولعدم أذية الملائكة.
رابعا: الاغتسال عند الإحرام بالعمرة أو الحج:
حتى الحائض والنفساء تغتسل أيضا عند الإحرام.
فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه.
خامسا: الغسل من غسل الميت:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فليغتسل".
هذا على سبيل ماذا؟
الاستحباب.
ومن حمله.. فليتوضأ. أيضا على سبيل الاستحباب.
من الأغسال المستحبة أيضا..
سادسا: الاغتسال لدخول مكة قبل الطواف:
من أجل الطواف وازدحام الطائفين، كصلاة الجمعة.
منها أيضا..
سابعا: الغسل لعرفة..
ثبت من قول علي ومن فعل ابن عمر رضي الله عنهم.
** المسألة الرابعة:
الأحكام المترتبة على من وجب عليه الغسل:
..يمكن إجمالها فيما يلي:
*لا يجوز له المكث في المسجد إلا عابر سبيل.
من وجب عليه الغسل، لا يجوز له أن يمكث في المسجد إلا عابر سبيل لقوله تعالى: "..وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..(43)" النساء
والآية : "..إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ..(6)" المائدة
فهل في الصلاة عبور سبيل، أم أن عبور السبيل يكون في أماكن الصلاة والمساجد.
فمن ثم نقول: "..وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ..(43)" النساء
فيكون في أماكن الصلاة نفسها.
فإذا توضأ جاز له المكث في المسجد.
يعني لو جنب مثلا ولابد أن يمكث في المسجد فيتوضأ، يخفف ماذا؟
الحدث.
..لثبوت ذلك عن جماعة من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن الوضوء يخفف الحدث والوضوء أحد الطهورين.
ثانيا: لا يجوز له مس المصحف: لقوله تعالى: "لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79)" الواقعة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس المصحف إلا طاهر"
*ثالثا: لا يجوز له قراءة القرآن:
فلا يقرأ الجنب شيئا من القرآن حتى يغتسل.
لحديث علي: "كان صلى الله عليه وسلم لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة".
ولأن في منعه من القراءة حثا له على المبادرة إلى الاغتسال وإزالة المانع له من القراءة.
-بعض العلماء رجح جواز قراءة القرآن وله أدلة قوية على ذلك وهو مذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
*ثالثا:
..ويحرم عليه أيضا الصلاة
"..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..(6)" المائدة
بعدما قال: ".. إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ .."
*رابعا:
كذلك يحرم عليه الطواف بالبيت:
..ثم ينتقل إلى الكلام على مسائل ..
التيمم
وهو الباب الثامن:
والتيمم لغة: القصد.
وشرعا: هو مسح الوجه واليدين بالصعيد الطيب على وجه مخصوص تعبدا لله تبارك وتعالى.
..فمن ناحية اللغة التيمم ما معناه؟
القصد.
"وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ..(267) .." البقرة.
*أما حكم التيمم:
فالتيمم مشروع، وهو رخصة من الله عز وجل لعباده، وهو من محاسن هذه الشريعة ومن خصائص هذه الأمة.
لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)" المائدة
وقال صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب كافيك وإن لم تجد الماء عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك"
وقال صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"
..وقد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم إذا توفرت شرائطه، وإنه قائم مقام الطهارة بالماء. فيباح به ما يباح بالتطهر بالماء من الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغير ذلك ..
وبذلك تثبت مشروعية التيمم بالكتاب والسنة والإجماع.
- طبعا التيمم يقوم مقام الماء في كل شيء عند فقده.
لأن البدل له حكم المبدَل، إلا أن رفعه للحدث يكون إلى غاية وجود الأصل.
وهو الماء.
فإذا وجود الماء عاد إليه حدثه ووجب عليه رفع الحدث بالماء. والله تعالى أعلم.
بناء على هذا، يجوز أن يؤم المتيمم غيره من المتوضئين.
لأن مادام هو معذور في التيمم وشروط الرخصة موجودة، فالتيمم يقوم تماما مقام الماء إلى حين وجود الماء..(الدقيقة 01.19.46).
*المسألة الثانية:
شروط التيمم والأسباب المبيحة لها:
يباح التيمم عند العجز عن استعمال الماء.
العجز عن استعمال الماء، إما لفقده وإما لخوف الضرر من استعماله، لمرض في الجسم أو شدة برد.
لحديث عمران بن حصين: "عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك"
ويصح التيمم بالشروط الآتية:
- النية:
وهي نية استباحة الصلاة.
والنية شرط في جميع العبادات. والتيمم عبادة.
فالنية شرط في طهارة الحدث مطلقا، سواء كانت الطهارة بالماء أو التراب.
فالتيمم كما ذكرنا يقوم مقام الماء لأنه بدل عنه.
فإذا نوى بالتيمم فرض التيمم، فقد أتى بما يجب عليه.
-طيب إذا نوى الصلاة بتيممه ارتفع حدثه الأصغر والأكبر لأنه يلزم من نية الصلاة ارتفاع الحدث.
إذا نوى ارتفاع الحدث الأصغر يرتفع الحدث الأصغر فقط.
-طيب إذا نوى ارتفاع الحدث الأكبر، يدخل فيه الحدث الأصغر.
-الشرط الثاني بعد النية: الإسلام:
فلا يصح من كافر لأنه عبادة.
فالكافر ليس من أهل النية.
الشرط الثالث: العقل:
فلا يصح من غير العاقل. كالمجنون والمغمى عليه.
-الشرط الرابع: التمييز:
فلا يصح من غير المميز وهو من كان دون السابعة.
-هو التمييز قالوا: الشخص المميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الناس.
قيل هو: من يصل إلى حالة بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده.
ولا يتقيد سن التمييز بسبع سنين.
تتفاوت..
هناك تفاوت.
لكن حاولوا ضبطه بمن كان دون السابعة، لأن الغالب أن هذا هو مظنة ذلك.
- الشرط الخامس للتيمم:
تعذر استعمال الماء، إلا لعدمه.
كما قال تعالى: "..فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ..".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير".
أو لخوفه الضرر باستعماله، إما لمرض يخشى بزيادته أو تأخر شفائه باستعمال الماء.
لقوله تعالى: "..وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى .." إلى قوله تعالى: ".. فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا .."
ولحديث صاحب الشجة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "..قتلوه قتلهم الله. هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال".
أو لشدة برد يخشى معه الضرر أو الهلاك باستعمال الماء.
لحديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: "احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي صلاة الصبح"
-سادسا: أن يكون التيمم بتراب طهور غير نجس.
يعني لو هناك تراب أصابه بول ولم يطهر منه لا يجوز. فلابد أن يكون بتراب طهور غير نجس له غبار يعلق باليد إن وجده.
لقوله تعالى: "..فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ..".
قال ابن عباس: الصعيد تراب الحرث..(الدقيقة 01.23.34)، والطيب: الطاهر.
فإن لم يجد ترابا تيمم بما يقدر عليه من رمل أو حجر، لقوله تعالى: "..فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ..(16)" التغابن
قال الأوزاعي: الرمل من الصعيد.
-كلمة الصعيد اسم مشترك يطلق على التراب ويطلق على وجه الأرض، فلا يختص بالتراب.
*المسألة الثالثة:
مبطلات التيمم:
الأشياء التي تفسد التيمم وتبطله ثلاثة:
أولا: يبطل التيمم عن حدث أصغر لمبطلات الوضوء، وعن حدث أكبر لموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس.
فإذا تيمم عن حدث أصغر ثم بال أو تغوط بطل تيممه. لأن التيمم بدل عن الوضوء. والبدل له حكم المبدَل.
وكذا التيمم عن الحدث الأكبر.
ثانيا: وجود الماء:
إن كان التيمم لعدم وجود الماء لحديث: "..فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك"
-ففي هذه الحالة، إذا وجد الماء انتهى ويعود إليه الحدث.
..فإذا وجد الماء قبل التلبس بالعبادة وجب عليه استعمال الماء.
"..إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا.."
فإذا الماء وجد قبل أن يتلبس بالعبادة، وقبل أن يدخل في الصلاة يجب عليه استعمال الماء.
وذلك مشروط بأن يدرك من الوقت ما يتسع لأن يتطهر بالماء ويصلي قبل خروج الوقت، أما إذا ضاق الوقت فإنه يصلي بالتيمم حتى لو وجد الماء قبل الدخول في الصلاة.
لأن حرمة الوقت يعني أوكد.
لذلك هنا مسألة: إذا خشي خروج الوقت لو توضأ، فهل يتيمم ليدرك الوقت؟ أو يتوضأ ولو صلى خارج الوقت؟
هنا مذاهب:
مشهور مذهب مالك أنه يتيمم ويصلي للوقت.
لأن الشريعة احتفت واهتمت جدا بموضوع ماذا؟ الوقت.
والدليل على ذلك أن الصلاة أثناء القتال احتراما للوقت فيها ترك لبعض الشروط، لأنه لو يحارب وهو يقاتل فهناك شرط استقبال القبلة مثلا ممكن يتخلى عنه، يترك شروط كاستقبال القبلة.
الإيماء بدل الركوع والسجود من أجل المحافظة على الوقت.
إذاً الوقت أولى بالمراعاة من الطهارة المائية.
والرسول عليه الصلاة والسلام حينما أتى من نحو بئر جمل -كما في الحديث- وسلم عليه الرجل، فلم يرد عليه حتى تيمم ثم رد عليه السلام.
كره أن يرد عليه السلام بدون طهارة، فتيمم في الحضر مع وجود الماء، كي لا يفوته رد السلام.
كذلك إذا خشي فوات الفريضة تيمم لإدراك الوقت ولو وجد الماء.
فمشهور مذهب الإمام مالك: أنه يتيمم ويصلي بالوقت. مع وجود الماء.
مذهب بعض المالكية والحنفية والحنابلة: تقديم الطهارة على تحصيل الوقت.
فقالوا: يتوضأ ولا يتيمم ولو خرج الوقت بسبب وجود ماذا؟ الماء
توسط شيخ الإسلام ابن تيمية وفصل المسألة فقال: يفرَّق بين النائم والناسي. وبين غيرهما.
فإذا كان هذا التأخير حتى ضاق الوقت بسبب أنه كان نائما أو ناسيا، فإنه يتوضأ ولو خرج الوقت.
لماذا؟
لأن الوقت في حقه من حين الاستيقاظ.
"ليس في النوم تفريط".
أو "من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها -أو فليصليها- إذا ذكرها"
فهذا معذور ، فبالتالي يقدم الوضوء بالماء حتى لو خرج الوقت، لأن هذا وقت في حقه، هذا هو أول الوقت في حقه.
أما إذا لم يكن نائما ولا ناسيا، فإنه يتيمم لإدراك الوقت.
أيضا..
يجوز التيمم لمن خاف فوات الصلاة على الجنازة أو العيد. ويشق عليه أن يصلي مع الجنازة بعد المقبرة أو على القبر.
والدليل تيمم النبي صلى الله عليه وسلم لرد السلام، مع وجود الماء. وهذا كان في الحضر.
فإذا خشي أن تفوته صلاة العيد أو صلاة الجنازة فيتيمم ويدركها.
أما إذا كان يستطيع أن يصلي عليها في المقبرة أو عند القبر فلا داعي لماذا؟ للتيمم.
إذا شق عليه ولم يستطع ذلك فيتيمم ويدرك صلاة الجنازة.
*المسألة الرابعة:
صفة التيمم:
كيفية التيمم:
أن ينوي
ثم يسمي
ويضرب الأرض بيديه ضربة واحدة.
ثم ينفخهما أو ينفضهما.
ثم يمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين.
-فإذا ينوي بقلبه التيمم ثم يسمي ويضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم ينفخهما أو ينفضهما ثم يمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين.
لحديث عمار، وفيه: "التيمم ضربة للوجه والكفين".
وحديث عمار: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله (..الدقيقة 01.29.45)وظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه".
-هو في هذه الرواية الوجه، يعني ظهر الكفين بالشمال هكذا، ثم مسح ، ولكن الرواية الأولى هي الأقرب: "يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم ينفخهما ثم يمسح بهما وجهه ويديه".
كما في الوضوء إلى الرسغين.
وفي الحديث: "التيمم ضربة للوجه والكفين".
ننتقل بعد ذلك إلى باب: النجاسات، وكيفية تطهيرها..
وفيه مسائل:
أولا: بالنسبة لتعريف النجاسة:
النجاسة: هي كل عين مستقذرة أمر الشارع باجتنابها.
وهي نوعان:
نجاسة عينية، أو حقيقية.
التي هي: نجاسة الخبث.
حاجة عينية لها جِرم
النجاسة العينية أو الحقيقية، نجاسة الخبث، وهي: التي لا تطهر بحال لأن عينها نجسة. كروث الحمار والدم والبول.
النوع الثاني: نجاسة حكمية، وهي أمر إعتباري يقوم بالأعضاء، ويمنع من صحة الصلاة، ويشمل الحدث الأصغر الذي يزول بالوضوء كالغائط، والحدث الأكبر الذي يزول بالغسل كالجنابة.
-فالنجاسة الحكمية تزول.إذا كانت حدثا أصغر بالوضوء، أو أكبر فيزول بماذا؟ بالغسل.
لكن النجاسة العينية: لا يمكن أن البول نفسه يطهر. هو عينه نجسة.
هم؟
..والأصل الذي تزال به النجاسة هو الماء.
فهو الأصل في التطهير.
-يعني الأصل في إزالة النجاسة هو الماء.
لقوله تعالى: "..وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ..(11)" الأنفال
وفي الحديث: "الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء ولو عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته"
-لو كان ينفع شيء غير الماء في إزالة النجاسة لأمرنا به. فدل على أنه لا شيء يقوم مقام الماء في التطهير.
فالأصل في التطهير هو استعمال الماء.
وهي على ثلاثة أقسام:
-هي: يعني باعتبار كيفية التطهير.
لأن النجاسات تقسم أنواع، طبقا لاعتبارات متعددة.
فإذا تكلمنا من حيث اعتبار كيفية التطهير، على ثلاثة أقسام:
*نجاسة مغلظة: وهي نجاسة الكلب مثلا والخنزير وما تولد منهما.
فالنجاسة المغلظة كيف تطهَّر؟
تحتاج إلى تسبيع وتتريب.
وإن كان سنبين أن نجاسة الخنزير الأقرب أنها لا تحتاج للتسبيع والتتريب لعدم وجود نص.
النص جاء في الكلب. والمسألة فيها كلام..
*النجاسة المخففة: هي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.
وهو الرضيع الذكر. فإنه يكفي في طهارة بوله النضح.
فهذه نجاسة مخففة.
*وهناك نجاسة متوسطة: وهي سائر النجاسات أو بقية النجاسات كالبول والغائط والميتة.
**المسألة الثانية: الأشياء التي قام الدليل على نجاستها:
أولا: بول الآدمي وعذرته وقيؤه.
بول الآدمي: طبعا المقصود به الآدمي الكبير.
وعذرته، وقيؤه.
إلا بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فيكتفى برشه. لحديث أم قيس بنت محصن: "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعى بماء فنضحه ولم يغسله".
وما معنى نضحه؟
رشه بالماء وصبه عليه، ولكنه لم يغسله.
.. أما بول الغلام الذي يأكل الطعام وكذا بول الجارية (حتى لو كانت رضيعة) فإنه يغسل كبول الكبير.
للحديث: "يُغسَل من بول الجارية ويُرَش من بول الغلام".
-لابد أن ننتبه هنا إلى أن: بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل الطعام، هو نجس. هو نفسه نجس لكنه يدل على التخفيف في نوع طهارته.
يعني كونة يُطهَّر بالنضح، ليس معناه أنه ليس نجسا. لكن هنا يوجد تخفيف في كيفية التطهير أنها بالنضح أو الرش وليست بالغسل.
كطهارة النعل مثلا إذا أصابته نجاسة بأن يدلك في ماذا؟ بالتراب.
كذلك ذيل المرأة إذا أصابته نجاسة يطهره ما بعده.
هه؟
فليس التخفيف في الطهارة دليلا على طهارة هذه الأشياء، بل هي نجسة. وإن خفف الشارع في تطهيرها.
فالتخفيف جاء في طريقة التطهير من هذه النجاسة.
-طبعا "يُغسَل من بول الجارية ويُرَش من بول الغلام".
أكيد هناك عِلَّة..
الغالب -والله أعلم- إذا حاولنا استنباط هذه العلة، كما فعل بعض العلماء: إن المسألة بها مشقة، باعتبار أن طريقة إخراج البول بالنسبة للذكر يحصل أنه يخرج بقوة وينتشر فيشق غسله. أما الجارية فيكون مجتمعا فيسهل غسله.
والأحكام دائما تربط بالمشقة.
كذلك النفوس تميل إلى الغلمان وتدليلها فربما يحملونه أكثر مما يحملون البنت. فيشق الغسل باستمرار.
والله تعالى أعلم.
فلعل يكون ذلك هو سبب المشقة.
بالنسبة للقيء:
هو هنا يقول: بول الآدمي وعذرته وقيؤه.
بالنسبة لقيء الحيوان: ليس تبعا لبوله، وإنما القيء تبع لذاته.
فإن كان القيء من حيوان طاهر: إنسان، حمار، بغل، قطة.
فالقيء هنا يكون طاهرا.
فالقيء تابع لذاته وليس لبوله.
هم؟
فإن كان القيء من حيوان طاهر كإنسان أو حمار أو بغل أو هرة..إلى آخره.
فهو طاهر.
والقول بنجاسة القيء مطلقا: ضعيف.
لعدم الدليل المعتمد على نجاسته، فيبقى طاهرا على الأصل.
-خاصة: أن موضوع القيء هذا تُبتَلى به الأمهات. في حالات الحمل وفي حالات كثيرة.
كذلك الأم المرضعة والتي تحمل أطفالها وكذا، ممكن يحصل قيء بصورة كبيرة. فلو كان نجسا لمست الحاجة إلى بيانه بدليل صحيح صريح لعموم البلوى ومشقة الاحتراز.
فما دام من حيوان طاهر في ذاته، فهو أيضا طاهر.
أما إذا كان القيء من حيوان نجس كالكلب أو الخنزير فهو نجس لاختلاطه بالنجاسة.
لأن ريق الكلب نجس، فما بالك بسائل معدته؟
النوع الثاني: من النجاسات:
الدم المسفوح من الحيوان المأكول.
أما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق فإنه طاهر.
لقوله تعالى: ".. أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ..(145)"الأنعام
يعني لما توضع اللحوم وتسلق في الآنية يتكون ما يسمى (الريم) فهذا دم، وهذا يعفى عنه.
هذا مما يعفى عنه، ليس نجسا.
لأنه ليس مسفوحا، ليس سائلا.
والله تعالى قال: ".. أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا .. (145)".الأنعام
هو الذي يهراق وينصب.
ثالثا: بول وروث كل حيوان غير مأكول اللحم كالهر والفأر.
-طبعا كل حيوان ماذا؟
حي.
فبوله وروثه مادام غير مأكول اللحم أيضا فهو نجس، كالهر أو الفأر.
طبعا يفهم من هذا ومعروف أن بول ما يؤكل لحمه طاهر.
أي شيء يؤكل لحمه فبوله طاهر لأنه لا يمكن أن يباح لحمه ثم يكون بوله نجسا.
رابعا: الميتة:
وهي ما مات حتف أنفه من غير ذكاة شرعية.
لقوله تعالى: "..إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ..(145)" الأنعام
ويستنثى من ذلك ميتة السمك والجراد.
وما لا نفس له سائلة فإنها طاهرة.
ما لا نفس له سائلة: هي الحشرات التي ليس لها دم أحمر يعني باختصار.
المذي: وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور، ولا يُحَس وربما لا يُحس بخروجه وهو نجس. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "توضأ واغسل ذكرك" يعني من المذي.
يعني من المذي.
ولم يؤمر فيه بالغُسل أو تخفيفا بالغَسل تخفيفا ورفعا للحرج.
لأنه مما يشق الاحتراز منه.
-المذي هذا:
هل يوجد أحد هنا في كلية الطب يعرف اسمه ما هو في الطب؟
المذي؟
تقريبا: بروستاتوريا.
يعني هو يُفرز من البروستيت، لأنه قلوي.
فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه إذا حصل تذكر للجماع أو تهيؤ له فيفرز هذا، لأن مجرى البول هو نفسه مجرى المني، فالبول حمضي، فربما قتل الحيوانات المنوية.
فلذلك هذا المذي قلوي حتى يعمل تعادل في المجرى الذي يمر منه المني حتى لا يقتله.
أي نعم. والله تعالى أعلم.
على أي الأحوال المذي يُغسَل الموضع ويغسل أيضا ما أصابه من الثوب. ولابد لأنه نجس.
أما الودي: فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول ومن أصابه فإنه يغسل ذكره ويتوضأ ولا يغتسل.
سابعا: دم الحيض..
كما في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض. كيف تصنع؟ فقال: تَحُتُّه ثم تقرصُه بالماء".
تحته: يعني تحكه بطرف عود أو حجر.
وتقرصه: تدلكه بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا وتصب عليه الماء حتى يزول عينه وأثره.
فهذا يدل على نجاسة دم الحيض.
لكن هو عموما يعني مسألة دم الآدمي فيها خلاف.
هل دم الآدمي، الدم المسفوح نفسه هل نجس أم غير نجس؟
فمسألة لن نفصل فيها الآن..
كيفية تطهير النجاسة:
كيف تُطهَّر النجاسة؟
..يقول: إذا كانت النجاسة في الأرض، والمكان. فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة.
..العبرة بزوال عينها، فإذا ذهبت زال حكمها. إلا في طهارة الكلب.
-العبرة بزوال عينها حتى لو زالت من مرة واحدة فقد انتهت.
لكن في الكلب لابد من ماذا؟ التسبيع والتتريب.
كذلك أيضا في الاستجمار بالأحجار لابد أن يكون الحد الأدنى كم؟ ثلاث مرات، ثلاثة أحجار على الأقل مع الإنقاء.
واضح؟
ولا يصلح أقل من ثلاثة أحجار.
واضح؟
..يقول: إذا كانت النجاسة في الأرض والمكان فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، فيصب عليها الماء مرة واحدة لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد.
..إذا كانت النجاسة على غير الأرض:
-يعني هنا التطهير كان قد تم بماذا؟ بالمكاثرة.
ثانيا: إذا كانت النجاسة على غير الأرض. كأن تكون في الثوب أو في الإناء.
فإن كانت من كلب ولغ في الإناء: فلابد من غسله سبع غسلات إحداهن بالتراب.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب".
وهذا الحكم عام في الإناء وغيره كالثياب والفرش
أما نجاسة الخنزير: فالصحيح أنها كسائر النجاسات يكفي غسلها مرة واحدة تذهب بعين النجاسة. ولا يشترط غسلها سبع مرات.
-لأن لا يوجد دليل يوجب التسبيع والتتريب. والأصل عدم الوجوب.
..وإن كانت النجاسة من البول والغائط والدم ونحوها: فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر حتى تذهب وتزول ولا يبقى لها أثر ويكفي في غسلها مرة واحدة.
..ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح: وهو رشه بالماء. لقوله صلى الله عليه وسلم: "يُغسَل من بول الجارية ويُنضَح من بول الغلام" ولحديث أم قيس بنت محصن المتقدم.
..أما جلد الميتة مأكولة اللحم: فإنه يطهر بالدباغ.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دُبِغ فقد طَهُر".
..ودم الحيض: تغسله المرأة من ثوبها بالماء ثم تَنضَحَه ثم تصلي فيه.
..فعلى المسلم أن يهتم بالطهارة من النجاسات في بدنه ومكانه وثوبه الذي يصلي فيه. لأنها شرط لصحة الصلاة.
الباب العاشر في الحيض والنفاس وفيه مسائل:
الحيض لغة: السيلان
وشرعا: دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة حال صحة المرأة من غير سبب ولادة.
والنفاس: دم يخرج من المرأة عند الولادة..
نكتفي بهذا القدر..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..
أشهد أن لا إله إلا أنت..
أستغفرك وأتوب إليك..
]]>الفقه الميسر
"كتاب الطهارة"
الدرس الأول - المياه- الآنية - سنن الفطرة - الاستنجاء - الوضوء.
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل أمة الإسلام خير أمة، وبعث فيها رسولا أمينا يتلو عليها آيات ربه ويزكيها ويعلمها الكتاب والحكمة.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد.
فإن الفقه في اللغة هو الفهم، ومنه قول الله تعالى عن قوم شعيب: ".. مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ..(91)" هود
وقوله عز وجل: "..وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..(44)" الإسراء
أما الفقه في الاصطلاح فهو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
ومصادر الفقه الأساسية هي: القرآن الكريم ثم السنة المفضلة ثم الإجماع ثم القياس.
أما باقي الأدلة فمختلف عليها كما هو معلوم.
وموضوع الفقه: أفعال المكلفين على العباد على نحو عام شامل.
فهو يتناول علاقات الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع مجتمعه.
ويتناول الأحكام العملية وما يصدر عن المكلف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات.
وهي على نوعين:
أحكام العبادات: من صلاة وصيام وحج ونحوها.
وأحكام المعاملات: من عقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وضمانات.. وغيرها مما يقصد به تنظيم علاقات الناس بعضهم مع بعض.
هذه الأحكام يمكن حصرها في:
*أحكام الأسرة، وهي: أحكام الزواج والطلاق والنسب والنفقة والميراث ونحوها.
*ثم أحكام المعاملات المالية المدنية: كالبيع والإيجار والشركة ونحوها..
*الأحكام الجنائية: وهي تتعلق بما يصدر عن المكلف من جرائم وتعديات. وما يستحقه عليها من عقوبات.
*ثم أحكام المرافعات والقضاء: متعلقة بالقضاء في الخصومات والدعوى وطرق الإثبات ونحوها.
*ثم الأحكام الدولية التي تتعلق بتنظيم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول في السلم والحرب وعلاقة غير المسلمين المواطنين بالدولة. وتشمل: الجهاد والمعاملات.
أما ثمرة علم الفقه فهي: معرفة الفقه والعمل به.
والتي تثمر صلاح المكلف وصحة عبادته واستقامة سلوكه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"
وهو العلم الذي تصح به العبادات.
ولا شك أن التفقه في الدين من أفضل الأعمال ومن أطيب الخصال.
يقول الله سبحانه وتعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)" التوبة.
وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
فرتب الخير كله على الفقه في الدين. وهذا يدل على أهميته وعظم شأنه وعلو منزلته.
وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا".
فمن ثم نشرع بإذن الله تعالى بمدارسة هذا الكتاب المبسط تحت عنوان: "ما لا يسع طالب العلم جهله"..
لأنه كما ذكرنا من قبل: الإخوة قلَّ أن يتموا كتابا في الفقه من أوله إلى آخره. مع خطورة الفقه وأهميته خاصة في هذا الزمان.
فاخترنا هذا الكتاب لأنه ميسر ومبسط جدا، وعامة اختيارات المؤلفين الفضلاء تنزع إلى اتباع الدليل. وصحة الأدلة أيضا..
فالهدف هو أن ننهي كتابا كاملا في الفقه في أسرع مدة ممكنة.
ومن ثم سنتجنب التفاصيل، ونضع نصب أعيننا أن ننجز الكتاب في أسرع مدة، و...(الدقيقة 05.05) أن ننجزه كله.
ومقياس الجدية هو: أن يكون آخر يوم في دراسة الكتاب -إن شاء الله تعالى ذلك- يكون الهمة في الحضور كما هي الآن في البداية.
لكن لا تشتد الهمة في البداية ثم يحصل فتور بعد ذلك، فهذا علامة غير جيدة.
لكن الهمة التي نبدأ بها، الشرة ينبغي ألا تعقبها فترة يعني نتقاعس بها عن الاهتمام بهذا العلم الخطير.
..يبدأ المصنفون أولا بذكر كتاب الطهارة، ويشتمل على عشرة أبواب.
أول هذه الأبواب..
باب: أحكام الطهارة والمياه..
***
ففي الطهارة نتناول أولا: أهميتها..
ثم: أقسامها..
ثم: تعريفها لغة واصطلاحا..
أما أهميتها:
فالطهارة: هي مفتاح الصلاة، وهي آكد شروط الصلاة ولا شك أن الشرط حقه أن يتقدم على المشروط، فمن ثم بدأ بالطهارة قبل الصلاة.
أما أقسامها:
فالطهارة، إما معنوية وإما حسية.
والطهارة المعنوية هي الأهم: لأن الطهارة المعنوية تشمل طهارة القلب من الشرك ومن المعاصي.
فطهارة القلب من الشرك، لا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك.
يعني مشرك ويتوضأ لن يتطهر بدنه، لأن شرط الوضوء كعبادة، أهم شرط في الوضوء ماذا؟ النية.
والنية لا تصح من المشرك.
لماذا؟
لأنه لا يعرف ربه.
فيجب أن يعرف ربه أولا، وأن يطهر قلبه من نجس الشرك بنور التوحيد.
والله سبحانه وتعالى يقول: "..إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ..(28)" التوبة
ولا شك أن هذه النجاسة نجاسة معنوية. نجاسة القلب بالشرك.
فلا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك، فالله تعالى قال: "..إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ..(28)" التوبة
وقال أيضا: "..وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ.. (7)" فصلت.
في أحد التفسيرين: ".. لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ.. " تطهير القلب من الشرك.
والذي يطهر القلب من الشرك هو: التوحيد. بلا إله إلا الله.
فإذا قسما الطهارة:
القسم الأول: الطهارة المعنوية، هي الأهم والأخطر وتشمل طهارة القلب من الشرك، ثم من المعاصي وآفات القلوب.
القسم الثاني: وهو الطهارة الحسية:
والطهارة الحسية:
إما طهارة أحداث أو طهارة خبث، كما سنبين، إن شاء الله تعالى..
أما تعريف الطهارة..
فهي لغة: النظافة والنزاهة من الأقذار..
اما اصطلاحا: فهي رفع الحدث وزوال الخبث.
فالطهارة شرعا أو اصطلاحا: فهي رفع الحدث وزوال الخبث
أما رفع الحدث، فالحدث هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة.
فهذه حالة، حالة من أحوال البدن، وصف معين للبدن يمنع الإنسان من الصلاة ومن كل ما تشترط له الطهارة كالطواف مثلا وقراءة القرآن ونحو ذلك..
فإذاً هذا هو معنى الحدث: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة
والحدث نوعان: حدث أصغر وحدث أكبر.
أما الحدث الأصغر فهو يقوم بأعضاء الوضوء.
لأننا قلنا في الحدث أنه وصف قائم بالبدن.
الحدث الأصغر: هو وصف قائم بأجزاء معينة من البدن وليس بكل البدن، وهي أعضاء الوضوء.
وصف قائم بأعضاء الوضوء، كالحدث مثلا مثل ماذا؟ الخارج من السبيلين من بول أو غائط.
وهذا الوصف الذي هو الحدث الأصغر الذي يقوم بأعضاء الوضوء، يرتفع بماذا؟ بالوضوء.
بمعنى أنه يجب به الوضوء. يجب بالحدث الأصغر الوضوء..
..أما الحدث الأكبر فإنه يقوم بالبدن كله وليس فقط بأعضاء الوضوء، فالحدث الأكبر يقوم بالبدن كله ويرتفع بالغسل.
أي يجب به الغسل.
إذاً هذا هو القسم الأول أو النصف الأول أو الشق الأول من تعريف الطهارة اصطلاحا: رفع الحدث أو زوال الخبث.
زوال الخبث يعني: النجاسة.
يعني لو أن واحد متوضئ مثلا، ثم سقطت على يده مثلا نجاسة، هل يعيد الوضوء؟ لا، هذه ليس المقصود بها هنا رفع الحدث وإنما الواجب عليه ماذا؟ إزالة الخبث.
فوضوؤه صحيح، ولكنه مطالب بأن يزيل الخبث.
واضح؟
فزوال الخبث هو النوع الآخر من أنواع الطهارة اصطلاحا.
والخبث هو النجاسة.
والخبث على أنواع..
خبث يجب غسله..
وخبث يجب نضحه بالماء..
وخبث يجب مسحه..
إذاً: طهارة الحدث:
إما طهارة كبرى بالغسل، وإما طهارة صغرى بالوضوء.
أو بدلهما عند تعذرهما بالتيمم..
هناك إذا طهارة بديلة إذا تعذر أو فُقِد الماء الذي يُغتسل به أو يُتوضأ به أو وُجِد الماء لكن يُعجز عن استعماله مثلا لمرض أو نحو ذلك، ففي هذه الحالة ينتقل إلى البدل وهو التيمم بالتراب.
ماذا عن ارتفاع الحدث؟
قلنا: أن ارتفاع الحدث هو: إزالة الوصف المانع من الصلاة.
لأن الحدث نفسه هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، فمعنى ارتفاع الحدث: إزالة الوصف الذي يمنع من الصلاة، إما باستعمال الماء أو استعمال التراب.
استعمال الماء:
*إن كان حدث أكبر، فيستعمل في جميع البدن.
* أو بمروره على أعضاء الوضوء بنية في حالة الحدث الأصغر.
أما إزالة الوصف المانع من الصلاة عند فقد الماء أو العجز عن استعماله فهو يكون بالتراب أو بالتيمم على الصفة المأمور بها شرعا.
وزوال الخبث: هو زوال النجاسة من البدن والثوب والمكان.
والطهارة الحسية: كما ذكرنا هي: طهارة حدث تختص بالبدن، سواء كان الأصغر أو الأكبر.
وطهارة خبث: كما قلنا في البدن والثوب والمكان.
وهي ثلاثة أنواع:
خبث يجب غسله، وخبث يجب نضحه، وخبث يجب مسحه.
أما الماء:
الذي تحصل به الطهارة..
فالآن عرفنا ما هو معنى الطهارة.
فلما نقول: الماء الذي تحصل به الطهارة، فمعناه: الماء الذي يزال به النجس ويرفع به الحدث
فهذا معنى الماء الذي يصلح لأن يتطهر به الإنسان.
هو الماء: الطهور.
إذا الماء الذي تحصل به الطهارة، ويحصل به إزالة النجس أو رفع الحدث هو الماء: الطهور.
ومعنى الطهور:
يشتمل معنيين:
*طاهر في نفسه..
*ومطهر لغيره..
لأنه ليس كل طاهر طهورا.
يعني ماء الورد طاهر. لكن هل يصلح أن يتوضأ به الإنسان؟
البنزين، الخل، هو طاهر. لكن هل يجوز أن يتوضأ به الإنسان؟
فإذاً لابد أن يكون الماء الذي تحصل به الطهارة هو الماء الطهور.
الطهور: يعني طاهر بذاته ثم مطهر لغيره.
كما قال الله سبحانه وتعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ..(11)" الأنفال.
وقال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا..(48)" الفرقان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".
وقال أيضا عن ماء البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".
فإذاً، الماء الطهور هو كما يقولون: العاري عن الإضافة اللازمة.
أو: هو ما كفى في تعريفه اسم ماء.
وهو الماء المطلق أو الماء الطهور.
بمجرد أن تراه تقول: ماء.
وعاري عن الإضافة اللازمة: يعني الإضافة اللازمة التي لا تنفك، لأن هناك إضافة لازمة، وإضافة غير لازمة.
إضافة غير لازمة، كما تقول: ماء الكوب. ماء الزجاجة. ماء البحر. ماء البئر.
هو ماء في كل الأحوال، فالإضافة هنا إضافة غير لازمة، ممكن ينفك عنها ويبقى ماءا.
لكن عندما تقول: ماء الورد.
هذه إضافة لازمة، لأن ماء الورد كينونة أخرى غير الماء المطلق.
فالماء الطهور هو: الماء الباقي على أصل خلقته.
الباقي على أصل خلقته: يعني على صفته التي خُلق عليها.
وهو إما الماء الذي ينزل من السماء، كماء المطر وذوب الثلج والبرد بعدما ينصهر.
أو أنه ماء جاري في الأرض كماء الأنهار أو العيون أو الآبار أو البحر.
-طيب واحد يقول ماء البحر مالح أو مِلح.؟!
صحيح ملح، وملح أجاج لكن هو باقٍ على أصل خلقته أم لا؟
باقٍ على أصل الخلقة، هو خُلِق هكذا.
غير ما نأتي بماء ونضيف إليه أملاح ونذيبها فيه، وإنما نتكلم عن ماء باق على أصل خلقته.
بغض النظر عن اختلاف بعض الصفات كما ذكرنا كالطعم ونحو ذلك..
* لا تحصل الطهارة بمائع غير الماء:
- يعني أي سائل غير الماء لا تحصل به الطهارة. سواء مثلا: الخل، البنزين أو العصير أو الليمون أو نحو ذلك. والدليل، قول الله عز وجل: "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا..(43)" النساء.
فلو كانت الطهارة تحصل بمائع غير الماء، لنُقِل عادم الماء إليه، ولم يُنقَل إلى التراب. فلما انتقل من الماء عند عدمه إلى التراب دل على أنه لا يوجد سائل آخر يقوم مقام الماء الطهور في الطهارة.
*ماذا عن الماء إذا خالطته النجاسة؟
الماء إذا خالطته نجاسة:
**فإما أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه. ففي هذه الحالة يكون الماء نجسا.
ما معنى نجس؟
أي أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث. لا يستعمل في الطهارة.
بغض النظر عن كميته، سواء كانت قليلة أو كثيرة.
متى ما تغير ريحه أو طعمه أو لونه، فإنه لم يعد ماءا طهورا، بل هو نجس لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث.
بغض النظر قليلا كان أو كثيرا.
**القسم الثاني من الماء الذي خالطته النجاسة:
هو الماء الذي خالطته النجاسة، لكنها لم تغير أحد أوصافه، من لون أو طعم أو ريح.
لم يتغير، مع أنه خالطته نجاسة.
هنا نقول: يفترق الأمر هنا في الماء الذي خالطته نجاسة لم تغير أحد أوصافه..
نُفرِّق بين الماء القليل والماء الكثير..
فإن كان كثيرا لم ينجس، وتحصل الطهارة به.
طبعا هذا خلاف النوع الأول، وهو الماء الذي خالطته نجاسة وغيرت صفته، فهذا حتى لو كان كثيرا، ما دام قد تغير فهو نجس.
لكن هنا: الماء الذي خالطته نجاسة لكنها لم تغير شيئا من صفاته، فهنا: إما أن يكون كثيرا وإما أن يكون قليلا.
إن كان كثيرا: لم ينجس، وتحصل الطهارة به.
وإن كان قليلا: ينجس ولا تحصل الطهارة به.
*ما حد القلة والكثرة؟
بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".
*ما حد الماء الكثير؟
حد الماء الكثير ما بلغ قلتين فأكثر.
هذا كثير..، فإذا خالطته النجاسة ولم تغير شيئا من صفته فهو باق على أصل طهارته، وتحصل به الطهارة.
فما بلغ قلتين فأكثر فهو كثير، وما دون ذلك فهو قليل إذا خالطته نجاسة فإنه ينجس ولو لم تغير شيئا من صفاته..
طيب القلة الواحدة تساوي تقريبا 160.5 لترا من الماء (مائة وستين ونصف لترا من الماء)..
أما القلتان، فلما نضرب (160.5 *2) =321 لترا..
أليس كذلك..
ثلاثمائة وواحد وعشرين لترا من الماء.
يعني القلة هذه شيئ كبير وليست قلة مثل قلتنا، بل قلة من قلال هجر.
التي هي تتسع لحوالي 160.5 لترا من الماء.
فإذا حد الماء الكثير ما يسع أو ما يساوي 321 لترا من الماء.
ما كان أقل من ذلك فهو ماء قليل.
..يقول: والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وفي بعض الروايات: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء".
*أما المسألة الرابعة:
فهي عن الماء إذا خالطه طاهر:
فناقشنا الماء إذا خالطته نجاسة وقلنا أنه قسمان:
إن كانت النجاسة غيرت طعمه أو لونه أو ريحه.
ما دام حصل تغير فيكون فقد طهارته وطهوريته، ويكون نجسا لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث.
سواء كان قليلا أو كثيرا، ما دام حصل تغير.
أما لو لم يكن هناك تغير، ولكن خالطته نجاسة.
مثل حمام سباحة مثلا، ووقعت فيه نجاسة، فهل ينجس بذلك؟
لم تغير من صفته شيئا.
فهو طاهر.
واضح؟
لكن إن كانت بحيث تغير صفته حتى لو كان كثيرا فإنه يكون نجسا.
*ماذا عن الماء إذا خالطه طاهر؟
..يقول: الماء إذا خالطته مادة طاهرة كأوراق الأشجار أو الصابون أو الأوشنان.
والأوشنان حمض تغسل به الأيدي، ويقال له بالعربية: الحُرض..(الدقيقة 21.45)، ويقرأ أيضا بالإشنان.
والأوشنان أو السدر أو غير ذلك من المواد الطاهرة..
.. ولم يغلب ذلك المخالط عليه، يعني خالطته مادة طاهرة لكنها لم تغلب عليه، ما زال إذا رأيته قلت: هذا ماء.
فالصحيح أنه طهور يجوز التطهر به من الحدث والنجس.
لأن الله سبحانه وتعالى قال: "..وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ..(43)" النساء.
فلفظ الماء في الآية "..فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً.." نكرة في سياق النفي، فيعم كل ماء. لا فرق بين الماء الخالص والمخلوط.
ما دام يكفي في تعريفه اسم ماء.
- وهذا غير مثلا: لو ماء اختلط به كمية كبيرة من الطين. فإذا رأيته، هل تقول عليه ماء؟ مختلط به الطين وأصبح قوامه مثلا بالصورة المعروفة. هذا لا يعد ماء.
لكن ما دام..
يعني هو بمنتهى البساطة..
الماء المطلق: هو ما كفى في تعريفه اسم ماء.
هم؟
..ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور".
فهنا: يخالط الماءا شيء لا يغلب عليه ومن ثم يبقى مطهرا.
*ماذا عن حكم الماء المستعمل في الطهارة؟
..يقول: الماء المستعمل في الطهارة: كالماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ والمغتسل.
- طبعا الماء الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ أو المغتسل في طهارة ماذا؟
في طهارة واجبة.
يعني في الغسلة الأولى..
أما الثانية والثالثة فهذه مستحبة.
فالماء المنفصل يعني بعد استعماله في الطهارة.
.. الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ والمغتسل طاهر مطهر لغيره على الصحيح، يرفع الحدث ويزيل النجس، ما دام أنه لم يتغير منه أحد الأوصاف الثلاثة الرائحة والطعم واللون.
-هل ينفع أن نقول الماء المستعمل في إزالة الخبث؟!
ينفع بعد الإنقاء.
لأنه متى يحصل الإنقاء؟
إذا انفصل الماء طاهرا.
-لكن عموما ما أحد يتخيل مثل هذا، لكن دعونا في المثال الذي يضربه وهو الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ والمغتسل، فهو طاهر مطهر لغيره على الصحيح، يرفع الحدث ويزيل النجس.
ما دام أنه لم يتغير منه أحد الأوصاف الثلاثة الرائحة والطعم واللون.
..دليل طهارته:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه.
والوَضوء هو الماء المنفصل بعد التوضئ به.
ولأنه صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وضوئه إذ كان مريضا.
ولو كان نجسا، لم يجز فعل ذلك.
ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ونساءه كانوا يتوضأون في الأقداح والأتوار.
الأتوار: إناء يشرب فيه.
ويغتسلون في الجفان.
وواحدتها جفنة، وهي كالقصعة.
ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وقد كان جنبا: "إن المؤمن لا ينجُس".
وإذا كان كذلك فإن الماء لا يفقد طهوريته بمجرد مماسته له.
-فبالنسبة لهذه المسألة:
مسألة الماء المستعمل: طبعا مسألة من المسائل التي فيها خلاف، والمصنفون هنا قد مالوا إلى تصحيح القول بأن الماء المستعمل طهور مطهر.
هناك من العلماء من قالوا: إن الماء المستعمل غير طهور. هو طاهر لكنه ليس مطهرا، فلا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا.
وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وهو المشهور عن أبي حنيفة ورواية عن مالك، وبه قال الليث والأوزاعي.
ممن قال إنه طهور (أو مطهِّر يعني): الزهري ومالك والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وأبو ثور وداود، وهو القول الثاني للشافعي.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه طاهر مطهِّر.
وبه قال الحسن وعطاء والنخعي والزهري ومكحول وأهل الظاهر.
.. وهذا المذهب أن الماء المستعمل طاهر مطهر.
مذهب اختيار ابن المنذر واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره أبو البقاء وابن عقيل وطوائف من العلماء، ومال إليه في الشرح وقواه في الإنصاف.
- لن نفصل طبعا كما تعهدنا عدم التفصيل في مثل هذه المسائل.
..يقول الشوكاني في هذه المسألة بعد أن ناقشها بالتفصيل: وبهذا يتضح عدم خروج الماء المستعمل عن الطهورية، وتحتم البقاء على البراءة الأصلية. لا سيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة، كحديث "خلق الماء طهورا" وحديث: "مسحه صلى الله عليه وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده".
وقال الشوكاني أيضا: وللحنفية والشافعية وغيرهم مقالات في المستعمل ليس عليها أثارة من علم وتفصيلات وتفريعات عن الشريعة السمحة السهلة بمعزل.
وقد عرفت المسألة، فإن هذه المسألة (وهي خروج الماء المستعمل عن الطهورية) مبنية على شفا جرف هار.
فخلاصة المسألة أن المستعمل طاهر ومطهر. عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور.
-فنكتفي بهذه الإشارة إلى الميل إلى ما رجحه العلماء هنا المصنفون من أنه باق على أصل طهوريته.
أي الماء المستعمل في الطهار.
* أما المسألة السادسة فهي:
أسآر الآدميين وبهيمة الأنعام:
أسآر، جمع: سؤر.
والسؤر هو: ما بقي في الإناء بعد شرب الشارب منه.
فالآدمي طاهر، وسؤره طاهر. سواءا كان مسلما أو كافراز
-لأن الكافر كما ذكرنا، صحيح هو نجس، ولكن نجاسة معنوية.
فنجاسة معنوية..
..فالسؤر ما بقي في الإناء بعد شرب الشارب منه، فالآدمي طاهر وسؤره طاهر سواءا كان مسلما أو كافرا.
وكذلك الجنب والحائض، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن لا ينجس".
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيها".
وقد أجمع العلماء على طهارة سؤر ما يؤكل لحمه من بهيمة الأنعام.
-كل ما يؤكل لحمه من بهيمة الأنعام، فإذا شرب من الإناء وبقي ماء فهذا السؤر طاهر.
ما دام متولد عن حيوان يؤكل لحمه.
..أما ما لا يؤكل لحمه كالسباع والحمر وغيرها، فالصحيح: أن سؤرها طاهر، ولا يؤثر في الماء وبخاصة إذا كان الماء كثيرا.
-يعني السباع والحمر وهذه الأشياء لو شربت الماء فيها خلاف المسألة، لكن الصحيح: أن سؤرها أيضا طاهر ولا يؤثر في الماء وبخاصة إذا كان الماء كثيرا.
..أما إذا كان الماء قليلا، وتغير بسبب شربها منه فإنه ينجس. ودليل ذلك الحديث السابق، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الماء وما يلوجه من الدواب والسباع، فقال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".
-مع أنهم سألوه عن ماذا؟ السباع أيضا ترد على الماء وتشرب منه. فهي ما دامت لم تؤثر فيه، فلا شيء…(الدقيقة 31.09) الماء طاهر.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الهرة وقد شربت من الإناء: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات".
-إن هذا يخالط الناس في بيوتها وبالتالي لو قلنا أن سؤرها غير طاهر، فهذا يكون فيه مشقة شديدة
..يقول: ولأنه يشق التحرز منها في الغالب. فلو قلنا بنجاسة سؤرها ووجوب غسل الأشياء لكان في ذلك مشقة، وهي مرفوعة عن الأمة.
-وهذه ظاهرة سنلاحظها كثيرا جدا، سواء في أبواب الطهارة أو سائر أبواب التشريع:
أن المشقة تجلب التيسير.
دائما إذا ضاق الأمر اتسع.
فالمشقة دائما تجلب التيسير. لأن هذه الشريعة الحنيفية السمحة تميل إلى رفع الحرج عن الناس، وهذا هو الفقه الحقيقي الذي نحتاجه.
..يقول: أما سؤرالكلب: فإنه نجس. وكذلك الخنزير.
-إذا شرب الكلب في إناء أو الخنزير فسؤره نجس. وكذلك الخنزير.
*أما الكلب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب -أي إذا شرب فيه الكلب بلسانه- أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب".
"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب".
*وأما الخنزير فلنجاسته وخبثه وقذارته: قال الله تعالى: "..فَإِنَّهُ رِجْسٌ..(145)" الأنعام.
-نجس، يعني خبيث.
..ثم ينتقل إلى باب..
** الآنية..
وفيه عدة مسائل:
أولا:
الآنية: هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره.
سواء كانت من الحديد أو من غيره.
والأصل فيها الإباحة، لقوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا..(29)" البقرة
*المسألة الأولى:
استعمال آنية الذهب والفضة وغيرهما في الطهارة:
-هل يجوز أن يتوضأ إنسان في إناء من الذهب أو الفضة. وغيرهما؟
..يقول: يجوز استعمال جميع الأواني في الأكل والشرب وسائر الاستعمال إذا كانت طاهرة مباحة، ولو كانت ثمينة. لبقائها على الأصل وهو: الإباحة. ما عدا آنية الذهب والفضة فإنه يحرم الأكل والشرب فيهما خاصة دون سائر الاستعمال. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".
-صحافها: أطباقها.
..وقال صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
فهذا نص على تحريم الأكل والشرب دون سائر الاستعمال. فدل على جواز استعمالها في الطهارة.
والنهي عام يتناول الإناء الخالص أو المموه بالذهب والفضة. أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة.
-فهنا المصنفون يميلون إلى هذا الاختيار، وهو: أن النهي عام في أي إناء ذهب أو فضة، سواء كان ذهبا أو فضة خالصين أو مموهين بالذهب والفضة.
- المموه، يعني: المطلي.
-أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة.
* أما المسألة الثانية:
فهي حكم استعمال الإناء المضبب بالذهب والفضة:
التضبيب: هو أن يكسر الإناء فيوصل. يُلحم يعني بحديد أو بغيره.
طيب إذا الإناء كان من أي معدن آخر ولكن تم اللحام بذهب أو بفضة؟ فهذا يسمى الإناء المضبب بالذهب أو بالفضة.
.. إن كانت الضبة من الذهب، حرم استعمال الإناء مطلقا. لدخوله تحت عموم النص.
أما إن كانت الضبة من الفضة وهي يسيرة، فإنه يجوز استعمال الإناء. لحديث أنس رضي الله عنه قال: "انكسر قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتخذ مكان الشِعب سلسلة من فضة".
*أما المسألة الثالثة:
فهي في آنية الكفار:
..والأصل في آنية الكفار الحل. إلا إذا عُلِمَت نجاستها، فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد غسلها.
لحديث أبي ثعلبة الكوشاني رضي الله تعالى عنه، قال: "قلت يا رسول الله، إنا بأرض قومٍ أهل كتاب. أفنأكل في آنيتهم؟ قال: لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها".
-على أساس هذا نوع من الاحتياط، قد يشربون فيها الخمور، أو يأكلون فيها مثلا الخنزير أو الميتة أو نحو ذلك.
يقول أبو ثعلبة: "قلت يا رسول الله، إنا بأرض قومٍ أهل كتاب. أفنأكل في آنيتهم؟ قال: لا تأكلوا فيها -يعني ما دمتم تستطيعون الاستغناء عنها- إلا أن لا تجدوا غيرها -لكن إذا لم تجدوا غيرها- فاغسلوها ثم كلوا فيها".
"لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها".
..وأما إذا لم تُعلَم نجاستها كأن يكون أهلها غير معروفين بمباشرة النجاسة، فإنه يجوز استعمالها. لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أخذوا الماء للوضوء من مزادة امرأة مشركة.
والمزادة: قربة كبيرة يُزاد فيها جلد من غيرها.
-فأخذ ماء للوضوء من مزادة امرأة مشركة.
يُحمل هذا على أن هذه المرأة كانت معروفة بعدم مباشرة النجاسة. أو أن هؤلاء القوم كانوا لا يباشرون النجاسات. كالخنزير ونحو ذلك.
..ولأن الله سبحانه قد أباح لنا طعام أهل الكتاب، وقد يقدمونه إلينا في أوانيهم. كما دعى غلام يهودي النبي صلى الله عليه وسلم على خبز شعير، و....(الدقيقة 37.59) إهالة سنخة فأكل منها.
-و..(الدقيقة 37.59) إهالة: شحم أو زيت.
وسنخة يعني: متغيرة الريح.
فانظر إلى حسن خلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع هذا الغلام اليهودي. دعاه على طعام عبارة عن خبز شعير وزيت أو شحم متغير الرائحة. فأكل منها.
واضح؟
فهذا كله يدل على أن الأصل في آنية الكفار الحل.
إذا كانوا ممن يخالطون النجاسات فعلينا أن نتجنبها. إذا لم يكن أمامنا غيرها، ففي هذه الحالة نغسلها ثم نأكل. فإذا عرفنا عن الكافر أنه لا يباشر النجاسات فالأصل أيضا الحل في أوانيه.
*أما المسالة الرابعة:
فهي الطهارة في الآنية المتخذة من جلود الميتة:
..يقول: جلد الميتة إذا دُبِغ طهُر، وجاز استعماله.
الدباغة: أن يعالج بمواد كيميائية كالقرض والشبة ونحو ذلك والملح، فتمنع التعفن وفي نفس الوقت تسرِّع تجفير...(الدقيقة 39.10) الجلد، بحيث يستفاد منه بعد دبغه.
فجلد الميتة إذا دبغ طهر وجاز استعماله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دُبِغ فقد طهر".
الإهاب: هو الجلد قبل أن يدبغ.
..ولأنه صلى الله عليه وسلم "مرَّ على شاة ميتة. فقال: هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به؟".
-مع أنها ميتة وليست مذبوحة.
"..قال: هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به؟ فقالوا: إنها ميتة. قال: فإنما حَرُم أكلها."
-إنما حرم أكلها، أما الجلد إذا دبغ فإنه يصير طاهرا بذلك.
..وهذا فيما إذا كانت الميتة مما تُحَلها الذكاة. وإلا فلا.
-الذكاة: بالذال.
الذكاة: الذبح الشرعي.
استوفت شروط الذبح الشرعي.
فإذا كانت الذكاة تحل أكلها، فجلدها إذا دُبغ فقد طهُر.
..أما شعرها: شعر الميتة فهو طاهر.
-طبعا المقصود أيضا شعر الميتة المباحة. المباح أكلها في حياتها إذا ذبحت.
..أما شعرها فهو طاهر: اي شعر الميتة المباحة الأكل في حال الحياة.
..وأما اللحم: لحم الميتة فإنه نجس، ومحرم أكله.
لقوله تعالى: "..إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ..(145)" الأنعام.
..ويحصل الدبغ بتنظيف الأذى والقذر الذي كان في الجلد. بواسطة مواد تضاف إلى الماء كالملح وغيره. أو بالنبات المعروف كالقرض أو العرعر ونحوهما.
وأما ما لا تحله الذكاة، فإنه لا يطهر.
-إذا كانت الميتة مما لا يؤكل وهو حي إذا ذُبح فلا يطهر بالدباغ.
..وأما ما لا تحله الذكاة فإنه لا يطهر. وعلى هذا:
فجلد الهرة وما دونها في الخِلقة لا يطهر بالدبغ، ولو كان في حال الحياة طاهرا.
-هو صحيح القطة في حال الحياة طاهرة.
لكن هل هي مما يباح أكله إذا ذبح؟
لا. فالقطة لا تؤكل.
واضح؟
فجلد ما يحرم أكله ولو كان طاهرا في الحياة، فإنه لا يطهر بالدباغ.
والخلاصة:
أن كل حيوان مات وهو من مأكول اللحم فإن جلده يطهر بالدباغ.
وكل حيوان مات وليس من مأكول اللحم فإن جلده لا يطهر بالدباغ.
فلا يطهر بالدباغ إلا من كان حلالا أكله بالتذكية.
..ثم ينتقل إلى الباب الثالث:
في قضاء الحاجة وآدابها:
-ولا شك أن هذا مما يدل على شمول دين الإسلام لكل أحوال المسلم.
الشريعة لا تفارق المسلم في حال من أحواله.
حتى مثل هذه الأوضاع.
والفقه هنا مفيد جدا، وربما نحن في ظل الحياة الحديثة، يعني نستغرب بعض الأحكام إذا رأيناها. خاصة في قضايا الاستنجاء ونحو ذلك.
لكن كما قال بعض السلف: تعلم العلم فإنك لا تدري متى تختلج إليه.
-العلم يكون سلاحا معك. فقد توجد في ظروف سفر، في سفينة، تنقطع بك الطريق. فالعلم عندك يدلك على المخرج. زحام..انقطاع مياه..ونحو ذلك.
فالعلم يفيدنا كثيرا في مثل هذا..
فهذا مما يدل على شمول الإسلام لكل أحوال المسلم. فإنه شرع لنا كل ما ينفعنا.
أول مسألة في باب قضاء الحاجة وآدابها..
*الاستنجاء والاستجمار:
وقيام أحدهما مقام الآخر:
..أما الاستنجاء فهو: إزالة الخارج من السبيلين بالماء.
إذاً، الاستنجاء هو: إزالة ما يخرج من السبيلين (أي البول والغائظ) بماذا؟
بالماء.
..والاستجمار: مسحه بطاهر مباحٍ منقٍ، كالحجر ونحوه.
الاستجمار: استعمال الجمار يعني: الأحجار.
وهو مسح الموضع أو مسح الأذى بطاهر مباح.
لابد أن يكون الشيء المستعمل طاهر، مباح، منقٍ.
طاهر: وليس نجسا، ليس بالروث مثلا، أو بأي نجاسة.
ثانيا: مباح.
ثالثا: منقٍ، منقي، يستطيع، يعني.... (الدقيقة 44.07) يملك الآن يزيل. كالحجر ونحوه.
**ويجزئ أحدهما عن الآخر.
بمعنى: أن بعض الناس تفهم أنه لا يجوز الاستجمار إلا عند تعذر ماذا؟ الاستنجاء.
لا، بل ستجدون أن الشريعة فيها تيسير غريب جدا في أشياء الناس تشدد على أنفسها فيها.
-لا شك قطعا أن استعمالهما معا، أو استعمال الماء فقط هو أولى الأوضاع، لكن لظرف أو لآخر إذا اضطر الإنسان واستجمر فقط، فلا شيء في طهارته، فهذا مما يعفى عنه.
لأن الحقيقة الماء أفضل. لماذا؟
لأنه يزيل العين والأثر. لا يترك أثرا.
أما الاستجمار بالأحجار فإنه يزيل العين ويبقي..
قد يبقي أثرا يعفى عنه.
للمشقة.
فإذاً، لكن افرض هكذا بسبب أو بآخر أو حتى من غير سبب، واحد استعمل الأحجار أو ما يقوم مقامها من أوراق ونحو ذلك. استعملها ولم يستعمل الماء وتوضأ وصلى. هل هناك شيء في صلاته أو في طهارته؟
على الإطلاق، لا يوجد أي شيء.
فهذا من التيسير.
لأن الإنسان قد يتواجد في ظروف أحيانا، فيجب أن يكون على وعي بهذا الفهم.
فالإنسان..
فيجزئ الاستجمار عن الاستنجاء والعكس.
كل منهما يجزئ عن الآخر.
يعني استعمال الأحجار ليس في حالة الضرورة، ممكن في الأحوال العادية أن يستعمل حتى مع وجود الماء. لكن الماء أفضل لأنه أنقى وأعظم في الطهارة، ومدح به أهل قباء "..فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا..(108)" التوبة
لأنهم كانوا يستعملون الماء.
لكن الإنسان لابد أن يكون عنده علم حتى إذا ما وجد في ظروف يعرف المخرج، كما يحصل في الصحراء أو في الرحلات أو في نحو ذلك.
..يقول: الاستنجاء: إزالة الخارج من السبيلين بالماء.
والاستجمار: مسحه بطاهر مباح منقٍ كالحجر ونحوه.
ويجزئ أحدهما عن الآخر لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنَزة فيستنجي بالماء".
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائظ فليستطب بثلاثة أحجار".
فإنها تجزئ عنه، والجمع بينهما أفضل..
يعني بين الماء والأحجار.
طبعا الأحجار أولا، ثم الماء.
والاستجمار يحصل بالحجارة، أو ما يقوم مقامها من كل طاهر منقٍ مباح.
طاهر: يعني لا يجوز أن يستنجي بشيء ماذا؟ نجس. كحجارة سبق استعمالها في الاستجمار.
من كل طاهر، منق: يعني منقي للموضع.
واضح؟
مباح: يعني مثلا لو رمل. هل الرمل تنقي؟ لا تنقي.
..(الدقيقة 47.22) لابد الشيء يكون طاهر منق ومباح.
كمناديل الورق والخشب ونحو ذلك.
لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يستجمر بالحجارة، فيلحق بها ما يماثلها في الإنقاء، ولا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات.
هنا تنبيه مهم جدا:
وهو أن هناك شرط آخر فيما يحصل به الاستجمار بجانب هذه الشروط: طاهر منقٍ مباح..
وماذا أيضا نضيفه لهذه الشروط؟
-أحد الحضور:..
الشيخ: لا، هذه في كيفية.. في العدد.. هم؟
م...(الدقيقة 48.08) ما لم يسبق استعماله، داخلة في (طاهر).
-..الشيخ:..هم..؟
-أحد الحضور:..
- الشيخ:.. ممكن، ماشي صحيح، لا يكون رجيعا ولا عظم، كما سيأتي.
- الشيخ: نعم..
-أحدالحضور:..
- الشيخ:..غير محترم.
لابد أن يكون لا حرمة له، لا يأتي واحد لورق الجرائد مثلا، ويستعمله كما يفعل من لا عقل عندهم.
يستعمل ورق الجرائد والجرائد بها ماذا؟ قد يكون بها اسم وزير، اسمه عبد العزيز أو عبد الله أو عبد الرحمن، أو آيات قرآنية أو أحاديث أو نحو ذلك. فلا يجوز أن يحصل الاستجمار بماذا؟ بما له حرمة، أي شيء له حرمة لا يجوز الاستجمار به.
فينبغي التنبيه لذلك، لأنه قد يقع من سفهاء من الناس لا يفقهون استعمال أوراق الجرائد في مثل هذا.
بل أوراق الجرائد لا تستعمل حتى في مفارش للأكل كما يفعل بعض الناس، يفرشونها على الأرض، ويضعون عليها السمك.
لأن طبعا أيضا إذا كان فيها آيات أو أسماء شريفة فإنها تمتهن. أو شيء من أسماء الله الحسنى.
...يقول: ولا ينجز في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات، لحديث سلمان رضي الله تعالى عنه: نهانا -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم.
والرجيع: هو العذرة والروث.
*أما المسألة الثانية:
فهي استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة:
لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها حال قضاء الحاجة في الصحراء بلا حائل..
-كل قيد هنا مهم، لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها حال قضاء الحاجة في الصحراء بلا حائل، لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله".
.. أما إن كان في بنيان:
-يعني هذا الكلام إن كان في ماذا؟ في الصحراء، حيث لا بنيان.
..أما إن كان في بنيان، أو كان بينه وبين القبلة شيء يستره، فلا بأس بذلك، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول في بيته مستقبل الشام مستدبر الكعبة".
ولحديث مروان الأصغر قال: "أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن هذا في الفضاء. أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس".
..والأفضل ترك ذلك حتى في البنيان. والله تعالى أعلم.
-هذا أفضل وأحوط. أن يترك ذلك حتى في داخل البنيان.
لكن إذا كان هناك مشقة فيأخذ بماذا؟ بما ذكرنا. أنه لا بأس به في داخل البنيان.
*المسألة الثالثة:
..ما يسن فعله لداخل الخلاء:
==يسن لداخل الخلاء قول: "بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث".
-إناث الجن وذكورهم.
-وطبعا تلاحظون هنا، أن البداء بالبسملة وليس بالتعوذ. خلاف مثلا في قراءة القرآن تبدأ بالتعوذ ثم تبسمل. أما هنا فالعكس.
بسم الله.. ثم تقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
==..وعند الانتهاء والخروج يقول: غفرانك.
==وتقديم رجله اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج.
== وألا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض.
== وإذا كان في الفضاء يستحب له الإبعاد والاستتار حتى لايُرى. وأدلة ذلك كله حديث جابر رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يُرى".
وحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِتر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء -وفي رواية: إذا وضع أحدهم ثوبه- أن يقول: بسم الله".
وحديث أنس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث".
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض".
*المسألة الرابعة:
..ما يحرم فعله على من أراد قضاء الحاجة:
-طبعا يعني من الآداب المهمة جدا في مثل هذا أن يستحضر الإنسان نعمة الله سبحانه وتعالى ليس فقط في الرزق الذي أطعمه إياه وسقاه، وهي نعمة عظمى من نعم الله علينا، ولكن أيضا نعمة الإخراج نعمة.
يكفي أن نذكر القصة التي أو الموعظة التي أسداها أحد العلماء لأحد الخلفاء أو الملوك لما حصل عنده احتباس في البول، فكان يتألم جدا، وما كانوا يرون حلا لهذه المشكلة. فقال له: كم تدفع لتفرج هذه الأزمة؟ فقال: أدفع ملكي كله. كل ملكي أتنازل عنه في سبيل أن يخرج هذا الأذى من بدني. فقال له: فاتق الله في ملك لا يساوي بولة.
-فهذه نعمة ينبغي للإنسان أن يستحضرها. أن تيسير التخلص من هذا الأذى الذي يؤذي الإنسان جدا إذا احتبس داخله، قد يصل به إلى التسمم والموت.
فما أول علاج لما يحصل لواحد احتباس في البول؟ كلمتين حتى لا نطيل لأننا مستعجلين.
-الشيخ: لا أحد يعرف من كلية الطب؟
-أحد الحضور:..
-الشيخ: أول شيء افتح أمامه حنفية. وحسب.
هذا هو أول إجراء. واترك الباقي. لكن هذا أول إجراء لأن أحيانا يكون الأمر نفسيا، ليس أكثر فلما يُفتح أمامه مجرى ماء أو صنبور فممكن يُعالج هذا الموضوع.
-نحن قلنا: تعلم العلم فإنك لا تدري متى تختلج إليه.
..ما يحرم فعله على من أراد قضاء الحاجة:
==يحرم البول في الماء الراكد.
لحديث جابر..
-فالناس الذين يتكلمون إذاً عن البيئة، ويعظمون أمر البيئة. وفرحين بأنفسهم جدا في هذا العصر.
يعني إذا راجعنا أحكام الإسلام في موضوع المحافظة على البيئة بالاصطلاح الحديث، سنجد أرقى الاجراءات الوقائية، سواء في الطب الوقائي وفي النظافة وفي المحافظة على خلق الله سبحانه وتعالى بدون إفساد.
فهذا موجود في الإسلام.
فأول شيء: يحرم أن يتبول الإنسان في الماء الراكد الذي لا يجري.
لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "نهى عن البول في الماء الراكد".
==ولا يمسك ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يستنجي بها.
-هذا من الأدب، وليس على التحريم ولكنه من الأدب، لأن اليمين في الإسلام دائما مكرمة وتستعمل فيما يشرف من الأعمال.
يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه".
==ويحرم عليه..
-أحد الحضور:..
-الشيخ: طبعا..طبعا..بل هو أولى..
.ويحرم عليه البول أو الغائط في الطريق:
-يحرم، انظر إلى كلمة (يحرم) هذه.
يحرم عليه البول أو الغائط في الطريق، أو في الظل أو في الحدائق العامة، أو تحت شجرة مثمرة أو موارد المياه.
-لا تقضى الحاجة في الطريق حتى لا يؤذي المارة.
ثانيا: في الظل، لأن الناس قد تلجأ إلى الظل عند الحر الشديد.
أو في الحدائق العامة.
أو تحت شجرة مثمرة، لأنه قد تسقط الثمار فتتنجس، فيُحرم الناس من طعامها.
أو موارد المياه، لما روى معاذ قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الملاعن الثلاث..".
-كلمة الملاعن هذه لما ندقق فيها تخوِّف جدا. ما معنى الملاعن؟ يعني الجالبات للعن، لأن من يجيء يرى واحد جاء تحت ظل الشجرة وقضى حاجته، سيقول: (لعن الله من فعل كذا)، من يجيء يرى واحد في الظل أو في موارد المياه أو في طريق الناس الذي يمرون عليه، أول شيء ممكن يعمله ما هو؟ أن يعلن صاحبه.
فإذا كان هو فعلا ظالما وارتكب محرما فإنه يُخشى أن تصيبه الدعوة.
فلذلك انظر إلى رحمة النبي عليه الصلاة والسلام بالأمة كي يحميهم من اللعن.
وترهيبا لهم من هذا الفعل يقول: " اتقوا الملاعن الثلاث...." أو "..اتقوا اللاعنين..".
هم.
"يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل".
-نأخذ أدبا من هذا أن الإنسان أي شيء قد يجلب عليه اللعن، أن أحد يدعو عليه، فيتوقاه.
يعني أذكر أحد الإخوة لما خربش سيارة وهو ماشي بسيارته فهذا خلق المفروض أن نتحلى به جميعا. هو لا أحد يراه، فماذا كان يفعل، يقول: أخشى أن الرجل يرى سيارته مخربشة هكذا، هذه الحكة، فيدعو علي أو يقول: لعنه الله أو كذا أو كذا..
وهو يكون أيضا مظلوما.
ففي هذه الحالة، يكتب اسمه مثلا وتليفونه ويضعها على السيارة بحيث يستطيع أن يصل له فيستحله.
أو يسأل عليه حتى يصل إليه.
-يعني الإنسان يتقي أي شيء قد يكون ذريعة إلى حصول الدعاء باللعن.
..يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد -موارد المياه- وقارعة الطريق والظل".
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا اللاعنين. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى -أي يقضي حاجته- في طريق الناس أو في ظلهم".
==كما يحرم عليه قراءة القرآن..
-يحرم على من يقضي الحاجة طبعا أن يقرأ القرآن في هذه الحالة.
..ويحرم عليه الاستجمار بالروث أو بالعظم أو بالطعام المحترم.
لحديث جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتمَسَّح بعظم أو ببعر".
- طبعا لأن هذا من طعام إخواننا من الجن.
ويحرم عليه الاستجمار بالروث أو العظم أو بالطعام المحترم. لحديث جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتمَسَّح بعظم أو ببعر".
==ويحرم قضاء الحاجة بين قبور المسلمين..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق"..
-يعني كلاهما سيان في الاستقباح.
هل يليق بالإنسان أنه في وسط السوق يقضي حاجته؟! لا يليق.
كذلك يجب أن يراعي حرمة الموتى.
فإنهما سيان في.. "لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق".
* المسألة الخامسة..
ما يكره فعله للمتخلي:
..يكره حال قضاء الحاجة استقبال مهب الريح بلا حائل، لئلا يرتد البول عليه.
ويكره الكلام، فقد "مر رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم يبول، فسلم عليه. فلم يرد عليه".
ويكره أن يبول في شق ونحوه.
لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر" قيل لقتادة: فما بال الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن.
ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان فيؤذيه، أو يكون مسكنا للجن فيؤذيهم.
ويكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله إلا لحاجة.
مثل النساء اللائي يلبسن سلاسل فيها لفظ الجلالة أو نحو ذلك من الذكر، فيكره دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله إلا لحاجة، كأن لا تجد مكانا تضع فيه إلا هذا الشيء.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.
لماذا؟
لأنه كان عليه ((محمد رسول الله)) صلى الله عليه وسلم.
..أما عند الحاجة والضرورة فلا باس كالحاجة إلى الدخول بالأوراق النقدية التي فيها اسم الله فإنه إن تركها خارجا كانت عرضة للسرقة أو النسيان.
أما المصحف الشريف فإنه يحرم الدخول به، سواء كان ظاهرا أو خفيا، لأنه كلام الله وهو أشرف الكلام، ودخول الخلاء به فيه نوع من الإهانة.
- المصحف الموجود في قرص مثلا سي دي مثلا أو على موبايل أو كذا. أفضل أن يتجنب إدخاله لكن ليس في قوة الكلام في المصحف الشريف المكتوب العادي.
-أحد الحضور:..
-الشيخ: هو أفضل، أفضل ألا يدخل به، فإن استطاع أن يتحرى تجنب ذلك فلا بأس، ولكن هو لا يعتبر مصحفا تقليديا كالمصحف المكتوب.
*حكم التبول قائما:
من الجفاء أن يبول الرجل قائما، لكنه لا يحرم.
الغالب من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبول قاعدا، لأنه أستر وأبعد عن أن يصيبه الرشاش ونحو ذلك، ولكن إن بال قائما لحاجة فلا باس. كما حصل منه عليه الصلاة والسلام لعلة بمأبضه. كان لا يستطيع -عليه الصلاة والسلام- الجلوس لعلة في مأبضه (وهو باطن الركبة).
* الباب الرابع: في السواك..
وسنن الفطرة وفيه عدة مسائل..
أولا: السواك..
هو استعمال عود أو نحوه في الأسنان أو اللثة، لإزالة ما يعلق بهما من الأطعمة والروائح.
أما حكمه: فالسواك مسنون في جميع الأوقات.
حتى الصائم لو تسوك في حال صيامه، فلا بأس بذلك سواء كان أول النهار أو آخره.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب فيه ترغيبا مطلقا ولم يقيده بوقت دون آخر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
-هذه الصيغة يستفاد منها ماذا؟
قاعدة أصولية: أن الأمر ظاهره الوجوب، أو أن الأمر حقيقة في الوجوب.
لأنه هنا لو أمرهم لشق عليهم لأنه سيصير واجبا.
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
==المسألة الثانية:
متى يتأكد؟
يتأكد عند الوضوء.
-طبعا هو لو قلنا: أن السواك سنة من سنن الوضوء. فيستاك أثناء الوضوء.
وإن قلنا أنه سنة عند الوضوء، فممكن يستاك قبل الوضوء أو بعده.
واضح؟
ويتأكد عند الوضوء، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير رائحة الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الصلاة، وكذا عند دخول المسجد، والمنزل.
لحديث المقدام بن شريح عن أبيه قال: "سألت عائشة رضي الله عنها، قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك".
ويتأكد كذلك عند طول السكوت، وصفرة الأسنان للأحاديث السابقة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك".
-الشوص هو: الدلك.
والمسلم مأمور عند العبادة والتقرب إلى الله أن يكون على أحسن حال من النظافة والطهارة.
==المسألة الثالثة:
بما يكون؟
..يسن أن يكون التسوك بعود رطب لا يتفتت، ولا يجرح الفم.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك بعود أراك.
-عود أراك، وهو العود المعروف بالسواك.
..وله أن يتسوك بيده اليمنى أو اليسرى، فالأمر في هذا واسع.
فإن لم يكن عنده عود يستاك به عند الوضوء، أجزأه التسوك بإصبعه. كما روى ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
-لكن هي البديل، يعني إذا إنسان عجز عن السواك، فالبديل يكون الإصبع، لكن ما شرط الإصبع ليصلح بديلا للسواك؟
أن يكون خشنا.
-أن يكون خشنا.
-طبعا السواك كما ذكرنا، تنظيف الأسنان.
الاستياك: تنظيف الأسنان عموما.
فليس هناك تعارض بين استعمال الفرشاة الحديثة، وإن كان استعمال عود الأراك فيه فوائد طبية كثيرة جدا، وأيضا موافق للسنة. كما أنه عملي، فلا يشترط معه معجون ولا أشياء من هذه.
ولكن لا يمنع هذا أن الإنسان يستعمل البدائل الحديثة ما دامت تؤدي الغرض، بل أحيانا تكون أنسب. لأن ممكن بعض الناس عنده مشاكل معينة في أسنانه تحتاج شيء لين جدا، يعني فرشة أسنان لينة.
الخشن قد يضره.
فالمسألة أن هناك أناس يتحرجون من استعمال الفرشة للسواك. (الدقيقة 01.06.49).
والفرشة مسواك.
إذا كنا ننتقل إلى الإصبع عند فقد العود، فألا ننتقل إلى الفرشة المعروفة؟! هم؟
=فوائد السواك:
ومن أهمها ما ورد في الحديث السابق أنه: "مطهرة للفم في الدنيا، مرضاة للرب في الآخرة".
فينبغي للمسلم أن يتعاهد هذه السنة، ولا يتركها لما فيها من فوائد عظيمة، وقد يمر على بعض المسلمين مدة من الوقت، كالشهر والشهرين وهم لم يتسوكوا إما تكاسلا وإما جهلا.
وهؤلاء قد فاتهم الأجر العظيم والفوائد الكثيرة، بسبب تركهم هذه السنة التي كان يحافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يأمر بها أمته أمر إيجاب لولا خوف المشقة.
وقد ذكروا فوائد أخرى للسواك، منها أنه: يقوي الأسنان، ويشد اللثة وينقي الصوت وينشط العقل.
-على أي الأحوال هو لابد من حصول نوع من التثقيف للناس كيف يحافظون على نعمة الأسنان.
شيء مهم جدا. وهذه إجراءات الإسلام في المحافظة على نعمة الأسنان.
لأن الأسنان مشكلتها، أن السنة التي أعطاها الله لك هذه لا تقدر بثمن.
ولذلك الطب -طب الأسنان- لماذا يركز على الترميم؟ لا يعرف أن يعمل لك سنة كالتي خلقها الله عز وجل أبدا.
فيها الأعصاب وفيها كذا وكذا، ولكن ينفع الترميم. ولكن كالبيت القديم الذي رمموه.
فلذلك لابد أن يكون هناك نوع من التثقيف لكيفية المحافظة على الأسنان. هذا شيء مهم جدا يعني.
واضح؟
أنا أتذكر هنا حوار بين اثنين، فكان أحدهما يقول للثاني: أنه مهموم وأن هموم الدنيا عليه كثيرة. كبت.
فيقول له: يعني أنت لا تشعر أن ربنا أعطاك شيئا أبدا طيب؟
طيب ما رأيك لو أخذنا عينيك الاثنين ووضعنا مكانها أغلى جوهرتين في العالم.
مكان عينيك جوهرة جميلة هكذا تأخذ شكل العين، وقيمتها ملايين الدولارات مثلا.
نأخذ عينيك ونضع لك مكانها جوهرتين. ما رأيك في هذا الحل؟
فنحن عندنا في جسدنا نعم أتانا الله سبحانه وتعالى إياها. والعبد لا يحس بقيمة النعمة إلا حينما يفقدها.
فالأسنان فيها مظاهر الإعجاز الإلهي عجيبة جدا وعظيمة جدا، ونعمة الله علينا تقتضي أن نعلم الأطفال مبكرا جدا كيف يحافظون على هذه النعمة. لأن المشاكل بعد ذلك -كما تعلمون- تكون كبيرة جدا.
فلابد من التثقف، كيف تستعمل الفرشاة؟ كيف تحدد نوع الفرشاة؟ ويكفي هذا الكلام.
فلابد أن يحصل نوع من الثقافة، تذهب لطبيب الأسنان، تستفيد من شخص تعرفه يعطيك ثقافة تنظيف الأسنان والمحافظة عليها، حتى لا تندم بعد ذلك.
=المسألة الخامسة:
-وهذه فائدة دراسة الفقه بصورة شاملة، لأنك أحيانا تكون محتاجا لأن تحدد هذه المسألة. عندما أجيء لأبحثها كيف أحدد مكانها في كتب الفقه؟
فهذه الدراسة الشاملة تعرفك، لأنه أحيانا يكون الموضوع بعيد الصلة قليلا بالباب الذي يوضع تحته.
لكن هذا هو مكانه..
مثلا: لو أردنا التكلم على حكم (كشف المرأة وجهها).
في أي الكتب نبحث؟
-أحد الحضور:..
-الشيخ: تفضل.
- يجيب:..
-الشيخ: في كتاب النكاح، في أي باب؟ الخطبة. النظر لأجل الخطبة.
اين أيضا؟
-الحضور:..
الشيخ: في الحج، وطبعا هذه فيها كلام كثير عند من يقول بإن إحرام المرأة في وجهها وكفيها.
هذا موضوع ثاني..
-نعم..
-أحد الحضور: الطهارة..
-الشيخ: الطهارة في أي باب؟
-يجيب: في الوضوء.
الشيخ: أين في الوضوء.
- لا، شروط الصلاة، ستر العورة.
-أحد الحضور:..
-الشيخ: نعم في كتاب اللباس ممكن، وماذا أيضا.
-أحد الحضور:..
-الشيخ: كتاب القضاء والشهادة. لأن المرأة تكشف وجهها عند التقاضي.
- ممكن التطبيب (الدقيقة 01.11.01)، كرخصة.
وهكذا..
طيب،..
فخصال الفطرة هنا، ليس لها علاقة مباشرة بموضوع ماذا؟
السواك.
ممكن يكون أيضا في كتاب اللباس والزينة. موضوع المرأة.
حتى أحيانا لما يكون هناك موضوع معين يوضع تحت عنوان غير مباشر في دلالته على المكان.
مثل هذا الباب الذي هو باب..
فدائما يقولون ماذا؟ باب السواك.. ثم يلحقوا به ماذا؟ سنن الفطرة.
فنعرف سنن الفطرة لما نحتاج تفاصيلها، أين نبحث عنها في كتب الفقه.
*سنن الفطرة:
وتسمى أيضا خصال الفطرة.
وذلك لأن فاعلها يتصف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها واستحبها لهم ليكونوا على أحسن هيئة.
يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة، الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر".
..أما الاستحداد: فهو حلق العانة وهو الشعر النابت فوق الفرج.
سمي بذلك لاستعمال الحديدة فيه وهي: الموسى
وفي إزالته جمال ونظافة ويمكن إزالته بغير الحلق كالمزيلات المصنعة.
ثانيا: الختان:
وهو إزالة الجلدة التي تغطي الحَشَفَة، وهذا واجب في حق الرجال وحكمته تطهير العضو من النجاسة المحتقنة في القُلفة.
أما في حق النساء: فالختان مكرمة أو سنة.
في حق النساء وليس يعني بواجب. في حق النساء.
وما يثار من كلام في هذه المسألة في الحقيقة فيه نوع وقدر كبير جدا من التكلف لأن الأمر بالنسبة للإناث في منتهى السهولة، لأن البنت إذا وصلت مثلا سن تسع سنوات أو نحو ذلك تعرض على طبيبة النساء وتحدد هل تحتاج لهذا أم لا تحتاج. وانتهى الأمر فقط.
ثالثا: قص الشارب وإحفاؤه:
والإحفاء هو: المبالغة في القص، لما في ذلك من التجمل والنظافة ومخالفة الكفار.
فالحديث: "جزُّوا الشوارب -أو أحفوا الشوارب- وأفوا اللحى".
فأحفوا الشوارب: الإحفاء بعض العلماء فسروه بالاستئصال الكامل، والبعض فسره بالمبالغة في القص.
واضح؟
وبعضهم فسر: إن الصحابة كانوا (يقمون..الدقيقة 01.13.54) مع قص الشفة. يقمون يعني: المقصود بالإحفاء قص ما وصل إلى الشفة.
يعني ما كان في أعلى الشفة هذا هو الذي يزال حتى لا يسقط الشعر على الفم ويختلط بالطعام ونحو ذلك. كما نرى في القساوسة وهؤلاء الناس. فمخالفة الكفار بأن يُقَص: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا".
فالأخذ، ممكن أن يوفر الشارب ما في بأس، لأن عمر بن الخطاب كان إذا غضب نفخ وفتل شاربه.
فيُفهَم منه أنه كان يطلق شاربه، لكن الإقماء أو القص يكون بماذا؟ على طرف الشفة.
أو المبالغة في القص أيضا..
لكن ما ذهب إليه البعض من..
هو لا ينكر..يعتبر خلافا سائغا، وهو أن المقصود بالإحفاء: الاستئصال تماما أو الحلق تماما في الشارب.
هذا كان الإمام مالك يعده مثلة، يعده مُثلَة، وكان يرى تأديب من يفعل ذلك.
لكن عموما الخلاف سائغ في هذا المسألة، مسألة حف الشارب وكيفيته.
هم؟
-سؤال من أحد الحضور:..
-الشيخ: الأمر فيه يسير.
-الحاضر:..
-الشيخ: لقد تكَلَمت، أنا تكلمت في هذه،..(الدقيقة 01.15.03) المقصود إن هذا خلاف سائغ.
الأقرب أنه المقصود بالحف: المبالغة في القص وليس الاستئصال بالحلق، والله أعلم.
..يقول: وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الحث على قصه وإعفاء اللحية وإرسالها وإكرامها، لما في بقاء اللحية من الجمال ومظهر الرجولة.
وقد عكس كثير من الناس الأمر، فصاروا يوفرون شواربهم ويحلقون لحاهم أو يقصرونها.
وفي كل هذا مخالفة للسنة، والأوامر الواردة في وجوب إعفائها، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس".
وقال صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب".
فعلى المسلم أن يلتزم بهذا الهدي النبوي ويخالف الأعداء ويتميز عن التشبه بالنساء.
=أما الأمر الرابع من خصال الفطرة: فهو تقليم الأظافر:
تقليم الأظافر: وهو قصها بحيث لا تترك حتى تطول.
والتقليم يجملها ويزيل الأوساخ المتراكمة تحتها.
وقد خالف هذه الفطرة النبوية بعض المسلمين.
-أساسا: بعض المسلمات، وليس المسلمين. يعني الرجال يهيأ لي أنه نادرا أن يكون للواحد مخالب.
لا، والنساء يعملن مخالب كالوحوش. يعملونها بالأحمر، فتحس وكأنها مخضبة بدماء الفريسة.
-نعم.
لا أدري أي جمال في هذا؟ هذا متناف مع الفطرة السليمة، هذه فطرة الوحوش.
وقد خالف هذه الفطرة النبوية بعض المسلمين فصاروا يطيلون أظافرهم أو أظافر إصبع معين من أيديهم. كل ذلك من تزيين الشيطان والتقليد لأعداء الله.
-وهناك بعض الفقهاء استثنوا ذلك في الجهاد. قالوا: ممكن يستعمل الأظافر أثناء ماذا؟ التشابك بالأيدي مع الأعداء.
هذه حالة استثنائية يعني.
*خامسا: نتف الإبط:
أي إزالة الشعر الناب فيه.
فيسن إزالة هذا الشعر بالنتف أو الحلق أوغيرهما. لما في إزالته من النظافة وقطع الروائح الكريهة التي تتجمع مع وجود هذا الشعر.
..فهذا هو ديننا الحنيف أمرنا بهذه الخصال بما فيها من التجمل والتطهر والنظافة.
وليكون المسلم على أحسن حال مبتعدا عن تقليد الكفار والجهال، مفتخرا بدينه مطيعا لربه متبعا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
..ويضاف إلى هذه الخصال الخمس، السواك واستنشاق الماء، والمضمضة، وغسل البراجم (وهي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ)، والاستنجاء.
وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة:قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة، وانتقاص الماء (يعني الاستنجاء)".
قال مسعد (..الدقيقة 01.18.13) بن شيبة أحد رواة الحديث: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
*أما الباب الخامس:
فهو في الوضوء:
تعريف الوضوء لغة: مشتق من الوضاءة. وهي الحسن والنظافة
وشرعا: استعمال الماء في الأعضاء الأربعة، وهي الوجه واليدان والرأس والرجلان. على صفة مخصوصة في الشرع، على وجه التعبد لله تعالى.
-يعني لابد فيه من ماذا؟
النية.
=حكمه: أنه واجب على المحدث إذا أراد الصلاة وما في حكمها. كالطواف ومس المصحف.
=الدليل على وجوبه: قول الله تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ(6)" المائدة.
وحكمه: أنه واجب على المحدث إذا أراد الصلاة وما في حكمها كالطواف ومس المصحف.
وقال صلى الله عليه وسلم -من أدلة الوجوب أيضا بجانب الآية-: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ".
ولم يُنقَل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، فثبتت بذلك مشروعية الوضوء بالكتاب والسنة والإجماع.
=وأما على من يجب؟
فيجب على المسلم البالغ العاقل إذا أراد الصلاة وما في حكمها.
=وأما متى يجب؟
فإذا دخل وقت الصلاة أو أراد الإنسان الفعل الذي يُشترط له الوضوء، وإن لم يكن ذلك متعلقا بوقت كالطواف ومس المصحف.
=أما شروط الوضوء:
فيشترط لصحته: الإسلام والعقل والتمييز.
فلا يصح الوضوء من الكافر، ولا المجنون، ولا يكون معتبرا من الصغير الذي هو دون سن التمييز.
-لأن المميز يستطيع أن ينوي ويعرف الفرق بين اللعب وبين العبادة.
ثانيا: النية:
لحديث: "إنما الأعمال بالنيات..".
ولا يشرع التلفظ بها، لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا التلفظ بالنية حكمه أنه سنة تركية.
سنة تركية.
ثالثا: الماء الطَهور:
لما تقدم في المياه، أما الماء النجس فلا يصح الوضوء به.
رابعا: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من شمع أو عجين ونحوهما كطلاء الأظافر الذي يعرف بين النساء اليوم.
-الطلاء الذي يضعونه على الأظافر هذا يحول بين البشرة وبين الماء فلا يصح الوضوء معه.
فالتي ابتليت به، إذا أرادت الصلاة أو الوضوء لابد أن تزيله.
خامسا: الاستجمار أو الاستنجاء عند وجود سببهما.
وإن كان هذه المسألة فيها إشكال: يعني نفرض أن واحد توضأ ثم استنجى دون أن يمس العورة.
-هم؟
-يصح لأنه ليس له علاقة به.
لكن يبدو أنه هنا يذهب إلى خلاف ذلك.
فيقول: الاستجمار والاستنجاء عند وجود سببهما.
-لأن... (الدقيقة 01.21.39) هنا هو إزالة نجاسة، وليس رفع حدث.
لأن رفع الحدث بالوضوء، أما إزالة النجس فهي غير مرتبطة برفع الحدث، والله تعالى أعلم.
لأنه لم يعني، بعد الوضوء هو لم يستحدث، لم يخرج شيئا من السبيلين.
لم يخرج شيء فلم ينقض الوضوء.
وهي مسألة صعبة، لأن الطبيعي أن يحدث الاستنجاء أولا.
الموالاة والترتيب..
..ثم غسل جميع الأعضاء الواجب غسلها.
=فروض الوضوء ستة:
- غسل الوجه بكامله.
-غسل اليدين إلى المرفقين.
-مسح الرأس كله مع الأذنين.
-غسل الرجلين إلى الكعبين.
-الترتيب والموالاة.
أولا: *غسل الوجه بكامله، لقوله تعالى: ".. إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..".
ومن الوجه -من غسيل الوجه- يدخل فيه ماذا؟ المضمضة والاستنشاق.
لأن الفم والأنف من الوجه.
ثانيا: غسل اليدين إلى المرفقين، لقوله تعالى: "..وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ.."
فانتبهوا هنا جيدا، لأن بعض الناس يبدأ في الوضوء بغسل الكفين. ما حكمهما؟ سنة مستحبة.
فما هي إذاً ".. فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ..".؟.
هذا ركن من أركان الوضوء أو واجب من واجبات الوضوء.
طيب، بعض الناس يغسل يديه في أول الوضوء، الكفين ثم يغسل الوجه، ثم بعد ذلك يغسل من الرسغ إلى المرفقين.
ما رأيكم في هذا؟
باطل.
وضوؤه باطل.
لماذا؟
لأنه يكتفي بغسل الكفين في البداية.
وغسل الكفين في البداية ماذا؟ سنة. وليس واجب الوضوء.
بل واجب الوضوء هو: بعد غسيل الوجه تغسل اليدين من أطراف الأصابع إلى المرافق.
فانتبهوا لهذا.
لأن بعض الناس يعتمد على أنه في البداية غسل الكفين، ثم بعدما يغسل الوجه يغسل من الرسغ إلى المرفق.
فهنا هو لم يغسل الكفين، والله سبحانه وتعالى يقول ماذا؟ بعد الوجهين الترتيب هنا شرط.
".. فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ..".
بعد الوجوه ماذا؟
أيديكم: من أطراف الأصابع إلى المرافق.
فانتبهوا لهذا..
ثالثا: مسح الرأس كله مع الأذنين..
لقول الله عز وجل: "..وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ..".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".
فلا يجزئ مسح بعض الرأس دون بعض.
-هذا هو اختيار العلماء الأفاضل مصنفوا هذا الكتاب.
وهذا القول أحوط وأقوى من حيث الأدلة.
وإن كان القول بأنه يجزئ مسح الناصية ثابت عن ابن عمر وله وجه أيضا من النظر. ولكن هذا أحوط، وهو أن: المسح يشمل ماذا؟ كل الرأس.
لماذا؟
لأن قول الله سبحانه وتعالى: ".... وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ..".
هذا بيان لمجمل.
المجمل واجب والبيان التفصيلي في السنة لابد أن يكون أيضا واجبا. لأن المبيِّن يأخذ حكم المبيَّن.
فقول الله تبارك وتعالى: ".. وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ..".
حرف الباء هنا لا يقتضي التبعيض، وإنما الباء للإلصاق.
لإلصاق الفعل بالمفعول. يعني إلصاق المسح بكل الرأس. وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، "..ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر..".
"بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه"، كما في صحيح مسلم.
وحينما قال تعالى: "..وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ..(29)" الحج.
هل يجوز الطواف ببعض البيت.
أو مثلا قال تعالى: "..فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ.."في التيمم، "..فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ.." هل يحمل على بعض الوجه؟
كذلك هنا: ".... وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ..".يحمل على كل الرأس.
فالفرائض لا تؤدى إلا بيقين، واليقين هو ما أجمعوا عليه من مسح جميع الرأس كما قال ابن عبد البر.
الواجب الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين..
لقوله تعالى: "..وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ..".
الواجب الخامس، أو الفرض الخامس: الترتيب..
لأن الله تعالى ذكره مُرَتَبَاً، وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرتِبَاً على حسب ما ذكر الله سبحانه وتعالى، الوجه، اليدين، الرأس، الرجلين.
كما ورد ذلك في صفة وضوئه في حديث عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه وغيره.
..الفرض السادس: الموالاة..
بأن يكون غسل العضو عقب الذي قبله مباشرة بدون تأخير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ متواليا.
ولحديث خالد بن معدان: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لُمعَة قد الدرهم لم يصبها الماء. فأمره أن يعيد الوضوء"، فلو لم تكن الموالاة شرطا لأمره بغسل ما فاته.
لأن فات وقت بين انتهائه من الوضوء وبين دخوله في الصلاة، فهكذا فقد شرط الموالاة.
فلو لم تكن الموالاة شرطا لأمره بغسل ما فاته ولم يأمره بإعادة الوضوء كله.
واللمعة: الموضع الذي لم يصبه الماء في الوضوء أو الغسل.
*أما سنن الوضوء:
فهناك أفعال يستحب فعلها عند الوضوء ويؤجر عليها من فعلها، ومن تركها فلا حرج عليه.
وتسمى هذه الأفعال بسنن الوضوء.
وهي:
-التسمية في أوله.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
ثانيا: السواك..
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
ثالثا: غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء..
-هذه سنة.
غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء، لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك، "إذ كان يغسل كفيه ثلاثا" كما ورد في صفة وضوئه.
..رابعا: المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم..
-ما الفرق بين المضمضة وبين المبالغة في المضمضة؟
المضمضة لغة: مجرد إدخال الماء داخل الفم. هذه مضمضة.
أما المبالغة: فهي تحريكه داخل الفم.
داخل تجويف الفم.
المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، فقد ورد في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: "فمضمض واستنثر" ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما".
خامسا: الدلك..
يعني دلك الجلد مع الماء، من المستحبات.
وتخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يدخل الماء في داخله.
-لكن لو اللحية خفيفة لا يحتاج إلى تخليلها
لفعله صلى الله عليه وسلم فإنه "كان إذا توضأ يدلك ذراعيه".
وكذلك كان "يدخل الماء تحت حنكه ويخلل به لحيته".
سادسا: تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين والرجلين:
لفعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان "يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".
سابعا: تثليث الغسل في الوجه واليدين والرجلين:
فالواجب مرة واحدة، ويستحب ثلاثا لفعله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه أنه "توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا".
ثامنا: الذكر الوارد بعد الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".
وزاد الترمذي: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".
نكتفي بهذا القدر..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..
أشهد أن لا إله إلا أنت..
أستغفرك وأتوب إليك..
]]>