الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤

6- كتاب الصلاة (من الباب السابع المسألة السادسة إلى الباب التاسع المسألة الرابعة)

الجمعة ٧ جمادى أول ١٤٣٨ هـ - ٢١:١٦ م - ٠٣ فبراير ٢٠١٧
3648

الفقه الميسر

كتاب الصلاة

(من الباب السابع المسألة السادسة إلى الباب التاسع المسألة الرابعة)


..الحمد لله وكفى..

وسلام على عباده الذين اصطفى..

لا سيما عبده المصطفى وآله المستكملين الشرف..

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة في النار، ثم أما بعد..

انتهينا في الكلام فيما يتعلق بأحكام صلاة الجماعة للمسألة السادسة:

وهي: إعادة للجماعة في المسجد الواحد، وذكرنا قول من قالوا بمشروعية ذلك (إعادة الجماعة) وفتيا لجنة الإفتاء في هذا المسألة..

* نستعرض باختصار بقدر المستطاع القول الآخر، المذهب الآخر الذي يرى كراهة إقامة الجماعة مرتين فأكثر في المسجد الواحد.

لكن قبل أن نناقش حكم هذه المسألة، لابد أن نبين أنه هناك أشياء متفق على عدم مشروعيتها في هذه المسألة..

فمما اتفق على عدم مشروعيته:

أولا: أن تتكرر الجماعة في مسجد واحد في آن واحد. فهذا مكروه للتشويش والإحداث وتفريق الجماعة.

وهذه يمكن يتورط فيها من يقولون يعني: بمشروعية..

أو يتحرج الذي يرى عدم مشروعية الجماعة، أنه بعد ما يسلم يجد من بجواره، أو واحد مسبوق يتخذه هو إماما، فالمسجد يقيم..

وممكن يكون مسجدا واسعا..

فلا يشعر الناس بعضهم ببعض، فواحد يقيم جماعة في الطرف الأيمن والآخر يقيم جماعة أخرى في نفس الوقت في الطرف الآخر.

فلا شك أن القول بعدم مشروعية تكرار الجماعة مرة ثانية، يسد هذا الباب، لأنها تتكرر ويقع الإنسان في حرج، حينما يشعر أن هناك جماعة أخرى في الطرف الآخر من المسجد

-على أي الأحوال..

..اتفق الفريقان على عدم مشروعية أن تتكرر الجماعة في مسجد واحد في وقت واحد، هذا مكروه للتشويش والإحداث وتفريق الجماعة.

ثانيا: أيضا اتفق الفريقان على عدم مشروعية أن يكون إعادة الجماعة أمرا راتبا:

-شيء الناس يواظبون عليه، فالمسجد الواحد تكون فيه دائما جماعتان تلي الثانية منهما دائما الأولى، كأنه شيء مستمر يذكرنا بما كان يقع من قبل في الحرم المكي الشريف وفي المسجد الأموي في الشام وأيضا في الجامع الأزهر.

حيث كان لكل مذهب إمام..

فتقام الجماعة أربع مرات، كل مذهب له جهة من جهات الكعبة المشرفة يأتي الحنابلة يصلون أولا، إمام الحنابلة يأتي فيصلي خلفه الحنابلة وأصحاب المذاهب الثلاثة في الجهة الأخرى منتظرون إمامهم، ثم يأتي إمام المالكية ثم إمام الشافعية ثم إمام الحنفية، فهذا منظر لا شك يتصادم مع روح التشريع والحرص على ألفة المسلمين ووحدتهم بجانب مخالفته للشرع الشريف.

إن هذا شيء راتب مستمر، فهذا تغيير لأصل مشروعية الجماعة وأن النصوص عندما تذكر فضل صلاة الجماعة فهي إنما تنصرف إلى الجماعة الأولى خلف الإمام الراتب، فطبعا تكرر الجماعة يعطي الكسالى فرصة ألا يحرصوا على جماعة الإمام الراتب لإنه سيعوض الجماعة إذا تأخر فكان يحصل هذا في الحرم المكي وفي المسجد الأموي والجامع الأزهر، ولم تبطل هذه البدعة إلا على يد الملك عبد العزيز حينما دخل مكة وأبطل هذه السنة ووحد المسلمين جميعا على إمام واحد إلى يومنا هذا.

ثالثا: أيضا مما اتفق على عدم مشروعيته إذا حصل أن أهل البدع، يعني أحد العلل التي ذكرها العلماء الذين كرهوا تكرر الجماعة وبالذات الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- ذكر أن من سبب أو أحد أسباب عدم مشروعية الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، جماعة الإمام الراتب، أن هذا يفرق لأهل البدع، يفتح لأهل البدع ثغرة ينفذون منها، لأن أهل البدع إذا كانوا يكفرون الإمام أو يفسقونه فلا يصلون خلفه، في نفس الوقت إذا وجدوا فرصة الجماعة الثانية فسوف يتعمدون التأخر حتى يصلوا هم بجماعة أخرى بعد الجماعة الأولى، فكأن هؤلاء الفقهاء أرادوا أن يسدوا الباب على أهل البدع حتى لا يحدثوا مثل هذا ممن يرغبون عن الصلاة خلف الإمام، ويتخذون لهم إماما يصلي لهم بعد الإمام الراتب.

-وإن كان لجنة الفتوى كما ذكرنا الأسبوع الماضي، الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وآخرين من العلماء، قالوا: تشرع الجماعة الثانية، لكن إذا شك في بعض الناس انهم من أهل البدع الذين يتعمدون التأخر حتى لا يصلوا خلف الإمام الراتب فتتخذ ضدهم الإجراءات لردعهم عن مثل هذا.

أي نعم.

إذاً، هذه الأحوال متفق على عدم مشروعيتها..

-نعود لأصل المسألة، وهو حكم إقامة الجماعة مرتين:

..العلماء انقسموا في ذلك إلى فريقين:

فريق يرى المنع من تكرر الجماعة في المسجد الواحد واختاروا أن من فاتته الجماعة الأولى فإنهم يصلون فرادى، ولا يصلون جماعة في مسجد قد صلي فيه الجماعة خلف الإمام الراتب.

ممن ذهب إلى هذا المذهب الإمام الثوري وابن المبارك ومالك والشافعي والليث والأوزاعي والزهري وأبو حنيفة وغيرهم..

الفريق الآخر يرى جواز تكرر الجماعة في المسجد الواحد وممن ذهب إلى هذا الإمام أحمد واسحق وداوود وابن المنذر وابن خزيمة وابن حزم والبغوي.

-انتبهوا، أن الفريقين يريان صحة الجماعة، لكن الكلام في الكراهة..

الكلام في الكراهة..

أما الأدلة التي استدل بها الفريق الأول الذي يرى المنع.

منع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، فقد استدلوا بقول الله تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ..} [ التوبة/107]

فرأوا أن الجماعة الثانية فيها التفريق بين المؤمنين وينبغي للجماعة ألا تُفرَّق، بل تجتمع على الإمام الراتب.

الدليل الثاني: الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم".

قالوا: فلو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة، لما ترك فضل الصلاة في المسجد النبوي.

- وأجيب بأن: هذا الحديث فيه عنعنة الوليد بن مسلم، وكان يدلس تدليس التسوية. وهو أقبح أنواع التدليس.

الدليل الثالث: استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حُزَم الحطب. ثم آمر بالصلاة فتقام. ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة" وهذا متفق عليه.

فقوله صلى الله عليه وسلم: "..ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة".

لا شك أن كلمة "..الصلاة.." هنا اللام فيها للعهد.

"..لا يشهدون الصلاة..". هنا اللام لماذا؟ للعهد.

فهي المقصود بها الصلاة المعهودة، وهي الصلاة الجماعة الأولى خلف الإمام الراتب.

ولو كانت يجوز الجماعة الثانية، لكان لهم عذر في أن يكرروا الجماعة، وما كان ينبغي أن يعاقبوا بالتحريق.

فلو كانت الجماعة الثانية مشروعة، لما عوقبوا لأنهم تخلفوا عن الأولى. لأنه لو كان هناك جماعة أخرى، وهناك فرصة أخرى ليصلون الجماعة، لكان لهم عذر في ذلك.

واستدلوا بحديث أيضا:  "لقد أعجبني أن تكون صلاة المؤمنين -أو المسلمين- واحدة حتى لقد هممت أن أبث رجالا في الدور فيؤذنون الناس بحين الصلاة".

وهذا رواه ابن خزيمة، وأبو داود وهو صحيح.

وفي الحديث أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن أتى المسجد فصلى في جماعة، غُفِر له. فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض، صلى ما أدرك وأتم ما بقي. كان كذلك..".

- يعني: كان له نفس هذا الثواب من المغفرة.

"..فإن أتى المسجد وقد صلوا، فأتم الصلاة. كان كذلك".

هذا رواه أبو داود وهو حديث صحيح

-يعني أن الإنسان إذا أتى المسجد ورأى القوم قد صلوا، فصلى وحده فإنه ينال نفس الثواب، ما دام معذورا في تأخره.

قال صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا".

وهذا رواه أبو داود والنسائي والإمام أحمد.

وفي حديث ابن مسعود الذي رواه مسلم في شأن صلاة الجماعة: "ولقد رأيتنا ونحن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".

-ما يتخلف عن ماذا؟

عنها.

-فالمقصود طبعا الجماعة الأولى. الجماعة الراتبة.

..وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة، صلوا فرادى. ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة..).

-إذا أتوا مجموعة بعد الإمام الراتب فكل يصلي وحده. فرادى

(..فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة ف..)

-يعني فإن صلوا جماعة، فالجماعة صحيحة.

يقول: (..وإنما كرهت ذلك لهم، لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم).

وقال الإمام الشافعي أيضا: (..وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجال معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا. وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد. فصلى كل واحد منهم منفردا، وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين).

وعن إبراهيم: "أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا..".

-رأوا الناس خارجين من المسجد، فرغوا من صلاة الجماعة.

"..فرجع بهم..".

-أي ابن مسعود.

"..فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم صلى بهما".

-معنى هذا أنه يمكن أن يصلي جماعة. لكن خارج المسجد.

عاد بهم إلى البيت، أو إلى مكان آخر فيصلي بهم جماعة.

لكن في نفس المسجد الذي له إمام راتب فلا.

..وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه، صلوا فرادى.

وعن عبد الرحمن بن المجبر قال: دخلت مع سالم بن عبد الله مسجد الجمعة وقد فرغوا من الصلاة. فقالوا: ألا تجمع الصلاة؟ فقال سالم: لا تجمع صلاة واحدة في مسجد مرتين.

..قالوا أيضا: إن الجماعة الثانية تفرق الأولى..

-فيها تفريق لجماعة المسلمين.

..وتثبط الناس عن المبادرة إلى الأولى.

-لأن عنده فرصة أن يستدرك فيتهاون الناس في حضور الجماعة الأولى.

..وفي الحديث: "من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر".

-فالمقصود هنا أيضا الجماعة الأولى، الراتبة.

..وفي تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها.

وأيضا قالوا: إن هذا القول بمشروعية تكرار الجماعة يطرق لأهل البدع.

- لأنهم يتعمدون ألا يصلوا خلف أهل السنة، فيتعمدون التأخر ثم يأتون ويقيموا هم جماعة بإمامهم تعمدا كي لا يصلوا خلف الإمام الراتب، لأنهم مثلا يكفرونه. فهذا يفتح لأهل البدع الباب لمثل هذه الأشياء.

..هؤلاء المانعون كلامهم غير مطلق، إنما هو مقيد.

-الذين يمنعون أو الذين يقولون بكراهة تكرار الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب، لهم قيود. يعني هذا المذهب ليس على إطلاقه. لكن له قيود.

..أول هذه القيود:

أن يكون للمسجد إمام راتب.

-لابد أن المسجد يكون له إمام راتب.

..والإمام الراتب هو: من نصبه من له ولاية نصبه. من واقف أو سلطان أو نائبه.

-الشخص صاحب الوقف أو السلطان أو نائبه، هو الذي يكون عين هذا الإمام.

..فإذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيه.

-مثل المساجد التي تكون في المطارات مثلا، أو داخل الجامعة أو بمحطات القطارات أو على طريق المسافرين، لا يوجد..

إنما هو مسجد مبني (للذهاب والإياب)، الناس تروح وتجيء أفواج فيصلون فيه.

فمثل هذا ليس له إمام راتب..

..فلا يكره تكرار الجماعة بمسجد بني على ظهر الطريق ليس له مؤذن راتب ولا إمام معلوم، ويصلي فيه المارة.

-كما ذكرنا الأمثلة في المطار، في محطات القطارات، في داخل الكليات، في طريق المسافرين، فلا يوجد إمام راتب، لكن مسجد مبني وليس له إمام راتب، فهذا طبعا لا مانع من تكرار صلاة الجماعة فيه.

هذه أول القيود.

..القيد الثاني:

أن يكون الإمام والمقتدي مفترضين..

- الإمام والمقتدي كلاهما يصليان الفريضة.

لكن هناك استثناء إن ممكن يكون أحدهما مفترضا والآخر متنفلا.

لكن كلامهم هنا في هذا المذهب في حالة ما يكون الإمام والمأموم ماذا؟ كلاهما يصلي فريضة.

هذا أحد قيود المنع من تكرار الجماعة.

 

..القيد الثالث:

أنه لا كراهة في تكرار الجماعات في مساجد الطرقات التي لا إمام فيها، ولا مؤذن راتبا فيها..

وأنه يجوز في المسجد الذي له إمام راتب، لكن في الصلوات التي تصلى بدون الإمام الراتب..

- لأن أحيانا الإمام الراتب يكون إماما راتبا في صلوات معينة، مثلا: الصلوات الجهرية، أو المغرب والعشاء.

وهذا يحصل إن الإمام، هناك إمام راتب فقط في أوقات معينة، فيكون إماما راتبا جزئيا، وليس في كل الأوقات. في ما عدا ذلك فلا يوجد إمام راتب.

ففي هذه الحالة يمكن أن تكرر الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب خارج الأوقات التي يكون راتبا فيها.

نعم..

..وأخرج بحشل في تاريخ واسط بسنده، قال: رأيت أبا الليث بطراسوس يُعزَّى. قلت: ما شأنه؟ قالوا: فاتته الصلاة في جماعة.

-يعزونه من أجل هذه المصيبة: فاتته الصلاة في الجماعة.

.. والمزني -صاحب الشافعي- كانت إذا فاتته صلاة الجماعة صلى تلك الصلاة خمسا وعشرين مرة.

-وطبعا حزن السلف على فوات صلاة الجماعة، لا شك أنهم كانوا يقصدون الجماعة الأولى، جماعة الإمام الراتب وإلا لما حزنوا..

إذا كان يقدر يعوضها في جماعة ثانية وينال نفس الثواب، فما كان ليفعل ذلك.

..أما المجيزون، فقد استدلوا..

-الذين يجيزون تعدد الجماعة..

..استدلوا بحديث: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة" وفي رواية "بسبع وعشرين درجة".

-طبعا هذا نص عام. قالوا: هذا نص عام سواء كانت الجماعة الأولى أو الجماعة الثانية.

أما الفريق الذي يرى الكراهة، فيقول: إن الثواب المترتب على هذا إنما هو -هذا الفضل- إنما هو للجماعة الأولى مع الإمام الراتب.

 

..استدلوا أيضا بالحديث الذي فيه: "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فصلى معه رجل".

نلاحظ هنا: أن المتصدق هو من صلى فرضه. صلى مع الجماعة الأولى ثم قام يصلي مع من تأخر عن الجماعة الأم. فهو يتصدق على من فاتته الجماعة بثواب ست وعشرين درجة، فما للمتصدق والمتصدق عليه حال قيام الجماعة الثانية؟!

-فهنا المتصدق هو الشخص الذي ماذا؟ متصدق. يحسن إليه، فلن يكون متصدقا إلا إذا كان هو قد صلى مع الجماعة الأولى الفرض الخاص به، ثم صلى نفلا مع هذا الشخص المتأخر عن الصلاة.

هو يتصدق عليه، فهذا في حالة أن واحد صلى الفريضة ويصلي بعد ذلك نافلة.

لكن في حال تكرار الجماعة الثانية: من المتصدق ومن المتصدق عليه؟

فلذلك أجاب الفريق الذي يرى الكراهة، بأن هذه الجماعة، جماعة صورة.

يعني جماعة صورية وليست جماعة حقيقية.

فإن الذي فرغ من صلاته يكون متنفلا.

وهذه الصورة بالذات لم يكرهها أحد من العلماء.

إن واحد مع الجماعة الأولى صلى، ثم يصلي مع الشخص الذي جاء متأخرا.

إنما الكلام في الجماعة الحقيقية.

حيث يكون الإمام والمقتدي يجمعون..

وهم لم يصلوا قبل ذلك..

وهم لم يصلوا قبل ذلك.

لكن الحديث جاء في واحد يتصدق على المتأخر، فلماذا يتصدق عليه؟

لأنه أدرك الجماعة الأولى، فيصلي معه كنوع من الإحسان إليه، ففي هذه الحالة، هذه الجماعة جماعة من ناحية الصورة و ليست جماعة في الحقيقة.

لأن أحدهما مفترض والآخر متنفل.

وهذه الصورة لم يكرهها أحد من العلماء.

بجانب أن الحديث الذي ذكروه: "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فصلى معه رجل".

فهذه الواقعة واضح فيها إذن الإمام الراتب الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نفسه الذي يحرضه.

فنحن دائما نحتاط من الافتآت على الإمام الراتب أو الطعن في الإمام الراتب.

إن هذا يفتح الباب إن الناس الذين يكفرون الإمام أو يفسقونه من الخوارج أو أهل البدع، يتعمدون التأخر، فلما يكون هناك إذن الإمام، فلا شك أنه تزول هنا هذه الكراهة.

لن نكرر عليكم ما ذكرناه الأسبوع الماضي من فتوى العلماء علماء لجنة الفتوى، حينما أقروا بمشروعية تكرار الجماعة.

فهو الإنسان في دراسة الفقه، كلما ازداد اطلاعه، كلما اتسع أفقه، وكلما استطاع أن يعذر المخالف ويتعامل بمرونة مع الخلافات الفقهية.

لكن الذي ينفتح فقط على رأي واحد يكون هناك دائما نوع من التحجر والجمود في تفكيره.

فخلونا يعني في أثناء دراسة الفقه، نحاول نعمل عملية توسيع لمنافذ التفكير في المخ يعني..

الإنسان يفتح المنافذ، أي منطقة مسدودة هكذا يفتحها، كأفرع الشجر هكذا..

لأن دائما تجد التحجر والتعصب مع قلة الفقه، كلما ازداد الإنسان علما كلما اتسع أفقه بحيث يعذر المخالف له في مثل هذه القوا...

فليس من المعقول كلما أتكلم في قضية، تجيء لي عشر ورقات: كيف تقول كذا في الموضوع الفلاني وقد قال من العلماء: كذا وكذا..

نحن لسنا في موضع استيعاب كل شيء..

فيعني إن شاء الله نستفيد هذه الملكة بمرور الوقت بإذن الله تعالى..

لأن هناك بعض المدارس الفقهية من المدارس السلفية المعاصرة يعني يهمل دائما الأقوال المخالفة، يهملها، وبالتالي طالب العلم الذي ينصهر في هذا الشيخ، ليس مستعدا أن يرى أي رأي آخر.

إطلاقا.

ويبادر بالهجوم والاستدراك..

لأنه يضخم صورة شيخه وينفخ فيها حتى يصير شيخه سدا يحول دون أن يرى غيره.

فكأن العالم الإسلامي كله في كل عصوره لم ينجب سوى هذا الشيخ فقط.

فيعني هذا أمر مذموم، ضيق أفق، لأن علماءنا كثر..

ليسوا..

لا تنتمي السلفية إلى عالِم واحد..

حتى ابن تيمية نفسه..

حتى الإمام أحمد..

ليس وحده..

وإنما يمكن أن ننظر في أقوال من يخالفونهم من إخوانهم العلماء.

 

..يقول:..

*المسألة السابعة:

حكم الصلاة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة.

..إذا شرع المؤذن في الإقامة بصلاة الفريضة، فلا يجوز لأحد أن يبتدئ صلاة نافلة، فيتشاغل بنافلة يقيمها وحده عن أداء فريضة تقيمها الجماعة.

وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

"ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي والمؤذن يقيم لصلاة الصبح فقال له: أتصلي الصبح أربعا؟" وهذا أخرجه مسلم.

-إذاً هنا مسالتان:

*المسالة الأولى: إذا شرع المؤذن في الإقامة بصلاة الفريضة، فهل يجوز لأحد أن يبتدئ..

 -انتبهوا لكلمة (يبتدئ) هناك فرق بين واحد يصلي بالفعل، وهذا سنناقشه في المسألة الثانية، وبين واحد يفتتح نافلة والمؤذن يقيم الصلاة.

..فاتفق الفقهاء على منع افتتاح النافلة. في هذه الحالة إذا أقيمت الصلاة، غير الوتر وركعتي الفجر عند سماع الإقامة.

اختلفوا على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه لا يجوز.

-لا يجوز أن يفتتح ما دام المؤذن شرع في الأذان، فلا يجوز للواحد أن يفتتح صلاة النافلة، التي هي نافلة الوتر.

كلامنا هنا في الوتر وركعتى الفجر.

لا يجوز.

..وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، لعموم النهي الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وهذا رواه مسلم

استدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عبد الله بن مالك بن بحينة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا" وفي رواية "..أتصلي الصبح أربعا؟".

والحدث متفق عليه

-طبعا هنا: ".. أتصلي الصبح أربعا؟".

هو لم يكن يصلي الصبح، بل كان يصلي ركعتي الفجر، السنة.

فقال له صلى الله عليه وسلم: "..أتصلي الصبح أربعا؟" أو قال صلى الله عليه وسلم: "..يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا؟".

طبعا "..أتصلي الصبح أربعا؟" هذا استفهام ماذا؟ انكار.

هذا استفهام إنكار.

لأنه إذا صلى ركعتين بعد الإقامة، ثم صلى معهم الفريضة، صار في معنى من صلى الصبح أربعا.

للنظر هنا لماذا؟ أنه بعد الإقامة صلى كم؟ المجموع أربع ركعات.

بعد الإقامة صلى أربع ركعات، والمفروض إن الصلاة التي هي بعد الإقامة تكون ركعتين.

فكأنه..

فمعنى "..أتصلي الصبح أربعا؟" ليس أنه جعل الفريضة أربعا. لا.

 لأنه بعض الإقامة لا صلاة إلا الفريضة، فكون هذا صلى أربعا (اثنين نافلة، ثم التحق بالفريضة اثنتين) فكأنه صلى أربعا.

فهو في معنى من صلاها أربعا، وليس مصليا أربعا في الحقيقة.

لكن هذا نوع من الإنكار عليه وللتنفير من مثل هذا الفعل..

..استدلوا أيضا بأن "رجلا دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة -الفجر- فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا فلان، بأي الصلاتين اعتدت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟" وهذا رواه مسلم.

فقوله: "..يا فلان، بأي الصلاتين اعتدت؟.." هذا إنكار وتبكيت على فعله.

أبصلاتك وحدك؟ أم بصلاتك معنا؟

فقوله: "..أم بصلاتك معنا؟" يدل على أنه  أدرك الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

بعد فراغه من الركعتين.

-ما دام صلى معنا، فقد لحق. صلى ركعتين بسرعة السنة والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي ماذا؟ الركعة الأولى.

فطبعا كان يطيل القراءة في الفجر.

..فهو استطاع أن يخفف الصلاتين بحيث يدرك الصلاة كاملة، ومع ذلك عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم.

فما بالك، بمن تفوته مثلا ركعة من صلاة الفجر لاشتغاله بالنافلة بعد الإقامة؟!

أيضا هذا المسلك:

-إن الإمام سيدخل في صلاة الفريضة أو شرع فيها بالفعل والمأموم يتنفل سواء.. بـ.. مثلا بركعتي الفجر..

..ففيه اختلاف على الأئمة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "فلا تختلفوا عليه".

-نهى عن الاختلاف على الإمام.

بجانب أنه يفوت تكبيرة الإحرام.

وأيضا يفوت بعض مكملات الفريضة.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب على الصلاة بعد الإقامة.

-إذا رأى احد يصلي بعد الإقامة كان يعلوه بماذا؟ بالدِرَّة.

وأيضا إذا نظرنا إلى معنى قول المقيم: حي على الصلاة.. حي على الصلاة.. قد قامت الصلاة..

فهذا يقتضي ألا يتشاغل بغيرها عنها..

هذا دعاء إلى الدخول في الصلاة، فينبغي ألا يتشاغل عن هذه الصلاة.

..يقول: أما إذا شرع المؤذن في الإقامة بعد شروع المتنفل في صلاته..

-هنا مسألة أخرى.

المسألة الأولى كانت في واحد يفتتح صلاة نافلة.. التي هي ماذا؟ قلنا عليها؟ الوتر أو ركعتا الفجر.

يفتتح صلاة نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة.

يفتتح..

ففيها الكلام الذي ذكرناه.

والراجح طبعا كما ذكرنا هو مذهب الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز للأدلة التي ذكرناها..

هناك قول آخر..

..أو القول الثاني:

يجوز أداء ركعتي الفجر فقط.

متى تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة..

-واضح؟

هذه المسألة الأولى لا زالت.. بعد الإقامة استفتتح ركعتي الفجر..

.. فقالوا: يجوز أن يؤدي ركعتي الفجر فقط متى تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة.

فيصليهما خارج المسجد، عند بابه لا داخله

وهذا مذهب الحنفية.

- مادام يقدر أن يصليهم بسرعة، والإمام يطيل في الركعة الأولى فيلحق صلاة الجماعة معهم في الركعة الأولى.

لكن يصليهما أين؟ خارج المسجد عند الباب أو في أي مكان. لكن ليس داخل المسجد وهذا مذهب الحنفية.

والجواب على هذا:

ما الذي يلجئه إلى هذا؟

حرصه على أداء ركعتي الفجر.

طيب ما هو يمكن أن يقضي ركعتي السنة بعد فريضة الصبح أو بعد طلوع الشمس.

..القول الثالث:

إذا ذكر الوتر وقد أقيمت الصلاة.

-يعني نسي أنه لم يصل الوتر، واقيمت صلاة الفجر..

..فإنه يخرج ليصليها خارج المسجد.

وأما ركعتا الفجر فيجوز أداؤها ما لم يدخل المسجد إن لم يخف فوات الركعة الأولى مع الإمام.

فإذا دخل لم يخرج لأدائهما..

وهذا مذهب المالكية..

-لكن واضح جدا أن الراجح هو القول الأول، أنه لا يجوز حتى في ماذا؟ ركعتي الفجر، وركعة الوتر.

..القضية الثانية:

ما حكم قطع النافلة عند سماع الإقامة؟

-يعني شخص كان يصلي وأثناء ما كان يصلي السنة أقيمت الصلاة.

..يقول هنا: أما إذا شرع المؤذن في الإقامة بعد شروع المتنفل في صلاته، فإنه يتمها خفيفة لإدراك فضيلة تكبيرة الإحرام والمبادرة إلى الدخول في الفريضة.

وذهب بعض أهل العلم، إلى أنه: إن كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها. وإن كان في الركعة الثانية فإنه يتمها خفيفة ويلحق بالجماعة.

-إذاً هذه المسألة هي مسألة حكم قطع النافلة عند سماع الإقامة.

..فإذا خشي فوات الجماعة..

-إذا أكمل النافلة ستفوته صلاة الجماعة..

.. فيجب عليه قطع النافلة باتفاق الفقهاء.

أما إذا لم يخش فوات الجماعة..

فهنا أحوال:

أولا: يجب إتمام النافلة بعد الشروع فيها، ويحرم قطعها..

-هناك بعض المذاهب -الحفية وهي رواية عند الحنابلة- قالوا: ما دام دخل في النافلة وشرع فيها فيجب عليه أن يتمها ويحرم عليه أن يقطعها.

طبعا ما تظنونهم استدلوا به؟

بماذا استدلوا؟

{ .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ  } [ محمد/33]

الآية التي في سورة محمد عليه الصلاة والسلام..

طبعا: { .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ  } [ محمد/33]

الجواب: أن هذا في الفرض، لا في النفل.

أما التطوع فإنه يقتضي التخيير.

طيب، ما هو التطوع الذي إذا شرع فيه الإنسان وجب عليه إتمامه؟

-طالب علم:..العمرة...

-الشيخ: نعم، {  وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ.. } [ البقرة/196]

طيب:

..القول الثاني:

يجب إتمام النافلة، ولا يجوز قطعها إلا إذا خاف فوات الركعة الأولى مع الإمام، فحينئذٍ يقطعها ويدخل مع الإمام.

لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وهذا مذهب المالكية، واستدلوا بقوله تعالى: { .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ  } [ محمد/33]

وبأن النوافل تلزم بالشروع فيها.

والجواب: أنه ثبت في السنة "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصبح صائما فأهدي لهم حيس فأكل" فدل على عدم لزوم النوافل بالشروع فيها.

 

المذهب الثالث:

وهو المذهب الراجح في هذه المسألة:

******************************

-طبعا بشرط، قلنا ماذا؟

إذا لم يخش فوات الجماعة.

فالمذهب الراجح هو أنه:

..يجوز إتمام النافلة ويجوز قطعها..

- فيجوز إتمام النافلة، وفي هذا جمع بين فضيلتي النافلة والجماعة، لأنه لن تفوته الجماعة.

ويجوز قطعها لأن التطوع يقتضي التخيير.

وليس الإلزام.

وهذا مذهب..

وطبعا ثواب تكبيرة الإحرام والجماعة أعظم من النافلة.

..هذا مذهب الشافعية والحنابلة، قالوا: إن..

فهو يجوز له أن يتم النافلة ويجوز له ماذا؟

أن يقطعها.

وإن أتم النافلة يخففها، يتمها خفيفة.

وقالوا: إن قوله تعالى: { .. وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ  } [ محمد/33]

هذه الآية عامة، خصصها حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

-أي نعم.

كذلك حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "حينما أصبح صائما فأهدي لهم حيسا فأكل" يدل على جواز قطع النفل.

 

إذا الراجح في هذه المسألة إنه: يجوز إتمام النافلة ويجوز قطعها.

والشرط طبعا أساسا، إذا لم يخش فوات صلاة الجماعة.

 

***الباب الثامن: في الإمامة في الصلاة:

وفيه مسائل:

 

الإمامة: المقصود بها هنا: ارتباط صلاة المؤتم بإمامه.

 

*المسألة الأولى:

من أحق بالإمامة؟

..بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأحق بالإمامة، والأولى بها في قوله: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة. فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِلما".

-يعني دخولا في الإسلام.

..فأولى الناس وأحقهم بالإمامة، يكون على النحو التالي:

أولا: أجودهم قراءة..

وهو الذي يتقن قراءة القرآن ويأتي بها على أكمل وجه.

العالم بفقه الصلاة.

فإذا اجتمع من هو أجود قراءة ومن هو أقل قراءة منه، لكنه أفقه قدم القارئ الأفقه، على الأقرأ غير الفقيه.

فالحاجة إلى الفقه في الصلاة وأحكامها اشد من الحاجة إلى إجادة القراءة.

-فأولهم أجودهم قراءة، العالم بفقه الصلاة، ثم الأفقه الأعلم بالسنة.

..فإذا اجتمع إمامان متساويان في القراءة، لكن أحدهما أفقه وأعلم بالسنة قدم الأفقه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة".

ثم الأقدم والأسبق هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، إذا كانوا في القراءة والعلم بالسنة سواء.

ثم الأقدم إسلاما، إذا كانوا في الهجرة سواء.

ثم الأكبر سنا إذا استويا في الأمور الماضية كلها.

قدم الأكبر سنا.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي: "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما" وفي رواية: "..سنا".

وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "وليؤمكم أكبركم".

-أكبركم.

طبعا هنا يحمل على أن هذه المجموعة كانت ماذا؟

مستوية في الصفات الأربع السابقة.

 

..يقول: فإذا استويا في جميع ما سبق، قُرِِع بينهما، فمن غلب في القرعة قدم.

وصاحب البيت أحق بالإمامة من ضيفه.

-صاحب البيت، إذا كانت جماعة ستقام داخل البيت، ففي هذه الحالة صاحب البيت حتى لو كان أقل علما أو أقل في القراءة فإنه يقدم وهو أحق بالإمامة من ضيفه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في أهله، ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه".

-هذه من الآداب الإسلامية مراعاة مثل هذه الأشياء.

..وكذا السلطان أحق بالإمامة من غيره. وهو الإمام الأعظم لعموم الحديث الماضي قبل قليل.

وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره إلا من السلطان..

-إلا إذا حضر السلطان فهو أولى من الإمام الراتب..

لأنه أعلى منه..

..حتى وإن كان غيره أقرأ منه وأعلم، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا في سلطانه".

 

*المسألة الثانية:

من تحرم إمامته..

.. تحرم الإمامة في الحالات الآتية:

أولا: إمامة المرأة للرجل، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

ولأن الأصل تأخرها في آخر الصفوف صيانة لها وسترا، فلو قدمت للإمامة لأصبح ذلك مخالفا لهذا الأصل الشرعي.

-إذا كانت المرأة لا تؤذن، وإذا نابها شيء في الصلاة، فإنها تصفق، فلا تقول: "سبحان الله" فكيف تؤم الرجال؟

هذا من الإنحراف في فهم الشريعة وتطبيقها وإن رغمت أنوف بعض الحداثيين في أمريكا ممن قدموا امرأة تصلي بهم.

دائما تظهر هذه الأفكار في الناس الذين لا يبالون أصلا بالدين، كما كان يفعل مسيلمة توسان..(الدقيقة 40.00)، الذي اسمه ماذا؟

رشاد خليفة الذي ادعى أنه رسول الله إلى العالم الجديد، إلى أمريكا..

وأنا.. في مسجده في توسان في أريزونا تحت، فكان..

سمعت هناك العجب العجاب يعني..

الصلاة..

الرجال يصلون..

المؤذن: واحدة، امرأة يعني تؤذن للصلاة..

وفي الصف: مساواة مطلقة بين النوعين، المرأة تصلي جانب الرجل بالشورت وهذه الأشياء في داخل الصلاة.

فيصلون مثل هذه الصلاة.

المرأة بجانب الرجل عادي جدا، اختلاط بلا حدود يعني..

 

فأول الحالات التي تحرم فيها الإمامة: تحرم إمامة المرأة بالرجل.

 

ثانيا: إمامة المحدِث ومن عليه نجاسة، وهو يعلم ذلك.

فإن لم يعلم بذلك المأمومون حتى انقضت الصلاة، فصلاتهم صحيحة.

 

ثالثا: إمامة الأمي:

والأمي: هو من لا يحسن قراءة الفاتحة.

-سواء لا يقدر أن يحفظها أو يلحن فيها..

فهذا يسمى الأمي.

فلو واحد معه عشر رسائل دكتوراه، ولا يحسن قراءة الفاتحة فهو في الشريعة اسمه ماذا؟

أمي.

فإمامة الأمي: وهو من لا يحسن الفاتحة، فلا يقرؤها حفظا ولا تلاوة.

أو يدغم فيها من الحروف ما لا يدغم، أو يبدل فيها حرفا بحرف، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى.

فهذا لا تصح إمامته إلا بمثله لعجزه عن ركن الصلاة.

 

رابعا: إمامة الفاسق المبتدع:

لا تصح الصلاة خلفه إذا كان فسقه ظاهرا، ويدعو إلى بدعة مكفرة.

لقوله تعالى: {  أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ  } [ السجدة/18]

 

خامسا: العاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود.

فلا تصح إمامته لمن هو أقدر منه على هذه الأمور.

 

*المسألة الثالثة:

من تكره إمامته؟

تكره إمامة كل من:

أولا: اللحان.

وهو كثير اللحن والخطأ في القراءة.

وهذا في غير الفاتحة.

أما اللحن في الفاتحة بما يحيل المعنى، فلا تصح معه الصلاة. كما مضى.

وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرأهم".

 

ثانيا: من أم قوما وهم له كارهون، أو يكرهه أكثرهم.

-والعبرة بالكراهة الشرعية، يعني يكرهونه لسبب شرعي.

إن فيه بدعة، فيه كذا، فيه كذا، من العيوب التي تنتقد شرعا.

لكن لو إمام سني متمسك بالسنة ولا ينحرف عنها، وهو حسن الصلاة وهم يكرهونه كذا.

كما يقولون:..

يعني لا أريد أن استعمل التعبيرات العامية.

يقولون: لله في لله..

لا يمكن أن تكون لله..

بل بسبب أنه مستقيم وعلى السنة فيكرهونه.

فالكراهة بسبب شرعي، وليست الكراهة التي هي ماذا؟

-طالب علم:..

-الشيخ: ماذا؟

-الطالب:...

-الشيخ: نعم بالتشهي..

لابد أن يكون بالشرع، وليس لأنه دمه كذا..، لا.. يعني ماذا؟

لابد من وجود سبب..

ومع ذلك الأحوط: الإنسان لا يؤم قوما وأكثرهم له كارهون.

الأحوط، حتى لو لم يكن سببا شرعيا.

لهذا الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا، رجل أم قوما وهم له كارهون".

 

ثالثا: من يخف بعض الحروف ولا يفصح، وكذا من يكرر بعض الحروف.

كالفأفأة.

كالفأفاء: الذي يكرر الفاء.

والتمتام: الذي يكرر التاء.

وغيرهما..

وذلك من أجل زيادة الحرف في القراءة.

 

-طبعا، الثأثأة أو يعني هذا الاضطراب يحصل طبعا.

وقابل للعلاج إذا كان ثانويا، يعني هو واحد كان يتكلم جيدا، وبعد ظروف معينة بدأ يتأتأ.

فهنا هذا أكيد سبب نفسي.

لكن من لم يتكلم أصلا من البداية، هذه هي التي ممكن تكون مشكلة حقيقية.

لكن هي تأتي غالبا في صغار السن.

لكن في الغالب، هي وراءها أسباب نفسية ممكن تعالج.

عملية التأتأة

 

*المسألة الرابعة:

موضع الإمام من المأمومين..

السنة تقدم الإمام على المأمومين: فيقفون خلف الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر.

لأنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا قام إلى الصلاة تقدم وقام أصحابه خلفه".

ولمسلم وأبي داود: "أن جابرا وجبارا وقفا أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه".

-صلى الله عليه وآله وسلم

..ولقول أنس رضي الله عنه، لما صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم في البيت: "..ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا".

 

ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذيا له.

-وللأسف يشيع بين الناس، أنه لما يكونا اثنين لابد للمأموم أن يتأخر قليلا.

لا، عندما يكونا اثنين، يقف محاذيا له تماما.

..ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذيا له، لأنه صلى الله عليه وسلم "أدار ابن عباس وجابرا إلى يمينه لما وقفا عن يساره".

ويصح وقوف الإمام وسط المأمومين، لأن "ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود. وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل".

لكن يكون ذلك مقيدا بحال الضرورة، ويكون الأفضل هو الوقوف خلف الإمام.

وتكون النساء خلف صفوف الرجال لحديث أنس رضي الله عنه: "صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا".

 

*المسألة الخامسة:

ما يتحمله الإمام عن المأموم:

يتحمل الإمام عن المأموم القراءة في الصلاة الجهرية.

لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "وإذا قرأ -أي الإمام- فأنصتوا".

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة".

أما في السرية، فإن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم.

-وقد ذكرنا أن الأحوط أن الإنسان يقرأ الفاتحة حتى في الصلاة الجهرية.

اقرأ بها في نفسك، أحوط.

لكن هذا خلاف سائغ، وكما بينا من قبل.

 

*المسألة السادسة:

مسابقة الإمام:

لا يجوز للمأموم مسابقة إمامه، فمن أحرم قبل إمامه لم تنعقد صلاته.

لأن شرفه أن يأتي بها بعد إمامه، وقد فاته.

وعلى المأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه.

لحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا".

فإن وافقه فيها أو في السلام كره، لمخالفته السنة. ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن. وإن سبقه حرم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام".

والنهي يقتضي التحريم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار؟".

فهذا الوعيد بالمسخ إلى حمار يدل على تحريم مسابقة الإمام.

 

*المسألة السابعة:

أحكام متفرقة في الإمامة والجماعة.

ومن الأحكام المتعلقة بالإمامة والجماعة غير ما تقدم..

 

أولا: استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام.

فيقدم في الصف الأول أولي الفضل والعقل والحلم والأناة خلف الإمام وقريبا منه، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

والحكمة في ذلك أن يأخذوا عن الإمام ويفتحوا عليه في القراءة إذا احتاج إلى ذلك، ويستخلف منهم من شاء إذا نابه شيء في الصلاة.

 

ثانيا: الحرص على الصف الأول:

يستحب للمأمومين أن يتقدموا إلى الصف الأول ويحرصوا عليه ويحذروا من التأخر.

لقوله صلى الله عليه وسلم: "تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله".

-فإذا من السنة، من السنة اقتراب الصفوف.

لأن في الحديث: "احضروا الذكر وادنوا من الإمام".

واضح؟

فالدنو من الإمام يقتضي أشياء.

طبعا الصف الأول يكون قريبا من الإمام.

الصف الذي يليه، أحيانا يكون المسجد واسعا فالناس تقول ماذا؟

ربنا موسع علينا، ونحن لماذا نضيق إذاً؟ فيتركون مسافة مضاعفة مع الإمام، بعيدا عنه.

فهذا مخالفة للسنة.

السنة القرب من الإمام. وليس مسألة المكان واسع أم غير واسع.

لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كانوا الصحابة إذا نزلوا واديا تفرقوا مجموعات، فقال لهم: "إن تفرقكم هذا في الشعاب والأودية إنما هو من الشيطان. فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا منزلا اجتمعوا حتى لو بسطت عليهم ملاءة لوسعتهم".

 (لغطتهم جميعا).

فإذاً هذا خارج الصلاة.

فما بالك في الصلاة؟!

فبعض الناس الجهلاء يتركون مسافات كبيرة جدا بين الصفوف، وممكن يجيء ناس بعد ذلك، يزدحم المسجد وتكون فيه الأساطين -الأعمدة- تقطع الصفوف بسبب التهاون في الاقتراب بين الصفوف.

فمن ثم المفروض أن يكون هناك ماذا؟

اقتراب من الإمام، لأن هذه سنة. الاقتراب من الإمام.

كمثل الطواف، في السنة: الاقتراب من الكعبة المشرفة قدر المستطاع.

واضح؟

فكذلك القرب من الإمام من سنن الصلاة.

 

يقول: "لا زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"..

وقال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول -يعني من الثواب- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا".

-يعني القرعة.

إجراء القرعة من شدة التنافس على هذه الأشياء.

..أما النساء فيستحب أن يكن في الصفوف المتأخرة.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".

-لأن في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد حجاب بين النساء والرجال في الصلاة، كن النساء يصلين في أواخر المسجد والرجال يصلون في الأمام.

كنت أريد أن أفصل هذه المسألة لكن بسبب ضيق الوقت..

وهي: حكم الصلاة في الجماعة، إذا كان المؤتم لا يرى الإمام.

فشرط صحة الإئتمام أن ترى الإمام أو ترى من يرى الإمام.

لأن في الحديث هنا ماذا؟

"تقدموا فأتموا بي.." الذين هم يرونه.

"..وليأتم بكم من بعدكم..".

لأن الإئتمام لا يكتفى فيه فقط بالسماع مثلا..

لكن لابد أيضا من ماذا؟

من الرؤية..

ممكن إمام يكون كبيرا في السن، أو عنده مرض، فالحركة تطول مثلا من القيام إلى السجود.

فممكن يقول: الله أكبر. ويأتي ليركع فيأخذ وقتا، فالعبرة بإنه يضع رأسه على الأرض، حينئذٍ المأمومون يشرعون في الاقتداء به.

وإلا لو كان بمجرد الصوت، فممكن أن يقع المأمومون في مسابقة الإمام.

فلابد من السماع، ولابد من ماذا؟

من الرؤية.

ولذلك قالوا في الحكمة من التكبير مع رفع اليدين -في تكبيرة الإحرام- قالوا: لكي يرى من لا يسمع ويسمع من لا يرى.

فلابد من حل المشكلة، مسألة إنه..

ثم تطرأ أشياء في الصلاة، كسجدة التلاوة مثلا..

أو السهو أو شيء من هذا..

فممكن النساء إذا لم تكن هناك طريقة للمتابعة البصرية ممكن ينقطع التيار الكهربائي، فبالتالي يحصل لخبطة أثناء الصلاة. بسبب أن المتابعة ليست بالرؤية.

لا يكتفى بالسماع، لابد من ماذا؟

أن ترى الإمام.

أو ترى من يرى الإمام.

 

أيضا:

..من هذه الأحكام تسوية  الصفوف والتراص فيها وسد الفرج وإتمام الصف الأول فالأول.

..يقول: يستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الفرج قبل الدخول في الصلاة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولقوله: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".

وعن أنس رضي الله عنه قال: "أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري".

وقال أنس رضي الله تعالى عنه: "كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه".

-الحقيقة هنا مسألة نضطر للوقوف أمامها، لأن يعني شاعت أشياء في صلاة الجماعة نتيجة الاقتصار على مسألة واحدة فقط للتلقي داخل السلفيين بالذات

يعني بعض الشيوخ الأفاضل كالعلامة الألباني رحمه الله تعالى، بعض الناس ينصهر تماما في آراء الشيخ الألباني، وليس مستعدا لسماع كلام أي أحد آخر، لا الحافظ بن حجر ولا الإمام الشافعي ولا..

وهذا من الغلو الذي علمنا الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أن نتجنبه وأن نمقته وهو لا يفرح بمثل هذا التعصب يعني.

فالعلامة الألباني كغيره من العلماء يعني قد يُخالَف في بعض المسائل، بالذات المسائل الفقهية.

فبعض الشباب تلقوا الكلام من السلسلة الصحيحة، بالذات حديث أنس هذا، الذي هو حديث: "أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري" فأنس يقول معلقا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بتسوية الصفوف، فيقول ماذا؟

"..فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه" فحصل الحقيقة نوع من الغلو عند بعض الشباب في تطبيق هذه المسألة، والتشدد فيها  اعتمادا على قول أنس وعلى فعل الصحابة في هذه المسألة.

هنا سنتوقف عند مسالة مهمة، نختصر فيها كتاب:

**موضع القدمين من المصلي في الصلاة** للأستاذ أحمد محمد نور سيف.

هو نفس المسألة تعرض لها من قبل العلامة بكر أو زيد رحمه الله تعالى في كتاب سماه: (لا جديد في أحكام الصلاة).

لا جديد في أحكام الصلاة.

يتعرض هنا لمسالة مهمة جدا دفعه إلى بيانها والتفصيل فيها ما يحصل من بعض الشباب، بعض الشباب حتى يطبق هذا الكلام، لابد أن يلصق الكعب بالكعب، والكعب هي العظمان الناتآن في جانبي القدم.

فيكون كل إنسان عنده كم كعب؟

أربعة.

العظمان الناتآن في جانبي كل قدم.

ففي في الجماعة دارسي التشريح بكلية الطب أو كلية التربية الرياضية، في وضع أول شيء يتعلمونه في علم التشريع حاجة اسمها (الوضع التشريحي).

الوضع التشريحي:

الذي هو يفترض الجثة لما تكون ملقاة أو مستلقية على هذا (البنش).

ما هو الوضع الذي تأخذه؟

هو وضع الاسترخاء العادي، حتى أنت إذا نمت جسمك في نوع من الاسترخاء تجد إن القدمين تأخذ وضع هكذا الطبيعي لها 15 درجة.

واضح؟

فهذا هو الوضع العادي الذي تكون العضلات فيه موجودة بصورة طبيعية بدون شد يعني.

واضح؟

فوضع 15 درجة، تكون القدمين في هذه الصورة....

فيجيء الإخوة يريدون أن يطبقوا هذا الكلام، فيبدأ بعمل نوع من المقاومة من العضلات، ويأخذ وضع ماذا؟

حتى يستقبل القبلة بأطراف الأصابع.

فهو يستقبل القبلة هكذا..

ويجيء الذي بجانبه من الناحيتين: رجله هذه بهذا الشكل..

وهذا رجله بهذا الشكل..

فهو يضطر لعمل ماذا حتى يلصق المنكبين؟

هو رجله المفروض هكذا..

فيبدأ أيضا ينحرف عن القبلة بالعكس هكذا من الداخل، حتى يجيء كعبه هنا في الذي على اليمين، والكعب الثاني في الذي على الشمال.

أصبح هو آخذا وضع ماذا؟

عكسي.

أنت المفروض السنة أن تستقبل القبلة.

أليس كذلك؟

لا هو يتشدد ويبدأ يعمل هكذا، حتى يقتدي بالصحابة..

والصحابة ما كانوا يفعلون هكذا.

ثم إن الأسوأ إن الذي بجواره لو كان يبعد عنه قليلا، فيبدأ هو يوسع رجليه حتى يلتصق والثاني الناحية الثانية.

فيكون المنظر منظرا قبيحا في الحقيقة، لا يليق بالصلاة حينما تتسع المسافة بين قدميه بطريقة مبالغ فيها.

لو أنت لقيت من بجانبك كلما اقتربت منه ابتعد.

فخلاص، ليس مشكلة.

أنت كل عقلك سيصبح في رجلك؟ في أثناء الصلاة؟!

كل العقل في الرجل؟!

ثم إنه يشغل نفسه، ويشغل الناس الذين حوله.

الخشوع أهم بكثير جدا من مثل هذا، الخشوع في الصلاة أهم بكثير.

فهو يظل يفتح رجليه، ثم يبدأ يأخذ هذه الزاوية، وبالتالي يحتاج جهد عضلي شديد.

يعني ليس وضعا عاديا يتشنج أثناء الصلاة وفي الركوع..

ثم إنه ليس في كل الصلاة، وإنما هو يهتم بها جدا جدا في الركوع.

واضح؟

طيب.

يعني..

هناك بعض الناس، يقرأون في بعض الكتب كلاما مخالفا للأدلة.

عنده إن من علامات فقه الرجل: أن يترك بينه وبين من بجواره مسافة أربعة أصابع.

يقولها بعض الناس هكذا.

والحقيقة هذا مخالف للأدلة.

المفروض ما تترك مسافة.

ولكن ساعات أيضا يحصل..

فأنت لو لقيت هذا الذي بجانبك يتعبد بأنه يترك مسافة، فتظل أنت توسع المسافة كلما فتحها؟!

لا في هذه الحالة.

أنت إلزم المسافة العادية الطبيعية، وإذا هو يتمادى في الحركة، فلا تظل تتابعه.

خلاص أنت التزم وهو لو عمل مسافة هو المقصر.

لكن لا تصبح شغلتك أن تظل تسد هذه الفجوات.

 

* الأمر الثاني:

إن ساعات الإخوة يكون مهتما جدا بأن يلصق عقبه بعقب الذي بجواره بطريقة، يعني ممكن واحد لو عصابي قليلا، إنسان (نرفوذ) قليلا، فيستفزه.

يشتته تماما في الصلاة.

لدرجة مرة كنت أصلي بجوار واحد، وهو ينزل بحد قدمه ب..(الدقيقة 01.00.05) ثقيلة جدا. يفضل يتحرك، فيشوش علي في الصلاة، فأنا أخفف الوزن قليلا، فأبعد حتى لا يشغلني. فأبعد قليلا، فيأتي ثانية وبقوة يضغط على..

في الآخر يريد أن يتنرفز علي في الصلاة، فوضع رجله فوق القدم، حتى يثبت قدمي.

فهذه صلاة أم لعب؟

هذا لعب أم صلاة؟

فلابد أن يكون هناك فقه، والصلاة أنت غير مطالب أن يكون عقلك في رجلك.

عقلك، الخشوع في القلب.

فالمبالغة والتنطع في مثل هذا، هو الذي يلجؤنا الآن إلى أن نقف وقفة مع أنها ستؤثر على وردنا اليوم، لكن مضطرين نقف حتى نحاول القضاء على هذه الظاهرة التي فيها نوع من التنطع.

أقوى دليل عند هؤلاء الإخوة لما تكلمهم ماذا يقولون لك؟

يا أخي، إن الشيخ الألباني جاء بالحديث، والحديث صحيح، إن الصحابة يقولون حديث أنس: "..حتى إن أحدنا ليلزق كعبه بكعب صاحبه أو قدمه بقدم صاحبه، ومنكبه في منكبه".

سنقول: أقصى..

ما هو أقصى؟...

يعني ما هو وجه الدلالة هنا؟

أي نوع من الادلة هذا؟

ما اسمها؟

حكاية فعل.

هذه حكاية فعل.

الصحابة كانوا يفعلون كذا.

فهذه حكاية فعل.

حتى حكاية الفعل من الرسول عليه الصلاة والسلام لا تعطي دلالة قوية في الناحية الشرعية، لا تدل على الوجوب مثلا، دلالة الفعل.

ما بالك إذاً دلالة فعل الصحابة؟!

ثم، ولذلك قال الحافظ ابن حجر: إن هذا كان من الصحابة مبالغة في امتثال الأمر بالتراص وتسوية الصفوف.

 

.. يقول الدكتور أحمد محمد نور سيف: كثر النقاش في صفة وقوف المصلي في صلاته، وما يطلب منه في تسوية الصف وإقامته.

وشغل الناس ما يصدر عن البعض من تصرفات تصرفهم عن الغرض الأسمى من أداء هذه العبادة، ومن ذلك كيفية وضع المصلي قدميه عند تسوية الصف، وقد كتبت بحوث في هذه القضية مشددة أو رافضة أو موجهة.

-طبعا أقصى ما في هذا الموضوع أنها سنة ماذا؟

لو قلنا عليها سنة.

هذا الفعل بالأقدام هذا.

فيكون سنة ماذا؟

إخبارية؟!

-طالب علم:..

-الشيخ: يا رجل! هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي في صف؟!

أم بمفرده؟

-طلبة العلم:..

-الشيخ: سنة ماذا هذه يا جماعة؟ أقصى حاجة لو قلنا أنها سنة فتكون سنة ماذا؟

-طلبة العلم:...

-الشيخ: واحد يرفع يده.

-طلبة العلم: تقريرية؟ تقريرية.

-الشيخ: تقريرية.

يعني هنا ليست سنة فعلية ولا سنة قولية.

فيكون أقصى ما فيها أن تصل لمستوى سنة تقريرية.

طيب ما هي قوة دلالة السنة التقريرية؟

هل السنة التقريرية في كل الأحوال تدل على حكم واحد أم أنها تتفاوت؟

هذا هو ما يركز عليه في هذا البحث.

..يقول: أحببت أن أوضح منزلة هذه السنة التقريرية من أحكام التكليف، وأن السنة التقريرية ليست على درجة واحدة من الحجية.

فيتكلم على أن الرسول عليه الصلاة والسلام نظرا لأهمية الصلاة أعطى مسألة تسوية الصفوف وهذه الأشياء أهمية كبيرة، فالانسجام والتوافق والترتيب والنظام في المظهر دليل على الاهتمام.

كما أن الفوضى والاضطراب وعدم التوافق والانسجام دليل على انصراف النفس وانشغالها، وعدم إدراكها وإحساسها.

وكما لا يغتفر في أمور الدنيا هذا السلوك من الاضطراب والاختلاف ويعد معيبا ومظهرا من مظاهر عدم الاهتمام واللامبالاة، فإن الشرع خاطب العقول السليمة والفطر الحكيمة بما جبلت عليه من ضرورة ذلك وأهميته.

وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على تحقيق مساواة الصفوف، كان يباشر هذا الأمر بيده الكريمة، فكان يسوي بين الصدور والمناكب، كما في صحيح ابن خزيمة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيمسح على عواتقنا وصدورنا ويقول لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم".

.. حتى إذا عقلوا عنه ذلك المطلب في المحافظة على استقامة الصف وعدم اعوجاجه واضطرابه، ترك.

وبذلك نبههم قولا وأرشدهم فعلا إلى المطلوب. وفهم الصحابة رضوان الله عليهم ما أراد من أن القلب لابد أن يتسق مع القالب، فكان ما طلبه منهم صلى الله عليه وسلم  لتحقيق ذلك أمورا:

أولا: تعديل الصفوف واستقامتها وعدم اعوجاجها.

ثانيا: استواؤها وعدم اضطرابها، بتقدم البعض عن الصف أو تأخر البعض عنه مما يترتب معه عدم استواء المناكب والأقدام.

ثالثا: التقارب بين المصلين في الصف وعدم ترك الفجوات. فيحانى (الدقيقة 01.05.20) بين المناكب ويقارب بين الأقدام لتلافي الثغرات التي يتخذ الشيطان منها أوكارا لإفساد صلاة المصلين والتشويش عليهم وبذر بذور الخلاف بينهم.

-فننتبه إن ممكن إنسان يكون عصبي قليلا، فواحد كل قليل بإصبعه الأصغر بقدمه يطمئن، كل قليل، طوال الصلاة يطمئن هل هناك مسافة أم لا.

فطبعا يشوش على من يصلي بجواره.

واضح؟

يعني ممكن يُترك حتى لو واحد مليمتر فقط حتى لا يشغل من بجانبه.

أما الحرص على إنه باستمرار يرمي بثقله على من بجواره فيشتت صلاته.

ولذلك أنا عرفت واحد من هؤلاء، وأقيمت الصلاة أبتعد عنه، أحرص على ألا أصلي بجواره، أعرف أنه سيشوش علي في صلاتي فأتجنبه.

فالإنسان لا يكون ثقيلا.بهذه الصورة ويشوش على إخوانه خاصة لو واحد موسوس، أو يتنطع في تطبيق هذا الأمر.

الخشوع أهم، لا تجعل عقلك في رجليك.

نعم.

رابعا: عدم التأخر عن الصفوف الأول وترك الفجوات فيها:

واكتفى الشارع بذلك قولا وفعلا وتوجيها.

أما ما فعله بعض الصحابة في ذلك من مبالغة في الاستجابة لأمر الشارع فإن ذلك لا يضر ولو لم يكن أمرا مطلوبا أو مرغبا فيه.

لأن الأصل قد تحقق وما زاد من اجتهاد المكلف في تحقيق الاستجابة، إذا لم يضر بأصل التكليف فإن الشرع في مواطن عدة أقر ذلك الفعل، لأنه اجتهاد زائد عن المطلوب.

-المطلوب تسوية الصفوف، المطلوب التراص، عدم وجود فجوات.

..أما مسألة لصق الأقدام فهذا كان اجتهادا من الصحابة..

-نوع من المبالغة في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

..هذا لا يضر بأصل التكليف، بل يدل على شدة الحرص في الاستجابة.

ولذلك ترجم له البخاري في صحيحه بقول: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.

وأورد في ذلك ما يلي:

وقال: النعمان بن بشير رضي الله عنهما: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه".

وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري. وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه".

اعتمد المستنبط لهذا الحكم من دلالة النص على ما يلي:

أولا: إنه فعل صحابي أقر من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان سنة تقريرية.

ثانيا: إن التقرير فهم من قول أنس: "..وكان أحدنا يلزق منكبه.." بما يشعر بأن هذا حدث بمحضر من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأنه كان في زمانه.

وآكد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري".

فكان يراهم وهم ماذا؟ يلصقون الأقدام بعضها ببعض.

ليرفع الخلاف فيما يضاف إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، واحتمال وقوفه عليه أو عدم وقوفه.

وما يتفرع على ذلك من قاعدة (جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة وعدمه).

ثالثا: إن ذلك داخل في إقامة الصفوف أو تسويتها وهذا من إقامة الصلاة أو تمامها.

هذه الأفعال الواقعة من الصحابة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه على وجه الاجتهاد.

مما يؤصل حكما أو يزيد على النص فعلا أو قولا.

يدخل في باب التقرير وهو نوع من السنن تتفاوت أحواله ويختلف الحكم في اعتباره سنة واجبة أو مندوبة أو مخيرا فيها، أو لا يفيد إلا التقرير المطلق الذي لا يؤسس عليه حكم بألا يفيد حكما يقاس عليه، أو يستعاض عنه بفعل آخر أو يفيد خبرا أو يطابق حالا.

هذه الأفعال -التقريرية- لا تخضع لمقياس واحد وتحتاج إلى تفصيل وتمثيل نورده فيما يلي:

أولا: هل كل تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل صدر من الصحابي يعد سنة؟ يطلب من المكلف الإتيان بها على أي وجه من وجوه التكليف وجوبا أو ندبا أو إباحة؟

يتواف...(الدقيقة 01.09.51) حكم الأفعال المقررة من النبي صلى الله عليه وسلم على ما يصدر من الصحابة وجوبا أو ندبا أو إباحة.

فهناك أفعال أقرت منه صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت بعد ذلك مأخذ الوجوب. ومن ذلك حرمة الملاعنة على الملاعن حرمة مؤبدة.

واستنبط ذلك من قول الصحابي بعد أن لعنها: "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.

-فصارت بعد ذلك سنة.

من التفريق الكامل، بمجرد وقوع التلاعن يفرق بينهما للأبد.

..كذلك رأى الصديق رضي الله تعالى عنه في أحقية القاتل السلب، وأنه أحق به من غيره.

فممن ضمه إليه في المعركة دونه، حين قال صلى الله عليه وسلم بعد نهاية المعركة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه..".

-يعني ما عليه من المتاع ونحو ذلك.

..وقام أبو قتادة يطلب شهادة من شهد قتله لرجل من المشركين ويطالب بسلبه.

وأراد من حاز السلب أن يأخذه ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضيه عنه. فاستنكر الصديق ذلك، وطالب بأن يدفعه إلى صاحبه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال: "صدق".

وكذلك فعل معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه في صلاة المسبوق وأنه يتابع الإمام ثم يقضي ما فاته، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقررا فعله: "قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا".

وبذلك مضت سنة لازمة في كيفية قضاء المسبوق ما فاته من الصلاة.

كذلك اجتهاد علي رضي الله تعالى عنه في أمر النفر الذين وطؤوا امرأة في طهر وتشاكسوا في من هو أحق بالولد؟ فأقرع بينهم وألزم من قرع أن يغرم ثلثي الدية لصاحبيه.

ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أعلم إلا ما قال علي".

قال في عون المعبود: قوله "عليه ثلثا الدية" أي ثلثا القيمة.

والمراد قيمة الأم، فإنها انتقلت إليه من يوم وقع عليها بالقيمة.

وفي بعض الروايات: "فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه".

 

وهناك أفعال أقرت منه صلى الله عليه وسلم وبقيت على وجه الندب.

-يعني كل الأمثلة التي ذكرناها فيها إقرار وأقر على جهة الوجوب.

هناك أفعال أقرت وبقيت على وجه الندب. فهي مطلوبة على وجه الترغيب.

..كحديث بلال حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام. حين سمع دف نعليه بين يديه في الجنة. فأخبر بأنه لم يتطهر في ساعة من ليل أو نهار إلا صلى بذلك الطهر ما كتب له".

قال ابن حجر: ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة. لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا مثال لتقرير على فعل أفاد الاستحسان من النبي صلى الله عليه وسلم. والترغيب فيه.

-لأنه يقول له: "أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام". فذكر إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين.

حديث بلال أيضا: "إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر. فقيل: هو نائم. فقال: الصلاة خير من النوم".

فأقرت في تأذين الفجر. فثبت الأمر على ذلك.

-هذا أيضا من هذه الأمثلة.

..حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في صلاته بالنساء التراويح في داره، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم فعله، قال: "فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا".

حديث صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في قضاء حاجته في غزوة تبوك، وائتمامه..(الدقيقة 01.14.15)  به حين سبق، وقوله حين رأى فزعهم: "أحسنتم" أو قال: "قد أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.

وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في قصة اللديغ والرقية بفاتحة الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم. اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك النبي صلى الله عليه وسلم".

ويحتمل التقرير منه بقوله: "قد أصبتم" بفعل الرقية أو "أصبتم" في التوقف عن التصرف في الجُعل إلى أن استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل ما هو أعم من ذلك. لكن أفاد التقرير مشروعية الفعل.

حديث أبي هريرة في قتل خبيب بن عدي رضي الله تعالى عنه، وقوله حين أرادوا قتله: "دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف إليهم. قال: فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو". وهذا في البخاري.

حديث بري...ة..

-نحن قلنا: استحباب.

..حديث بري...ة الأسلمي عن أبيه قال: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد.. إلى آخره" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى".

فأقر دعاءه صلى الله عليه وسلم وأبان عن عظيم قدره، مما يرغب في الدعاء بهذا الذكر.

 

جاء الترغيب في بعض الأفعال أو الأقوال تصريحا، وفي بعضها ضمنا بالإشارة إلى أهمية الفعل والقول أو عظم ثوابه وأجره وقبوله عند الله.

فمن أفعال التقرير ما يقع فيها التقرير على وجه التخيير.

-يعني لا يفيد التقرير لا الوجوب، ولا يفيد الندب، كالأمثلة التي ذكرناها، وإنما يفيد التخيير.

..إما على وجه الإطلاق بصفة معينة.

أو مع الترجيح.

من الأول: الذي هو يفيد الإطلاق بصفة معينة.

حديث ابن عمر في تقديم أبي بكر للوتر قبل أن ينام. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بالحزم أخذت".

-احتطت. إنه يصلي الوتر قبل أن ينام.

"بالحزم أخذت".

..لكن عمر كان يؤخر الوتر بعد القيام من النوم، فقال له: "فعل القوي أخذت".

فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هنا الفعلين، وأقر مشروعية ذلك، وأن المكلف مخير إذا علم من نفسه القيام من الليل وإلا تعين في حقه التقديم.

حديث علي رضي الله عنه في فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أيضا في مخافتة أبي بكر رضي الله عنه بصوته في القراءة من الليل.

-كان أبو بكر إذا صلى من الليل يخفض صوته.

..أما عمر فكان يجهر بصوته في القراءة.

بين كل منهما العلة في فعله، فقال صلى الله عليه وسلم: "فكله طيب".

فأقرهما على فعلهما مما يفيد التخيير في رفع الصوت أو خفضه في الصلاة في قيام الليل.

 

أما النوع الثاني: وهي الأفعال التي يقع فيها التقرير على وجه التخيير مع الترجيح:

-إن هناك شيء أرجح من شيء.

..منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وما فعله رجلان في سفر. حين حضرت الصلاة وليس معهما ماء.

فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء. فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر.

وحين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للذي لم يعد: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك". وقال للثاني: "لك الأجر مرتين".

ونال الأجر مرتين لاجتهاده قبل أن يعرف الحكم، وللمشقة التي تكبدها بإزاء العبادة مرتين احتياطا للعبادة.

هذا الحكم في حقه خاصة، إذ هو من حيث حصول الأجر قد فاق صاحبه، لكن الحكم فيما يستقبل بعد ذلك في الأفضلية للأول.

-للأول الذي لم يعد الصلاة.

..بل قد لا يؤجر عليه لمخالفته السنة المطلوبة، بعد العلم.

-لأنه صلى الله عليه وسلم قال للأول الذي لم يعد الصلاة: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك".

 

..وهناك أفعال لم يرد ما يشعر بندبها، وإنما دل النص أو السياق على جواز فعلها، فعلا أو تركا لزيادته على نص الشارع.

فلا ترقى إلى درجة السنن التي ندب إليها، ولازم الصحابة فعلها لأمرين:

-مع إنها زيادة على النص الأصلي، لكن الصحابة لازموا على فعلها، لأمرين..

..الأول: الاكتفاء بأصل الطلب وعدم احتياجه إلى تلك الزيادة التي لو فُعِلت لم يضر.

أيضا: فعلت من بعض الصحابة ولم يداوم على فعلها.

ولذلك حملت على المعنى الذي تحتمله وصرف عن مدلول ظاهرها نصوص الشارع الأخرى التي دلت على فقه المسألة وغرض الشارع في أصل الطلب.

من ذلك:

-أشياء لم يرد ما يشعر بندبها لكن النص أو سياق النص يدل على جواز فعلها، أو إن فعلها أو تركها قد يكون سواءا، لأنها زيادة على نص الشارع.

..أمثلة:

التلبية: الزيادة على التلبية.

فكان الصحابة يزيدون أحيانا في التلبية، على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول جابر رضي الله عنهما: "والناس يزيدون: ذا المعارج" ونحوها من الكلام.

لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل، لبيك وسعديك والفضل كله بيديك، والرغباء إليك والعمل.

ونحو هذا من الكلام صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا.

وقال ابن عمر في التلبية: "لبيك لبيك.. لبيك وسعديك، والخير بيديك. والرغباء إليك والعمل".

قال ابن حجر: وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته صلى الله عليه وسلم عليها.

-لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يلبي إلا بالصيغة المعروفة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

طبعا هناك لحن يحصل هنا بالمرة..

ناس تقول لك ماذا؟

إن الحمدَ.

والنعمةَ.

طبعا إذا وقفت يكون هناك سكون.

..(الدقيقة 01.21.16) من اللحن.

الحمدَ.

لا.

إن الحمدَ والنعمة.

وليس: والنعمةَ.

هذا شيء عابر يعني.

 

..يقول الحافظ ابن حجر: (وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل، لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها..).

-فكان يداوم على التلبية الثابتة في السنة.

..(..وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها).

وهو قول الجمهور، وبه صرح أشهل..(الدقيقة 01.21.47)

وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة -كراهة الزيادة- قاله أحد قولي الشافعي، وحكى الترمذي عن الشافعي قال: فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس. وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

قال ابن حجر: وهذا أعدل الوجوه.

 

..فهذا التقرير وإن دل على أصل المشروعية لكنه يفتقر إلى ما يفيد التساوي فضلا عن الأفضلية.

-يعني كونه أقر ابن عمر أو الصحابة على ما زادوه في التلبية فيدل على أصل المشروعية، إنه لا مانع إن واحد يقوله في التبية.

لكن هل هذا يدل على مساواته بتلبية النبي عليه الصلاة والسلام؟ فضلا عن أن يدل على أنه أفضل من تلبية الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

فأقصى ما فيه إن هذا شيء جائز أن يفعل لكنه لا يصل إلى أن يكون مستحبا.

..يقول: وليس كل ما يفعل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال أو ما يصدر من أقوال زائدة على أصل النص مطلوبا على وجه الأفضلية والترغيب، بل غاية ما يدل عليه الجواز.

بل ربما أشعر بعدم الأفضلية.

وفرق بين أن يؤصل حكم على تقرير، وأن يأتي التقرير بأمر زائد على النص.

وسكوت الشارع لا يفيد إلا مجرد الجواز.

فإذا انضافت إلى ذلك دلائل أخرى تدل على غرض الشارع تعين أن الأفضلية ما نص عليه الشارع.

من ذلك:

ما ترجم له الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، قال: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.

فلم يستمر عمله في الصحابة لاستغنائهم بما دلت عليه النصوص من فقه المراد من نصوص الشارع في تسوية الصفوف وإقامتها.

عقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد من:

أولا: اعتدال الصفوف واستقامتها، وذلك بأن يكونوا صفا واحدا لا اضطراب فيه.

ومن ذلك المحاذاة بين المناكب. لتعذر إلصاقها في القيام فضلا عن سائر حركات الصلاة.

-يعني ما هو يا ليت. إلزاق المناكب في الصلاة، شيء ليس سهلا. فضلا عن حركات الصلاة الأخرى في الركوع وفي السجود، فتلتصق المناكب، هل هذا شيء واقعي؟!

هذا شيء متعذر يعني.

..أيضا عقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم التقارب وعدم ترك الفرج، ولذا حذر الشارع منها لألا يتخلل الشيطان صفوف المصلين.

إذا هذا هو الغرض من طلب الشارع أولا وأخيرا كما جاءت الأحاديث الكثيرة في هذا الباب.

-التي هي ماذا؟

اعتدال الصفوف واستقامتها والتقارب وعدم ترك الفرج.

..أما ما زاد على ذلك..

-الأشياء التي زادها الصحابة مبالغة في الامتثال.

..أما ما زاد على ذلك فلا يضر فعله إن كان متيسرا، أما ما كان مستحيلا كإلصاق الركب أو المناكب أو ملازمة ذلك في كل حركات الصلاة، فلا يعدو ذلك أن يكون أمرا مُشغلا لقلب المصلي عما ينبغي أن ينصرف إليه من الخشوع وحضور القلب.

-يعني لو واحد شغلته في الصلاة: الكعب في الكعب في الركوع، في القيام، في الركوع، في الرفع من الركوع، في السجود، في الجلوس للتشهد. هذا شيء يكون صعب جدا. إن لابد أن يتحرى الكتف في الكتف والركبة في الركبة والكعب بالكعب. هذا شيء قطعا يفسد الخشوع في الصلاة. لما واحد يكون كل.. وماذا أيضا؟ ليس من طرف واحد، بل مع من على يمينه، ومن على شماله، هذه شغلة ثانية خالص. غير الصلاة هذه.

..فيقول: أما ما زاد على ذلك..

-الذي هو الأمر المهم. الخلاصة ما هي؟

الخلاصة.

..اعتدال الصفوف واستقامتها والتقارب وعدم ترك الفرج.

أما ما زاد على ذلك فلا يضر فعله إن كان متيسرا.

-إن أردت أن تسير، ولكن شيئا سهلا، بالراحة. بسماحة هكذا.

..أما ما كان مستحيلا، كإلصاق الركب والمناكب أو ملازمة ذلك في كل حركات الصلاة فلا يعدو ذلك أن يكون أمرا مشغلا لقلب المصلي عما ينبغي أن ينصرف إليه من الخشوع وحضور القلب.

لا أن يلاحق من على يمينه ومن على يساره.

-شغلته في الصلاة، يلاحق هذا ويلاحق هذا، يبعد قليلا برجليه، فيأتي برجليه.

يبعد برجليه، يعملهما هكذا، فإذا به يحول رجليه حتى تكون رجله وهو قاعد يصلي هكذا..

حتى يلصق الكعب هنا وهنا..

هل هذا موافق للشرع؟!

أنت انحرفت عن القبلة تماما، لجهة عكسية، وبذلت جهد عضلي ومقاومة للاتجاه الطبيعي للعضلات بحيث أن عقلك لن يكون في الصلاة إطلاقا.

مسابقة..

في مثل هذه الأفعال.

 

..يقول: لا أن يلاحق من على يمينه ومن على يساره ليلتصق به في كل حركاته وسكناته، مما يشاهد من فعل البعض من تصرفات تؤذي المصلين.

ثم لنا أن نسأل عن موقف السلف من فقهاء الأمة في هذه الهيئة في الصلاة.

هل اتفقوا على تركها مع ثبوتها وأرجحية طلبها؟! وأننا أكثر حرصا على السنن والمحافظة عليها منهم؟! ومن القرون الفاضلة التي عقلت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته وتابعيهم من سادات هذه الأمة في الأمصار المختلفة؟!

وقد قلد هذه الحركات الجهال، وارتكبوا من الجهالات ما أفسدت على الناس مقاصد الصلاة.

فبدلا من أن يعدل المصلي الصف في ابتداء الصلاة، ويقرب ممن على يمينه أو ممن على يساره القرب المطلوب يبدأ بتوسيع المسافة بين رجليه، ويمنع التقارب إلا بوضع قدم جاره على قدمه.

فإذا ركع أو سجد بدت الفرج التي حذر منها الشارع.

ومن هذه الجهالات أن يأتي بعض العمال الذين يتعاطون الحرف المخالطة للأتربة والإسمنت وتخشن الأقدام، وإذا انضاف إلى ذلك الأظفار الطويلة لاقى المصلي الأمرين من مناشير الأقدام التي لا تدع للمصلي موضعا لتدبر صلاته.

ومن هذه الجهالات ما يفيضه البعض من مبالغة في توسيع المسافة بين القدمين ورفع مؤخر الأقدام والميل بمقدم الجسم..

- هو يتصنع الخشوع بطريقة، إن مقدمة الجسم تكون لأسفل هكذا. وليست.. كأن الخشوع بمثل هذه الحركات.

..وميل مقدم الجسم ورفع المؤخرة، وقد يضيف البعض حركة اهتزازية.

-يتجلى وهو في الصلاة. فيظل يتحرك يمينا وشمالا.

..مما لا يعرف له نص ولا توقيف.

ويلجأ من يتطلب إلصاق كعبه بكعب من يجاوره، بأن يميل القدم حتى يأتي الإلصاق.

-لأنه لو الاثنين يستقبلان القبلة تكون سهلة، لكن من بجانبه آخذ الوضع التشريحي، الخمس عشرة درجة، هذا هكذا، وهذا هكذا..

فحتى يلصق هو ويكون مستقبل القبلة، فلابد أن يكون عاملا ماذا؟ هكذا..

وطبعا هذه تشتت تماما في الصلاة، لأنها ضد حركة..

تحتاج جهد عضلي من أجل أن يحافظ على هذا الوضع.

هو لا يكون وهو واقف منشغلا بها كثيرا، لكن في الركوع تكون أسهل، فلذلك تجدهم دائما يهتمون بها في الركوع.

بجانب أنه في الركوع تكون في مجال النظر. فلابد أن يعطيها حقها.

 

..يقول: ويلجأ من يتطلب إلصاق كعبه بكعب من يجاوره بأن يميل القدم حتى يأتي الالتصاق، لأن حافة القدم يمتنع معها إلصاق الكعب إلا بهذه الإمالة، ليقف المصلي على حافة قدمه اليمنى ولكي يلصق الركبتين ويبدو وقوف المصلي في هذه الحالة..

-يريد أن يلزق الركبتين والكعبين مع اليمين والشمال، فيبدو في هذه الحالة..

..على هيئة لا علاقة لها بروح الصلاة والخشوع. بل يتعلق بهذه الحركات التي تصرف المصلي عن عبادته.

فإذا انضاف إلى ذلك العجب بالنفس، والتظاهر بالتفرد في هذه الحركات.

-إنه لا أحد يحافظ على السنة غيري أنا.

إنسان متفرد بشيء لا أحد يفهمه، ولا أحد يعرفه.

..لم يبق للإنسان من صلاته إلا الخسران.

ولذا انصرف السلف إلى مقصود الشارع فيما حس عليه.

-لابد أن ننظر إلى المقصود من العبادة ما هو؟

الخشوع. أهم شيء الخشوع، فهذا شيء يتنافى تماما مع الخشوع.

..يقول: ولذا انصرف السلف إلى مقصود الشارع فيما حث عليه مما أشعر بأن تلك الأحوال ما أريد بها إلا تحقيق ما نص الشارع على طلبه.

وعلى فرض حصول تلك الأحوال، فلم تستمر في عهد الصحابة فضلا عن غيرهم.

ولذلك قال ابن حجر رحمه الله..

-وهذه من دقة الحافظ، علق على الخبر الموجود، خبر أنس وغيره.

..ولذلك قال ابن حجر رحمه الله: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله.

-انظر إلى البركة في كلام العلماء الحقيقيين.

بركة.

كلام قليل، لكن لخص لنا كل الكلام الكبير الذي نقوله هذا.

انظر إلى كلمة (المبالغة) خلصت الموضوع.

(المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله).

إشارة إلى أن هذه مبالغة في الامتثال، وليس هذا دليلا على سنيتها ولا على استحبابها ولا على أفضليتها.

لأن هذه سنة تقريرية.

أقصى ما فيها أن تكون سنة تقريرية تدل على ماذا؟

الجواز، أنها لا تضر.

لكن إذا صارت الناس في تطبيقها بحيث أنها تضر.

تضر بالخشوع وتشوش على من بجواره. ومن بيمينه.

فلا داعي لها. وركز في الخشوع.

..يقول ابن حجر: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله.

انتهى.

ولو كانت سننا مرغبا فيها، ما هجرها الصحابة على فرض حصولها، ولما هجرها الراوي نفسه حيث قال أنس:..

-روي عنه، إن صح عنه..

إنه قال ماذا؟

.."ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس".

-ما معناها؟ إنها اندثرت.

..فهل تهجر السنن من الصحابي إذا لم يستسغها الناس؟!

وإذا فرط الصحابة في ذلك معاذ الله، فهل يشنع بعد ذلك على متبعي المذاهب بإهمال السنن والتفريط في المحافظة عليها؟!

الحق أنا السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، لو لم يدركوا أن هذا الفعل الزائد على نص الشارع أمرا جائز، لما هجروا هذا الفعل.

ومنهم الرواي له، كما سبق بيانه.

واتضح برهانه من القضايا المماثلة، وأن ليس كل ما يقرر من فعل الصحابي سننا مطلوبة، وبخاصة ما جاء منها اجتهادا زائدا على النص.

وأن للتقرير أحوال مختلفة، وإلا كان أكل الضب سنة مرغبا فيها لحصولها بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم.

 

هناك أفعال تفيد مطلق التقرير، منها:

ما يقرر دون أن يشرع بعد ذلك.

كحديث أبي بكرة، وركوعه دون الصف وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله وقوله: "زادك الله حرصا، ولا تعد".

فهنا أقره لكنه لا يشرع بعد ذلك.

لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "زادك الله حرصا ولا تعد".

ومثله ما تقدم في إعادة الصحابي صلاته عند وجود الماء بعد أن صلاها بالتيمم، فلا تشرع الإعادة.

وإن قرر النبي صلى الله عليه وسلم فعله، لكن دل قوله للآخر الذي لم يعد.

-ماذا قال له؟

"أصبت السنة".

..بأن فعل الأول مخالف للسنة. واغتفر منه اجتهاده ولو لم يوافق السنة وأثيب عليه.

 

صورة أخرى تفيد مطلق التقرير.

يستعاض عن فعله بصفة أخرى، دون أن تطلب منه الإعادة، كما في قصة عمار بن ياسر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حين أجنبا وهما في سفر، فأما عمر فلم يصلي وأما عمار فتمعك -تمرغ- في الأرض.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يكفيك هذا" وأراه صفة التيمم.

-فيكون هنا..

هو فَعَل فِعل. فشرع له إنه يفعل بصفة أخرى، ولم يطلب منه الإعادة.

فهي درجة من درجات التقرير.

أو يفيد مطابقة الحال، كما في حديث أبي الدرداء فيمن قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. فخرج لينادي بها في الناس. فلقي عمر فقال: ارجع. فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها. فرجع. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: صدق عمر".

-فهنا طابق قول النبي صلى الله عليه وسلم حال الذي فعله عمر.

 

..أومطابقة خبر، كما في حديث محمد بن المنكدر قال: "رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال. قلت: تحلف بالله؟! قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم".

-فهذا نوع من الإقرار: لم ينكر عليه.

..يقول ابن حجر: وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال، ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز.

 

إذاً خلاصة الكلام في هذه المسألة:

إن التقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لما يقع بحضرته أو يقال، ليس على درجة واحدة في إفادة الحكم. وجوبا أو ندبا أو إباحة.

وأن هناك فرقا بين ما يقع تأصيلا لحكم أو زيادة عليه.

مما يستدعي استقراءا ومعرفة لموارد الأدلة وكيفية استنباط الأحكام منها في نطره شاملة لمقاصد الشريعة. والله تعالى أعلم.

 

-أعرف أنا فصلنا، لكن لشيوع هذه المسألة عند كثير جدا من الإخوة وتأثمهم من أن يتخلفوا عن هذا الفعل خشية أن يخالفوا السنة، فأردت أن أنتهز الفرصة لأبين هذه المسألة بالتفصيل.

 

..يقول: ويستحب اتمام الصف الأول فالذي يليه فإذا كان نقص فليكن في آخر الصفوف لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تصافون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف".

 

*رابعا: صلاة المنفرد خلف الصف:

لا تصح صلاة الرجل وحده منفردا خلف الصف.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف".

و"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة".

-طبعا يحمل هذا الحديث على أنه في هذه الحالة، كان هناك سعة في الصف الذي يليه فلم يقف فيه وإنما صلى وحده.

طيب لنفرض أن رجلا أتى فلم يجد مكانا في الصف، وكان الصف مكتملا وليس فيه مكان لإنسان ليصلي فيه.

البعض قال: ينتظر حتى يأتي أحد ويصلي معه.

البعض قال: يسحب واحد من الصف الأول.

فطيب قال بعض العلماء: إن هذا فيه نوع من الظلم أن الرجل أتى مبكرا وأدرك الصف المقدم فكيف يعود معه ويحرم من الصف الأقرب للإمام.

فقالوا: هذا نوع من الظلم.

ومع ذلك إذا كنت لا تأخذ بهذا المذهب وواحد سحبك من الصف "لينوا في أيدي إخوانكم".

ساعده على أن يحصل ما هو شرط في صحة صلاته.

اعذره يعني.

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، له تحقيق جيد في هذه المسألة، ومن اختياراته هنا:

بناءا على أن الواجبات تسقط بالأعذار. فوقوفه في الصف واجب، ولكنه إذا أتى ووجد الصف قد اكتمل فهذا عذر يسقط عنه واجب الوقوف في الصف فيصلي وحده ولا يعيد الصلاة بعد ذلك لأنه معذور. أتى بما يستطيع.

{  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..} [ التغابن/16]

واضح؟

ولا يقول بالمذهب إنه يسحب واحد من الصف.

لكن إن كان هناك سعة في الصف، بحيث يمكنه أن يضم الناس ويدخل فيما بينهم بدون أذية لأحد. فلا بأس.

لكن إن لم يكن هناك فرصة فبطلان صلاة المنفرد تحمل على ماذا؟ إنه وجد سعة في الصف الذي أمامه ولم يصل فيها.

فإذا صلى منفردا يعيد الصلاة.

 

**الباب التاسع: في صلاة أهل الأعذار**

..يقول: أهل الأعذار هم المرضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور.

فقد خفف الشارع عنهم فيصلون حسب استطاعتهم.

قال الله تعالى: {  .. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ..} [ الحج/78]

وقال تعالى: {  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا..} [ البقرة/286]

وقال تعالى: {  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..} [ التغابن/16]

فكلما وجدت المشقة وجد التيسير.

-فيتكلم أولا عن أول أهل الأعذار وهو المريض.

 

..يقول:

كيفية صلاة المريض:

المريض: هو الذي اعتلت صحة بدنه. سواء كان ذلك كليا أو جزئيا.

ويلزم المريض أن يصلي المكتوبة قائما على أي صفة كان. ولو على هيئة الراكع لمن بظهره مرض لا يستطيع أن يمد ظهره، أو مستندا إلى جدار أو عمود أو على عصا.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه.

لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنهما: "صلي قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب".

فإن عجز عن ذلك كله صلى على حسب حاله، لقوله تعالى: {  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..} [ التغابن/16]

 

ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله ثابتا.

حتى لو صلاها بالإيماء لقدرته على ذلك مع النية.

ويومئ المريض المصلي جالسا في الركوع والسجود برأسه إيماءا.

ويجعل السجود أخفض من الركوع. فإذا عجز عن الإماء برأسه أومأ بعينه.

 

ثم يدخل في صلاة المسافر:

..يقول: وتشتمل على مسائل..

أولا:

الصلاة الرباعية:

فيه مسائل:

المسألة الأولى في حكم القصر:

لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية للمسافر ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع.

أما القرآن، فقوله تعالى: {  وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ..} [ النساء/101]

والقصر جائز في السفر في حال الخوف وغيره.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن القصر وقد أمن الناس، قال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته".

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه داوموا عليه.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت أبا بكر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. ثم ذكر عمر وعثمان رضي الله عنهم".

وروى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته".

وأما الإجماع: فالقصر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.

وقد أجمعت عليه الأمة.

وعلى هذا فالمحافظة على هذه السنة والأخذ بهذه الرخصة أولى وأفضل من تركها. بل كره بعض أهل العلم الإتمام في السفر. وذلك لشدة مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على هذه السنة. وأن ذلك كان هديه المستمر الدائم.

-بل قول قوي الحقيقة بوجوب القصر.

 

..المسألة الثانية:

في تحديد الصلاة التي يجوز فيها القصر.

الصلاة التي يجوز فيها القصر هي الصلاة الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء.

ولا تقصر صلاة الصبح ولا المغرب إجماعا.

لفعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.

ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين".

فدل على أن الرباعية هي المقصودة.

 

المسألة الثالثة:

في حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة، ونوعه.

حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ستة عشر فرسخا تقريبا.

وهي أربعة برد.

-طبعا فصاعدا، فهذا الحد الأدنى والأولى ما زاد.

..وبالأميال: ثمانية وأربعون ميلا، وهو ما يقارب ثمانين كيلو مترا.

هو طبعا عندنا الآن يوجد دقة أكثر في تحديد المسافات، فعلى المذهب الذي يحدد مسافة السفر بالمسافة، فالميل يساوي (1848م) ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين مترا طوليا.

-فيكون الثمانية وأربعين ميلا كم؟

تساوي: ثمانية وثمانين كيلو مترا، وسبعمائة وأربعة كيلو متر.

يعني قريبا من تسعة وثمانين كيلو مترا.

فيكون من اسكندرية وحتى أين؟

-طالب علم: طنطا.

-الشيخ: لا، طنطا مائة و..كم؟ لا أكثر بكثير طنطا.

-طلبة العلم:..

-الشيخ: إيتاي البارود قبل طنطا؟ صحيح قبل..

يعني مسافة حوالي ثمانية وثمانين أو تسعة وثمانين كيلو مترا.

هذا المذهب الذي يحددها بالمسافة.

..وهي يومان قصيدا في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام.

وسم النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا.

في الحديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر مسيرة يوما وليلة ليس معها محرم".

وكان ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد.

وهي ستة عشر فرسخا.

 

-الحقيقة هذه المسألة فيها شيء من التفصيل..

الكلام هنا على السفر المبيح للقصر.

الراجح في هذه المسألة: أن السفر المبيح للقصر لا حد له في الشرع.

يعني علقت أحكام كثيرة بالسفر ولم يقطع الشارع بمسافة محددة وإنما جاءت روايات متباينة في التحديد

فمثل هذا يكون مرجعه إلى العرف.

..فالسفر: هو مفارقة الأهل محل الإقامة.

ويكون على وجه يعده الناس سفرا.

-لابد أن يكون في عرف الناس سفرا.

..وهذا اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والموفق بن قدامة وابن القيم.

استدلوا بقول الله تعالى: {  وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ..} [ النساء/101]

فالآية في ظاهرها تدل على إباحة القصر لمن ضرب في الأرض، والشارع لم يحدد مقدار الضرب في الأرض فالأصل البقاء على الإطلاق.

كذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا، لا يفيد تحديدا قاطعا، لأن الروايات ماذا؟

-متفاوتة.

..ثم إن أقوال المحددين مختلفة فيما بينها.

-العلماء أنفسهم مختلفون، ممن يحددون المسافة أقوالهم مختلفة.

..فالمخرج أن يرجع في ذلك إلى الأصل وهو الإطلاق ويرجع في التحديد إلى العرف.

فما سماه الناس سفرا، فهو السفر. ويجوز فيه القصر طال أم قصر.

-وقد ذكرنا كلام العلماء في هذا المعنى.

..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (..وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر. لا بقصر ولا فطر ولا تيمم. ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد. لا زماني ولا مكاني...).

-يعني حتى التحديد بعض الناس حاولوا أن يحددوها بماذا؟

يقولون لك: مسافة تقطع في يوم وليلة -لا أدري- بمشي المعتدل.

طيب المسافة التي تقطع في يوم وليلة بالمشي المعتدل هذه، الآن لو واحد سيركب فيها سيارة سريعة أو طائرة هليكوبتر مثلا، في كم تقطع هذه.

فمن حيث الزمان لا تقطع هذه في أربعة وعشرية ساعة، هذه تقطع في..

يعني المسافة بيننا -بالإسكندرية- وبين القاهرة، لو بالطائرة تأخذ حوالي ثلث ساعة.

بالطائرات المتواضعة هذه.

ثلث ساعة تقريبا.

لكن لو حسبتها بالأقدام، سير الأقدام سيرا بطيئا بدبيب الأقدام وكذا وكذا..

ستأخذ لها مسافة أكيد أطول بكثير، أيام عدة.

فالتحديد بالوضع الزماني هنا أيضا لن يفيد، لأن الأمور الآن اختلفت تماما.

..(..فالأقوال المذكورة في ذلك، التحديد الزماني أو المكاني متعارضة ليس على شيء منها حجة وهي متناقضة ولا يمكن أن يحدد ذلك بحد صحيح.

فإن الأرض لا تزرع بزرع مضبوط في عامة الأسفار وحركة المسافر تختلف. والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع وأن يقيد ما قيده. فيقصر المسافر في الصلاة في كل سفر، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسخ على الخفين.

ومن قصر الأسفار إلى قصير وطويل وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا وجعلها متعلقة بالسفر الطويل، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها.).

انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

..وقال ابن القيم: (..ولم يحدد صلى الله عليه وسلم مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر.

والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر.

وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شيء البتة).

انتهى كلام ابن القيم.

فخلاصة الكلام في هذا المسألة هو إن: السفر الذي يبيح القصر لا حد له في الشرع فيكون مرجعه إلى العرف.

والسفر هو مفارقة الأهل محل الإقامة، على وجه يعده الناس سفر.

-فانتبهوا إلى هذا الضابط:..على وجه يعده الناس -في العرف- سفرا..

يعني هل أنت تذهب إلى أبي قير فتقول: أنا مسافر إلى أبي قير؟!

أو العامرية؟ مسافر إلى العامرية؟! فهي تعتبر الآن من الضواحي يعني.

..فالسفر هو: مفارقة الأهل محل الإقامة على وجه يعده الناس سفرا.

سبب ترجيح هذا القول: قوة أدلة هذا الفريق ودلالتها على محل النزاع.

لكن بعض الناس في وقتنا الحاضر لا يحسن فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ومن ذهب مذهبه، فتجدهم يستدلون به لأمور لا ينتجها كلام شيخ الإسلام ولا يؤدي إليها.

وإنما هذا القول لا يعتبر السفر، إلا ما عده الناس سفرا.

واحتاج إلى الزاد والراحلة ومؤونة السفر.

يقول ابن عربي معلقا على كلام هؤلاء الناس -الذين يسيئون تطبيق هذا الكلام.

يقول رحمه الله: وقد تلاعب قوم بالدين. فقالوا: إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل.

وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب. أو مستخف بالدين، ولولا أن العلماء ذكروه، لما رضيت أن ألمحه بمؤخرة عيني.

ولا أفكر فيه بفضول قلبي.

ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في  القرآن ولا في السنة.

وإنما كان كذلك، لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن.

فنحن نعلم قطعا:  أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة وشرعا.).

انتهى كلام ابن العربي.

كذلك طول الزمن وقصره في السفر غير معتبر حتى عند المحددين للمسافة.

وسواء أكان السير عن طريق البر أو الجو أو البحر.

لأنه قد تقطع المسافة الطويلة بزمن يسير -كما في وقتنا الحاضر- بالطائرات والقطارات السريعة.

وقد يتطور العلم وتقطع المسافات الطويلة بما هو أقصر مما عندنا اليوم، والله أعلم بالصواب.

-إذاً هذا فيما يتعلق بالمسالة الأولى..

حد السفر: يعني مسافة السفر الذي تقصر فيه الصلاة.

الراجح فيها أنه يرجع في ذلك إلى العرف.

 

-الحقيقة، من البحوث الجيدة جدا في هذه المسالة: هذا الكتاب (حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر) للشيخ/ سليمان بن عبد الله الماجد.

أنا طبعا لن نأخذ منه شيئا كثيرا..

لكنه هنا حاول في هذا البحث..

يوجد جزئية معينة هي التي تهمنا جميعا..

يعني قلنا آنفا: إن بعض الناس يسيء فهم كلام شيخ الإسلام ويطبق السفر على أشياء هي ليست من السفر في عرف الناس.

فحاول المؤلف هنا الشيخ/ سليمان الماجد أن يذكر الأسباب العرفية للإقامة.

حاول أن يستنبط الأعراف ترتبط بماذا حتى نقول إن هذا سفر؟

..يقول: إن حقيقة الإقامة هي وجود أسباب التعلق بمكان النزول.

فمتى اكتملت هذه الأسباب أو كثرت أو قويت عد النازل من المقيمين في ذلك المكان.

ومتى عدمت هذه الأسباب كلها أو قلت أو ضعفت وكان قد أحدث سفرا فصاحبها مسافر أو في حكم المسافرين.

يقول:

وهذا عرض لأسباب الإقامة عند أهل العرف:

الأول: نية الإقامة المستقرة، ومدتها.

-واضح؟

ما نيته؟ هل نيته الاستيطان؟ نية الإقامة على التأبيد أو التردد كل يوم في السفر والإقامة.

..أيضا إرادة المدة.

أول أساب الإقامة.

-إرادة المدة هل يحدد المدة التي سيقعدها أم لا.

..أثر المدة في وصف الإقامة العرفي.

أيضا يقول:

لا إقامة مع نية مضطربة.

كذلك حالة الحرب من أعظم أسباب الإضطراب المنافي للإقامة.

نزول المسافر لحاجة ينتظر نجاحها.

من نزل مضطرا لعائق لا يدري متى يزول.

النية المستقرة إذا كانت مدتها قليلة.

 

سبيل العلم بالمدة:

مدة الإقامة ليس حدا مشتركا لجميع الأحوال.

-واضح؟

وناقش الحقيقة كل هذه..

..مسألة صلاحية المكان للإقامة.

هل يصلح للإقامة أم لا.

-تفرق.

إن كان المكان الذي أخذه، يليق بمثله ويستقر فيه.

..المسكن.

-هو سبب من أسباب التعلق بمكان النزول.

..التأهل.

-وهو أن يتزوج يعني، أو يكون له زوجة.

..المتاع والأثاث.

-هل جاء بأثاث أم لا؟

حول عياله من الدارس أم لم يحولهم.

فهذه كلها تؤثر في عرف إن كان هذا أقام أم ليس مقيما.

..الارتباط بمصالح البلد الذي نزله.

-افتتح في هذا المكان محلا تجاريا مثلا.

وسجل الأولاد في المدارس ووظفهم مثلا ونحو ذلك.

فيعني البحث الحقيقة قيم جدا، ولكنه بحث عميق، ونحن لا نريد أن نفصل الآن يعني، وإنما نحن مجرد أن نعمل عصف للأفكار لنصل إلى أن العرف أيضا لابد أن تضع في اعتبارك أن العرف هو الذي يعده الناس سفرا.

واضح؟

لابد من أن يعتبر الناس السفر سفرا، أن هذا ينطبق عليه الحس بأنه سفر.

 

..يقول: وأما نوعه:

نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة.

فهو السفر المباح: كالسفر للتجارة والنزهة.

والسفر الواجب: كالسفر للحج والجهاد.

والسفر المسنون المستحب: كالسفر للزيارة، والسفر للمرة الثانية للحج.

وعلى هذا فالسفر المحرم لا يجوز فيه القصر على رأي كثير من العلماء.

-وهذه المسالة فيها خلاف.

نوع السفر، هل يؤثر في الترفه والاستمتاع بالرخص، أم أن الرخص لا تناط بالمعاصي؟

فهو هنا اعتمد المصنف على هذا المذهب، وهو أن الرخص لا تناط بالمعاصي.

إذا سافر سفرا محرما فليس له أن يقصر.

{..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ..} [ البقرة/173]

فمفهومه أن الباغي أو العادي بسفره فلا إثم عليه...(برجاء مراجعة الجملة الدقيقة 01.57.29)

 

..ذهب إلى أن القصر مشروع في أي سفر. سواء كان سفر طاعة أو مباح أو حتى سفر معصية: أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن حزم. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

-أن يقصر في أي سفر حتى لو سفر معصية.

..لعموم الأدلة وعدم ثبوت دليل على التخصيص بسفر الطاعة أو السفر المباح.

-واضح؟

..وأجابوا عن تفسير قوله تعالى: {..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ..} [ البقرة/173]

{.. غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ..} المقصود طبعا بالباغي هنا طبعا قالوا: إن المقصود بالباغي الذي هو يأخذ ما يزيد على قدر الحاجة الذي هو سد الرمق في أكل الميتة، وليس المقصود مطلق المعصية.

 

المسألة الرابعة:

هل يقصر من نوى الإقامة؟

-وقد ذكرنا آنفا ما هو حد الإقامة في العرف؟

متى يقال على إنسان إنه مقيم أم لا؟

يدخل فيها عدة عوامل وليس عاملا واحدا.

..يقول: من نوى الإقامة يحتاج إلى تفصيل.

وبيان ذلك إنه:

إن نوى الإقامة المطلقة لم يقصر.

لانعدام السبب المبيح للقصر في حقه.

-نوى أنه سيقيم في هذا البلد.

..كذلك إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أو أقام لحاجة وظن أن لا تنقضي إلا بعد الأربعة.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها.

وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج.

فمن أقام أربعة أيام أو أقل مثل إقامته صلى الله عليه وسلم قصر. ومن زاد أتم.

ذكره الإمام أحمد

قال أنس رضي الله تعالى عنه: "أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة".

ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر.

ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام ولا يدري متى تنقضي؟

أو حبس ظلما أو بمطر ولو أقام سنين.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة.

-يعني واحد مثلا، اعتقل ولا يدري ربما يخرج غدا، ربما يومين وربما ثلاثة، وممكن نصف ساعة -كما قالوا يعني- ويكون سنة!

فهو لا يدري قد يخرج وقد لا يخرج.

فهذا يظل يقصر.

ما دام لم ينو الإقامة.

هنا أيضا نتوقف مع مسألة مهمة تتعلق بالمدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة.

..اختلف الفقهاء في هذه المسألة..

فحكى ابن المنذر الإجماع على أن من لم ينو الإقامة، بأن أقام لحاجة ينتظر قضاءها، يقول: اليوم أخرج. غدا أخرج. فإنه يقصر أبدا ولو أقام سنين.

والأئمة الأربعة متفقون على ذلك إلا الشافعي في أحد قوليه، وهو الصحيح عند أصحابه، أنه يجوز له القصر ثمانية عشر يوما أو أربعة عشر يوما ثم يتم.

لكن اختلفوا في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها.

-هنا يوجد إجماع إقامة: أجمع إقامة، ونوى إقامة. لكن الحالة الأولى، ممكن أنه يقوم بعمل أوراق أو إجراءات. تخلص غدا، تخلص بعده، تخلص بعد شهر. فهو لا يعرف متى تنتهي.

فهو لم يجمع إقامة.

لكن الأحوال التي إذا نوى الإنسان الإقامة لمدة معينة، ما حد الإقامة الذي يبيح له القصر؟

..القول الأول: المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر أتم.

وإن نوى أقل من ذلك قصر.

القول الثاني: أن المسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام يتم، وإذا نوى أقل من ذلك يقصر.

القول الثالث: أن المسافر إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما فأكثر فإنه يتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر.

-طبعا يوجد مناقشة في الأدلة، وكلام مفصل لكننا نختصر.

..القول الرابع: أنا المسافر إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما فأكثر فإنه يتم، وإذا نوى أقل من ذلك قصر.

القول الخامس: إن المسافر يقصر أبدا، ما دام في سفر ولو بلغت المدة التي يقصر فيها سنوات.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

 

..خلاصة الكلام في هذه المسألة أن الترخص بالقصر معلق بالسفر.

فمتى كان المسلم مسافرا فإنه يترخص بالقصر وغيره.

ولم يرد في الشرع حد فاصل بين الإقامة والسفر.

بل علقه على وجود حقيقة السفر الذي يسمى سفرا.

فهل من سافر ثم أقام إقامة طويلة يعد مسافرا؟

وربما توفرت كل شروط الإقامة في إقامته.

-مثل من يخرج مثلا إلى بلاد بعيدة للدراسة.

فيقعد سنة سنتين أو مدة طويلة.

يقول الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عثمان الربيش.

في كتابه (السفر الذي يثبت به القصر).

يقول: إذا نظرنا إلى قول من أطلق المدة. فإننا نجد أن أدلته قوية -وهو اختيار شيخ الإسلام- لكن يجب على المسلم أن يحتاط لدينه، والأحوط لمن أقام بعد السفر ونوى الإقامة إلى أن يطبق ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بحجه، فإذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر وترخص. لأن المسلم يجب أن يحتاط لدينه، كما أن هذا المذهب دليله قوي، كما أن فعله ذلك خروج من الخلاف. والخروج من الخلاف مستحب عند بعض العلماء.

-فيعني هذا -والله تعالى أعلم- أقرب الأقوال في هذه المسألة.

الاحتياط أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام يتم. وإلا إن كان دون ذلك فيقصر.

 

المسألة الخامسة:

الحالات التي يجب على المسافر فيها إتمام الصلاة.

أولا: هناك صور وحالات تستثني من جواز القصر في السفر منها:

أولا: إذا ائتم المسافر بمقيم. فيلزمه الإتمام.

-يعني صلى في جماعة، والإمام متم، فلابد أن يوافقه.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به".

ولقول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن الإتمام خلف المقيم: "تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".

 

ثانيا: إذا ائتم بمن يشك فيه: هل هو مسافر أو مقيم؟

فإذا دخل في الصلاة خلف إمام ولا يدري أهو مسافر أو مقيم؟ كأن يكون في المطار ونحوه.

فإنه يلزمه الإتمام. لأن القصر لابد له من نية جازمة.

أما مع التردد فإنه يتم.

 

ثالثا: إذا ذكر صلاة حضر في السفر:

كرجل مسافر وفي أثناء سفره تذكر أنه صلى الظهر في بلده بغير وضوء.

أو تذكر صلاة فائتة في الحضر، هنا يلزمه أن يصليها تامة.

-مع إنه في حالة سفر.

..لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".

-يعني يصليها كما هي.

ولأن هذه الصلاة لزمته تامة.

فيجب عليه قضاؤها تامة.

 

رابعا: إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها، ففسدت وأعادها.

كأن يصلي المسافر خلف مقيم.

-ما دام يصلي خلف مقيم، فيلزمه أن يتم الصلاة.

..فإذا فسدت عليه هذه الصلاة..

-نقض وضوءه أو حصل أي شيء، وفسدت الصلاة.

..ثم أعادها.

لزمه إعادتها تامة. لأنها إعادة لصلاة واجبة الإتمام.

 

خامسا: إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة أو الاستيطان.

إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة في البلد الذي سافر إليه دون أن يقيد ذلك بزمن معين أو عمل..(الدقيقة 02.06.39) معين، وكذلك إذا نوى اتخاذ هذه البلد وطنا له، فإنه يلزمه إتمام الصلاة. لأنه قد انقطع حكم السفر في حقه.

فإذا قيد السفر بزمن معين ينتهي، أو عمل ينقضي، فإنه مسافر يقصر الصلاة.

-وناقشنا التفاصيل يعني آنفا..

 

نكتفي بهذا القدر

وجزاكم الله خيرا..

 

نكتفي بهذا القدر..

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك..

أشهد أن لا إله إلا أنت..

أستغفرك وأتوب إليك..